بعد الهولندي يان برونك الذي غادر السودان مغضوباً عليه من الحكومة وسلفه الباكستاني أشرف قاضي, فإن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يدفع هذه المرة برجل من الجوار السوداني هو الدبلوماسي الأريتري هايلي منقريوس ممثلاً له ورئيساً لبعثة الأممالمتحدة للسلام في السودان واتفاق السلام الشامل بدأ يطوي عامه الأخير وينتظر أخطر منعطف في الاتفاقية وهو الانتخابات والاستفتاء على تقرير المصير لجنوب السودان. والرجل سيتقلد مهامه نهاية فبراير الحالي ووقتها لن يكون بينه والانتخابات العامة إحدى استحقاقات اتفاق السلام الشامل سوى شهرين. واختار كي مون أن يعلن اسم الرجل على الملأ في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا إبان مشاركته في قمة الاتحاد الأفريقي الرابعة عشرة، وهي المدينة التى شهدت تقلد هايلي أول منصب دبلوماسي ممثلاً لبلاده التى كانت وقتها تخطو أولى خطواتها في الاستقلال من أثيوبيا، عندما تولى منصب السفير بها وممثلاً لبلاده لدى منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1991. سليل المقاومة الأريترية وهايلي المولود في الأول من أكتوبر 1946، تعود أصوله لقومية التقري بأريتريا وتلقى تعليمه في الجامعات الأميركية، حيث نال درجة البكالريوس من جامعة برندايس والماجستير من جامعة هارفارد. " الرجل نال أعلى الأصوات عندما جرت انتخابات قيادة الجبهة الشعبية في أرتريا " وهو من مؤسسي الجبهة الشعبية الأريترية، إحدى فصائل المقاومة الأريترية التى قاتلت أثيوبيا حتى دخولها العاصمة الأريترية أسمرا في عام 1991, وتدرج في الجبهة حتى صار مسؤول مكتب المنظمات الجماهيرية وهو المكتب المسؤول عن قطاعات الشباب والطلاب والمرأة. وعقب استفتاء الشعب الأريتري حول تقرير مصيره في عام 1993 وعقد الجبهة الشعبية الأريترية أول مؤتمراتها، نال الرجل أعلى الأصوات عندما جرت انتخابات قيادة الجبهة، وصار عضو اللجنة المركزية والتى هي بمثابة برلمان للجبهة الشعبية. بين الدبلوماسية والإصلاح وداخل الجبهة الشعبية كان هايلي يحسب من تيار الإصلاحيين الذين غادر أغلبهم الجبهة الشعبية، إما للسجون أو لخارج أريتريا, وكان هو من الذين نادوا بضرورة إجازة دستور أريتريا الدائم. ولكن منصب الدبلوماسي الذي يحتم عليه إقامته في أديس أبابا قلل من دوره, كما أن عدداً من أعضاء الجبهة وقتها تحدثوا عن علاقته بأميركا. واستمر هايلي في موقعه سفيراً لبلاده بأديس أبابا وممثلاً لها في منظمة الوحدة الأفريقية وسفيراً غير مقيم لها في كل من جيبوتي والصومال حتى تم نقله ليعمل الممثل الدائم لبلاده في الأممالمتحدة حتى عام 2000 وفيها قدم استقالته من العمل بالخارجية الأريترية ومن عضوية الجبهة الشعبية، وعلى الفور أصدرت الجبهة قراراً بفصله من عضويتها. وأسس بعد ذلك مع مسفن حقوص وزير الدفاع الأريتري السابق والمعارض الأريتري لحكومة أسياس أفورقي الحزب الديمقراطي ولكنه لم يواصل كثيراً في الحزب فالتحق بالعمل في الأممالمتحدة ولم يتفرغ للعمل الحزبي كرفيقه مسفن حقوص. في دهاليز الأممالمتحدة وعمل منقريوس مستشاراً لممثل الأمين العام للامم المتحدة مصطفى نيساي لمفاوضات الكونغو الديمقراطية للسلام حتى تكللت المحادثات باتفاق سلام في 16 ديسمبر 2002. ومن بعد ترأس القسم الأفريقي في الشؤون السياسية للأمم المتحدة من يونيو 2003 وحتى يونيو 2005. وفي السادس والعشرين من سبتمبر أعاده الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان للكونغو الديمقراطية مرة أخرى نائباً لممثله الخاص للكونغو الديمقراطية وتولى مهام منصبه في أكتوبر 2005. وفي 16 مايو 2007 سماه الأمين العام الحالي للمنظمة الدولية بان كي مون مساعداً له للشؤون السياسية وتولى مقاليد وظيفته الجديدة في الأول من يوليو 2007 وهي آخر وظيفة له في المنظمة الدولية قبل أن يكلفه بان كي مون بمهام ممثله الخاص للسودان. السباحة ضد إسرائيل وفي أثناء بقائه على كرسي مساعد الأمين العام للشؤون السياسية أعلن صراحة أن عدم وقف إسرائيل لبناء المستوطنات من التحديات التى تواجه عملية السلام في الشرق الأوسط، جاء ذلك عندما عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة لمناقشة القضية الفلسطينية في العاشر من يناير الماضي. " هايلي أعلن صراحة أن عدم وقف إسرائيل لبناء المستوطنات من التحديات التى تواجه عملية السلام في الشرق الأوسط " وفي إطار وظيفته بعثت به المنظمة الدولية في فبراير 2008 لزمبابوي للتباحث مع حكومة روربرت موغابي حول الكيفية التى يمكن للمنظمة الدولية أن تساعد بها في الانتخابات العامة التى شهدتها البلاد لاحقاً وأنتجت أحداثاً بين أنصار موغابي وأنصار منافسه مورغن تشتغراي. وبعد عام من بعثته لزمبابوي أرسل لمدغشقر إبان استفحال الأزمة السياسية بها وتمكن من نزع فتيلها وإعادة الهدوء لمدغشقر. وهايلي يتحدث اللغة العربية بطلاقة شديدة، إضافة للإنجليزية والفرنسية والتقرينيجة، ويحتفظ بعلاقات مميزة مع المجموعات الأريترية كافة ويحوز على ثقتها وخاصة في أوساط المسلمين الأريتريين. رجل يعرف السودان ويرى مراقبون أريتريون بأن الرجل يمكن أن يسهم في تجاوز عام 2010 أولاً للعلاقة الوجدانية بين الأريتريين والسودانيين، كما أنه يعرف السودان جيداً منذ علاقة السودان مع الكفاح الأريتري المسلح. وهكذا يدفع بان كي مون هذه المرة بممثل له من دول الجوار السوداني الأقرب، يتحدث العربية وخدم في بعثة للمنظمة الدولية في دولة تجاور السودان من ناحية الجنوب الغربي هي الكونغو الديمقراطية وخرجت من حرب أهلية عبر اتفاق سلام بين المتمردين والحكومة الكونغولية. والرجل الذي سيتقلد مهامه نهاية الشهر الجاري سيجد أمامه عدداً من التحديات، على رأسها الانتخابات العامة التى انطلق قطارها, وما يواجه اتفاق السلام الشامل من صعوبات، إضافة للأزمة الإنسانية في دارفور ومن بعد تدخل البلاد في استفتاء تقرير مصير الجنوب.