الحب، الوطن، التاريخ سعت أحلام مستغانمي مزجها جميعاً في رواية واحدة، وفي لغة أدبية باذخة وبمفردة شاعرية، ومقاطع موسيقية جاءت روايتها (الأسود يليق بك)، منذ بداية الرواية استعرضت الكاتبة معرفتها بالحب والرومانسية والجمال. غموض جميل خلال الرواية تمكنت الروائية الجزائرية في تحقيق عدة نجاحات أولها الفكرة البسيطة في مظهرها والتي لا تلبث أن تصبح ثرة بتفاصيلها الواقعية الدقيقة، والتي تنجح أيضاً في عرضها بأسلوب شيق وشاعري كما أسلفنا.. والرواية منذ بدايتها وحتى آخر نقطة فيها تتوشَّح غموضاً جميلاً يجعل التشويق جزءاً أصيلاً من كلِّ حرفٍ فيها. المغنية "هالة الوافي" بطلة الرواية تدور جميع الأحداث حولها، تنتقل من كونها مدرسة عادية إلى مغنية مشهورة.. في بلد صار كل شيء فيه محرّم على النساء وتمكن منه الهوس الديني والإرهاب. وكما قالت هي نفسها: "كان زمناً من الأفضل فيه أن تكون قاتلاً من أن تكون عاشقاً"، فكيف وهالة تغني للعشق؟ حولت الغناء إلى سلاح شَهَرته في وجه الإرهابيين والمهووسين دينياً بعد أن قتلوا أباها الذي ورثت عنه حب الغناء وعود لن تعزف عليه أبداً. حُنجرة تتفجرُّ غناءً ثم قتل الإرهابيون أخاها الوحيد علاء بطريقة درامتيكية، قررت أن تتفجر حنجرتها غناءً ليس للحب وحده، ولكن للحب والوطن والتاريخ والإنسانية مرتدية حلة سوداء لا تبدلها أبداً حتى لا تنسيها الأيام حزنها وقضيتها... بيد أن الأحداث تأخذ هالة إلى عالم لم تكن لتتخيله يوماً أو تحلم به. ؛؛؛ الروائية الجزائرية تمكنت في تحقيق عدة نجاحات أولها الفكرة البسيطة في مظهرها والتي لا تلبث أن تصبح ثرة بتفاصيلها الواقعية الدقيقة ؛؛؛عندما شاهد رجل الأعمال الثري "طلال هاشم" حواراً لها على إحدى القنوات التلفزيونية، ليبدأ معها قصة حب على طريقته يقحمها في عالم مليء بالدهشة، يجعلها تتعلق به على مهل. يتحكم في كل حركاتها حتى وإن كان بينهما بحور وجبال وصحارى وقارات، أخذ يطاردها أينما ذهبت بباقات ورد التوليب البنفسجية عليها بطاقة لا تفصح عن من هو؟ ومن أين أتت الباقة كتب عليها ثلاث كلمات "الأسود يليق بك" لتتحول في ما بعد إلى كلمة السر. شخصيات من الماضي شخصيات الرواية كانت محدودة وغير معقدة، الشيء الذي يسهم في متابعة الأحداث بسهولة، خلاف هالة ورجل الأعمال طلال، كانت هنالك أم هالة المرأة الجزائرية التي كوتها الأحداث بفقد جميع رجالها زوجها وابنها وبيد واحدة وإن تعددت الأسباب. ونجلاء بنت خالة هالة وصديقتها ومستودع أسرارها ومستشارتها العاطفية كما تسميها في بعض المرات. اللافت أن نصف شخصيات الرواية كانت تستدعيهم هالة من الماضي: والدها المغني وأخوها علاء وجدها زعيم قبيلة الأوراس ومصطفى حبيبها أيام كانت معلمة، كل واحد آثر الغياب، ليبقى جزء من الأحداث والذكريات. أحلام مستغانمي كاتبة تعشق التجديد والخروج عن المألوف، ويتبدا ولعها بالجديد من الصفحة الأولى للرواية فها هي تكتب إهداءً مبتكراً في مدخل الرواية. فى الإهداء الخلاّق تكتب أحلام: سألتها: - والآن... أتندمين على عشقِ التهم تلابيب شبابك؟ ردَت بمزاج غائب: - كانت سعادة فائقة الاشتعال، لا يمكن إطالة عمرها، كلّ ما استطعته إيقاد مزيد من النار... لأطيل عمر الرماد من بعده. من أجل صديقتي الجميلة، التي تعيش على الغبار الذهبيَ لسعادة غابرة، وترى في الألم كرامة تجمَل العذاب، نثرتُ كل هذه النوتات الموسيقية في كتاب...علَّني أعلَمها الرقص على الرماد. من يرقص ينفض عنه غبار الذاكرة. كفى مكابرة... قومي للرقص) أسلوب شائق متجدد وهكذا مضت بقية الرواية في رومانسية فائقة، وعشق بأسلوب غير مسبوق، ثم قسمتها إلى أربع حركات ربما من باب التجديد أيضاً، فبدلاً عن فصول تبدأ من الحركة الأولى ثم الثانية وحتى الرابعة دونما أن تجد سبباً أو أثراً لتسمية فصول الرواية حركات. ؛؛؛ شخصيات الرواية كانت تستدعيهم الشخصية الرئيسية من الماضي وكل واحد آثر الغياب، ليبقى جزء من الأحداث والذكريات ؛؛؛ وبالتأكيد لمزيد من الرومانسية قدمت لكل حركة وفصل بعبارات رومانسية بعضها اقتبستها من فلاسفة وكتاب والبعض الآخر يبدو من أفكارها عند بداية الحركة الأولى كتبت "الإعجاب هو التوأم الوسيم للحب". وفي الحركة الثانية "من أي النجوم أتينا لنلتقي أخيراً؟" وهي مقتبسة من (نيتشة) حسبما أوردت، وكتبت في الحركة الثالثة "الحب هو عدم حصول المرء فوراً على ما يشتهيه". وهذه (لألفرد كابوس) وعند الحركة الرابعة والأخيرة اقتبست من مارسيل بروست "لم أنلها مرة بكاملها، كانت تشبه الحياة"، وبين فقرة وفقرة كتبت مثل هذه العبارات ومن بينها مقولة للإمام علي ابن أبي طالب قال فيها "أحبب من شئت فإنك مفارقه" ومن أفكارها "حين تخجل المرأة تفوح عطراً جميلاً لا يخطئه أنف رجل". حضور التاريخ الباذخ الجزائر وتاريخها السياسي كانت جزءاً أساسي من كل تفاصيل الرواية، كما هي العادة في رويات مستغانمي، هالة الوافي بطلة الرواية دائما ما تستحضر جدها أحد زعماء قبيلة (المراونة) الذين يعيشون في مناطق الأوراس يحيون حياة بائسة ويمجدون الحزن أكثر من الفرح... إلا أنهم يحتفظون بطباعهم العربية ومن كثرة جود جدها تغضب عليه زوجته بعد أن جاد على ضيوفه بكل ما لديه ويقول لزوجته "يا مرا... الكرم يغطي العيوب... يمكن شافوا منَا شي ما شفناهاش... خلينا نستر حالنا بالجود". جدها كان مدخلها لتاريخ الجزائر السياسي ثم حادثة موت أبيها على يد الإرهابيين، وتجنيدهم لأخيها الطبيب علاء ثم اغتياله في ما بعد، كانت تصف زمن أحداث الرواية بزمن الهوس الديني في بلاد الجزائر وطفق المتطرفون يزبحون الأبرياء في بيوتهم. عشق لا يأبه بالأمكنة الشيق أن أحداث الرواية جرت في مناطق وعواصم مختلفة، في الجزائر وفي الشام وتحديداً في دمشق وفي القاهرة وباريس وجنيف وعدد من العواصم الأوروبية، بعضها مدبر من رجل الأعمال الثري طلال هشام وبعضها فرضتها جذور البطلة وأماكن إقامتها وحفلاتها. ولا شك أن سحر المكان الذي تم اختياره بعناية كان يتسق مع الرومانسية التي أرادتها الكاتبة... وأوحى كذلك بأن العشق لا يأبه بالأمكنة ولا الحواجز وإنما يكون حيثما كان العشاق. ؛؛؛ الرواية تتسم برومانسية فائقة، وعشق بأسلوب غير مسبوق، تم تقسيمها إلى أربع حركات ربما من باب التجديد، فبدلاً عن الفصول تبدأ باسلوب الحركات ؛؛؛المدهش والجميل أن أحلام في روايتها (الأسود يليق بك) وعلى غير العادة مجّدت لحظة الفراق أكثر من لحظة اللقيا والصد أكثر من الإقبال... ففي نهاية الرواية يتحول كل شيء لانتصار لا يعد هنالك مهزوم حتى من فارقهم أحبابهم... وكذلك بدت أحلام خبيرة في شؤون العشق والحب... آلامه ومباهجه، أحزانه وأفراحه، سعادته وشقاؤه خبرات قابلة للتوظيف وظّفت الكاتبة خبرتها لصالح أبطال الرواية وخاصة طلال الذي كان يدير حواراً راقياً وعالي المستوى مع عشيقته هالة وتقول مرات "يذكر طلتها تلك، في جمالها الباكر كانت تكمن فتنتها، لم تكن تشبه أحداً في زمن ما عادت فيه النجوم تتكون في السماء بل في عيادات التجميل... ؛؛؛ الجزائر بتاريخها السياسي الكبير كانت جزءاً أساسي من كل تفاصيل الرواية، كما هي العادة في رويات مستغانمي، هالة الوافي بطلة الرواية دائما ما تستحضر جدها ؛؛؛ لم تكن نجمة، كانت كائناً ضوئياً، ليست في حاجة إلى التبرج كي تكون أنثى يكفي أن تتكَلم" أو "امرأة تضعك بين خيارين أن تكون بستانياً أو سارق ورد، لا تدري أترعاها كنبتة نادرة، أم تسطو على جمالها قبل أن يسبقك إليه غيرك؟" وهاهي هالة تسأل حبيبها "أراك تملك كل أسباب السعادة... ولا أرى سبباً لتذمرك؟". ضحكت زجاجة النبيذ الفارغة وقال الرجل الثمل: السعادة ليست في ما تملك... لكن الشقاء في ما لا تملك"، وهكذا مضت الرواية في لغة موسيقية ورومانسية لتختمها بنصائح خبير في العشق وتقول على لسان هالة الوافي: "أرقص كما لو أن لا أحد يراك غنّ كما لو أن لا أحد يسمعك أحب كما لو أن لا أحد سبق أن جرحك".