عبد المنعم سليمان أمس السبت، الموافق السادس والعشرين من يوليو 2026، أعلن تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) من مدينة نيالا، عاصمة الغرب المنسي، عن تشكيل حكومة أُطلق عليها حكومة السلام، كمحاولة سياسية جريئة لصياغة نظام حكم بديل في السودان من خارج المركز التقليدي. خطوةٌ، وإن بدت للبعض مفاجئة ومحفوفة بالمخاطر، ولآخرين حُلماً سياسيًا جاء متأخرًا، لكن ما لا جدال فيه هو أن ما حدث يُمثّل لحظة فارقة في حاضر السودان ومصيره. إذن، أصبحت حكومة "تحالف تأسيس" واقعًا، شئنا أم أبينا. حكومة أسسها تحالف مدني وعسكري قائم على الأرض فعليًا وعمليًا، له جماهيره ووزنه وأثره على رقعةٍ واسعةٍ من البلاد. فما العمل؟ هل نندب ونلطم وننقد، أم نتعامل مع الواقع العملي لا أحلامنا وما كنا نريده ونتمناه؟ موقفي الشخصي من تأسيس هذه الحكومة هو موقفي ذاته أمام كل قضية: لا يُبنى على قرابات أو ولاءات، بل على المبادئ والقناعات الراسخة التي أؤمن بها. وموقفي الأول من أي كيان سياسي ظلّ دومًا مرتبطًا بموقف ذلك الكيان من قضيتين لا مساومة فيهما: الديمقراطية، ووحدة السودان. لقد توجّستُ من هذه الخطوة منذ بدايات مناقشتها، لا لأنني أشكّك في نوايا القائمين عليها، بل لأنني أتحفّظ على ما يمكن أن تُفضي إليه من واقع، في ظل وجود طرفٍ انفصاليٍّ يتربّص بالوطن، ويدفع بخطة تمزيق السودان كخطة بديلة لفرض سلطته. طرفٌ يجد الدعم من قوى خارجية متربّصة، وطامعة، وذات أجندات لا علاقة لها بوحدة السودان أو استقراره. لكن، وبما أن هذه الحكومة قد خرجت من طور الفكرة إلى حيّز الواقع، وبما أنها قد أعلنت أمس على لسان مؤسسيها موقفها المبدئي الرافض للانفصال، وتمسّكها القاطع بوحدة السودان، فإن الموقف، والحال كذلك: يقتضي ألا نواجهها بالصمت، ولا بالتشكيك، بل بالحوار والتواصل، وبمدّ اليد من أجل بناء الثقة، وتعزيز ما أعلنته من مبادئ، وتثبيتها على أرض الواقع، في مواجهة المشروع الانفصالي الإسلامي الذي يتخفّى خلف شعارات "الدولة" و"السيادة" ليعيد ذات الدمار القديم. واذ كانت هذه الحكومة الجديدة تقف ضد الانفصال، وضد سلطة العسكر، وضد مشروع الإسلاميين، فلا أرى أيّ حجّة منطقية أو أخلاقية تدفع أي حرّ في هذه البلاد إلى رفضها الآن من حيث المبدأ. نعم، كان طريق السلام هو الأقصر، والأقل كلفة. ولكن، من الذي رفض السلام؟ أليس هم من أشعلوا نيران الحرب ليصلوا إلى السلطة؟ أليس هم من دمّروا الخرطوم، وفتّتوا الوطن، ثم وقفوا ضد الحلول السياسية السلمية؟ إن ما يُبنى على أرضية الوحدة، وما يسعى لحفظ حياة الناس لا فنائهم، هو ما يستحق أن نمنحه فرصة حقيقية، وأن نسانده، لأن البديل هو السقوط إلى هاوية جديدة لا قرار لها، قد تكون أشد قسوة من كل ما مضى. نختلف مع هذه الحكومة، ننتقدها دون شك. لكننا لا نحاربها في مهدها، ولن نرجم الفكرة قبل أن تمشي أولى خطواتها. بل ستظلّ سواعدنا ممدودة إليها، ما دامت هي تمدّ سواعدها لأجل وحدة البلاد واستقرارها، وسلامة شعبها، وبناء دولة جديدة على أساس المواطنة المتساوية. دولة واحدة لا خلاص لنا سواها.