في روايته الخامسة الصادرة عن منشورات مومنت بالمملكة المتحدة في لندن، وبطبعتين ورقتين ورقمية يعمل الروائي السوداني عماد البليك، على ابتداع سرد آخاذ بلغة تشبه حياكة السجاد بدقة وتأن كما سبق أن شبه الكاتب والشاعر الفلسطيني غازي الذيبة كتابات البليك عندما أصدر أول عملين أعماله "الأنهار العكرة" و"دنيا عدي" في عام 2003 دفعة واحدة. الرواية التي تقع في 152 صفحة من القطع الكبير، وتحمل اسم "شاورما" وهو اسم مختال يحمل العديد من الدلالات، وتأتي ضمن سلسلة روايات سودانية معاصرة، تسعى لكتابة مدونة تقوم على إحياء روح السرد الملتزم والناطق إلى أبعد مدى عبر اللغة الشفافة التي تشبه الشعر أحيانا والموغلة في الدقة، وفيها موحيات لما وراء تفاصيل الحياة والناس والأشياء. بين السودان وتركيا تدور أحداث رواية "شاورما"، وهي الخامسة في رصيد البليك، ما بين السودان وتركيا، وبطلها طفل يهرب من عائلته القاسية، لينشد حياته بنفسه، معتمدا على ذاته، بعيدا عن أسلوب التعليم النظامي. ؛؛؛ تدور أحداث رواية "شاورما"، وهي الخامسة في رصيد البليك، ما بين السودان وتركيا، وبطلها طفل يهرب من عائلته القاسية، لينشد حياته، معتمدا على ذاته ؛؛؛ ويتعلم من تجارب الحياة، ومن خبرات الاحتكاك بالبشر، إلى أن يصنع مجده كواحد من أمهر وأشهر صناع ومُلّاك مطاعم الشاورما في الخرطوم بعد أن يرث مجد عائلة تركية تثق فيه وتكسبه خبراتها وتورّثه ثروتها التي يطورها بكده وعرق جبينه. ويرى ناشر الرواية أنه يمكن اعتبارها اضافة جادة ومتميزة الى المدونة الروائية في السودان من حيث نجاح الرواية في خلق لغة خاصة بها لم ترتبك أمام الشخصيات العديدة من قاع الحياة ولم تسقط في الوقت نفسه في فخ البلاغة المسقطة قسرا وجاء ايقاع السرد متساوقا مع تسلسل الاحداث الكثيرة والمتسارعة لتكون الحصيلة إقناعا تاما للقارئ بحقيقية ما يقرأ. كما ينقل إشادته باللغة ورشاقة الحوار داخل نسيج الرواية الذي وإن كان كُتب بالفصيحة الا انه الى الروح المحكية كان أقرب. لكن الرواية هي أبعد من مجرد قصة على هذا النحو المختصر إذ أنها سردية عن تحولات السودان خلال أكثر من نصف قرن، ليس هذا الفتي الذي يعيش مع الأتراك إلا واجهة لكل ما جرى من تغيير كبير في أنظمة الحياة والمجتمع والتبدلات التي حدثت في كل شيء تقريبا. وأحيانا الانهيار المريع الذي وصلت إليه بنى الدولة الحديثة إلى انفصال جنوب البلد. إدارة النظم الخفية في الرواية نرى كيف أن الانقلابات تتوالى على بلد مزقته الحروب والمجاعات وكيف أن الفقر بات هو المهيمن وأن ثمة طبقة هي التي تسيطر على كل شيء باسم السلطة والتسلط. ؛؛؛ الرواية تكشف عن كيف أن الانقلابات تتوالى على بلد مزقته الحروب والمجاعات وكيف أن الفقر بات هو المهيمن وأن ثمة طبقة هي التي تسيطر على كل شيء ؛؛؛ وأن السياسة باتت لعبة قذرة وأن الرشاوي والفساد باتا يديران العلاقات والنظم الخفية.. وتبدو صورة الشر المسيطر على النفوس جلية جدا كما أن الناس لم تعد تأبه بسوى الذات وحبها المفرط لا شيء آخر سوى ذلك. يقدم البليك للرواية بابيات من الشعر التركي المعاصر: نسيت طعم الشاي الدافئ ونسيت برودة الريح إذ تهب فهيا لا تقفي هكذا وابعثي الجيّد من ذكرياتي والأثر التركي واضح في كل الرواية.. فالسودان عاش ما يقارب قرن من الزمان في القرن التاسع عشر تحت الحكم التركي إلى أن جاءت الثورة المهدية التي أنهت تلك الحقبة، ولهذا ربما ليس غريبا أن نرى الأثر التركي قائما إلى اليوم في العوائل التي بقت وأبقت سلالتها إلى اليوم. والشاروما التركية ليس إلا استعارة ربما عن كل ذلك بما فيه التواصل الأكثر حداثة عبر الزمن الجديد، كما أنها في الوقت نفسه إشارة للتحدي الذي يكمن في بلدين قد يتشابهان في أشياء كثيرة حتى لو اختلفا.. بلدان يسكنان منطقة جسور وتلاقي بين عالمين في الجغرافيا والتاريخ. يفشل أحدهما وينجح الآخر في صناعة المستقبل. كذلك فإن الرواية تعكس طبيعة السودان وإنسانه من حيث البعد الصوفي والماورائيات التي تبدو كمحرك أو محفز لكثير من التفاصيل كما في أحد الشخصيات الرئيسية التي هي رجل عجوز يتعرف عليه بطل الرواية منذ الطفولة حيث يسافر معه بالقطار ويظل يلاحقه من فترة لأخرى لينقذه من مواقف ويحل له أزمات. تداخل العوالم نقرأ في الرواية: " رأيته يبكي كما لم يحدث ذلك من قبل أبدا. وفاضت دموعه تتقطر على اللحاف.. كان يسعل بقوة.. ؛؛؛ التداخل بين الواقعي والحقيقي هو أحد سمات ذلك العمل السردي الجديد، الذي يقدمه البليك في شخصيات ليست لها اسماء في كل الرواية ؛؛؛ وخفت عليه دون أن أجد ما أرد به، ما الذي سأقوله، ليس عندي من كلام، فقد سكتت حاسة النطق عندي أم تعثرث.. كان إحساس يصعب تصويره اليوم بعد مضى سنوات طويلة.. فأحيانا يجد الإنسان أن حياته تصنع في مكان آخر غير ما يتوقع.. هذا حدث معي.. وللحظات وأنا احتضن عمي.. كنت أفكر من أكون أنا؟ وما شكل علاقتي الحقيقية بهذه اللحظة من الزمن؟ هل هي موجودة وحاضرة أم أنها نسيج من التخيلات؟ هل أنا كبرت وهذا أنا؟ أم أنني ذلك الولد الصغير الذي يخاف أن يرى أمه تضرب ليلا وهو يعاند بكبرياء فكرة اليقظة لكي يهرب إلى الأحلام يتسلى بها عن مرارة الواقع أمامه؟ وربما أكون داخل واحد من تلك الأحلام لم أخرج منه بعد.. لتكون حقيقة وجودي مجرد حلم لا أكثر.. حتى أنا هنا.. حتى ما حدث في هذه الليلة وافتتاح المحل الجديد". هذا التداخل بين الواقعي والحقيقي هو أحد سمات ذلك العمل السردي الجديد، الذي يقدمه البليك في شخصيات ليست لها اسماء في كل الرواية. عن المؤلف وعماد البليك روائي سوداني، من مواليد بربر 1972 ولاية نهر النيل. درس مراحل التعليم الأولي ببربر، وتخرج في كلية الهندسة جامعة الخرطوم عام 1996. ؛؛؛ الكاتب عماد البليك روائي سوداني، من مواليد بربر 1972 ولاية نهر النيل. درس مراحل التعليم الأولي ببربر، وتخرج في كلية الهندسة جامعة الخرطوم عام 1996 ؛؛؛ نشر أول روايتين له دفعة واحدة، وتم عرضهما لأول مرة بمعرض ابو ظبي للكتاب في 2003، وهما رواية الانهار العكرة، و رواية دنيا عدي. وفي عام 2008 نشر روايته الثالثة دماء في الخرطوم. أصدر في النقد الأدبي كتاب "الرواية العربية - رحلة بحث عن المعنى" في 2008 وله ايضا رواية "القط المقدس" عن ثورة الشباب في فرنسا وكتبها في 2010 وشارك بها في جائزة الطيب صالح للرواية. نشر عدة مقالات ثقافية وفكرية بصحف السودان والخليج. وله في السياسة كتاب "قابوس بن سعيد الأمل المتحقق" وهو عبارة عن سيرة حياة سلطان عُمان ومشروعه السياسي، 2011 كما كان صدر له في 2008 كتاب بعنوان "مجلس التعاون مرئيات التكامل". رواية "شاورما" تصدر الآن عن منشورات مومنت كتب رقمية في بريطانيا بطبعتين ورقية والكترونية.