تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    دورات تعريفية بالمنصات الرقمية في مجال الصحة بكسلا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الدور العربي في وقف حرب السودان    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    حادثت محمد محمد خير!!    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إريك ريفز يكتب : وقفات مع التعتيم على دارفور
نشر في حريات يوم 24 - 05 - 2013


وقفات مع التعتيم على دارفور
اريك ريفز
كثيراً ما يسألني الناس, "هل لا زال الوضع مريعاً في دارفور؟ هل لا زالت درافور أزمة إنسانية؟" إنه لأمرمؤلم أن يضطر المرء للإجابة على مثل هذا السؤال, حتى لو كان ذلك فقط بسبب الصعوبة في إعطاء صورة ولو مبتسرة عن حجم الدمار والمعاناة الإنسانية الهائلة, أو عن وحشية حرب الاستنزاف التي تقودها الخرطوم ضد جهود العون الإنساني, أو عن السيل الضخم والمتواصل من النازحين المدنيين, الذين فاق عددهم المليون وسبعمائة ألف منذ عام 2007. بذات القدر سيكون من الصعوبة بمكان تقديم سجل يناسب ما قام به نظام الخرطوم في دفع الأوضاع إلى ما أسمته هيومان رايتس ووتش قبل عدد من السنين "الفوضى المقصودة". في الحقيقة, لا زالت الأزمة في دارفور أزمة "مصممة" –تغذيها حالة من الإنكار وإعاقة وصول العون الإنساني؛ وإصرار الخرطوم على منح الحصانة لمليشياتها بالوكالة المنخرطة في الابتزاز والقتل، ومصادرة الأراضي، وفي ظل هجمات عسكرية لا هوادة فيها من القوات المسلحة السودانية النظامية والقوات الموالية لها,حيث تواصل القوات الجوية السودانية على وجه الخصوص اعتداءاتها الوحشية -والعشوائية إلى حد كبير- على أهداف مدنية، تأكدت منها عدة مئات حالياً (seewww.sudanbombing.org).
"لماذا اختفت إذاً من الواجهة؟", هذا هو السؤال الثاني الملحق. "ماذا عن حملة المناصرة النشطة والقوية في بداية عملية الإبادة؟ لماذا لم نعد نقرأ اليوم شيئاً عن درافور في الأخبار؟" هذه -بدون شك- حزمة من الأسئلة الصعبة, ولكن من المؤكد أيضاً أن هناك بعض الإجابات البديهية عليها:
[1] لا تسمح الخرطوم بدخول الصحفيين إلى دارفور, إلا في ظروف مقيدة بشدة, ومن الممكن أن ينتج عن هذا التقييد تقارير غير دقيقة بشكل فاضح, من قبل حتى أولئك الصحفيين الموهوبين؛ (انظر مقالي الصادر في 15 أبريل 2012, عن تقرير خبري مضلل تماماً لصحيفة النيويورك تايمز من غرب دارفور).
[2] لا يُسمح بتقارير حقوق الإنسان المستقلة في دارفور لعدة سنوات الآن, في المقابل لم يفعل معظم مقرري حقوق الإنسان التابعين لمختلف وكالات الأمم المتحدة شيئاً يُذكر بهذا الخصوص. وكان فريق الخبراء السابق للامم المتحدة حول دارفور قد انجز عملاً ممتازاً, ولكن النتائج المدروسة جيدا لذلك العمل لم تجد مستمعين كثيرين، وبحلول عام 2010، أصبح الفريق مسيساً بصورة كاملة تقريباً, وصارت تقاريره غاية في السوء (أنظر سودان تربيونو 28 ابريل 2013). على سبيل المثال حُذف شهر سبتمبر 2010 –وهو الشهر الذي شهد مجزرة كبيرة وغاية في الوحشية للمدنيين من غير العرب ارتكبتها مليشيا عربية في بلدة تابارات بشمال دارفور- حُذف هذا الشهر بعناية من تقويم كل من الفريق السابق والذي جاء بعده ,حيث بدأ هذا الأخير تقويمه بشهر اكتوبر 2010, على الرغم من أن تقارير الفريق السابق تغطي الفترة حتى شهر اغسطس 2010. ولا زلنا نفتقر إلى تقرير من الأمم المتحدة حول المجزرة الإثنية في تبارات, وذلك برغم صدور تقرير متزامن ومفصل لرويترز, التي وجدت حتى وقتاً لإجراء مقابلات مع الناجين من المجزرة.
[3] حرفت الأمم المتحدة، سواء في الأمانة العامة أو في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، بشكل سيء حجم الأزمة في دارفور، بل ذهبت إلى حد الكذب الفاضح بشأن وصول المساعدات الإنسانية إليها. كذلك أذعنت الأمم المتحدة لطلب الخرطوم بالامتناع عن نشر البيانات والتقارير الإنسانية. كما أن قوات اليوناميد، التي يرفض المسؤولون في الخرطوم بشكل روتيني السماح لها بالوصول إلى أماكن عملها، هي بعثة تعاني تدن في الروح المعنوية, وأصبحت تقاريرها تافهة وغير مكتملة بصورة فاضحة.
وفي تقديري فإن كثير من الناس من خارج دارفور أصبحوا يعتقدون أن الأزمة ببساطة قد استمرت لفترة أطول بكثير من أن تكون أزمة حقيقية ­ -وهي نتيجة لا تعدو أن تكون صحيحة من وجهة نظر ظرفية- ولكن من المؤكد أن الاهتمام ذوى شيئاً ما. ونال الإجهاد من كثيرين من الناشطين والمناصرين- أساسا للأسباب المبينة أعلاه.
ولكن هناك سبب آخر أقل بداهة وضوحا لأن تصبح الأزمة في دارفور غائبة غير مرئية. ذلك أن المعاناة والدمار الذي حدث قد تم -في بعض الأحيان- تحريفه بصورة خطيرة من قبل أولئك الذين يدعون معرفة أفضل وأوثق بالمنطقة. والمثال الأبرز هنا هو اليكس دي وال، الذي أدان مراراً وبحدة حملات المناصرة المدنية لدارفور في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم -بوصفها جاهلة، ومضللة، وأخيراً, مدمرة- فبعد كارثة اتفاق السلام في دارفور عام 2006 (أبوجا، نيجيريا)، ذهب دي وال ليصبح "الخبير في شؤون دارفور" لفريق الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى حول دارفور (AUPD) والذي بدأ عمله في عام 2009، وترأسه السياسي الطموح ثابو امبيكي، الرئيس السابق لجنوب أفريقيا. وقد أصدر الفريق تقريراً مطولاً تضمن مواضع زائدة عن الحاجة بشكل لا يطاق (بدون الاقتباس ولا مرة واحدة من أعمال أخرى، بما في ذلك تلك التي كان من الواضح أنهم اعتمدوا عليها)، وتوصل في الختام إلى "خارطة طريق للسلام في دارفور." .
غير أن تنفيذ "خارطة الطريق" حوّل -كما هو متوقع- فريق الاتحاد الافريقي رفيع المستوى حول دارفور إلى الفريق (الغامض جغرافيا) رفيع المستوى للإتحاد الأفريقي للتنفيذ (AUHIP)، برئاسة امبيكي مرة أخرى. سيذكر كثيرون أن امبيكي هو الذي رفض قبول دليل علمي راسخ بشأن فيروس نقص المناعة المكتسب / الإيدز، وعرض بذلك مواطني جنوب افريقيا إلى وباء وحشي لا زال يفتك بالبلاد. كما أن امبيكي هو الذي مدّ شريان حياة دبلوماسي حاسم لروبرت موغابي في زيمبابوي، وليس هناك من هو أشد قسوة أو مستبد فرد أكثر تدميرا في أفريقيا من موجابي. وكما كان متوقعاً تماماً في مثل هذه الحالة –بالنظر إلى الوسائل والاجراءات المعيبة والقيادة الأكثر عجزاً- فشل فريق التنفيذ فشلاً ذريعاً في دارفور. فكان أن هاجر نتيجة لذلك إلى قضايا سودانية أخرى, محتفظاً بذات الإسم الغامض الفخيم: فريق الاتحاد الافريقي رفيع المستوى للتنفيذ. وبالمثل حمل معه ذات العجز إلى أماكن أخرى في السودان الكبير.
لذلك يثور السؤال: ما هو إذاً نوع المشورة التي كان يتلقاها امبيكي من دي وال؟ وما هي صورة دارفور التي تشكلت لدى الإتحاد الافريقي بالنتيجة؟ بالنسبة لشخص ناقد بهذه الدرجة للجهل المزعوم لمناصري دارفور، يقدم دي وال في عام 2009 -وهو العام الذي بدأ فيه الفريق عمله- وجهة نظر لافتة للنظر حول دارفور. ففي معرض حديثه عن قرية عين سيرو بمحلية كتم في شمال دارفور، يعلن دي وال بطريقة مفعمة بالنشوة:
"إن قضاء بضعة أيام في عين سيرو هو تذكير بما كانت عليه الحياة في دارفور. فالقرية تحتضنها سلسلة التلال التي تمتد شمالاً من جبل مرة إلى الصحراء. وفي ظل الحماية التي توفرها الجبال سيطر جيش تحرير السودان على المنطقة على مدى السنوات الأربع الماضية، وأتاح بالنسبة لكثير من الناس في المنطقة المجاورة العودة لنوع من الحياة الطبيعية. فأعيد بناء القرى، وقامت خدمات صحية أساسية, وفتحت المدرسة أبوابها للتلاميذ".
"وتكشف عين سيرو عن كيف أن الناس من جميع الأطراف قد تعبوا من الحرب، وكيف أنهم قد يخطون خطواتهم الصغيرة ولكن المهمة نحو السلام والعودة إلى حياتهم الطبيعية إذا سنحت لهم الفرصة. وعندما كتبت جولي فلينت لأول مرة في عام 2007 عن عين سيرو التي"أنقذت نفسها'، ظل كثيرون متشككين في أن ذلك كان يمثل شيئا ذا بال. ولكن بعد مرور سنتين، لم تنجو عين سيرو، فحسب, بل أصبح نموذجها في العون الذاتي أقل استثنائية مما كان عليه من قبل"(29 مايو 2009, في موقعه على الرابط: http://blogs.ssrc.org/darfur/2009/ 05/28/a-taste-of-normality-in-ain-siro /)
في الوقت الحاضر تقف عين سيرو والمناطق المحيطة بها عالقة في منتصف دوامة واسعة من العنف المتصاعد في ولايات دارفور الثلاث –وهو عنف ظل في حالة تصاعد لعدة شهور الآن، على الرغم من أنه كان يفور وينحسر على مدى السنوات العشر الماضية. وتقع القرية على بعد حوالي 30 ميلا من معسكر كساب بمحلية كتم ، حيث جرت بعض أسوأ أعمال العنف التي شهدها العام الماضي. ولكن حتى في ذلك الوقت الذي كتب فيه دي وال انطباعاته، لم يكن العنف في دارفور قد توقف بأي حال من الأحوال؛ فلم يفتر بالتأكيد النزوح وتشريد البشر، بل ظل يتصاعد بمعدلات مفزعة. (انظر http://www.sudanreeves.org/؟p=3970)؛ كما ظلت نية الخرطوم في سحق التمرد في دارفور بطريق الإبادة الجماعية واضحة جلية وفي ظل توجه جديد تحت القيادة الوحشية المعروفة لكبير مستشاري الرئاسة نافع علي نافع (هذا بعد وفاة سلفه، مجذوب الخليفة، في يونيو 2007). بالتأكيد تغيرت الأساليب عن قمة فترة عنف الإبادة الجماعية (2003 – 2005/2006)، غير أن العنف واسع النطاق، والموجه ضد جماعات عرقية محددة ظل حقيقة من حقائق الحياة بالنسبة لشعب دارفور. فالمثال المذكور عن تابارات (سبتمبر 2010) -على مقربة من عين سيرو الكس دي وال في شمال دارفور- لا يترك مزيداً لكشفه (http://www.reuters.com/article/2010/09/17/ozatp-sudan-darfur- الناجين-idAFJOE68G0BJ20100917).
علاوة على ذلك، في مايو 2009 كانت معظم أنحاء دارفور لا تزال تعاني من طرد الخرطوم الكارثي, في مارس 2009, لثلاثة عشر منظمة من منظمات الإغاثة الدولية، واغلاق ثلاث منظمات إنسانية وطنية. وقدر حينها كبار مسؤولي الاغاثة داخل المجتمع الإنساني أن ذلك مثل ما يقارب نصف القدرة الكلية للإغاثة لكافة أنحاء دارفور. هل كان دي وال يعتقد بصورة ما –بعد شهرين من هذه الأحداث- أنه لن تكون لها عواقب وخيمة؟ في الواقع، أصبحت هذه العواقب, وبشكل مطرد, أكثر وضوحا في السنوات التالية. فالأوضاع الإنسانية الفقيرة أصلاً، ظلت تتدهور بشدة، بينما تقلصت الطاقات الإنسانية وفرص إيصال الإغاثة. في الواقع، قد يكون الناس في عين سيرو خارج متناول العون الإنساني؛ إذ ظلت الخرطوم ترفض بشكل منهجي إيصال المساعدات الإنسانية لمناطق تتركز فيها مجموعات عرقية بعينها, حيث أجبر على النزوح حوالي 100000 من سكان دارفور, من هذا الجزء من شمال دارفور وحدها, خلال العام الماضي.
في ظل تشجيع قوي من قبل عدد كبير من أبناء وبنات درافور, كما ظللت أحظى به لما يقارب عشر سنوات الآن, واصلت الكتابة عن واقع المنطقة كما أطلعني عليه أهل دارفور أنفسهم, وعلى نحو متزايد كما ظل ينقله في تقاريره راديو دبنقا, وهو جهد استثنائي مشترك للدارفوريين مقره هولندا. وقد فعل راديو دبنقا أكثر بكثير من الأمم المتحدة أو الصحافة الدولية في الإبقاء على الحقائق في دارفور مرئية ومعروفة (وأصبحت تستشهد به على نحو متزايد مصادر أخبار أخرى، بما في ذلك شبكة المعلومات الاقليمية المتكاملة التابعة للأمم المتحدة، ايرين). ولقد استفدت أيضا من مصادر خاصة في العمل الإنساني جاءت تقاريرها من الأرض في دارفور، ومن مصادر داخل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، وكذلك من مجموعة من المصادر الخاصة الأخرى. كذلك قرأت كل ما كتب حول دارفور من المنظمات غير الحكومية الدولية وجماعات حقوق الإنسان (عادة ما تستخدم هذه مصادر وطنية سودانية)، ومنظمات السياسات، وغيرها. فحتى العام 2009 ومن بعده ظلت هذه التقارير والسجلات مواد ضخمة تستغرق وقتا طويلا للاطلاع عليها، على الرغم من أنها كانت في الغالب مجزأة وغير مكتملة. لكنني بالتأكيد لم أكن الوحيد الذي رأى شيئاً آخراً غير تلك المشاهد الشاعرية لعين سرو التي وردت في تقرير دي وال, والتي يفترض أنها شكلت نصيحته إلى فريق الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى الذي كان بدأ أعماله حينها.
ولقد انعكس ما سمعت به وقرأته في تعليقاتي الراتبة (نُشر معظمها في سودان تريبيون، التي يرفضها دي وال بوصفها "متحيزة") حول الأزمات الإنسانية والأمنية في دارفور. ويجب أن أعترف صراحة هنا أن دي وال كتب مؤخرا رافضاً لهذه الجهود: "أولئك الذين كانوا بالكاد [في السودان] لن يجدوا صعوبة في كتابة "رزم" هائلة من النصوص …" (AllAfrica.com، 9 مايو 2013). ما لن يخلص المرء إليه من هذا التوصيف, هو: ما حجم الاقتباسات والإحالات في هذه "الرزم من النصوص", اقتباسات وإحالات كثيرة وذات قيمة صادرة عن أوسع نطاق ممكن من المصادر الموثوق بها. لقد كان هذا الجهد في أحد معانيه محاولة لأرشفة المعرض بشدة لمخاطر الضياع أو النسيان أو –ببساطة- للتجاهل، كما يفعل دي وال على نحو واضح.
قد يكون من المفيد، من ثم، مقارنة تقرير دي وال الحماسي عن مايو 2009, مع تقاريري الأكثر توسعاً, من الفترات السابقة واللاحقة لتلك اللحظة. أنا لن أقدم هنا لمحة موجزة عن تلك التقارير؛ فالكارثة في دارفور ليست بسيطة, وليست قابلة لإيجازها بسهولة –وهي في حالة تطور مستمر. لذلك فإن فهم الطيش العميق الذي يغوص فيه دي وال يتطلب, في الواقع, قدراً كبيراً من القراءة المتعمقة, عوضاً عن هذه الحذلقات اللسانية التي اشتهر بها دي وال.
http://www.sudantribune.com/spip.php/article30643
وفي وقت قريب, وبما يعطي صورة أوضح عن حجم التضليل في تقديرات دي وال, والذي كشفت عنه الأحداث:
http://www.sudantribune.com/spip.php?article46392
تقرير رئيسي لفريق خبراء الأمم المتحدة حول دارفور يُحكم عليه بالنسيان, سودان تربيون, 28 ابريل 2013,
, http://www.sudantribune.com/spip.php?article4637
والكثير من هذه وغيرها من الأعمال، بما في ذلك المنشورات الأكاديمية، التي تم تجميعها بطريقة أرشيفية في كتاب: المساومة مع الشر: التاريخ الأرشيفي للسودان الكبير، 2007 – 2012 (www.CompromisingWithEvil.org).
لقد قيلت الكثير من الكلمات السخية حول هذا الكتاب؛ ولكن ليس منها ما يعني بالنسبة لي أكثر من تلك التي قالها الدكتور محمد احمد عيسى, المدير السابق لمركز الأمل لعلاج ضحايا التعذيب والاغتصاب (نيالا، جنوب دارفور), وما قاله روبرت كينيدي الحائز على جائزة حقوق الإنسان لعام 2007. وتعكس تلك الكلمات, كما صرت أعتقد بعد اتصالات متكررة, وجهات نظر عدد كبير من سكان دارفور، الذين يمكن فهم حيرتهم حول الصمت الذي يضربه المجتمع الدولي على قضيتهم, والذي يبدو أنه اتخذ تقارير دي لوال بوصفها الكلمة الأخيرة بشأن الأوضاع في دارفور:
"على مدى السنوات القليلة الماضية، وفي حين كان العالم صامت بشكل مذهل، واصل اريك ريفز الكتابة عن الفظائع والسياسات الهدامة للغاية التي تمارسها الحكومة السودانية. فقد أعاد كتابه الصادر في 2007: 'يوم طويل من الموت‘، كثير من الجرائم الوحشية في دارفور لدائرة الاهتمام الدولي. وفي حين كان بعض المتشككين أو المنكرين، من أمثال محمود مهمداني، يزيحون كتاباته جانباً، واصل الناشطون في دارفور وأماكن أخرى من العالم التزامهم بفضل البحوث التي تضمنها 'يوم طويل من الموت‘.
"كذلك يقدم كتابه الاليكترونى المطول الجديد [مساومة مع الشر]، والذي يحتوي جزءا كبيرا من كتاباته بدءاً من عام 2007 وحتى وقتنا الحاضر- قدرا كبيرا من المعلومات المفتاحية بشأن الأزمات الناشئة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، والمنطقة الحدودية بين شمال وجنوب السودان. وإذ اختار المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة أن يغض الطرف عن ما يحدث في دارفور والسودان عامة. فمن جانبه، واصل اريك ريفز كتاباته بلا هوادة لفضح فشل المجتمع الدولي في إحلال السلام في السودان، سواء من خلال تنفيذ اتفاق السلام الشامل لعام 2005 أو عن طريق بعثة اليوناميد في دارفور.
"هذا الكتاب الاليكتروني الجديد لريفز يحتوي على 14 مرفقاً، يتناول كل واحد منها أحد المواضيع المحددة المثيرة للجدل مما يتطلب القراءة. و أحث بقوة كل المعنيين بالشأن السوداني على قراءة هذا الإصدارة الجديدة، التي تقدم وجهة نظر واقعية للوضع المتدهور في كل من شمال وجنوب السودان ".
ولا شك أنني لم أنفق الكثير من الوقت "على الأرض" في السودان كما فعل اليكس دي وال، ولكن للأسف، وكما تكشف كلمات دي وال نفسه عن ذلك بطرق مختلفة، فإن أولئك الذين أمضوا وقتاً طويلاً على الأرض قد لا يزالون بحاجة إلى رؤية الأماكن الصحيحة أو إلى تدقيق النظر في ما هو أمامهم بكل وضوح, حتى إن لم يكن يسرهم أو يناسبهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.