ظلت أزمة غاز الوقود تكرر نفسها بصورة رتيبة في نفس هذا الوقت من كل عام تقريباً، الأمر الذي جعلها تبدو وكأنها لغز أو (غلوتية) لا يُدرك كنهها ولا يُعرف أصلها ولا فصلها، ففي مثل هذا الزمان من كل سنة تدخل البلاد في شح واضح ومؤثر في سلعة الغاز، وما يوجد منه على قلته وندرته ترتفع أسعاره إلى الضعف، ورغم ذلك يضرب الناس في الأرض بحثاً عنه وغالباً ما يعودون من رحلة البحث المرهقة بخفي حنين، والحجة التي تعلنها الوزارة المختصة مع كل أزمة «حولية» تتأرجح ما بين سببين أولهما أن المصفاة المنتجة للغاز قد دخلت «الحمام» في دورة نظافتها الدورية وهذا ما يؤدي إلى أن «يدور» الناس في الفاضي بحثاً عن الغاز بلا جدوى، وثاني الأسباب التي يدفع بها مسؤولون آخرون بعد أن يجزموا بأن الغاز متوفر بكثرة وليست هناك ندرة فيه ولا يحزنون فيعزوا الأزمة إلى أنها أزمة أخلاق وفساد ضمير بعض تجار السلعة الذين يفتعلون هذه الأزمة لزيادة الأسعار جشعاً وطمعاً، وبين هذا العذر وتلك الحجة يحتار المواطن فلا يدري على وجه التعيين ما هو سبب الأزمة التي يكابدها بالفعل، هل هو «نظافة المصفاة» أم «تصفية جيوبه». هذه الأيام تحل علينا الذكرى السنوية لأزمة الغاز ويتكرر المشهد ب «ضبانته» مع إختلاف وحيد هذه المرة وهو إختفاء حجة «نظافة المصفاة» ونفى مغلظ بأن لا أزمة البتة وأن الغاز متوفر ك «الهم في القلب» بينما تجأر ربات البيوت بالشكوى من إنعدامه ليظل السجال قائماً ما بين الوزارة المعنية وبينهن، الوزارة تنفي الأزمة وهن يؤكدنها بياناً بالعمل، ويستمر جدل «في، ما في» بلا نهاية، فكل طرف متمسك برأيه فيقع أرباب البيوت بين مطرقة الوزارة وسندان أمهات العيال، الأمر الذي يحتاج إلى طرف ثالث يحسم هذا الجدال ويضع يده على الحقيقة عارية، وليس هنا من حل أنسب من الذي لجأ إليه الكوميديان المصري الأشهر عادل إمام في مسرحية «شاهد ما شافش حاجة» حين صرخ في وجه ممثلي الدفاع والادعاء في قضية مقتل الراقصة عنايات بعد أن إحتدم بينهما الجدل حول حيثية محددة في القضية وتعالت أصواتهما، وكل واحد يحاول إثبات أن الحقيقة معه والحق إلى جانبه، وحسماً لهذا الجدال العقيم الذي للغرابة كان يدور أمام ثلاثة قضاة داخل المحكمة، إلا أن عادل إمام لم يجد مناصاً من أن يصرخ في وجهيهما «بس إحنا نروح القسم»، وإن كان لي من كلمة قبل الذهاب إلى القسم فهي أن الحكومة غلطانة وأن الأزمة «راكباها راكباها»، فلا نظافة المصفاة بالعذر المقبول ولا جشع التجار بالمبرر المبلوع، ففي الحالتين هناك ثغرة تخطيط وتدبير من جهة ورقابة وضبط من جهة أخرى وهذين من شغل وزاره النفط…