* كان أول تعارفنا في صنعاء – اليمن وكُنّا قد سبقناه إليها. وأبو محمد جاءها بعدنا ببضع سنواتٍ. فذهب أول ما ذهب إلى إحدى كُبريات الصحف اليمنية وقَدّم إليها أوراق اعتماده فَمَاذا كان؟! * طلب منه مدير التحرير أنّ يعد تقريراً حول القمرية (بفتح القاف والميم وكسر الراء وتشديد الياء المفتوحة). والقمرية هي منورٌ يُصنع من الجبص والزجاج المُلوّن على شكل نصف القمر ويُثبت أعلى الأبواب والنوافذ (الشبابيك) في المباني كواحدٍ من موروثات العَمَارة الإسلامية. والقانون اليمني يلزم صاحب أيِّ بنيان جديدٍ بنمط القمريات أو ال(curve). * ذَهَبَ الشاب الثلاثيني بهِمّة عالية ونشاطٍ مُتّصلٍ وجمع معلومات عن تاريخ القمرية وطريقة تصنيعها وتركيبها وتسويقها والالتزام بها في المعمار اليمني… وقَدّمَ عملاً صحفياً مُتكاملاً وسلّمه لمدير التحرير الذي احتفى به ونشره بعنايةٍ فائقةٍ في التصميم، واعتمد انضمام أبي محمد كصحفي بالصحيفة. ولما جاء اليوم الموعود لانضمامه رسمياً للصحيفة وَجَدَ اعتذاراً مُختصراً في الاستقبال عَلِمَ منه أنّه لم يُستبعد لمُؤهِّلاته ولا لخبراته ولا لملكاته ولكن لأسبابٍ (تانية حامياني). * فالثلاثي (غير المرح) من أبناء وطنه الذين يعملون في الصحيفة ويؤثرون على قرار رئاسة التحرير فيما يتعلّق بتعيين السودانيين، بحثوا عن اسم أبي محمد بين أهل ولائهم فلم يجدوه وتحرّوا عن اسمه في قوائم مُناوئيهم فلم يجدوه. ولكن قُلُوبهم رقصت على وظائفهم من (هول) العمل الصحفي المُتماسك الذي عرّف به نفسه للقائمين على أمر الصحيفة. فألفوا تقريراً عن انتمائه لأحد التنظيمات التي لا يسمح للمُنتمين إليها بالعمل في الصحيفة المُوالية للحكومة وللحزب الحاكم!! فضرب كفاً بكفٍ وذهب وقدّم أوراقه لهيئة المعاهد العلمية وعمل فيها مُعلِّماً وهي التي كان يُهيمن على توظيف السُّودانيين فيها (الناس التانين) من أبناء وطنه. وهو لا زال يقول لي: إنّهم والله رجال، فهم لم يُصنِّفوه فيحولوا بينه وبين الوظيفة، ولم يعطوه الوظيفة مُقابل الانتماء وهو حتى الآن لم ينتمِ لهم ولا لغيرهم. ولكنهم رأوا فيه سُودانياً مُهاجراً يبحث عن الرزق الحلال وهو يَستحق تلك الوظيفة. * ثُمّ عَادَ إلى السُّودان، وعاد إلى مهنته مهنة البحث عن المتاعب. وقدر الله أن يكون واحداً من أربعة صحفيين أسّسوا إحدى مفاخر الصحافة السودانية وبقي فيها حتى أصبح رئيساً لتحريرها ثُمّ غادرها بكبرياءٍ ونبلٍ. * ظللنا نطلب إليه العودة للكتابة فأعجزتنا الحيلة، ولكن نَجَحَ الصديق الجميل مصطفى أبو العزائم في ما فشلنا فيه. إذ هو الآن يكتب في أخيرة "الأخبار" لنرى معه المواقف والأحداث من (خارج الصورة)، لكنه لم يكتب عموداً أو عمودين إلا وقد قرّر أن يعنون الثالث ب (علي اللحو وأتبرا) مقرظاً سلسلة مقالاتي التي كتبتها عن اللحو ومناحة عمدة كلي. ليدخلني في التزام أن أكتب لاحقاً عن أفضاله الصحفية علينا كمُجايلين له، وعلى الشباب الذين تَدَرّبوا على يديه ويحفظون له الجميل.. فهو رَجلٌ يبذل علمه الغزير المُتماسك في مجال الصحافة والإعلام. ولا يضن بشيءٍ منه، وهو يؤمن بأنّ العلم يربو بالإنفاق.. فعوداً حميداً لصاحبة الجلالة أخي الحبيب وصديقي الوفي عبد العظيم صالح.