علي أحمد لم يعد التدخل التركي والإيراني في الحرب السودانية خافياً على أحد. فالتقارير الأممية وصور الأقمار الصناعية، فضلًا عن التحقيقات الصحفية الدولية، تكشف عن تورطٍ عسكري مباشر يفاقم مأساة السودان ويحوّل صراعه الداخلي إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات الإقليمية. فقد كشفت مصادر موثوقة عن مشاركة طائرات "أكينجي" التركية في غاراتٍ انطلقت من مطار شرق العوينات المصري، مستهدفةً مواقع لقوات الدعم السريع داخل السودان. ووفق تقريرٍ حديث للأمم المتحدة، بلغت قيمة الطائرات المسيّرة والمعدات التي أمدّت بها أنقرة الجيش السوداني نحو 120 مليون دولار، نُقلت عبر وسطاء لتفادي الرقابة الدولية. كما وثّقت صحيفة واشنطن بوست عام 2023 شحنات صواريخ ومسيرات تركية إلى السودان بتسهيلٍ من شركة بايكار، الذراع الصناعي والعقائدي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. هذا التدخل لا يمكن فصله عن مشروعٍ أوسع تتقاطع فيه أنقرةوطهران مع جماعة الإخوان المسلمين، التي ما زالت ترى في السودان قاعدةً فكرية واقتصادية لإعادة إنتاج حضورها في المنطقة. فأنقرة، التي تتدثر برداء "الدعم الشرعي"، تسعى إلى موطئ قدمٍ جديد في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، بينما تجد طهران في الحرب السودانية فرصةً لمدّ أذرعها عبر تكنولوجيا الطائرات المسيّرة وتسليح الوكلاء، مستغلةً هشاشة الدولة السودانية. تحت هذا الغطاء الأيديولوجي، تُنتهك السيادة السودانية وتُراق دماء المدنيين، في خرقٍ صريحٍ لحظر السلاح المفروض على دارفور منذ أكتوبر 2024. والمفارقة أن هذا التدخل يجري باسم "الشرعية" و"نصرة الدولة"، فيما هو في جوهره إعادة تدويرٍ لمشروع الإخوان الدولي، بأدواتٍ تركيةٍ وإيرانيةٍ معاصرة. إن ما يحدث اليوم ليس دعماً لجيشٍ وطني ولا دفاعًا عن وحدة السودان، بل هو صراع نفوذٍ مغلف بالشعارات الدينية، تتقاسم فيه أنقرةوطهران الغنائم على حساب شعبٍ تُرك لمصيره بين أجنحة الطائرات المسيّرة وخرائط المصالح الإقليمية.