أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي خميس كجو كندة عن اتجاه قوي إلى سن قوانين وتشريعات تمنع ممارسة النشاط السياسي في الجامعات. ودعا كندة إلى ضرورة سن منهج إسلامي في الجامعات لتفادي ظاهرة العنف الطلابي ووضع حدود للحريات. لأن ما يمارسه الطلاب فوضى مطلقة وليست حريات. كما أشار إلى إقبال خارجي لإنشاء جامعات في البلاد بهدف تعليم طلاب الدول المجاورة. واستبعد وجود مساعٍ لجعل التعليم العالي مجاناً. وطالب بإنشاء صندوق لدعم التعليم العالي. وأكد أن القبول الخاص داخل الجامعات لا يؤثر على مسيرة الجامعة الاكاديمية. هذه التصريحات بعيدة كل البعد عن الواقع الذي تعيش فيه الجامعات وسنتناول كل هذه التصريحات وغيرها مما أفضى به الوزير بالتعليق. لقد ظلت الجامعات في تاريخها الطويل منارات سامقة للمعرفة وفي اتساق تام مع جماهير الشعب ومنبراً حادباً للنضال ضد الاستعمار والحكومات الديكتاتورية الشمولية ولعبت دوراً بارزاً في إسقاطها. لا نستثنى في ذلك أياً من الذين يضمهم الحرم الجامعي من أساتذة وعاملين وطلاب. وفتحت الجامعات قلبها ومنابرها للندوات لمختلف الاتجاهات السياسية. لا ندري في أي جامعة درس السيد الوزير، ولكننا نتحداه أن ينكر دور النشاط السياسي في الجامعات في تكوينه السياسي الحالي الذي أوصله إلى وزير للتعليم العالي. ولولا انحيازه لإتجاه سياسي تشربه منذ عهد الدراسة ونافح من أجله لما وصل لهذا المنصب. فلماذا يريد السيد الوزير حرمان الطلاب من المعرفة التي حصل عليها مجاناً ليصبحوا قادة للمستقبل، الحجة التي استند عليها الوزير عن دخول بعض الطلاب وهم صغار في السن حجة واهية ولا يسندها منطق. فهؤلاء الصغار يتحصنون بالمعرفة التي تحميهم من الجهل والسير في اتجاه واحد، وهم سيكبرون بعد أشهر ويصلون سن النضج داخل الجامعة. وحتى الأطفال الذين يعملون صبية في ورش العربات والنجارة والحدادة الخ... يتعلمون داخل المسؤولية وليس خارجها. ولهذا فأن البيئة الجامعة التي تتمتع بالديمقراطية وحرية الرأي وتبادل التجارب والخبرات تمثل البيئة المعافاة التي ينشأ فيها قادة المستقبل. ولهذا فأننا في الحزب الشيوعي سنقف بقوة وحزم مع كل القوى التي تعيش تطورات ومتغيرات العصر بكل ما فيه من معارف تسهم في تطور الطلاب وضد الإتجاه العدمي للسيد خميس كجو كندة. أما حديثه عن ضرورة سن منهج إسلامي في الجامعات لتفادي ظاهرة العنف الطلابي ووضع حدود للحريات، فأنه يناقض الواقع الراهن. فالإسلام السياسي هو أول من أدخل العنف في العمل السياسي في الجامعات وغير الجامعات. فهو الذي خرَّب المسرح الطلابي الذي أقيمت فيه رقصة في العام 1968م، وهو الذي أدخل السيخ والجنازير والخراطيش والسلاح الأبيض والكلاشنكوف وغيرها من الأسلحة إلى الحرم الجامعي. وكان يعمل – عبثاً – لإدخال الرعب في نفوس الطلاب عندما يحس بأنه سيسقط في انتخابات اتحاد الطلاب. وعندما تسلم الإسلام السياسي زمام السلطة بعد العنف العسكري استباح الحرم الجامعي وصار دخول مليشياته وأجهزة أمنه أمراً مقنناً بصمت الإدارة الموالية للسلطة من دخول الجامعة وتعريض ليس الطلاب وحدهم، بل حتى الاساتذة للاعتقال والإهانة وكل أنواع الشتائم البذيئة. فأي منهج إسلامي هذا الذي يتحدث عنه السيد الوزير. أهو منهج مغاير لسياسات الدولة التي حللت الربا، واستباح العاملون في مؤسسات الزكاة والحج والعمرة ومال في سبيل الله ما تحت يدهم من أموال، أم هو منهج غير الذي جعل الفساد منتشراً كالجراد في كافة مؤسسات الدولة وولاياتها. إننا لن نسمح لطلابنا أن يتعلموا في ظل منهج يبيح كل ذلك ويجعل من العنف والفساد أمراً مقنناً يتجذِّر في عقولهم ويرسخ فيها ليصبحوا أسوأ مما عليه الحكام الحاليون، ويصير مستقبل البلاد أبشع مما هو عليه الآن. أما حديثه عن الإقبال الخارجي لإنشاء جامعات في البلاد يهدف تعليم الدول المجاورة . ودعا الجامعات للشروع في استثمارات لسد النقص الاكاديمي وتمويل العملية الاكاديمية، مستبعداً أي مساع لجعل التعليم العالي مجانا. أولاً:- نسأل السيد خميس كجو لما يستبعد أي مساعٍ لمجانية التعليم، وهل هذا أمر مستحيل في ظل حكومة تقف في صف الشعب؟ ألم يكن التعليم العالي والسكن في الداخليات والأكل والشرب مجاناً، ألم يعايش كندة تلك الفترة أو لم يسمع عنها أو لم يقرأها وهي مدونة في أضابير الوزارة وأرشيفها الذي هو وزيرها. ثانياً:- هل النقص الاكاديمي يحتاج إلى دول أجنبية لإنشاء جامعات في البلاد؟ السيد الوزير يعلم تماماً إن التعليم العالي يحتاج إلى إهتمام الدولة بالصرف عليه، الآن ما يصرف على التعليم في طول البلاد وعرضها لا يتعدى إلى النصف مليار جنيهاً بينما الصرف على الأمن بلغ 1.05مليار جنيهاً. ولم نسمع بأن الوزير احتج على هذا المبلغ الزهيد وهو عضو في الحكومة أو ألقى تقريراً عن الاحتياج الفعلي للجامعات، ولهذا نجد الهجرة الجماعية لخيرة الكفاءات من الاساتذة، اذ بلغ عددهم أكثر من ألف أستاذ حسب تصريح الوزير من جملة 12 ألف من المهاجرين. ثالثاً:- ما ينقص التعليم العالي أيضاً ليس قلة الجامعات بل سوء البيئة الجامعية، فلا يمكن وجود تعليم متطور ومتقدم في ظل القهر والتسلط وسيطرة الرأي الواحد وقمع الآخرين أساتذة وطلاباً وعاملين. وعدم إنصافهم مالياً. رابعاً:- لا يوجد استقلال في الجامعات في القطاعين العام والخاص لا في القوانين ولا في حرية اختيارها لقيادة مجالسها العليا. وهناك غياب شبه تام للبحث العلمي وروح المبادرة، إلا من بعض الأساتذة والطلاب بصفة جهد شخصي. وهذا ناتج عن غياب المؤسسية وفردية اتخاذ القرارات من قيادة الجامعة الموالية للحزب الحاكم. وفوق هذا كله أصبحت الجامعات مستباحة، تدخلها قوات الأمن ومليشيات الحزب الحاكم متى ما تشاء وتعبث فيها ضرباً وبطشاً وحرقاً، بل وقتلاً لكل من يعارض طلاب المؤتمر الوطني الرأي ويقف ضد النظام الحاكم وقد حدث هذا في الجامعة الأهلية، حيث أحرقت بعض مبانيها لمجرد أن قائمة المؤتمر الوطني ستسقط في انتخابات اتحاد الطلاب، وحدث في جامعة الجزيرة وجامعة الخرطوم خاصة بالنسبة لأبناء دارفور. خامساً:- إن حديث الوزير عن عدم تأثير القبول الخاص في مستوى الجامعات والوزير خميس كجو كندة يعرف أن القبول الخاص يعني الإستثناء عن الأسس والشروط اللازمة لدخول الجامعة، سواء كان بسبب الذهاب للقتال في الجنوب، أو الغرب أو دفع متيسرٍ للمصروفات أو تبرعات عالية من ذوي الطالب أو غيرها من الأسباب. فكيف يستوي من أحرز 95% مع الذي لم يتعدى 75% وهذا ما هبط بسمعة جامعة الخرطوم إلى أسفل سافلين. سادساً:- عندما يتحدث الوزير عن إنشاء صندوق لدعم التعليم العالي ينسى أو يتناسى أن هناك ما يسمى(صندوق دعم الطلاب) وسجلت شركات ومؤسسات بأسمه تدر مئات الملايين أن لم تكن مليارات، أين تصرف هذه المبالغ والطلاب والأساتذة والعاملين في الجامعة، بل والجامعة نفسها – معاملها، مدرجاتها، حماماتها ..الخ.. تشكو لطوب الأرض من الحالة المذرية التي آلت إليها. نحن في الحزب الشيوعي نقف ضد مقترحات السيد الوزير ونقدم البدائل التالية:- استقلال الجامعات في القطاعين العام والخاص، وإشاعة الديمقراطية داخلها بسن القوانين واللوائح التي ترسخها. وأن يتم اختيار قياداتها ومجالسها العلمية بالانتخاب الديمقراطي. وإشاعة مبادئ حرية التنظيم النقابي، بما في ذلك الحرية التامة المحمية بالقانون في انتخابات اتحاد الطلاب. وإطلاق حرية البحث العلمي والتدريب في الخارج، وتوفير السكن والمأكل والمشرب اللازم للجميع، خاصة بالنسبة لطالبات وطلاب الأقاليم. هذا وغيره من الأسباب الموضوعية هو الذي يعيد للجامعات سيرتها الأولى.