تمت إحالة ملف دارفور إلى مجلس الأمن بالقرار رقم 1593 بموجب الفصل السابع، ورفضت حكومة السودان حينها قرار الإحالة باعتبار أنها ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وهذه خلفية مهمة قبل تحليل حفظ المحكمة للقضية وإعادتها مرة أخرى لمجلس الأمن. وتقتضي الإحالة الأولى حسب نظام المحكمة الأساسي أن تتم إحالة الأعضاء المصدّقين على ميثاق روما "النظام الأساسي للمحكمة" وذلك اعتماداً على سند قانوني أساسي وهو أن المحكمة الجنائية الدولية ليست مؤسسة تابعة للأمم المتحدة لأنها منشأة بموجب اتفاقية. وأن الاتفاقيات لا تنشئ التزامات على أطراف ليست موقعة أو مصادقة عليها، وذلك حسب نصوص اتفاقية فينّا للعام 1969م . وعلى الرغم من الحجج القانونية الكثيرة التي تدعم موقف الحكومة السودانية الرافض للمحكمة الجنائية، إلا أنه واضح أن التعامل في النظام الدولي هو تعامل مع قوة الدولة التي تقف وراء هذه الحجج ولا يعتمد على قوة ذلك القانون. قوة الدولة وتعتمد قوة الدولة في المجتمع الدولي أو" النظام الدولي" على مدى قوتها العسكرية والاقتصادية ومدى قربها أو بعدها من الخمسة الدائمين وبالأخص الولاياتالمتحدة بعد انفرادها بقطبية العالم. كان التعامل السياسي مع قضية دارفور واضحاً من قرار الإحالة بموجب القرار 1593 الذي أحال قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية والتي لم يكن السودان عضواً فيها. وفي نفس القرار في الفقرة السادسة منه تم استثناء مواطني الدول التي ليست أطرافاً في المحكمة الجنائية إذا ارتكب مواطنو تلك الدول جرائم تجعلهم يدخلون في اختصاص المحكمة الجنائية. وما كانت الولاياتالمتحدة لتوافق على قرار الإحالة، ما لم يتم النص على استثناء مواطنيها إذا ارتكبوا جرائم في السودان تجعلهم تحت طائلة المحكمة الجنائية، باعتبار أنها ليست عضواً في المحكمة الجنائية. تحليل القرار " القرار 1593 صدر على خلفية مشروع تقدمت به فرنسا وبريطانيا مطالبتان بإحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية مع حظر لتصدير النفط السوداني، وعارضت الولاياتالمتحدة ما لم يتم استثناء مواطنيها من العقاب إذا ارتكبوا جرائم في السودان تجعلهم تحت اختصاص المحكمة الجنائية " ولابد هنا أن نضيف إضافة عن قرار 1593 قد تعيننا في تحليل قرار المدعية العامة الذي بموجبه حفظت التحقيق في جرائم حرب في إقليم دارفور بغرب السودان لعدم تحرّك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للضغط من أجل اعتقال المتهمين للمثول أمام "المحكمة" كما جاء في خطابها أمام مجلس الأمن. القرار 1593 صدر على خلفية مشروع تقدمت به فرنسا وبريطانيا مطالبتان بإحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية مع حظر لتصدير النفط السوداني. عارضت الولاياتالمتحدة الإحالة للمحكمة الجنائية ما لم يتم استثناء مواطنيها من العقاب إذا ارتكبوا جرائم في السودان تجعلهم تحت اختصاص المحكمة الجنائية. وعارضت الصين الإحالة بموجب القرار إذا احتوى على بند يحظِر تصدير النفط السوداني. كما أبدت تحفظها على القرار إذا اشتمل القرار بنداً ينص على حظر تصدير النفط السوداني. استثناء الأميركان وافقت فرنسا وبريطانيا على التحفظات التي أبدتها كل من الولاياتالمتحدةوالصين، لأنه بغير ذلك ما كان قرار الإحالة ليصدر. فنُص في القرار في الفقرة السادسة منه، على ما يُفهم منه استثناء المواطنين الأميركان إذا ارتكبوا جرائم تدخلهم تحت اختصاص المحكمة الجنائية، كما تم حذف النصوص التي تتعلق بمنع تصدير النفط السوداني الذي تتضرر منه الصين. وهكذا تم إرضاء فرنسا وبريطانيا بقرار الإحالة، كما تم إرضاء أميركا باستثناء مواطنيها كما تم إرضاء الصين بعدم فرض حظر على النفط السوداني. هذه المقدمة مهمة قبل الدخول في تحليل قرار المدعي العام السيدة "فاتو بان سودا" أمام مجلس الأمن الذي بموجبه قررت حفظ قضية دارفور. خاطبت المدعي العام السيدة "فاتو" مجلس الأمن يوم الجمعة 14/12/2014م وهي المواعيد الدورية التي يقدم فيها المدعي العام تقريراً عن حالة دارفور حسب مطلوب القرار 1593 الذي تم بموجبه إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية مطالباً المحكمة بتقديم تقرير دوري كل ستة أشهر عن سير الإجراءات وما تم في القضية. الظروف الحالية " المدعية العامة للجنائية تقول أن ما تحتاجه للعمل مع مجلس الأمن لتحقيق العدالة في قضية دارفور، هو تحوّل جذري في نهج هذا المجلس تجاه قبض المشتبه بهم في القضية " وجاء في خطاب المدعية العامة أنها حفظت القضية، حيث قالت "في ظل الظروف الحالية، لمكتبي والموارد المحدودة المتاحة لنا، ونظراً لعدم وجود رؤية واضحة لهذا السبب حول ما يجب عمله في دارفور، أجد نفسي مضطرة لتعليق التحقيق في قضية دارفور، وتحويل الموارد العاملة في القضية إلى قضايا أكثر إلحاحاً". وأضافت "عليه يجب أن يكون واضحاً لهذا المجلس أنه ما لم يكن هناك تغيير في السلوك المتبع تجاه قضية دارفور، لن يكون هناك ما يمكّن من تقديم تقارير بخصوصه". وقالت "ما نحتاجه للعمل مع المجلس لتحقيق العدالة في قضية دارفور، هو تحوّل جذري في نهج هذا المجلس تجاه قبض المشتبه بهم في القضية". وتابعت " في هذا الصدد أوجّه نداءً إلى كل الدول وإلى المجلس وخصوصاً تلك الدول التي يخطط عمر البشير والمشتبه بهم لزيارتها وتسليمهم للعدالة الدولية". خطاب وملاحظات أولاً: هو خطاب دوري لتقديم تقرير للمجلس عن سير الإجراءات حسب مطلوبات قرار الإحالة. ثانياً: يُلاحظ أن هناك نوعاً من اليأس أوالملل من السيدة فاتو من التكرار الذي تقوم به كل ستة أشهر أمام المجلس. وهنا تتساءل هل الهدف هو تقديم التقرير وهل هناك هدف من تقديم التقرير؟ وهل تحقق ذلك الهدف أم لم يتحقق بعد؟. ثالثاً: وبما أن المحكمة ليست لديها أدوات تنفيذ فواضح أن المدعي "فاتو" كانت تتطلع إلى مجلس الأمن أن يقوم بهذا الدور ويقوم نيابة عن المحكمة بالقبض على الرئيس،- مع الملاحظة- أن قرار القبض صادر من المحكمة وليس من المجلس. رابعاً: عزت قرار حفظ القضية لشح الموارد وعدم قيام المجلس بدور فعّال بالمساعدة في قبض المشتبه بهم. صبغة ومفردات واضح من صبغة الخطاب والمفردات التي استخدمتها المدعية، أنها تريد أن تمارس ضغطاً على مجلس الأمن ليتخذ المجلس قراراً بالقبض على الرئيس ومن ثم يحدد الآليات التي تقوم بإنفاذ ذلك القرار. وأن يتم هذا الضغط من خلال الضغط الذي تمارسه منظمات المجتمع المدني والمنظمات ذات الصلة بقضية دارفور حول العالم وخاصة في الولاياتالمتحدة. ويتضح ذلك من خلال اللغة العاطفية والمفردات التي استخدمتها عن قضية " تابت" حيث قالت " ارتكاب الجرائم أصبح أكثر وضوحاً ووحشية، ولا تزال النساء والفتيات يتحملن وطأة الجرائم ضدهن، ولم يتخذ هذا المجلس أية خطوات إيجابية واضحة. ضحايا الاغتصاب يتساءلن، كم عدد النساء المطلوب اغتصابهن حتى يتحرك هذا المجلس؟". وبما أن قرار إنفاذ أمر القبض الصادر من المحكمة الجنائية ليس مّلزِماً حتى بالنسبة للدول الأطراف والموقّعة على ميثاق روما، والتي أعطاها الميثاق الحق في رفض التعاون إذا كانت طلبات التعاون تتعارض مع التزامات الدولة وخاصة فيما يتعلق بموضوع الحصانات حسب نص المادة 98 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. آلية القبض " هل يمكن أن تقوم السيدة "فاتو" بطلب حفظ القضية من غير تنسيق مع الجهات الداعمة للمحكمة الجنائية مثل فرنسا وبريطانيا أو مع الجهات التي تريد أن تستخدم الجنائية ضد السودان لأسباب سياسية كالولاياتالمتحدة؟ " إذاً يريد المدعي العام السيدة " فاتو" أن يصدر قرار القبض من مجلس الأمن، وأن يقوم هو-المجلس- بإنفاذ القرار ويكون الآلية للقبض على الرئيس. وينشأ هنا السؤال التالي: هل يمكن أن تقوم السيدة "فاتو" بطلب حفظ القضية من غير تنسيق مع الجهات الداعمة للمحكمة الجنائية مثل فرنسا وبريطانيا أو مع الجهات التي تريد أن تستخدم الجنائية ضد السودان لأسباب سياسية كالولاياتالمتحدة؟ لا شك أن حفظ القضية وإرجاعها إلى مجلس الأمن، له كثير من الدلالات السياسية ولا يمكن اتخاذ مثل هذه القرارات بعيداً عن الدلالات السياسية وهي إحدى الأسباب الأساسية للإحالة. وكذلك مما لا شك فيه أن الذي قام باتخاذ القرار لم يُعلن الأسباب التي أدت إلى ذلك في مؤتمر صحفي، ولم يتم نشر أية تسريبات عن الأسباب التي أدت إلى ذلك سواءً من المحكمة الجنائية أو من الجهات التي تتعامل وتستخدم الجنائية، حسب ما وصل إلينا من معلومات وحسب حدود علمنا.