طالب الباحث الأكاديمي الدكتور عبدالله حمدنا الباحثين والمهتمين بالدراسات الفكرية والثقافية بعدم التعامل باستخفاف مع أغاني البنات أو رفضها أو تجريمها. وأنحى حمدنا الله على بعض المتزمتين الذين وسمهم بأنهم يرفضون أغاني البنات جهراً ويستمعون لها سراً، على حسب وصفه. وتناول حمدنا في ندوة نظمها اتحاد الكتاب السودانيين مساء السبت الماضى بعنوان: (أغاني البنات كمصدر للتاريخ الاجتماعي)، مسيرة هذه الأغنية خلال القرن. وقال حمدنا الله إن أغنية البنات ظاهرة إجتماعية وفنية يجب النظر إليها وتأملها بالاقتراب منها لا بالابتعاد عنها، بصورة علمية ومحايدة لأنها تكشف بوضوح التطور والنقلات الإيجابية والسالبة التي شهدها المجتمع. وأوضح أن أغاني البنات جزء من أغنية المرأة التي تشمل أغاني الهدهدة، السباتة، الأفراح، المناحات، المطر، بجانب أشكال أخرى مختلفة. أشواق ودوافع " الباحث عبد الله حمدنا الله يرى أن سقف الطموحات في أغاني بنات المدن يرتفع إلى مراقٍ عالية، بينما ينخفض في أغنيات بنات الريف " وفصَّل حمدنا الله في المحاضرة بقوله أن هذه الأغنيات بصورة عامة تشمل أغاني البنات في المدن والأرياف، مع الأخذ في الاعتبار الفوارق بينهما في الأشواق والدوافع وحرية التعبير، حيث إن سقف الطموحات في أغاني بنات المدن يرتفع إلى مراقٍ عالية، بينما ينخفض في أغنيات بنات الريف. وهاجم حمدنا الله بعض المتعاملين مع أغنية البنات، حيث أشار إلى أنهم لا يخرجون من سياقين: إما التعامل معها باستخفاف شديد أو رفضها وتجريمها وذلك من خلال رفضها جهراً والاستماع لها سراً. وأكد أن بعض وجهات النظر القاصرة تشير إلى أن أغاني البنات هي أغاني المدن بينما تتجاهل هذه النظرة أغاني البنات في الأرياف والمدن. غناء أشباه الرجال وكشف الباحث في محاضرته عن ثلاثة أقسام، تنضوي تحتها المؤديات لأغنيات البنات وهي أغاني النساء كظاهرة اجتماعية وضرب مثالاً بظهور البلابل في سبعينات القرن الماضي، والنساء في قاع المجتمع وهؤلاء بحسب البعض يُصنفن كعديمات أخلاق أو قيم بنظرة سالبة تجاههن. والفئة الثالثة أشباه الرجال الذين يؤدون تلك الأغاني. وقال حمدنا الله إن أصل الأغاني في السودان أغاني نساء وضرب مثلاً بأغنيات (الحكامات) في غرب السودان، وأكد أن الرجال آنذاك لم يكونوا يغنون وكانوا يكتفون بكتابة الشعر والدوبيت. في سياقٍ متصل، أوضح الباحث أن التعامل مع ظاهرة غناء البنات يخص عالم الدين والاجتماع والناقد الفني، كلُ حسب تخصصه، دون تشكيل نظرة أو إبداء وجهة نظرٍ مسبقة. وقال إنها ظاهرة مجتمعية ترتبط بمختلف الظواهر الأخرى في المجتمع. وفي سياق حديثه أبرز الباحث مفارقات عدة، منها أن البنت، سواء في الريف أو المدن، عندما تغني كانت تطلب الرجل، ولاحقاً وفي المدينة أصبح الرجل يغني للبنات! الغناء لأصحاب المهن ويفسر حمدنا هذه المفارقة بأن ذلك يعود إلى أن البنت في السابق كانت موجودة بالقرب من الرجل في الزراعة والرعي وجلب السقاية، وقد حدث تباعد في ما بعد بينهما. وأبرز مفارقة أخرى أن البنات في المدينة لا يتغنين بفروسية الرجل كما كان في السابق في ركوبه للخيل والإبل ومقارعة الثيران باعتبار أن هذا أمر فرضته الحياة المدنية. ويتتبع حمدنا المثال (النموذج) الذي تتغنى له البنت في أغانيها خلال المائة عام المنصرمة، حيث يرى أن يحوم حول شخصية التاجر لما يمتلك من مال وثراء. أما في حقبة العشرينات فقد كان النموذج هو الموظف. وأورد الباحث ملاحظة مهمة تشير إلى أن أغنيات البنات تُغنى في بيوت الأثرياء رغم أنها تخاطب أشواق وأماني وأحلام وطموحات بنات الفقراء. ثروة وسلطة " المحاضر حمدنا االله يقول أن الثروة والسلطة يتحكمان في شكل النموذج لأنه حين سطع ولمع نجم واسم المهربين والعساكر ظهرت كثير وعديد من الأغاني تمجدهم وتتغنى بهم "وقال حمدنا االله إن الثروة والسلطة يتحكمان في شكل النموذج لأنه حين سطع ولمع نجم واسم المهربين والعساكر ظهرت كثير وعديد من الأغاني تمجدهم وتتغنى بهم. ويكشف الباحث في ختام محاضرته أن دوافع البنت في التغني بما يسمى بأغنية البنات والتي أجملها فى مفردة واحدة: الحرمان. وأورد عدداً من الحرمانات التي قد تكون وراء نشوء الظاهرة واستمرارها حتى اليوم، منها الحرمان الناتج من الإحساس بفقدان الحرية القومية، الحرمان الناتج من الإحساس بفقدان الحرية الشخصية، والحرمان الناتج من الإحساس والشعور بامتلاك الثروة لفئة محددة وبصورة غير مألوفة. وطالب حمدنا بوجوب التعامل مع ظاهرة غناء البنات بصورة علمية تربط الأسباب بالمسببات.