سعد الدين الماحي من حظر نشاط جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة ممتلكاتها في الأردن، إلى الخطوات الحثيثة لتصنيفها كجماعة إرهابية من قبل الكونغرس الأمريكي، وكذلك سعي التحالف المدني السوداني "صمود" ومنظمات حقوقية محلية لذات الهدف، إضافة إلى حديث مصر الصريح والموجه للبرهان عن ضرورة إبعاد الإسلاميين، وتبرئة الجيش كمؤسسة من جرائم الحرب الثابتة والموثقة، وعلى رأسها استخدام السلاح الكيميائي، ونسبتها لجماعة الإخوان من العسكريين والتخلص منهم، يمر إخوان السودان – الذين يمثلون أغلبية ضباط الجيش – بأحلك أوقاتهم، وهم يشاهدون نُذر فشل مشروعهم الذي أشعلوا الحرب من أجله، وهو العودة للسلطة، ولو في ولايات الشرق والشمال. وعلى طريقة "سيبك منو هو اللي حايشيل"، تريد مصر من حليفها البرهان أن "ينجو بجلده"، على الرغم من صعوبة ذلك، باعتباره مسؤولاً عن كافة الجرائم التي يرتكبها الجنود تحت إمرته كقائد للجيش، يحاسب حتى لمجرد التواطوء مع المجرم، أو إقرارصنيعه. لكن مصر مع ذلك تبحث للبرهان عن "مخرج"، يمر بالضرورة عبر التضحية بالإسلاميين. فما من حليف إقليمي يستطيع أن يدافع عن مجرم مطلوب للجنائية، أو يجاهر بموافقته على استخدام السلاح الكيميائي المحرم، أو الذبح العشوائي للناس على طريقة أصحاب العمائم السود، خاصة مع دولة مثل مصر التي تعتبر الحليف الأهم للبرهان. بمعنى أنه حتى مصر التي تريد للبرهان أن يبقى في السلطة كيما تضمن استمرار العلاقة الحالية المختلة بينها والسودان، وصلت إلى قناعة أن على البرهان فعل شيء ما، وإلا سينهار كل شيء. عندما كان مساعد القائد العام للقوات المسلحة "ياسر العطا"، يطلب الإذن من "البرهان" باستخدام الأسلحة المميتة، كان من حوله يكبرون، غير مدركين لهول المصيبة التي توشك أن تقع على رؤوسهم، بل تعاملوا مع الوضع كما لو كانوا في العام 1991، فتفاخر عناصر من الجيش والمليشيات الدينية المتطرفة الموالية له باستخدام السلاح الكيميائي في فيديوهات موثقة، أظهر أحدها جنوداً أثناء استخدامهم له وهم يرتدون أقنعة الغاز، وهي جرائم لا تؤهل الجيش – أي جيش – للعب دور في مرحلة ما بعد الحرب، حتى إن خاب مسعى السودانيين في تقديم قادته المتورطين فيها للمحاكمة، ما يقلل فرص نجاح محاولات النظام المصري في إعادة تسويق البرهان. لكنها ومع ذلك، تحاول ألا تخرج من مغامرتها "الدموية" مع إخوان السودان، بخفي حنين. البرهان اليوم بين أمرين أحلاهما مر، فهو يحتاج من ناحية لسند الحركة الإسلامية السياسي في مواجهة واقع جديد يتشكل، هو تكوين تحالف السودان التأسيسي والإعلان عن هياكل السلطة فيه وتسمية رئيس وزراء، مسنوداً بقوى سياسية مهمة، أبرزها الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي. يربك انقسام الإسلاميين قائد الجيش، فيعادي نفر منهم، ويتقرب من آخرين، لكن تمضي رياح المجتمع الدولي وحله المقترح للأزمة على غير ما تشتهي سفن التنظيم الإخواني، وحينها يعود البرهان ليطمئنهم بخطابات نارية، تؤكد لهم عزمه الاستمرار في الحرب حتى يموت آخر كائن حي في السودان. وتجهر له مصر الحليفة بالنصح، أن يقفز من سفينة الحليف المحلي، فيما يرهقه وزر الجرائم البشعة التي أثقلت كاهل الجيش خلال عامين من الحرب، ولم يعد في الإمكان إنكارها، أو التصرف بشأنها وكأن شيئاً لم يكن. ومن جانب آخر فإن البرهان مُهدد بعقوبات وإدانات دولية، قد توصله إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، حال قرر التمسك بمركب الإخوان الغارقة. ومن العبث الظن بأن الجرائم التي ارتكبت من جانب الجيش خلال الحرب ستذهب هكذا أدراج الرياح، لأنه إذا قدر للسودان أن يستمر موحداً وأن تكون حرب أبريل هي آخر حروبه الأهلية، فلا بد من تحقيق العدالة، وأن يراها الناس وهي تتحقق، بمعنى تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية، ومحاسبة من تورط في إشعال الحرب، وفي الجرائم التي صاحبتها. ولذا فقد يضطر البرهان نفسه، لإعلان الحركة الإسلامية كتنظيم إرهابي، إذا تزايدت عليه الضغوط. ومن الواضح إن مصر لن تتخلى عن البرهان بسهولة، لضمان مصالحها وأهمها شرعنة اتفاقها معه، والذي منحها بموجبه مساحات غنية بالذهب في مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد على ساحل البحر الأحمر، مقابل ضرب الجسور والمرافق المدنية في السودان، وإنقاذه من الهزيمة في عام الحرب الأول، ومده بالسلاح والذخيرة، ومساعدته في التحايل على المنظمات الإقليمية والدولية لاكتساب شرعية على طريقة "السيسي"، لكن ذلك لم يحدث، وباءت جهود الحركة الإسلامية والنظام المصري في ذلك بالفشل. وفي نهاية المطاف ستجد مصر نفسها مضطرة للتعامل مع القوى المدنية السودانية ذات الوجود الفعلي والمصداقية السياسية، ومع تحالف السودان التأسيسي، وستدرك أن عليها أن تنزل من على صهوة الاستعلاء الزائف لأرض الواقع، حيث المصالح هي التي تحكم العلاقات بين الدول والكيانات.