ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    نائب رئيس مجلس السيادة يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم ويؤمن على قيام الإمتحانات في موعدها    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من رموز الاستنارة الاسلامية في الصين في العصور الوسطي
نشر في حريات يوم 13 - 01 - 2011


السيد/ الأجل عمر شمس الدين ….
1211-1279م
المقدمة …..
كان ذلك عام 1994 أول زيارة لي الي مقاطعة يونان الصينية البعيدة للقيام ببعض البحوث الميدانية حول تاريخ الوجود العربي الاسلامي في ذلك الركن القصي من الصين اتلمس تاريخ المسلمين في العصور الوسطي في بقايا المساجد القديمة وشواهد القبور والاضرحة حيث وقفت في ذلك اليوم الربيعي المنعش امام ضريح تجمع للدعاء حوله خليط من الناس ينتمون الي ديانات ومعتقدات وتعاليم وسحن ولغات شتي حيث كان الكنفوشيسيون يرتلون تعاليمهم والبوذيون يرتلون نصوصهم ومسلمون صينيون يقرأون الفاتحة واصحاب ديانات أخري يحرقون البخور حول الضريح المقدس .جذبتني التلاوات والتراتيل الرخيمة ورائحة البخور ومنظر الرايات الملونه حول الضريح وفضول الباحث لاتقصي عن هذا الانسان الذي اجتمعت علي احترامه كافة القوميات ومؤمنين من كافة الاديان الني اعرفها في الصين . ومن شدة اندهاشي كان الضريح مزخرفاً بالفن الاسلامي مزداناً بالآيات الكريمة كان ذلك ضريح وقبر الحاكم المسلم العادل المنفتح علي الآخر السيد/ الأجل عمر شمس الدين* أو الأمير العربي شِيانْغ يَانْغ (Xiang Yang) كما يطلق عليه العامة من الناس والمصادر الصينية. أذن ما الذي جعل كل هذه الاديان والمعتقدات والقوميات تواصل احترامها لحاكم ومثقف مسلم طيلة هذه القرون؟
قررت يومئذ أن اكرس بعض سنوات لدراسة هذا الفقيه الحاكم الذي التفت حول تاريخه وصريحه الديانات والشعوب وكان ذلك . إن اعادة نشر اسهامات هذا الرمزالاسلامي تكتسب أهمية خاصة في وقت علت فيه اصوت المتطرفين الاسلامويين الذين يحاورون الآخر بالدم والعبوات المفخخة والمفاهيم السامة . وتأتي أهمية هذه الدراسة أيضا من كونها تصدر في وقت تشتد فيه الحملة على الإسلام والمسلمين حيث تتهم جهات الإسلام والمسلمين بالجمود والتطرف والانغلاق. إن قصة السيد/ الأجل في الصين تحمل دلالات كثيرة من أهمها على الإطلاق تنزيله السليم لروح الإسلام في مجتمعات متعددة الأديان والأعراق والثقافات.
لقد قام السيد الأجل بدور هام في الصين وساهم في الحوار الحضاري بين الحضارتين الإسلامية والصينية. ومثل قيم الإسلام الأصيلة في العدل واحترام الآخر.
الفقيه والعالم الإسلامي الإداري عمر شمس الدين
تشير المصادر الصينية إلى أنَّ السيد الأجل عمر شمس الدين تعود أصوله إلى المملكة العربية السعودية الحالية ويعود نسبه حسب هذه المصادر إلى الرسول الكريم.(1) وقد ولد عمر شمس الدين في بخاري (أوزبكستان الحالية) ويبدو أنَّ أسرته التي كانت تتمتع بمركز ديني وسياسي مرموق قد هاجرت إلى آسيا الوسطي مع الفتوحات الإسلامية الأولى. وحسب بعض المصادر فإنَّ أسلافه كانوا حكاماً على بخاري وأنَّ وفداً منهم قد جاء إلى الصين في سنة 463 هجرية (1070م) لتقديم “الولاء” مع أعيان من قبائل بخاري.(2) *
إلا أنَّ المصادر الصينية تبدو شديدة الاضطراب حول تاريخ وصول السيد الأجل شمس الدين إلى الصين، فبينما يشير سجل الأنساب الخاص بهذه الأسرة (Geneological record ) إلى أنَّ أجداده قد انتقلوا من بخاري إلى الصين في وقت ما خلال أسرة سُونغ الشمالية بسبب الاضطرابات هناك.(3)، يشير كتاب تاريخ أسرة يُوان إلى أن شمس الدين قد جاء إلى الصين مع الجحافل المغولية التي وسعت الفتوحات المغولية إلى غرب آسيا ويضيف “أن الإمبراطورTai Zong أو قوداى 627-639 هجرية (1229- 1241م) قد عينه في سنة 627 هجرية (1229م) رئيساً تنفيذياً (والياً) على ثلاثة ولايات مهمة“. وتغطى الولايات الثلاث مساحة من شمال غرب دَاتُونغ Datong)) في محافظة شَانْسِى إلى منغوليا الداخلية حتى غرب جِينْيِنغ (Jining) وتضم ولاية فَنْغ (Feng) شرق مدينة هُوهَوهُوت (Huhehot) وولاية جينغ (Jing) شمال مدينة هُوهَوهُوتHuhehot) )، وولاية يُون ني ((Yunnei غرب مدينة هُوهَوهُوت(Huhehot) . وتعتبر المناطق التي تقع تحت حكم شمس الدين مراكز تجارية مهمة ذات كثافة سكانية عالية.(4) وقد شكل هذا المنصب المهم بداية تاريخه السياسي والإداري. وتشير المصادر الصينية إلى أنَّ شمس الدين قد وصل إلى المنطقة وهى لا تزال تعانى من آثار المعارك بين جيوش المغول وأسرة جِين (Jin) التي انتهت في سنة 611 هجرية (1214م). وتصف المصادر التاريخية الصينية حالة الفقر وعدم الاستقرار الشديدين في المنطقة عند وصول شمس الدين إليها وبعد سنوات قليلة تحولت هذه المناطق إلى مناطق مزدهرة ومُنتِجَة حيث قام شمس الدين بإصلاح اقتصادي ريفي شامل أثمر هذا الإصلاح ازدهاراً في المنطقة و رفاهية لسكانها وتمتع السكان المحليون بحياة مزدهرة وسعيدة.(5).
وتكررت قصص نجاحاته في كل من منطقة يانجينغ (Yanjing) بكين الحالية وخُنَان((Henan وتَشندِينغ ((Zhending وسِيتَشوان Sichuan)) وشانسي Shaanxi))، حيث قام بإصلاح زراعي وفي مجال الضرائب عامة وخلال عشرين عاماً من عمله في يانجينغ (Yanjing) منذ سنة 663 هجرية (1264م) شهدت المنطقة ازدهاراً واستقراراً واضحاً. وكسب ثقة الناس في المناطق التي أدارها. حيث كان يقوم بخفض الضرائب وتوزيع المؤن على الناس في زمن الكوارث الطبيعية بل ويقوم أحيانا بإلغاء الضرائب.(6) وتشير الوثائق الصينية إلى أنَّ شمس الدين كثيرأ ما قام أثناء عمله وإدارته في مقاطعات ومناطق شَانْسِى وسِيتْشوَان بتوزيع الأراضي وقطعان الماشية والحبوب على مَنْ لا يملكون أراضي وقطعاناً للانتظام في عمليات الإنتاج وتنشيط الدورة الاقتصادية في هذه المناطق مما ينعكس بالطبع استقراراً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.(7) إلا أنَّ أهم إنجازاته على الإطلاق فقد كانت في منطقة يُونان الحدودية وذلك عندما عينه قوبلاي خان حاكماً على هذه المنطقة الفقيرة في سنة 673 هجرية 1274م التي سادتها الاضطرابات بسبب ثورة الأقليات القومية التي قادها شِيلِي وي (Sheli Wei) في سنة 663 هجرية (1264م) ومقتل أمير يونان هُوق إشيHug Echi الابن الخامس لقوبلاي خان في سنة 670 هجرية (1271م) بسبب صراع على السلطة وسوء إدارته للمنطقة.(8) وبالإضافة إلى اضطراب الأمن في يُونان وجد شمس الدين الذي بلغ عمره آنذاك 63عاماً المنطقة تعيش فقراً مُدقِعاً ونظاماً زراعياً متخلفاً وضعيفاً، حيث لم تكن المنطقة تعرف على سبيل المثال حتى وصوله محاصيل كالأرز ولم تكن هناك أية مرافق للري وفوق كل هذا كان السكان يرزحون تحت نير نظام ضرائب قاس لم يراع واضعوه حالة الفقر العامة في الإقليم.(9) وقد بدأ السيد الأجل شمس الدين إصلاحه الشامل بتنظيم الهيكل الإداري للمنطقة ونزع السلطات من كبار القادة الإقطاعيين وجنرالات الجيش، وفصل السلطة العسكرية عن المدنية. وبحلول سنة 675 هجرية (1276م) كان النظام الإداري القديم قد تم إلغاؤه أو إصلاحه إصلاحاً جذرياً.(10) وقد مهد الإصلاح الإداري لإصلاح زراعي ريفي شامل بدأ بتصميم نظام ري متكامل قام على تعميق بحيرة هَايكُوHaiKou)) والاستخدام الأمثل لنهر بَانلُونْغ Panlong)) وتصميم شبكة ري مرتبطة ببحيرة هَايكُو(Haikou) و نهر بَانلُونْغPanlong)) وذلك لمنع الفيضانات وبناء منشآت ري وتخزين على طول ست بحيرات. وأنشأ شمس الدين من بحيرة هَايكُو (HaiKou) وحتى بِينغْدِيشَاو Pingdishao)) على طول عشرة كيلومترات أكثر من 70 سداً على طول النهر وكانت المياه تنقل بشكل منظم من السدود إلى الحقول.
كما شق قنوات ري مثل قناة جِن تِشي (Jin Zhi) التي حركت ساكن الحياة على طول قرى القوميات التي مرت بها القناة. ولا يزال نظام الري الذي أقامه شمس الدين يعمل في بعض أجزائه حتى اليوم. وكان جوزيف نيد هام صاحب العمل الكبير العلوم والحضارة في الصين، قد أذهلته أنظمة الري التي أنشأها شمس الدين في حوض كُونمينغ أثناء زيارته لهذه المنطقة في نهاية سنة 1361 هجرية (1942م).(11)
وبتنظيم قنوات الري قام شمس باستصلاح أراض واسعة جديدة وادخل محاصيل لم تكن معروفه من قبل في الإقليم. وتم إصلاح نظام الضرائب مما خفَّف كثيراً عن كاهل المزارعين وتطبيق سياسات لصالح فقراء المزارعين.(12) ونتيجة لعلاقات الإنتاج الجديدة التي أفرزتها سياسات شمس الدين المنحازة لفقراء الناس في الإقليم ارتفعت معدلات الإنتاج وانتقلت قوميات كاملة من دائرة الفقر إلى حياة أفضل وأصبحت مدينة كُونمينغ ولأول مرة عاصمة ثقافية واقتصادية وتجارية لإقليم يونان الذي أصبح محافظة مستقرة ومزدهرة وجزءاً أصيلاً من الصين. ولم ينس شمس الدين القطاعات التي أقعدت بها ظروفها الخاصة عن عملية البناء والتمتع بثمار الازدهار في تلك الفترة. حيث خصَّص شمس الدين دوراً للمحتاجين واليتامى والأرامل وُفر لها طيب الطعام والملبس.(13) إلا أنَّ أبرز ما استرعى اهتمامي الشخصي في حياة هذا المسلم العظيم هو سياساته الدينية وعلاقاته مع القوميات والأقليات في منطقة هي في الأصل تضم تشكيلة متباينة من الأقليات والديانات والثقافات المختلفة، فشمس الدين التقى النقي الذي بنى مسجدين كبيرين هما مسجدا نَان شَنْغ (Nan Cheng) ويُونغ نِينْغ (Yong Ning) بنى أيضاً معابد ومدارس لأتباع المعلم الفيلسوف كنفوشيوس، بل هو أول من بنى في سنة 673-675 هجرية (1274 – 1276م) أول معبد كنفوشيوسى في تاريخ يُونان وقد أُلحقت به مدرسة لدراسة التعاليم الكنفوشوسية وعلوم أخرى كالطب والفلك وغيرها وكانت هذه المدرسة هي أول مدرسة في الإقليم تقبل التلاميذ من جميع القوميات والخلفيات الأسرية.(14) ونلاحظ أنَّ شمس الدين قد استفاد من نظام الأوقاف الخاص بالمساجد حيث اقترح شراء أراضى لصالح المعبد المدرسة وتأجيرها ليعود عائدها للصرف على المدرسة والمدرسين.(15)
وتشير المصادر الصينية بما فيها مصادر تاريخ القوميات في محافظة يونان إلى العلاقة الرائعة التي قامت بين أبناء هذه القوميات وشمس الدين حيث أظهر هذا المربي المسلم العظيم تفهماً واحتراماً منقطع النظير لثقافات هذه الأقليات ونمط حياتها ودياناتها وموروثها الثقافي، حيث حرص شمس الدين على إظهار احترامه الكامل لتقاليد هذه القوميات، ولم يكترث شمس الدين بالنظام العنصري الاجتماعي الذي فرضه المغول على المجتمعات التي حكموها في الصين والتي أشرنا إليها سابقاً (أنظر ص 5) فقام بتعيين الإداريين الأكفاء من مختلف القوميات بغض النظر عن ترتيبهم في النظام الاجتماعي المغولي ودينهم حيث اختار مسؤولين لمواقع إدارية رئيسية من قوميات الهان، والتانغو، والباى واليِى وغيرهم.(16) وتحت قيادته عاشت القوميات الصينية المختلفة في سلام حقيقي واستطاع في سنوات حكمه الست أن يضم مملكة دَالِيDali) ) ومملكة نَان تَشاوNan Zhao)) بشكل نهائي للسلطة المركزية لتصبح هاتان المنطقتان جزءاً أصيلاً من الصين.(17) ونلاحظ أنَّ بعض الباحثين الصينيين قد فسروا اهتمام شمس الدين ورعايته للمعابد والتعاليم الكنفوشوسية ومعتنقيها بأنه اختار لحكم الإقليم برنامجاً كنفوشوسياً، ويتساءل هؤلاء الباحثون عن لماذا اختار شمس الدين عمر برنامجاً كنفوشوسياً بدلاً عن برنامج إسلامي في يُونان وهو الحاكم الشديد الإيمان بدينه القوي والمدعوم من المركز في بكين والمحبوب من شعبه في يُونان، ولا يجد بعض الباحثين جواباً لسؤالهم الحائر سوى أنَّ شمس الدين كان قد تصين بحكم إقامته الطويلة في الصين في ذلك الوقت، بينما يحاول الباحث الصيني وَانْغ جِيانغ بِينْغ الإجابة على هذا السؤال بقوله ” إن المناطق الحدودية في يونان لها تاريخ تلاقح ثقافي قديم مع الثقافة الصينية قبل أسرة يوان وانَّ سكانها قد تأثروا بالتقاليد الكنفوشوسية وأن القيادات الإسلامية هناك بما فيهم شمس الدين عمر قد استفادوا من هذا الاتجاه لتعزيز التنمية والاستقرار الاجتماعي في هذا الإقليم“.(18) ومع تقديري لهذه الاجتهادات إلا أنني اعتقد أنَّ شمس الدين عمر لم يطبق في يُونان برنامجاً كنفوشوسياً علماً بأنَّ مسلمي الصين ظلوا تاريخياً قريبين جداً من التعاليم الكنفوشوسية لتشابه الكثير من تعاليمها مع تعاليم الإسلام، بل في الواقع أنَّ شمس الدين قد طبق برنامجاً إسلاميا صحيحاً قائماً على فهم عميق لتعاليم الإسلام وتراثه العظيم المبنى على احترام الآخر والحوار معه بالحُسنى وبسط قيمة العدل ومنح الناس حقوقهم الثقافية والاقتصادية. وقد نجح في تقديري برنامج شمس الدين الإسلامي المتسامح في يُونان والدليل على ذلك هو الوجود الاسلامى الكثيف في يونان اليوم. إن الحزن النبيل الذي خيِّم علي القبائل والقوميات في يُونان والأساطير والحكايات والأغاني التي الفتها وكتبتها مختلف القوميات في يُونان والتي اتفقت كلها طوال سبعمائة عام بمختلف دياناتها وثقافاتها على عظمة هذا الأمير المسلم العظيم وعدله وتواضعه تدل حقاً على عمق العلاقة التي أسسها هذا الحاكم مع محكوميه الذين خرج جزء مقدر منهم مختارين من معابدهم التي بناها لهم ليدرسوا تاريخهم وتراثهم ودخلوا أفواجا لرحاب الإسلام الرحيب لاخوفاً بل اقتداءً بحاكمهم وبعدله. وهى تعرف أو لا تعرف أنَّ شمس الدين قد استمد عدله وثقافته الواسعة واحترامه للآخر من عدل الإسلام النقي حين يتسلل بإنسانيته وفطرته السمحة في دواخل المسلمين فلا يرون في الذين يختلفون عنهم في معاشهم ودينهم وثقافتهم وألوانهم سوى إخوة إن كانوا بينهم، ومواطنين كاملي الحقوق يُسألوا عنهم يوم الحشر العظيم (يأيها الناسُ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكُم شُعُوبا وقبائل لتعارفُوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير) سورة الحجرات – الآية 13، وقد استمر أبناء شمس الدين الذين واصلوا حكم هذا الإقليم في تنفيذ سياسات وبرامج والدهم وحظيوا بذات الاحترام.
اليوم وبلاد المسلمين تعج بالعنف الطائفي والديني ويمزق غلاة المتطرفين النسيج الاجتماعي في بلادنا وتدفع الاقليات الدينية والقوميات عنوة للرحيل عن تراب الوطن العربي والاسلامي تحت شعارات النقاء العرقي والديني وباسم الاسلام وغيره ، اليوم كم نحن في حاجة لاستدعاء رموز الاستنارة من المسلمين امثال السيد الاجل عمر شمس الدين.
المصادر:
* سيد اجل عمر شمس الدين هكذا يكتب السواد الأعظم من الباحثين الصينيين اسمه، ويفسر هؤلاء الباحثين كلمة سيد بأنها تعنى السليل العظيم للرسول (صلي الله عليه وسلم) بهذا تكون كلمة سيد وكلمة أجل ضمن الاسم لهذا السياسي البارز حسب القراءة الصوتية للباحثين الصينيين. ونعتقد أنَّ اسمه هو عمر شمس الدين أما السيد اجل فهو لقب العلويين في آسيا الوسطي (السيد الأجل). والسيد الأجل هو تعبير احترام مثل المبجل، فخامة وغيرها. أنظر حول هذا الاستخدام
Li Qingesheng, Translated by Li Danhe, Ma Yonghong, Li Changyin, and Li Yue, A Biography of Sayyid Ajall Omer Shams Al-Din, Yunnan University Press, 1998, p.2.
1-Li Qingesheng , Translated by Li Danhe, Ma Yonghong ,Li Changyin, and Li Yue , A Biography of Sayyid Ajall op.cit.,p.2.
2-Jianping Wang, Concord and Conflict, op.cit, p. 47.
* درج مؤرخو البلاط الصيني على توثيق كل الوفود القادمة من خارج الصين لتعزيز الصلات بين ممالكهم والصين في حولياتهم التاريخية، لكنهم يشيرون في هذه الحوليات إلى أنَّ هذه الوفود جاءت لتقديم فروض الطاعة والولاء لإمبراطور الصين(Tribute) حيث كان الصينيون يعتقدون أنهم المركز المتحضر الوحيد في العالم.
3-Li Qingesheng, Translated by Li Danhe, Ma Yonghong, Li Changyin, and Li Yue, A Biography of Sayyid Ajall Ajall, p.2.
4-Ibid. pp. 2- 3.
5- يحي لين سونغ ، السيد أجل شمس الدين مساهمة عظيمة لمسلم في بناء مناطق الصين الحدودية ، سلسلة ثقافية (1) ، منشورات مجلة بناء الصين، دار النشر باللغات الأجنبية، بكين ، 1982، ص ص 115- 121.
6- نفس المصدر، ص 118
Volume.125 (In Chinese) Yuan Shi (History of Yuan Dynasty) 7-
8-Qingesheng , Translated by Li Danhe, Ma Yonghong ,Li Changyin, and Li Yue , A Biography of Sayyid Ajall, , op.cit p. 22.
9-Bai Shouy , Shams, The Annals of Hui figures , Volume 2.
أنظر أيضاً يحي لين سونغ ، السيد أجل شمس الدين مساهمة عظيمة لمسلم في بناء مناطق الصين الحدودية ، مصدر سبق ذكره ، ص ص 116 – 118، انظر ايضاً
Che'n Yuan, Translated and annotated by Ch'ien Hsing – hai and L. Carrington Goodrich, Western and Central Asians in China, op.cit.,p.58.
Li Qingesheng, Translated by Li Danhe, Ma Yonghong, Changyin, and Li Yue, A Biography of Sayyid Ajall, op.cit. p.26. 10-
11-Ibid., pp 31- 39 , see also needham, Joseph , Science and Civilization In China , Volume 4 , Cambridge, at the University press , 1971, p 297 .
12- إعداد محمود يوسف – لي هوا ين وآخرون، تعريب محمود يوسف لي هوا ين وآخرون، الشخصيات الإسلامية البارزة في الصين، دار النشر باللغات الأجنبية، بكين، الطبعة الأولى، 1993م، مصدر سبق ذكره، ص ص 4-8
13-Li Qingesheng, Translated by Li Danhe, Ma Yonghong, Changyin, and Li Yue, A Biography of Sayyid Ajall, op.Cit p.106. 14-Che'n Yuan, Translated and annotated by Ch'ien Hsing – hai and L. Carrington Goodrich, Western and Central Asians in China, op.cit, p 58.
15-Li Qingesheng , Translated by Li Danhe, Ma Yonghong , Changyin, and Li Yue , A Biography of Sayyid56 Ajall , op.cit p – 56.
16-Ibid., p.64.
17-Ibid., p.59.
18-Jianping Wang, Concord and Conflict, op.cit, p.72.
______________
______________
* باحث في تاريخ العرب والمسلمين في الصين. حصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الصينية العربية. ودراسات ما بعد الدكتوراه في سياسة الصين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. له عدد من الكتب والدراسات حول الشؤون الصينية. باحث زائر في معهد دراسات الشرق الأوسط شنغهاي – عضو معهدي الدراسات العربية الإسلامية في كل من جامعة بكين وجامعة نان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.