مدخل أول : لقد ترددت كثيراً قبل أن أمسك بالقلم لأسطر رأيي في الجدل الكثيف والنزاع حول شرعية أو عدم شرعية مجلس الهلال الحالي. وسبب ترددي مصدره الأول أن الموضوع ظل يخضع لنزاع في مراحل قانونية خشيت أن يعتبر ما أسطره من رأي تشويشاً أو تدخلاً في أو تأثيراً على سير عدالة أو على الأقل حق قانوني مكفول للفئتين المتصارعتين في الهلال. المصدر الثاني لترددي أن كثيراً من الأهلة يعتبرون النزاع هو إختلاف داخل البيت الواحد ، وثقافتنا الرياضية تقول أن من نصنّفه خارج الأسرة الهلالية ليس له الحق في التدخل في ما نعتقد أنه شأن هلالي داخلي، وبالتالي نتّهم صاحب الرأي وإن كان متجرداً بالتدخل أو التحيز لفئة دون أخرى. مدخل ثان : ليس هناك ما يضر بالنشاط الرياضي أكثر من عدم الإستمرارية أو عدم الإستقرار ، والشواهد كثيرة ومألوفة ، وللإستدلال على ذلك نجد أن معظم البطولات إن لم تكن جميعاً لا تحرزها إلاّ فرق توفر لها الإستقرار والإستمرارية. ولعل هذين العنصرين لهما تأثير مباشر في التشريعات الرياضية ، ففي كثير من الحالات تبدو بعض القوانين الرياضية غير منطقية بالمنطق العام ، ولكن نضعها عمداً بسبب إعطاء الأولوية لإستمرارية النشاط ، وأبسط هذه السمات مثلاً نجد أن مجلس الإدارة يمكن أن يفوز قانوناً بنصف أعضاء الجمعية العمومية زائداً واحد ، في حين أن دعوة الجمعية لسحب الثقة منه تتطلب ثلثي أعضاء الجمعية . وسمة أخرى إذا نظرنا لتضييق المواقيت في حالة الشكاوى والإستئنافات وقيودها.
والآن وبعد أن تم حسم القضية المتنازع عليها ، ولأنني أؤمن بأنه قد حان الوقت لتهدئة الأجواء والنفوس والعمل على إستقرار النادي الكبير والإحتكام للجمعية العمومية ، صاحبة السيادة ، لحسم الخلافات الحالية أو غيرها ، فمجلس إرتضته الأغلبية وإن إختلف معه أو حوله البعض أفضل من مجلس لم يأت بإرادة الجمعية العمومية . أقول بعد ذلك زال ترددي في الإدلاء برأيي الذي يمثل قناعتي الشخصية من ناحية قانونية والذي آمل أن يسهم ولو بالقليل في إنقشاع سحابة الصيف التي أطلت فوق النادي القيادي.
وأبدأ بالمادة (26) البند(3) من قانون الشباب والرياضة لولاية الخرطوم لسنة 2007 ، الذي ينص على:
» (3) يتكون مجلس إدارة النادي من عدد لا يقل عن تسعة أعضاء ولا يزيد عن خمسة عشر عضواً ويكون من بينهم الضباط الأربعة ».
وجاء معظم النار من شرارة أن المجلس قد فقد شرعيته بإستقالة بعض أعضائه بحجة أن المجلس قد أصبح مخالفاً لنص المادة أعلاه لنقص عدد أعضائه عن تسعة. وفي تقديري أن الذين ذهبوا لهذا التفسير حصروا أنفسهم في البند (3) من المادة (26) ، وكأنما النص يوحي بأن العدد تسعة كاملاً وغير منقوص لازم وضروري لشرعية المجلس في كل لحظة. وعن قناعة تامة فأنا لا أنظر للمادة بهذا المفهوم. لأننا لو قرأنا المادة كاملة دون أن نحصر أنفسنا في جزئية البند الثالث منها نستطيع أن نصل للفهم المنطقي المتكامل للمادة (26) مقروءة مع المادة (19) من النظام الأساسي لنادي الهلال لسنة 2008 . فالبند (1) من المادة يقرأ :
»(1) تحدّد اللوائح ونظم التأسيس تكوين مجالس إدارات هيئات الشباب والرياضة وإختصاصاتها وإجتماعاتها ومهام أعضائها وأي موضوعات أخرى لازمة لتحقيق أغراضها«.
والبند (2) من المادة يقرأ :
» (2) فيما عدا النادي لا يجوز أن يقل عدد أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين عن خمسة عشر عضواً ولا يزيد عن ثلث عدد أعضاء الجمعية العمومية«.
أما البند (3) ، وهو بيت القصيد ، فيقرأ :
» يتكون مجلس إدارة النادي من عدد لا يقل عن تسعة أعضاء ولا يزيد عن خمسة عشر عضواً ويكون من بينهم الضباط الأربعة«.
ولا أجد هناك أي لبس في أن هذه المادة في كلياتها فهي تخاطب وتحكم النظام الأساسي للنادي ، وتفرض على كل نادي عند إجازة نظامه الأساسي أن يحدد عدد أعضاء مجلس الإدارة بحيث لا يزيد عن خمسة عشر كحد أقصى ، ولا يقل عن تسعة كحد أدنى ، وبعد تحديد العدد في النظام الأساسي فالمادة لا تتدخل في كيفية تكوين المجلس أو كيفية إكمال نقصه أو شرعيته. حيث أعطت الحق الأصيل في هذه التفاصيل للنظام الأساسي للنادي ، وواضح ذلك من البند الأول من المادة .
ولنقرأ هذه المادة من القانون مع نص المادة (19) من النظام الأساسي النادي الهلال لسنة 2008 تحت عنوان : تكوين مجلس الإدارة :
» المادة (19):
(1) يتكون مجلس إدارة النادي من تسعة أعضاء فقط لاغير ، يتم إنتخابهم من أعضاءالجمعية العمومية على النحو الأتي :
أ. أربعة أعضاء للمناصب الآتية :
(1) الرئيس .
(2) نائب الرئيس .
(3) الأمين العام.
(4) أمين المال .
ب. ثلاثة أعضاء على الأقل .
ج. عضوان يمثلان قدامى اللاعبين في منشطين مختلفين .
(2) عند خلو أي منصب من مناصب مجلس الإدارة الوارد ذكره في البند (أ) أعلاه خلال دورة الإنعقاد يملأ المنصب بالإنتخاب أما في حالة خلو أي منصب من الأعضاء الوارد ذكرهم في البندين (ب ، ج) أعلاه يملأ المنصب من خلال المرشحين الإحتياطيين الذين نالوا أصواتاً أعلى حسب نتيجة إنتخابات الجمعية العمومية الأخيرة .«
ومن البديهي أن الجمعية العمومية لنادي الهلال قد إستندت على السلطة الممنوحة لها بموجب البند (1) من المادة (26) من القانون لتكوين مجلس الإدارة ، ثم إختارت العدد تسعة لعضوية مجلس الإدارة توافقاً مع البند (3) من ذات المادة. والنقطة الأساسية هنا أن النظام الأساسي لنادي الهلال قد حدد في البند (2) من المادة (19) بنص لا لبس فيه كيفية إكمال المجلس في حالة خلو منصب أو أي عدد من المناصب ، ولعل هذا وحده يؤكد عدم تأثير نقص عضوية مجلس الإدارة بسبب الإستقالة أو غيرها على شرعية المجلس. وهنا أقول للذين يعتقدون أن نقص عدد مجلس الإدارة عن تسعة إستناداً على نص القانون يفقده شرعيته أقول لهم لو قبلنا إفتراضاً بهذا التفسير لقادنا إلى تناقضات وتعقيدات عديدة نذكر منها على سبيل المثال :
بطلان النص الوارد في المادة (19) البند (2) من النظام الأساسي لنادي الهلال لأنه سيتعارض مع المادة (26) من القانون. إذ كيف يجوز إكمال عدد عضوية المجلس وفق النظام الأساسي والمجلس فاقد للشرعية وفق القانون ؟ . وبما أن النظام الأساسي قد تم إعتماده فهذا يؤكد عدم تعارضه مع القانون. إذ لا يجوز إعتماد أي نص في أي نظام أساسي إذا تعارض مع أي نص في القانون أو اللوائح الصادرة بموجبه.
وإذا أخذنا بالرأي الذي يقول أن المجلس قد فقد شرعيته وفي نفس الوقت يجب توفيق أوضاعه بإكمال النقص ، نكون قد أحدثنا فراغاً قانونياً في فترة ما بين نقص المجلس وما بين فترة دعوة الجمعية العمومية.
إذا إبتعدنا قليلاً عن النقص بسبب الإستقالة لأنه قد يكون مقصوداً كتدبير ضد المجلس ، فنتساءل ماذا لو كان النقص قد جاء بسبب الموت في حادث حركة - لا قدر الله فهل سيفقد المجلس شرعيته ؟ أم أننا سنقول أن النقص قد جاء في هذه الحالة بسبب خارج الإرادة فلا يؤثر في شرعية المجلس ؟
القول بأن المجلس يجب أن يتكون من تسعة في كل لحظة وإذا تقلص العدد لأقل من تسعة يصبح غير شرعي ، يقود لأن يكون النصاب القانوني لإجتماعات المجلس تسعة من تسعة ، وكأنما نريد أن نقول إذا سايرنا هذا هذا المنطق أن أي إجتماع يقل الحضور فيه عن تسعة بسبب السفر أو الظروف العارضة يعتبر غير قانوني.
شرعية المجلس تعني قانونية وشرعية القرارات التي يصدرها ، وكلنا نعلم أن النصاب القانوني لإجتماع المجلس خمسة أعضاء وأن أي قرار ينبغي أن يصدر بالأغلبية البسيطة ، وهذا يعني أنه في إجتماع مجلس إدارة بحضور خمسة أعضاء إذا إتخذ قراراً بأغلبية ثلاثة أعضاء مقابل عضوين يكون القرار قانونياً. فما هو الفرق الذي يحدثه تصنيف الغياب عن الإجتماع بسبب الإستقالة أو الموت أو لأسباب طارئة؟ .
والأمثلة غير هذه كثيرة ، وفي قانون المنطق العام إذا أمكن لنص واحد أن يوحي بتفسيرين مختلفين : أحدهما يتوافق مع بقية النصوص والآخر يقود لتناقض مع بقية النصوص ، فالتفسير الذي يقود للتناقض هو الخاطئ. ولذلك نخلص إلى أن نقص المجلس سواء أن كان بالإستقالة أو الموت أو الغياب العارض من الإجتماعات هو نقص لا يؤثر في حد ذاته وبصورة عامة على شرعية المجلس. ولعله من الضروري هنا أن نذكر أن القوانين الرياضية واللوائح الصادرة بموجبها والنظم الأساسية للهيئات الرياضية خلت تماماً من مادة تحمل عنوان »فقدان شرعية المجلس« وبالتالي يصبح الجدل في هذا الجانب مجرد إجتهادات لا غير.
وأخيراً قصدت من هذه المشاركة المتواضعة مناشدة الإخوة في نادي الهلال أن يستخدموا حقهم المشروع في ممارسة الديمقراطية أو معارضة المجلس ، وأن يدافعوا بكل قوة عن كل ما يعتقدون فيه مصلحة الكيان. ولكن دون أن يكون ذلك داعياً لعدم إستقرار النادي بسبب الصراع حول قضية لن تقود لغير ذلك ... فلا يزال أملنا عظيماً وثقتنا كبيرة في أنديتنا أن تحقق الكثير بالإستقرار وإستمرارية النشاط ...