محمد ادم فاشر.. واحدة من الدول الافريقية والعربية التى تمكنت ان تؤسس نظام دولة ومؤسسات تعليمية معتبرة علي مستوى العالم ولعبت ادوارا اقليمية ودولية في مختلف المجالات ومنهم علماء يشار اليهم بالبنان ولكن ما يمكن ملاحظته في مفكري وعلماء مصر انهم يفكرون بعقلية واحدة فيما يخص الشان السودانى مع انهم يعرفون السودان جيدا ولربما اكثر من السودانيين انفسهم وقد انشأوا معهدا للدراسات السودانية في جامعة القاهرة والتى صارت الدراسات الافريقية فيما بعد ، فضلا عن المعنيين بالشأن السودانى من اساتذة الجامعات وخبراء المخابرات والامن والدبلوماسيين لم يخطر في بالهم بان تقديم الدعم للحكومات العرقية الدكتاتورية كان السبب المباشر للحروبات السودانية في كل ركن من اركانها وبل السبب المباشر في تفتيت السودان وتوفير ارضية خصبة للارهاب في الحالتين تعمل الاضرار بالمصالح المصرية كان يمكن تجنبها بما فيها تقيسم السودان اذا قرر المصريون الحكم الديموقراطى في مصر بدلا من حرمان الجار من التوجه الديموقراطى خوفا من انتقال العدوى . ان توفير الدعم للحكومات العرقية بدعوى الحرص علي المصالح المصرية كان من شأنه توفير احساس غير ضرورى بان الاخرين (غير الشماليين) ضد المصالح المصرية في السودان بل دفعهم دفعا في هذا الاتجاه . بالطبع ان الاخوة المصريون اعلم بمصالحهم في السودان واسلوب الحفاظ عليها ولكن ربطها بالجزئيات سوي كانت الايدلوجيات العرقية او القومية او حتى الدينية قد تستمر بشكل مثمر جدا الي حين ولكن تحتوى علي كثير من المخاطر لان امدها مرهون ببقاء المكون السياسي .فان توفير الدعم السياسي وعسكري والدبلوماسي قد يكون ممكنا ايضا ومفيدا الي بعض الحين ولكن الشأن السودانى غير متروك لمصر ليقرر من يحكمها للابد وقد تبين واضحا ان مصر قدم اقصي ما تستطيع لحكومات الشمال بما فيه الدعم العسكري المباشر للصراعات الداخلية بناء علي قراءة الخريطة التاريخية للشعوب السودانية ولكن عندما وصل السودانيون مفترق الطرق لم يتم حتى اشراكمصر في تقرير مصير جنوب السودان ولم تستطيع مصر حتى حصول علي الضمانات الضرورية لتدفق مياه النيل والاغرب ان تفيت السودان تم بيد المصريين مقابل سكوت الكبار عن نقمة الديموقراطية في مصر – مبارك – كان من الممكن ان تكون هذه درس مستفاد واخضاع العلاقات لسمات العصر واخذ معطيات العولمة في الاعتبار منها استحالة تفادى الديموقراطية الحقيقية مهما كلفت الامر و ولذلك ان الرهان علي الاقلية الاثنية الحاكمة ليس كل الحكمة . صحيح ان المصريين لم يكونوا مسؤلين من سلوك حكومات لم ينتخبوها ومصر اليوم يمر بمخاض عسير في طريقها للديموقراطية وليس هناك خيار غيرها بيد ان المؤسسات الفكرية والسياسية المصرية اليوم من الممكن ان تعبر عن رايها بل البحث عن الحلول المناسب فيما يخص مصير الحلايب والشلاتينحتى لاتؤثرعلي العلاقات المصرية السودانية ليس بالضرورة صحةادعاء السودانى بملكيتها ولا ادعاء المصري و لكن ضرورة العمل علي ايجاد الحل وان تتطلب اللجوء الى التحكيم او ترك الوضع السياسي للمناطق المتنازع كما هو عليها الحال قبل 1995 وعمل علي تطوير العلاقات السياسية وازالة الحدود بشكل عملي او الوصول الي حلم دولة وادى النيل ولكن المنطق السياسي ان التنازع في الاراضى بمساحة مثلث حلايب لا يمكن في ظله ان نعم العلاقات الحميمية والاخوة المصريون يعلمون جيدا لا يمكن فرض واقع بالقوة للابد كما لم يحدث من قبل . وان القوة نفسها لا يمكن الرهان عليها ،كما انها لم تتوقف علي العوامل العسكرية وحتى تلك يمكن عن يحدث التوازن وبل حتى التفوق امر غيربيعيد ان لم يكن في المستقبل القريب سيكون في المستقبل البعيد سيظل الحلايب في الذاكرة السودانية ولربما تكون عائقا امام الحلم الكبير دولة وادى النيل . والغريب ان اخوان والثورة في مصر رفضوا كل اعمال الحزب الوطنى ولكنهم باركوا احتلال حلايب باختلاف توجهاتهم . ان ما سمعناه من الرئيس المصري محمد مرسي عن الحدود وما كنا نسمع باستمرار من الطرف السودانى يفترض ان لا يكون هناك حدودا يتنازعوا عليها اذا كانوا صادقين ولكن الماثل غير ذلك . الواقع لا يمكن تغطية النار بكوم من الاعشاب ان العلاقات الازلية و الاخت الكبري والصغري لا يفترض ان يكون واقعا في الحدود مفروضة بالقوة العسكرية. قد يمكن فهم اعتبارها منطقة متنازعة كما كانت وحتى احتلالها ليس بالجديد في العلاقات الدولية عندما تكون عدم التوازن في القوة اما ان تكون دولة صديقة وبل الاخت الكبري امر يصعب فهمه اذا كانوا صادقين . ولكن قبل هذا وذلك قضية الحلايب وضعت العناصر التى تري مصر انها مؤتمنة علي مصالحها موضع الحرج اذا كان البشير الان في الحكم قد يدفع بقية اهل الشمال ثمن بالكامل لان الفاصل بين حكومة البشير واهل الشمال خيط رفيع في نظر بقية القوميات . وما من شك ان سياسة الدولة المصرية وجهود المفكرين المتطوعين من اساتذة الجامعات الذين يظهرون في التلفزيونات والاذاعات العالمية في كل شأن سودانى لم يوفروا لدي السودانيين انطباعا بانهم يعرفون السودانيين وهذه الحقيقة تؤكدها شأن جنوب السودان منذ 1956 عندما يتحدثون عن الخط الاحمر بشان وحدة السودان ، اليوم نعيش واقعا تجاوز الخط الاحمر و ذات الاصوات وهذه المرة من القانونيين يظهرون صباحا ومساء في التلفزيونات العربية ويقولون لا ولاية علي محكمة الجنايات الدولية للسودان وان امر التوقيف عمر البشير باطل شكلا وموضوعا مع ان اي شخص في هذه المعمورة يعلم ان هذه المحكمة تعمل لحساب مجلس الامن صاحبة الولاية لكل الكون بعد الله. والخطأ يتكرر الصورة طبق الاصل في شان دارفور في نظرهم عملا من اعمال الصهيونية لطعن العروبة ومن بعدها الاسلام من الخلف و يتم استنفار العرب لحراسة البوابة الجنوبية مع ان الحقيقة اسرائيل لو ارادت دخول السودان لا تحتاج ان تخسر ثمن رصاصة واحدة ولا في حاجة الى الطرق الوعرة بل من بوابة الخرطوم عندما تلقت دعوة تليها الدعوة ومع التوسل لدخول السوان ولكنها ممتنعة لان الحكومة السودانية تقوم طوعا بكل الافعال التى تريد اسرائيل القيام بها في السودان او في اية دولة عربية اخري منها التشويه لصورة الاسلام وتفيت البلاد واساءة لصورة العرب و العروبة حتى تتواضع جرائمها في الاراضي المحتلة خجلا امام السلوك الذى يحسب للعروبة في دارفور وجنوب كردفان . والاخوة المصريون وحدهم قد لا يعلمون كثيرا الرأي السلبي لدى كثير من الدول الافريقية نحو مصر وفي كونها تظهر كما لو انها تجد حرجا في الانتماء اليها والدول الافريقية تلتقط وتحتفط حتى اللقطات في الدرما التى تسئ الى العنصر الاسود ويتم التبادل فيما بينها عبر الجمعيات الاهلية وكان الشئ الطبيعي ان يراعوا علي الاقل مشاعر السودانيين الذين يحلمون بدولة تضمهم مع مصر وتأبي مصر الا ان تبتعد بمشاهد احتقارها للسود. وسبق ان وردت في الصحف السودانية نقلا عن الصحف الامريكية بان الطيران المصري والسورى شاركت في قصف دارفور بجانب الحكومة السودانية ومر الخبر من دون تعليق من الدولتين مع ان هنالك فرصة للمصريين التنصل من سلوك الدكتاتور المصري مبارك لا في شأن دارفور فحسب بل لكل السودان الا ان تقليلهم من شأن قضية دارفور خطأ دبلوماسي شبيه بتسويق مصر انقلاب عمر البشير بزعم اولادنا. والذى كلف السودان ومصر معا ثمنا غاليا وهكذا ان اخطأ الدول قاتلة ومدمرة . وليس هناك ادنى شك ان الدبلوماسية المصرية اخطأ التقيم بشكل واضح عند دخولها المنافسة رغبتها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عندما بدأت التفكير في انشاء الملاعب بعد ضمانها الحصول علي التأييد الضرورى لها وتبين فيما بعد انها لم تحصل الا علي صوت واحد ولذلك . والذاكرة ما زالت عامرة بالخطأ الدبلوماسيعندما وضعت مصر كل بيضها في سلة واحدة وراحت ضحيتها كل علماء مصر في الطائرة المنكوبة المتجهة من امريكا الي مصر لم تكلف العدو سوى الجهد الضرورى لقياس مسافة سقوط الطائرة بالدقة حتى لا تكون في منطقة معمورة. بالطبع لسنا في حاجة الى دليل ان الجهد الدبلوماسي المتواضع لمصر جعلت دولة سكانها اقل من خريجي جامعة القاهرة في عام واحد ومساحتها اكبر قليلا من الحديقة الدولية تتصدر الدور الاقليمى والشهود صبرا وبل تعمل علي ترتيب الاوضاع في السودان وحتى في مصر . وخلاصة القول ان المصريين يعرفون السودان جيدا هذا صحيح ولكن لا يعرفون السودانيين والدليل علي ذلك كان يكفي علما بان العلاقات التى تمت رهنها للجماعة التى يسمونها اولادنا لم يستطيعوا تحريك خطوة الى الامام علي مدي نصف قرن واكثر بل التراجع و من المؤكد لم يكونوا في وضع افضل بعد الان يمكنهم تقديم الخدمة في العلاقات المصرية – السودانية اكثر من العقود الخمسة التى حكموها بالانفراد مع غياب الاخرين ولذلك اذا كانت هناك الرغبة في تطوير العلاقة بين البلدين ينبغي ان يكون علي اسس جغرافية والمصالح المشتركة بين كل الشعوب والعمل بشكل جدى لبناء وحدة وادى النيل ليس الرهان علي الجماعة الذين اعتادوا رفع عصا الوحدة عندما يشعرون بالتهديد فقط .