[email protected] يمكننا أن نفهم إقدام بعض الموظفين الفاسدين بين الحين والآخر ، على حرق المصارف والمؤسسات الحكومية والخزن المالية ، على أنهم مجرد لصوص يسعون لطمس معالم جرائمهم ، بتفادى حرج ما ستنطق بها الوثائق عند إجراء المراجعة ، مثل هذه الأحداث لها مواسمها المعروفة ، ولا تنطلى حيلها ، لا على المواطنين ولا على المراجعين ، فالمتهم الدائم هو الإلتماس الكهربائى ، وتموت القضية بعد فترة قصيرة عبر متاهات اللجان ، والعبث بالتوصيات ، وتعويق الإجراءات ، والتأثير على مجريات القضاء بمختلف الحيل !!. لكن يختلف الأمر عندما يتعلق الأمر بحرق المكتبات ، أو إستهداف وإبادة أنواع معينة من الكتب والمخطوطات . نقول ذلك على ضوء ما يعج بها التاريخ من حرائق قضت على آلاف المراجع ، ومنهم من قدّر إجمالى ما فقدت بثلاثة عشر مليون كتاب عبر مختلف الحقب ، إن كان بالحرق أو بشكل آخر من أشكال الإعدام !! تتباين الأسباب ، لكنها تتفق فى أغلبها على كونها تنفيذ عملى لقرارات تصدر من سياسيين ، قصدت بها التقليل من صدى الأخبار التى تخرج من هذه المخازن ، وتعكس العجز البيّن عن مواجهة النقاشات والأفكارالتى تتشكل بسببها ، خاصة إن كانت تتعلق بمقاربات لأسس العدل ، وحكم الله في الظلم والظالمين ومصيرهم ، أو زيف العقائد ، أو تجارب مثمرة لعقائد بديلة لما يطمئن لها أفئدة الحكام ، أو التحدث عن فرضيات مناطحة للمفاهيم المألوفة حول ميكانيزم الكون . مثل هذه المواضيع تجعل من فرائص من يتقوون بالدين والمسَلّمات ، ترتعد خشية إقتراب هذه المفاهيم الثورية من أرائكهم ، أو تثار كمواضيع جادة عصية على التعاطى عندما تطرح فى بلاطهم ، وهم من يتظاهرون على أنهم أكثر الناس علماً وتقوى وورعاً ..!! إذن .. !! فلتمت هذه المكتبات اللعينة .! وليذهبوا .. هم وكتبهم إلى الجحيم !! ولن يهدأ لهم بال إن لم يتمكنوا من إخراس من يتجرأون على تقديم هذه الأطروحات ، وتبنى هذه المهددات الأمنية أفرادا كانوا أم كتباً .. إذن فعمليات الحرق ، ما هى إلا محاولات لقتل الثقافة والفكر ، بوأدها فى صغرها ، أو إجهاضها فى منشئها ، وتقف وراءها دوافع نابعة عن الإحساس بالخطورة التى تخفيها المراجع ، فيقال ” أن فيها مفاسد ” أو ” أنها مثيرة للفتنة ” أو “أنها تثير القلاقل ” هذه هى العملات المفضلة ، فى حين أنهم لو تجرأوا على قلب واحدة منهن ، لرأوا فيها الإستنارة وحرية الفكر ، والمجهودات المقدرة لإستكشاف وفك طلاسم الكون ، والتطلع الى المستقبل ، وهذه المسائل تكشف ظهر كل من يسوق نفسه على أنه أفضل الناس وأعلمهم . إنها ببساطة عملية تعويق للتطور، وتخذيل للعلماء لمصلحة فقهاء بلاط السلطان ، ونتقوى فيما ذهبنا ، بتجارب كل من الماضى والراهن على حد سواء ، ودونكم المستنقع الذى نقبع فيه بفضل نجاسة هذه الأفكار التآمرية ، التى تجنح إلى كبح الفن والثقافة والفكر ، وتخذل من المجهودات السلمية الهادفة للإنعتاق والتطور. كان منطق الفاتحين عند إقدامهم على حرق مكتبة الاسكندرية ، التى تضم عشرات الآلآف من الترجمات لمختلف الكتب الدينية والفلسفية والأساطير الهرطقية اليونانية ، هو ، إن كانت فيها شيئ غير ما فى للقرآن ، فهى مؤذية ويجب بالضرورة التخلص منها ، وإن كانت فيها ما يتوافق معه ، فلا حاجة لنا بها ، وفى الحالتين يجب إبادتها عن الوجود ، فوزعت على حمامات الإسكندرية ، فأتخذت وقوداً لمدة ستة أشهر كاملة (حسب الرواية) . وفي عام 656ه عندما إقتحم هولاكو مدينة بغداد ، عاصمة العباسيين وإستباحها أربعون يوماً ، وألقيت خلالها مئات الألوف من المخطوطات في نهر دجلة ، وروي أنّ مياه النهر جرت سواداً ، من كثرة ما ألقي فيها من الصحائف. وحين سقطت غرناطة عام 1492م وإنتهت دولة المسلمين في الأندلس ، أمر الكاردينال فرانسيسكو خمينيث 1517م عرّاف الملكة إيزابيل ، وصاحب النفوذ السياسي (؟) الهائل الذى يستمده من الدين ، بإحراق الكتب العربية في ساحة باب الرملة في غرناطة لاسيما ما كانت متصلة بالأدب أو الفكر أو الدين ، وقدرت عددها بثمانين ألفاً. توصلت الدراسات إلى أن الكتاب قد واجه الكثير من المحن عبر العصور المختلفة ، متمثلة في إستهدافه وحرقه ، وملاحقة مؤلفيه ومضايقتهم والتنكيل بهم وقتلهم . وقد تعددت وسائل القضاء عليها ، من خلال نهبها أو حرقها أو دفنها أو رميها في المياه . علاوة على جملة من الأسباب الأخرى بعضها فنية ، وبعضها الآخر نفسية ، كالتخوف من الإقتناء باعتبارها مقتنيات محرمة ، قد تعرض من تضبط معه للملاحقة والسجن أو القتل . ولدت هذه الإستهدافات ردود فعل ، تحتاج بعضها إلى البحث والتفسير، حيث قام بعضهم بالتخلص من كتبهم ، كأبى حيان التوحيدى ، الذى أحرق كتبه بنفسه ، لأنه لم ينل من التقدير والاحترام ما كان يستحقه في حياته !! وأحمد بن أبي الجواري الذى ألقى بمقتنياته من الكتب في مياه النهر !! وعمرو بن العلاء ، الذى أقدم على إعدام كتب له ملأت بيته حتى السقف ، بعد تنسكه . أما أبوكريب الهمداني الخطيب الكوفى المشهور ، المتوفى سنة 857م ، فقد أوصى قبل وفاته بأن تدفن كتبه معه ! ، ويبدوا أنه لم يرغب فى أن يتربع أحد من بعده على مكانته ، أو (ما ترونه أنتم من تفسير!) ، فنفذت وصيته ، فدفنت معه. وعشرات ، عشرات القصص الموثقة عن إبادة متعمدة لمؤلفات ومخطوطات ، كتلك التى أوردها إبن خلدون .!! فهل توقفت عجلة الزمن عند آخر الحوادث المجنونة ، التى كانت تستهدف المكتبات والكتب المثيرة للجدل التى تعرفونها جيدا فى البحرين ، أم أن الأمر تحول إلى منهج عمل جديد ، فى ظل صعوبة تنفيذ عقوبة الإعدام على مخطوطات ، تتولى الآلة الميكانيكية خارج الحدود بتفريخ الآلاف منها ، فتنقل وتروج مثلها ، مثل البضائع الزهيدة الثمن والمجانية ، وليست نسخاً تحسب بأصابع اليد الواحدة كما كان يحدث قديماً ؟؟ لقد تبدل منهج العمل بالفعل ، ولعلكم تسمعون أشياءاً على شاكلة إدارة الرقابة على المطبوعات فى المطارات والتى تحرق ما تصادرها !! أو الرقابة القبلية على الصحف !! (وقديماً التضييق على المؤلفين ) أو منع أعداداً من مجلات أو صحف من دخول البلاد !! أو مصادرة عدد السبت من الصحيفة الفلانية !! ( بهدف حرق المحافظ ) أو حجب صحيفة (…) الإليكترونية بواسطة الهيئة القومية للإتصالات. أو مصادرة وإعدام أشرطة كاست ، لأنها ….. !!! أنها تدابير جديدة لتنفيذ سياسات قديمة ، رغما أنها لا تسجل إلا صموداً مؤقتاً ، وإلى حين !! . لقد إنتهت جدوى وفعالية آليات العمل القديمة ، التى تتمثل فى حرق المكتبة بما فيها .. ؟؟ أو هكذا نظن .. ،، أليس كذلك أيها السادة والسيدات ؟؟ كلا … !!! .. فقد تداولت وسائل الإعلام ، خبر حرق مكتبة متحفية في مدينة تمبكتو التاريخية فى مالى ، التى تم تدشينها فى 2009 ، بتمويل أجنبى بلغ 2.5 ، والمحتوية على آلاف المخطوطات التي تعود إلى القرن ال13 الميلادي ، وقد سبقه خبر تدميرعشرات الأضرحة والقباب !!! وبالتزامن !! ها هو الشيخ إبراهيم السنوسي ، يقر بأن الحركة الإسلامية عندما أستولت علي الحكم بالسودان في يونيو 1989 ، قامت بإعدام عدد كبير من أغنيات المكتبة الصوتية للحقيبة التي تقود إلي الفجور ، ومنعت بثها عبر وسائل الإعلام ، من أجل بناء جيل معافى !! جيلٌ معافىً …!! جيلٌ معافىً ..؟؟ ،، أهم جادون أم يهزئون !؟ إنها الجرائم التى تهدف إلى ، شل العقول ، والحد من التجرؤ على الإجتهاد ، ومنع مخالفة الروتين ، والحكم على الواقع وفقاً لظروف وسير الأولين !! على هذه الخلفية نستطيع الوقوف على الدوافع وراء مقتل الدكتور فرج فودة ، والأستاذ محمود محمد طه ، الذى حاول أن يقف دون سقوط السودان فى درك الرجعية ، بقيادة الإسلا-أمويين الجدد ، فلقى مصير المئات ممن سبقوه ، فهوو بالسودان إلى الحضيض الذى طالما حلموا به …. !! فتأملوا !! فقط تأملوا !! ، وأحكموا ، أيهم أكثر تدميراً ،، حرق بنوك الأموال ،، أم بنوك الأفكار ؟؟ وهل نحتاج إلى قول المزيد ؟؟؟ … !