بعد أيام من العنف المناهض للأميركيين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، يتهيأ البيت الأبيض لمواجهة فترة طويلة من الاضطرابات التي ستشكل اختباراً حقيقياً لأمن البعثات الدبلوماسية الأميركية وقدرة الرئيس أوباما على تشكيل قوى التغيير في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الاضطرابات هدأت قليلاً، لكن كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية خلصوا إلى أن الاحتجاجات العنيفة في البلدان الإسلامية تنذر بفترة من عدم الاستقرار المستمر مع عواقب دبلوماسية وسياسية لا يمكن التنبؤ بها. وبينما تسعى الإدارة الأميركية للضغط على القادة العرب لتخفيف حدة الاضطرابات ينصح مستشارو الرئيس أوباما بضرورة تقليص النشاط الدبلوماسي في المنطقة. لقد أصبحت الاضطرابات التي رافقت بث الفيلم المسيء للإسلام، فجأة، أخطر أزمة في السياسة الخارجية تواجه الرئيس أوباما خلال الموسم الانتخابي. ؛؛؛ صورة الأعلام الأميركية وهي تُنزع من السفارات وتُحرق وتُرفع مكانها الأعلام الإسلامية، يُعدُّ اختباراً قوياً للسياسة الخارجية في موسم الانتخابات ؛؛؛ أسئلة محورية ويرى مجموعة من المحللين أن على أوباما الإجابة على أسئلة محورية حول سياسته في الشرق الأوسط، من قبيل هل فعل ما يكفي خلال الربيع العربي للمساعدة في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية؟ وهل اتخذ نهجاً متشدداً ضد المتطرفين الإسلاميين؟ وهل فشلت إدارته في معالجة المخاوف الأمنية؟ وهذه الأسئلة تأتي في وقت غير مناسب محلياً، حيث يخوض أوباماً حملة الخريف الانتخابية ولديه فارق ضئيل عن منافسه، بحسب استطلاعات الرأي العام، خصوصاً وأن منافسه ميت رومني اتهمه بالتعاطف مع المهاجمين، بعد مقتل السفير الأميركي في ليبيا وثلاثة آخرين. يبدو أن الجانب الأسوأ من الأزمة قد مرّ، على الأقل في الوقت الراهن، حيث استجابت الحكومة المصرية لضغوط الإدارة الأميركية وفرضت إجراءات صارمة ضد المحتجين في القاهرة. أما في ليبيا، فالحكومة اعتقلت المشتبه بهم في أعمال العنف التي أدت إلى مقتل أربعة أميركيين، ودعا قادة السعودية وتونس إلى الهدوء، ولكن تظل صورة الأعلام الأميركية وهي تُنزع من السفارات وتحرق وترفع مكانها الأعلام الإسلامية، اختباراً قوياً للسياسة الخارجية في موسم الانتخابات. وهناك بعض المحللين قارنوا بينها ومشاهد أزمة الرهائن الإيرانية التي خيّمت على الانتخابات الرئاسية كذلك. تأييد الثوار الباحث المختص بالشرق الأوسط، مايكل روبن، في معهد "أميركان إنتربرايز" والمسؤول السابق في إدارة الرئيس بوش، يقول: بعد أن نحج أوباما في قتل أسامة بن لادن والقذافي وليس في تفجير العراق، صار الرجل الناجح، ولكنه الآن يواجه تحديات لا ترغب حملته الانتخابية في أن تراها. ؛؛؛ أوباما جاء إلى البيت الأبيض محمولاً على وعدٍ بإعادة تقييم العلاقة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي بعد الحرب على العراق ؛؛؛ أوباما جاء إلى البيت الأبيض محمولاً على وعد بإعادة تقييم العلاقة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي بعد الحرب على العراق، وألقى كلمة رفيعة المستوى في القاهرة رسم خلالها الخطوط العريضة لعهد جديد من الصداقة والأخوة. ثم جاءت الثورات المتتالية في الشرق الأوسط، ووجد نفسه في نهاية المطاف مؤيداً للثوار الذين أطاحوا بالرئيس المصري حسني مبارك، وأمر بالغارات الجوية التي ساعدت على إسقاط القذافي، لكن إدراته جاهدت من أجل إيجاد توازن بين دعم الديمقراطية وصيانة المصالح الوطنية في المنطقة، حيث تم استبدال الحكومات الاستبدادية في المنطقة بأخرى لأحزاب إسلامية ذات شعبية كبيرة وارتباط أقل بواشنطون. وبات دعم الولاياتالمتحدة للمزيد من الديمقراطية في المنطقة ليس كافياً لوحده لنزع فتيل العنف المناهض للولايات المتحدة، وأصبحت ليبيا الآن نموذجاً لذلك، كما إن الولاياتالمتحدة باتت عاجزة عن وقف القمع الدموي في سوريا. إدانة العنف مسؤولون في الإدارة الأميركية صرحوا بأنهم يدركون تماماً المخاطر التي تحدق بهم، وأنهم يشعرون بالقلق من إمكانية استمرار الاحتجاجات العنيفة لفترة من الوقت، لأنه مع كل احتجاجات جديدة يتم تأجيج مشاعر الغضب والدعوات إلى المزيد من الهجمات ضد السفارات الأميركية في المنطقة. ؛؛؛ رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية: منطقة الشرق الأوسط ستكون مضطربة في المستقبل المنظور، وعلى الولاياتالمتحدة تقديم خيارات صعبة أكبر من نفوذها حالياً ؛؛؛ ويرى رئيس مجلس العلاقات الخارجية في وزارة الخارجية، ريتشارد هاس، والمسؤول السابق في إدارة الرئيس بوش، أن منطقة الشرق الأوسط ستكون مضطربة في المستقبل المنظور، وإن على الولاياتالمتحدة تقديم عدد من الخيارات الصعبة، ولكنه في الوقت نفسه غير متفائل بإمكانية تقديم تلك الخيارات لأن مصالح الولاياتالمتحدة باتت أكبر من نفوذها وتأثيرها في المنطقة. المسؤولون في الإدارة الأميركية مطمئون -على الأقل في الوقت الراهن- على أن الاحتجاجات الشعبية لن تلقي بظلالها على العلاقات الرسمية مع دول المنطقة، لأنهم يرون أن الناس الذين خرجوا إلى الشوراع في مصر والبلدان الإسلامية الأخرى ليسوا من القوى السياسية التي فازت في الانتخابات، بل من الخاسرين للانتخابات، وأن الحكومات الجديدة في المنطقة أدانت العنف. ويقول نائب مستشار الأمن القومي؛ بنيامين رودس: لقد حققنا نجاحات كبيرة في إظهار أن الولاياتالمتحدة ليست في حرب مع الإسلام، ولكن ما زال هناك تحديات مستمرة في أجزاء من العالم العربي وتحتاج إلى وقت طويل. قلق أميركي التحدي المزدوج يتمثل في التعامل مع الأزمة في الخارج والداخل، حيث تتداخل الأحداث بطريقة معقدة وغير مريحة، فبعد ساعات من الحداد في حديقة الورود عن الضحايا الأميركيين من الهجوم الليبي، طار أوباما إلى لاس فيغاس لمتابعة حملته، وبعد استقبال التوابيت الملفوفة بالعلم في قاعدة "أندروز" طار إلى مقر اجتماعات حملته الديمقراطية، ومن ثم إلى أمسية لجمع التبرعات. ؛؛؛ المسؤولون في البيت الأبيض منذ قتل الدبلوماسي الأميركي في بنغازي، يسعون لوضع قائمة بالتوقعات والخيارات للتطورات القادمة والتفكير في الرد عليها ؛؛؛ في خطابه الأسبوعي يوم السبت، أشار أوباما إلى القلق الأميركي بشأن الاضطرابات: "أنا أعلم أن الصور على أجهزة التلفزيون لدينا مثيرة للقلق"، وقال: "ولكن دعونا ألا ننسى أبداً أن بين كل الجماهير الغاضبة، هناك الملايين الذين يتوقون للحرية والكرامة". وخلال اجتماعات ماراثونية في البيت الأبيض منذ قتل الدبلوماسي الأميركي في بنغازي، يسعى المسؤولون لوضع قائمة بالتوقعات والخيارات للتطورات القادمة والتفكير في الرد عليها، ولكنهم فوجئوا عندما تم نهب مدرسة تديرها أميركية في تونس، ذلك البلد الذي يمر بمرحلة انتقالية ناجحة. ومع إرسال المزيد من جنود مشاة البحرية إلى البعثات الدبلوماسية، واثنين من المدمرات البحرية، اتصل الرئيس أوباما بأصدقائه في المنطقة مثل رئيس الوزراء التركي؛ رجب طيب أردوغان، يطالب مساعدو الرئيس أوباما من موقع "يوتيوب" مراجعة قرار نشر الفيلم المسيء للإسلام. معسكر الجمهوريين وعلى نطاق أوسع، يواجه فريق إدارة أوباما طبيعة الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، ومع السفارات المحصنة بالفعل بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، على المسؤولين تحديد ما إذا كانوا بحاجة إلى المزيد من الإجراءات الأمنية أو بحاجة إلى تقليص النشاط الدبلوماسي في بعض العناصر مثل المساعدة والبرامج الدبلوماسية العامة التي تجعل الأميركيين أكثر عرضة، على الرغم من أنه لا توجد خطط في الوقت الراهن للقيام بذلك. وقالت وزارة الخارجية إنها ستقوم بإجلاء جميع أفراد وعائلات العاملين غير الأساسيين من السفارات الأميركية في تونس والخرطوم. ويصبح التدخل الأميركي في هذه البلدان مرة أخرى تحدياً للقدرة على بناء الجسور الثقافية التي من الناحية النظرية تقلل من هذا النوع من العداء الذي يتمظهر الآن على الشاشات. ؛؛؛ التدخل الأميركي في تونس والخرطوم مرة أخرى يعتبر تحدّياً للقدرة على بناء الجسور الثقافية التي تقلل من العداء الذي يتمظهر الآن على الشاشات ؛؛؛ ويرى مسؤولون أن خيار التداخل التجاري لا يزال متاحاً على الرغم من أن المساعدات الخارجية تصطدم بالبيئة المالية الجامدة وصعوبة الحصول على قرار من الكونغرس لإرسالها. داخلياً، لا تزال التحديات السياسية شاقة وعصيبة بالنسبة لمعسكر الجمهوريين، حيث المعركة على السياسة الخارجية. ويرى محللون أن الاحتجاجات الراهنة توفر فرصة جديدة للمرشح رومني الذي سبق أن وصف نهج أوباما في التعاطي مع أحداث الربيع العربي بالسذاجة وكثرة الاعتذار، وصوَّب له انتقادات في السياسات الخارجية، واعتبر أن حملته لم تؤكِّد تأييدها لإسرائيل. غرور أوباما ويتعرّض أوباما لانتقادات تتعلق بالتعامل مع الملف الأمني، حيث اتهمه نائب الرئيس السابق؛ ديك تشيني، بأنه لا يولي اهتماماً كبيراً للإحاطة بالتطورات من قبل المخابرات، حيث يكتفي بمطالعة التقرير اليومي الذي يصل مكتبه في البيت الأبيض دون أن يجلس إلى المسؤولين في المخابرات للاطلاع شفوياً، وهو ما أشار إليه كذلك مارك تسين كاتب خُطب الرئيس السابق جورج بوش الذي كتب في صحيفة "واشنطون بوست" يقول إن غرور الرئيس أوباما لا يحتاج إلى عقد اجتماعات منتظمة مع مسؤولي المخابرات وهو أمر مذهل بحسب تعبير مارك تيسين. ولكن السكرتير الصحفي بالبيت الأبيض، جاي كارني، ينفي ذلك ويقول إن الرئيس أوباما يعقد الكثير من الجلسات الإعلامية ويجتمع مع مستشاري الأمن مراراً وتكراراً. ؛؛؛ الدعم الأميركي للأنظمة العربية المستبدة سابقاً يعقِّد على أوباما الوضع اليوم، فهو في وضع صعب للغاية لإعادة وضع الولاياتالمتحدة في الجانب الصحيح من التاريخ ؛؛؛ أما بالنسبة للنقاش الأوسع حول المسألة، فالمدافعون عن أسلوب الرئيس أوباما يقولون إن الإرث الطويل من الدعم الأميركي للأنظمة العربية المستبدة هو الذي يعقِّد الوضع اليوم وأن أوباما مهما بذل من قصارى جهده فهو في وضع صعب للغاية لإعادة وضع الولاياتالمتحدة في الجانب الصحيح من التاريخ. ويقول السفير الأميركي لدى إسرائيل، مارتن أنديك، في إدارة الرئيس كلينتون، لدينا 40 عاماً من الدعم الجيد لأنظمة في المنطقة العربية أطاح بها الشارع. *المقال نشر بصحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 15 سبتمبر 2012