منصور الصُويّم تمأزقات رجل المواصلات (التداعي) يحكى أنّ رجل المواصلات الذي عاصر كافة وسائل المواصلات الوطنية، بداية من (تاكسي الغرام) الذي أمتعه في طفولته وأعاد إليه بعض ذكريات مرات في كهولته؛ مرورا بتاكسي الخرتوم (أيام البرجزة القصيرة) وباصات أبو رجيلة (أيام وهمة الطبقة الوسطى!)، إلى أن وصل زمن الدفارات (بداية الطشاش) والسياحي والأمجادات (التي بلا أمجاد) حتى الهايسات وباصات الوالي (التي حيرته في قدرة الجديد على الهلاك)؛ وهو الذي بلغ من العمر عتيا وما زالا يمشي متنقلا من موقف إلى موقف؛ مضيعا في (جهجة) التجوال أهم صفاته الكهولية: التأمل في الخلق من شباك أو كرسي نص في حافلة.. آه يا زمن. قال الراوي: رجل المواصلات الذي أكلته السنون حلما بمركبة تقيه (دفسيبة) المواصلات لم يكن يتوقع مطلقا أن يمتد عمره ليشهد؛ مضافا للازدحام والانتظار وتدلل الحافلات وندالة الباصات، فوق ذلك ابتكار وسيلة (عذاب) أخرى تهبها الحكومة لرواد المواصلات مثله، فبعد إصابته بصدمة التنقل الأولى من مكان إلى آخر وحرمانه (فجأة) مما ألف وولف، اكتشف (فجأة أخرى) قرارا جديدا ب(تشتيت) المواقف إلى مكان آخر، مع اختيار عجيب للتوقيت (عز الصيف والشمس نار منقد!). قال الراوي: كان رجل المواصلات يزحف مع الزاحفين من موقف (جاكسون) القديم إلى موقف (شروني) الجديد. مئات الشباب كان يعبرون من حوله وهم يسخطون ويسخرون، وهو بطيئا متوكئا على عكازه يمضي، يتوقف لثوان ليزيح عرقا تسرب إلى عينيه، يفرد صحيفته (المكرمشة) ليتقي شمسا لا وقاء منها.. يتأمل في الخلق: (وجوه مكفهرة، يعلوها استياء، يأس، هؤلاء الناس بؤساء، البنات، هؤلاء الطالبات تعيسات، أدوساد هذا، عاد ليعذبهم؟). ختم الراوي؛ قال: حين وصل الموقف الجديد (شروني) وجد رجل المواصلات، شباب المواصلات الساخطين، ورجال المواصلات المكفهرة وجووهم، وبنات المواصلات التعيسات، ونساء المواصلات البائسات، وأطفال المواصلات الضائعين؛ كل ضحايا (دوساد المواصلات) وجدهم هناك يتقون (الشمس) بأكفهم وصحفهم (المكرمشة) في انتظار (عبيط) للمركبات، تأملهم وقال في سره (كما كان، وما المتوقع من كاهن العذاب). استدرك الراوي؛ قال: في وقفته تلك (طالت جدا) تعب رجل المواصلات، أحس بشيء كالإغماء قبل أن يتهاوى، كان يسمع أصوات الشباب (الساخطين): "ألحق عمك، جيب موية.. شوف أمجاد"، وصورة حالمة لتاكسي الغرام تدغدغه وهو يبصر طفلا يتقافز ضاحكا والكارو تمضي. زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)