فى مديح "أم باغة"..لا جنسيّة لا بطاقة: الطارئون على التأريخ عبد الحفيظ مريود تقولُ الحكايةُ اللّطيفة إنَّ أمير دولة قطر كان فى زيارةٍ رسميّة إلى الصّين. وفيما يقضى تفاصيلها، سأله مضيفه، الرئيسُ الصينىّ، عن تعداد سكّان قطر. دلقَ الأميرُ سطلاً من الماء على الرّقم، منعاً للحرج، وقال له إنَّ تعداد سكّان قطر 500 ألف نسمة. علّق الرئيس الصّينىّ " ما جبتهم معاك مالك؟". السيّدة لولوة الخاطر، وزيرةُ التّربية والتعليم العالى فى دولة قطر، وليس "دويلة قطر"، بالطّبع، انتهزتْ فرصة إلقاء خطابٍ لها، أمام ندوة عن الآثار والتراث الوثائقىّ فى السُّودان، نظمّها أساتذة سودانيين بقطر، فقرّرتْ أنَّ هناك من هم "طارئون على التأريخ"، ويريدون "تغيير وجه الحضارة". الخطابُ – على الأرجح – كتبه سودانىّ "خبير" يعملُ فى قطر. فكلُّ سودانىّ هو "خبير" فى تلك "البلدة الراسخة فى التأريخ". شايف كيف؟ لكنَّ الطّامة هى أنَّ السيّدة وزيرة التربية والتعليم العالى فى قطر، لا تعرفُ ما هو التأريخ. أقرب تعريفٍ له هو أنّه "دراسة علم الماضى". أى حركة الإنسان فى الزمان والمكان (الزمكان)، قبل فترة كافية، ماضية، سابقة. وبالتّالى ليس هناك من هو طارئٌ على الماضى. ليس هناك من طارئٌ على التأريخ. بالطّبع سيهلّلُ العوام للعبارة الرّنّانة. "طارئون على التأريخ". وهل بين العوام مَنْ هو أكثر "عامّيةً" من الفريق أول عبد الفتّاح البرهان، قائد الجيش السُّودانى؟ فقد تلقّفها متلمّظاً، حين ضربتْ مسيّراتٌ مطار الخرطوم بعد صيانته. واصفاً الدّعّامة، ومَنْ شايعهم بأنّهم "طارئون على التأريخ". منتشياً بالفتح المعرفىّ الخلّاق الذى وقعَ عليه. سيشايع البرهان بعضُ العامّة وأنصاف المتعلّمين. شايف كيف؟ لكنَّ السيّدة وزيرة التعليم بدولة قطر – وليس دويلة قطر – إذْ تفخرُ ب (الآثار والتراث الوثائقىّ) فى السُّودان، جرياً على خطى عرّابتها الشّيخة موزة، والدة الأمير الحالىّ، حينما دفعتْ أموال طائلة لإعلاء شأن الحضارات السُّودانيّة، قبل أعوام عديدة، نكايةً فى المصريين، إذْ تفعلُ ذلك، فهى إنّما تتورّط فى إنحيازات سودانيّة داخليّة، أعمل فيها الذاتىّ معاوله، فهدم الحقائق العلميّة، وجيّرَ التأريخ – الذى هو علم الماضى – لتحقيق انتصاراتٍ آنيّة سخيفة. هل الآن أصبحَ تأريخاً؟ حين يصلُ المؤرّخون إلى لحظتنا الرّاهنة، بعدَ مائة عام، سيكتبونَ أنّه ذاتَ سنةٍ بهيجة، قبعَ القائد العام للجيش السُّودانىّ فى البيدروم، أربعة أشهر لأنَّ "أم باغة"، الطارئين على التأريخ كانوا يحاصرونه. وخرجَ من تحت الأرض خائفاً يترقّب. نقلَ عاصمته من الخرطوم إلى بورتسودان، ولم يرجعها، لمدّة ثلاثة أعوام. وأنّه قبل أنْ يرجعها عادَ "أم باغة"، مرّةً أخرى، و"غيّروا وجه الحضارة"، كما ذكرتْ وزيرة التّربية القطريّة، ربيبة الشّيخة موزة. ليس فى العجلة من حكمةٍ أبداً. يتوجّبُ ألّا نتعامل مع الحرب تعامل العوام، كما قال (سون – تزو)، فى كتابه العُمدة "فن الحرب". أنْ تهلّل لمعركة منفردة، لسيطرةٍ على بقعة، دون أنْ تضعَ الحربُ أوزارها. أو كما تتعامل مع مباريات كرة القدم. الحرب معنىً عميق. تطوّرٌ هائل فى الأبنية كلّها. ليس هناك من حربٍ تخرجُ منها كما يخرجُ من دارٍ للعرض، عقب فيلمٍ أو مسرحيّة جماهيريّة. فدعنا لا نقرّر – ههنا، والآن – من هو "طارىٌ على التأريخ"، ومَنْ "يريدُ أنْ يغيّر وجه الحضارة"، لأنّه نظّم كأس العالم. شايف كيف؟ البرهانُ – شخصيّاً – حين كانَ أجدادُ "أم باغة" يصنعون التأريخ، ويطردون الاستعمار التُّركىّ، فى حصار الأبيّض، بارا، الخرطوم، كانَ أجدادُه طبّاخين للتُّركيّة، غسّالين، وفى أحسن الأحوال كانوا عساكر فى جيش التُّرك. وحين واجهَ أجدادُ "أم باغة" مدافع كتشنر باشا، فى كررى، وغيرها، كان أجداده عمّال دّريسةٍ يمدّون للإنجليز خطوط السّكّة الحديد، لتنقل الجنود. أو فى أحسن الأحوال كانوا مرشدين و "متعاونين" مع جيش كتشنر. فشنوووووووو؟ النّاس تخت الكورة واطة. سأوريكم آياتى، فلا تستعجلون.