صباح محمد الحسن طيف أول: للحناجر التي جفّت قبل الرواء، وللوجوه التي قضم ملامحها الحزن، ولصوت الريح الذي حرّك مسام الأمنيات، ومنح القلوب صبر الانتظار!! واجتماع حكومي واحد كشف علاقة السلطة بالذهب وما يرتبط به من شبهات وتلاعب بالثروات المعدنية؛ واقعة سلطت الضوء على الحاجة الملحة لإعادة النظر في سياسات إدارة الموارد الطبيعية، لثروات البلاد التي لا تعود بالفائدة للشعب، لكنها رهينة لمصالح ضيقة وشبكات نفوذ غير خاضعة للمحاسبة. ومن هو أكثر مصلحة من عبد الفتاح البرهان ووزير المالية جبريل إبراهيم في أن يتم تصدير الذهب بعيدًا عن بنك السودان!! فالأخير دافع عن مصالحه عندما أبدى تأييده لموقف الشركات خلال الاجتماع، والأول دافع عنها عندما أصدر قرارًا قضى بإعفاء برعي الصديق علي أحمد من منصب محافظ بنك السودان المركزي. وبالرغم من أن القضية محل الخلاف لا تقف عند إعفاء برعي ولا تعيين آمنة ميرغني، فإنها تكشف عن حماية فساد الحكومة بواسطة القرار الحكومي. لكن الاجتماع كشف أن مافيا الذهب قادرة على الإطاحة بأي محافظ، حتى آمنة نفسها، لأن حبال المصلحة تربط بين القيادة العليا وشركات الذهب. لذلك فإن تمسّك ممثلي الشركات بموقفهم الرافض لقرار حصرية تصدير الذهب عبر بنك السودان المركزي، ومطالبتهم بالسماح لهم بالتصدير المباشر على أن تعود حصيلة الصادر للشركات، هو بلا شك مطالبة لصالح السلطة العليا المستفيدة عبر هذه الشركات. فما هي الشركات التي تضع الحكومة مصلحتها فوق مصلحة البلاد؟ ومن يملكها؟ أليست الحكومة نفسها هي مافيا الذهب!! والقرار الذي أصدره البرهان بعد يوم واحد من انسحاب محافظ البنك المُقال من اجتماع رئيس مجلس الوزراء، بسبب الخلاف الحاد بينه وبين ممثلي الشركات المصدّرة للذهب بشأن سياسة الصادر، كشف أمرين: أولهما أن البرهان حريص على مصلحة شركات الذهب لمصلحته، وهذا ما يجعله محل اتهام. والأمر الثاني أن كامل إدريس، رئيس مجلس الوزراء "المستقل"، لا يملك قراره على بنك السودان. بدليل أنه لم يصدر قراراً فيما يراه صحيحاً، وهو أن يؤول تصدير الذهب حصريًا لبنك السودان المركزي، بصفته رئيس وزراء، أعلى سلطة تنفيذية. فقراره كان سيحسم الخلاف دون أن يغادر المحافظ منصبه. حتى اقتراحه لتكوين لجنة مصغّرة لتقريب وجهات النظر ومعالجة الخلاف بين البنك المركزي وأصحاب الشركات، انتهى بقرار البرهان الذي حسم الجدل بتعيين محافظ جديد. وهذا يعني أن ما طلبه برعي لن تستطيع أن يحصل عليه البنك مستقبلا . ولهذا ذكرنا أن القضية ليست في الإعفاء والتعيين، لأن الأزمة الحقيقية هي أزمة المصالح الشخصية التي تعلو على المصلحة العامة. وكامل إدريس يبدو أنه دخل "عش الدبابير"، فلم يزعج مصدّري الذهب، لكنه أزعج الحكومة. وبما أن الذهب مورد رئيسي ومصدر كبير لرفد الخزانة العامة بمليارات الدولارات، ومع ذلك تذهب ثلاثة أرباع عائداته لشركات وشخصيات بعينها في الدولة، فهذا ما تريده السلطة. هذا بجانب عمليات التهريب المقنّنة التي تتم سواء عبر المنافذ الرسمية للبلاد أو من خلال عمليات تهريب سرية. لذلك فإن هذا التطور لا يمكن فصله عن السياق العام الذي يشهد فيه قطاع الذهب تداخلًا بين المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي، ما يؤكد اسباب المخاوف الحقيقية من تغليب الاعتبارات الخاصة على المصلحة الوطنية، وهو ما يكشف عدم التزام السلطة بمبادئ النزاهة والحوكمة الرشيدة. فهذه الواقعة سلطت الضوء على الحاجة الملحة لإعادة النظر في سياسات إدارة الموارد الطبيعية، وتفعيل آليات الرقابة والمساءلة لضمان أن تظل ثروات البلاد في خدمة الشعب، لا رهينة لمصالح ضيقة أو شبكات نفوذ غير خاضعة للمحاسبة. طيف أخير: لا_للحرب نحن متحدون في عزمنا على تفكيك التطرف والتشدد بجميع أشكاله. لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر عندما يُصبح العنف والعنصرية أمرًا طبيعيًا، أو عندما تُهدد الأيديولوجيات المتطرفة نسيج الحياة المدنية. اتفاق غزة بشرم الشيخ الجريدة