سقطتُ مغشياً عليَّ بنصف عين مفتوحة وأنا أتصبَّبُ عرقاً في منتصف الدائرة، ولا أكاد أحس بشيء غير إيقاع النوبة الذي ظللت أتمايل معه بعنف، وأنا في ملكوت آخر غير الذي ذُقت طعمه من قبل في المرات السابقه في مثل هذه الليالي ذات القمر غير المكتمل. قطيع الغزلان الباكي أحسست بحركة وضوضاء غير طبيعيتين خلفي.. التفتُّ نحوهما فوجدت قطيعاً من الغزلان الباكية تسير خلف رجل يتوكأ على عصا ويمسك في يده الأخرى حزمة نعناع رائحته تغطي المكان، وكان هناك شيء غريب على ظهر الرجل كأنه أثرُ سياط جُلد بها على ظهره، وهو يمضي مسرعاً تغاضيت عن تعبي في تلك اللحظة، وشعرت بالرغبة في اكتشاف هذا الرجل الغامض، ورحت خلفه، وهو يسرع الخطى كأنه يهرب مني، وأنا أسرع خلفه لأسأله عن ما أصابه، ومن الذي فعل به ذلك استمرت مطاردتي له إلى التل الرابض خلف القرية، وأنا أناديه، وهو لا يكترث بصوتي المبحوح، وفجأة توقف عن المشي وانحنى نحو الأرض اقتربتُ منه بحذر.. وجدته يغرس حزمة النعناع في الأرض سألته من أنت؟ ؛؛؛ التفتُّ نحوهما فوجدت قطيعاً من الغزلان الباكية تسير خلف رجل يتوكأ على عصا ويمسك في يده الأخرى حزمة نعناع رائحته تغطي المكان ؛؛؛ ناي يخفي آلامه التفت إليَّ ولم يجبني. من الذي فعل بك هذا الفعل الشنيع؟ وما هذه الغزلان؟ لم يكترث لي وحين هممتُ بالاقتراب منه قال لي بصوت حزين لا تقترب مني سأخبرك بالذي تود. شعرت بحزن شديد في صوته كأنه يبكي مثل حمامة صغيرة ضلَّت طريق بيتها، وعندها سألت نفسي ما الذي قد يجعل رجلاً في مثل عمره يبدو كناي يخفي آلامه. قل لي إذن من أنت؟ تنهَّد ثم أجابني بذات الصوت الذي جعل الغزلان تبكي في لحظه، وهو يشيح بوجهه عني.. أنا غريب يمشي في طريقه.. وكنت أسير في الاتجاه المعاكس للريح بجانب النهر لألتقي بشخص ما في طريقي، حيث يجب أن نتحد، ووجدت هذه الغزلان وحيدة تبكي عند هذه العصا، وهي جالسة، وعندما سرت نحوها بدأ المطر في الهطول، فاحتميت تحت إحدى الأشجار. ؛؛؛ قالت لي أيها الغريب لقد انتظرتك طويلاً أنت وغزلانك هذه. قدرك أن تسير في الاتجاه المعاكس للريح مع هذه الغزلان، حتى تلتقي بمن يستوقفك ؛؛؛ منعطف النَّهر الأخير وأنا أنظر إلى الغزلان في مكانها، وهي مجتمعة وجالسة حول العصا تبكي بحزن شديد، كأنها ظباء صغيرة فارقتها أمها في المهد، وتركتها دون طعام، وعندما توقف المطر اتجهت نحوها، ولم تهرب مني، كما هو مألوف، بل انتظرتني حتى اقتربت منها، وحين أمسكت بالعصا التي أثارت فضولي توقفت الغزلان عن البكاء، واقتربت مني أكثر حتى تملكني الخوف منها وظننت أنها مسحورة. وحينما ابتعدت عنها تبعتني حتى وصلت إلى منعطف النهر الأخير، فوجدت هناك امرأة عجوز تحمل سلة مليئة بالنعناع بدت سعيدة عندما رأتني، وقالت لي أيها الغريب لقد انتظرتك طويلاً أنت وغزلانك هذه. قدرك أن تسير في الاتجاه المعاكس للريح مع هذه الغزلان، حتى تلتقي بمن يستوقفك، عندما لا يكتمل القمر قرب تل تغرس فيه حزمة من النعناع، وأعطتني حزمة نعناع كبيرة، وحينما أردت أن أسألها من هي، وكيف عرفت أنني أنوي لقاء شخص ما كانت قد غادرت مسرعة باتجاه النهر وهي تغني أغنية حزينة في كلماتها شيء عن السفر البعيد والنعناع واصلت مسيري باتجاه عكس الريح التي اتخذت مساراً جديداً باتجاه قريتكم التي وصلت إليها، وأيقظتك من حلمك فيها الغزلان التي كانت ما تزال في بكائها الحزين، الذي اشتد عندما اقتربنا من منزلك، فتبعتنا أنت بدورك إلى هنا، حيث كنت أسرع لغرس النعناع قبل أن يجف. ؛؛؛ وأنا أحاول الهروب منه، وفجأة انشق التل، واختفى الرجل في باطنه، وسياط مجهولة تجلد ظهري والغزلان الباكية تركض من خلفي. ؛؛؛ سياط مجهولة عندها لاحظت أنه لم يكن يريد الالتفات إليَّ وهو يروي لي قصته العجيبة، فسألته لماذا يتحاشى النظر إلي وما هذا الأذى الذي في ظهره؟ فأجابني بذات الصوت الحزين والغزلان ما زالت تبكي وأنا مشدود إليها قال لي إنه كانت سياط مجهولة تجلد ظهره المنحني عندما فشل في الالتقاء بشخص ما من قبل. قالها لي والتفت إلي، ففوجئت بأنه كان يشبهني تماماً وحتى أنه كان يرتدي نفس ثوبي الذي كنت أرتديه عندها تراجعتُ إلى الخلف، وأنا أحاول الهروب منه. وفجأة انشق التل، واختفى الرجل في باطنه، ووجدت العصا في يدي وأنا أهرب باتجاه عكس الريح بعيداً عن القرية، وسياط مجهولة تجلد ظهري والغزلان الباكية تركض من خلفي.