بسم الله الرحمن الرحيم بقلم كمال محمد عبدالرحمن (سفير وموظف دولي متقاعد) لا شك ان نظامنا الصحي يشهد تدنيا مطردا وتحديات قاهرة لا بد من التصدي لها بكل شجاعة وشفافية واستواء مقصد. ولعل ذلك يستوجب فيما يستوجب زيادة صرف الدولة على الرعاية الطبية العلاجية والوقائية والذى بدوره سيقلل العبء الجسيم على مداخيل الاسر التي ظلت تكتوى من تكلفة العلاج الباهظة ويسهم كذلك فى ازالة التفاوت الاجتماعي والمتمثل فى عدم تمكن عديد الناس من الاستفادة من العناية الطبية بجانبيها بسبب الاملاق والمسغبة. وفى رأيي المتواضع، ان تفاقم تدنى الخدمات الطبية سيسهم لا محالة فى هزيمة استراتيجية الدولة لما تبقى من الاستراتيجية الربع قرنية والتي تستهدف ضمن اهداف اخرى النهوض بالرعاية الصحية خاصة ونحن بلد يعانى اكثرية اطفاله من سوء التغذية الحاد والوخيم فضلا عن انتشار عديد الامراض المعدية والاوبئة وسط سكانه اضافة لضعف كفاءة المؤسسات الطبية فى جل انحاء البلاد. ان الازدياد المطرد فى اسعار السلع الغذائية والاثار السالبة للجفاف والتصحر والنزاعات قد اضافوا اعباء جسيمة على اقتصادنا. والحال هكذا، لا احد يدرى كيف لنا ان نستشرف تنمية اقتصادية واجتماعية وبشرية وقد انهكتنا السقام وتدنت كافة معايير خدماتنا الطبية. ولست ميالا الى رد تردى الطبابة الى ما اعتور الشأن السوداني من مشاق ومصاعب وادواء. استطيع ان اتفهم بعض الامر لو كان مرده ضعف التمويل وشح الصرف على منظومة العلاج فى البلاد او غياب المكون الأجنبي لاستيراد الادوية والعقاقير. لكن الامر يعبر ذلك بمسافات وليس من الانصاف حصرها فيما ذكرت. تخطر بالمرء اكثر من خاطرة عند استعراض امر الطبابة في السودان. كثير من تلك الخواطر تثلج الصدر خاصة ما كانت عليه فى عهدها الزاهر وممارسة الاطباء الرواد العمالقة ومن تبع سيرتهم المهنية بكفاءة واحسان وايثار وتجرد. وما اكثر الخواطر التي تستولد الألم والحزن والحسرة معا، وفاة مريض اثر جرعة تخدير زائدة، وفاة شاب لم يتوفر المصل اللازم لإنقاذ حياته، تلف مريض قضى عليه تلوث غرفة جراحة او زغب حواصل قضت عليهم باكتيريا شرسة واخرين تم تشخيص عللهم عن طريق الخطأ. وبعضم تلفوا جراء اهمال بين او نقص مريع فى الادوية. والقائمة تطول لتشمل اخطاء بعض الصيادلة وبضع اطقم طبية مساعدة.وفى البدء، علينا الاعتراف اطباء ومرضى بحقيقة لا مراء او لبس فيها، أنالطبابة فى السودان تمر بأدق مرحلة فى تاريخها الناصع الذى امتد لحقب طويلة وقد سبقنا غيرنا فى مضمار الطبابة وللقارئ الكريم ان يعلم ان اول كلية للطب فى بلد شقيق يقصده الجميع للعلاج قد افتتحت عام 1972 ورحم الله دكتور على بدرى ورفاقه الميامين. ونحن فى معرض الحديث عن المحن العديدة التي تفت فى عضد طبابتنا لا بد لنا ان نسأل و لا بد ان نتلقى الاجابة الشافية. ونبدأ بالازدراء المقيت لأخلاقيات المهنة او ما اصطلح على تسميته بالممارسة الطبية الجيدة من بعض زمر الاطباء. بماذا يصف الاطباء بعض زمرهم الذين يهلك مرضاهم جراء اهمال علاج او تدخل جراحي جائر لا لزوم له سوى اقتضاء اجر فاحش. ما هو تبرير الاطباء للظاهرة او الجن الجديد المسمى الولادة القيصرية والذى استشرى . وقد شهدنا فى زمن عتباني وشداد وسليمان مضوي والفاضل سعيد و عثمان محمود،ومن تأسى بهم من اطباء التوليد حرصهم الشديد ان تأخذ الطبيعة البشرية مجراها. كان هؤلاء الاخيار يرابطون مع السيدات ولا يلجؤون الى العملية القيصرية لإدراكهم ان لها دواع طبية معلومةيأتي فى اولها المحافظة على حياة الوالدة او المولود.ترى هل هناك من يعترف أن اللجوء للقيصرية لاقتضاء اجر زايد لا يمت الى السلوك المهني القويم وانما هو جشع مقيت.ترى ماذا يسمى الاطباء بعض زمرهم الذين يجبرون المريض على غشيان عياداتهم ليس لاستكمال العلاج والتأكد من نجاعته بل لاقتضاء اجرة كشف متكرر. ما لنا نسمع فى هذا الزمن ان شاشا قد ترك فى بطن مريض او انف طفل ليتقيح. او ليس هذا هو الاهمال المفضي الى مساءلة جنائية. لم نسمع على سبيل المثال فى زمن بيوميومغربي وبخيت و احمد عبدالعزيز وعبدالله حاج موسى وموسى عبدالله حامد ومن تأسى بممارستهم الممتازة بان شاشا قد تم نسيانه عن طريق الاهمال وحتى وان وقعت حوادث فقد تكون حوادث معزولة تم المحاسبة عليها والاقتصاص فيها.ثم ماذا يقول الاطباء عن بعض زمرهم الذين تزدحم عياداتهم بعشرات المرضى ينتظرون الى الساعات الاولى من الصباح الفحص الطبي على يد نطاسي انهكته الساعات الطوال فأضحى منهكا جسديا و عقلياوكيف لمثل هذا الطبيب مهما بلغ من النبوغ والخبرة ان يكون قادرا على التشخيص السليم ووصف العلاج الناجع. و استطرادا بماذا يصف الاطباء بعض زمرهم الذين لا يبذلون مجهودا لإجادة مهنتهم و اتقانهاو الطبيب في مقدمة من يتوخى فيه اجادة مهنته واتقانها. واولى موجبات الاجادة والاتقان عدم العجلة في فحص المريض و تشخيص علته و وصف الدواء الناجع الشافي لعلته. ونسمع هذه الايام عن بعض الاطباء الذين يصفون عديد الادوية لمرضاهم وكأنى بهم يدفعون مرضاهم للعبة الروليت الروسي بأمل ان يوفر واحد منها العلاج الناجع او من اسف يوفر طلقة الموت. أين نحن اليوم من نبل الممارسة وحذقها. او ليس من باب الامانة المهنية والاخلاقية ان يعترف الطبيب طواعية بأي خطأ قد ارتكبه اثناء مباشرة العلاج. فليس من قواعد العدل والانصاف ان يتحصن بعض زمر الاطباء ضد المسؤولية المهنية والاخلاقية والقانونية ولسنا ندعو لمحاسبة الاطباء على كافة ممارساتهم ذلك ان العلاج بطبيعته يتسم بالعديد من المخاطر ولكننا ندعوهم لممارسة مهنية اخلاقية عالية. أن الاعتراف بالخطأ ينبغي ان ينظر اليه كأداة هامة لتعلم الدروس حتى لا تتكرر ذات الاخطاء.ان المجلس الطبي مطالب ديانة وخلقاوقانونا بالا يسمح بتحصين الاطباء وحمايتهم من المسؤولية المهنية والاخلاقية والقانونية. وليس من سبيل المبالغة ان نقول أنممارسة بعض الاطباء لا تبشر بخير وانما تنذر بشر مستطير. لا أحد يدرى ما توصل اليه المجلس الطبي بشأن الشكاوى التي رفعت له من قبل أهالي مرضى قضوا نتيجة اهمال طبى او اصيبوا بعلة جديدة ابان تلقيهم لعلاج جائر او قضوا نتيجة للتلوث. وفيما يتعلق بالتلوث والبيئة علمنا باسى بالغ ان المستشفى الوحيد الذى يمتلك محرقة للنفايات الطبية هو المستشفى الصيني بامدرمان. ويحق لنا السؤال، كيف يتم التخلص من النفايات الطبية واكياس النفايات الطبية اضحت عرضة ليس لنبش القطط والكلاب بل الفقراء والمملقين. انالمجلس الطبي والاجهزة الرقابية الاخرى مطالبون بإجلاء حقيقة ارتباط حوادث التلوث والالتهابات التي توالت فى المشافي الخاصة والعامة جراء عدم وجود محارق للنفايات الطبية. على المجلس الطبيان يشرك المجتمع المدنيوالاعلام فيما خلص اليه ليعيد تأكيد انه قائم على الحفاظ على حقوق المرضى وكافل لممارسة طبية مشمولة بالكفاءة المهنية ومبرأة من الاهمال والجشع. وليس من أغراضي النيل من مقدرة وامانة وانسانية من يشغلون ادارتهلكن حرى بهم ان يكشفوا للرأي العام ما توصلت اليه تحقيقات المجلس من نتائج حيث أن مسائل الموت والحياة لا يجوز طمرها فى جوارير البيروقراطية ويجب الا يسبغ عليها أي قدر من السرية.وأثق ان السجل المهني الناصع لأعضاء المجلس الموقرقد جنبهم ادواء العصبية المهنية واملى ان يكشفوا بكل شفافية وحيدة ما للأطباء وما عليهم فالطبابة لا تحتمل السكوت عن الاخطاء التي كان من الممكن تلافيها ولا تحتمل المجاملات ممن لا يملك الحق و العفو عن من لا يستحق. ومن اسف رشح ان المجلس الطبي قد انفذ مؤخرا عقوبة لا تتناسب ووفاة مريضة جراء اهمال طبيبها. بالطبع لا نود تعليق الاطباء الذين تم التأكد من اهمالهم على خشبات المشانق لكننا نريد ان يرتفع سقف العقوبات ليصل الى حد سحب رخصة ممارسة الطب وقد سبق سحب رخصة طبيب جراء ممارسة شائنة. ولا نرى فى سحب حق ممارسة الطبابة تزيدا ومجافاة لقواعد العدالة ذلك ان العقوبات الصارمة تكون للردع والزجر . أن من حقنا ان نعرف عما اذا كانت الممارسة الطبية تسير وفق البرتوكولات المعترف بها عالميا. نريد ان نعرف مناط الرقابة على سلوك الاطباء سواء من قبل وزارة الصحة الاتحادية او الولائية او المجلس الطبي. نريد ان نعرف اسس التصديق للمختبرات الطبية و هل هناك آلية تتعلق بجودة المعدات وكفاءة الاطقم وتأكيد الجودة الشاملة والاسعار التي يتم اقتضاؤها. ما هي المعايير التي بموجبها تم تحديد اسعار الفحص الطبي والتدخلات الطبية المختلفة سواء فى عيادات الاطباء ام المشافي الخاصة . وعلى سبيل الاستطراد نريد ان نعرف ان كان المجاس الطبي جاد فى إنفاذ الشروط المتعلقة بلافتات عيادات الاطباء. ماذا عن عيادات الاطباء التي لا تتوفر فيها ادنى سبل الراحة للمرضى. ماذا عن الإعلانات التي تملأ الصحف السيارة عن وصول الاطباء الاجانب لبضعة ايام يجرون خلالها عديد العمليات الجراحية ويتقاضون اجورا فاحشة للغاية ثم لا يلبثواان يغادروا البلاد مخلفين مرضاهم دون متابعة ورعاية. فى كل بلدان العالم لا يمكن لطبيب اجنبي ان يمارس المهنة ما لم يجتاز مطلوبات البورد الوطني. مالنا نسمح بممارسة اطباء اجانب لا نعلم عن خبرتهم ومؤهلاتهم الا النذر القليل وبلادنا تذخر بأطباء يفوقون الاجانب علما وكفاءة وخبرة. قد يقول قائل ان الاطباء الاجانب قد قدموا شهاداتهم موثقة ومختومة ونرى ان التوثيق غير كاف ذلك ان سلطة التوثيق لا دخل لها فيما اشتملت عليه الشهادات العلمية والمهنية وانما تعنى فقط بتوثيق توقيع وختم السلطة المصدرة.ماذا عن المشافي الاستثمارية التي يقوم عليها اطباء واطقم طبية لا يتحدثون لغتنا ولا يعرفون تقاليدنا فهامش خطأ الترجمة جد كبير. ان الاستثمار فى قطاع الخدمات لا يعنى فتح الباب مشرعا للأجانب لمزاولة الطبابة الخاصة فمالنا نكتوى باستغلال الغرباء ويكفى ما نحن فيه من استغلال بعض زمر الاطباء. قد يسال الناس لماذا كل هذا الحديث عن الطبابة فى السودان واسارع للقول ان الخدمات الطبية سواء الحكومية او الخاصة لا يمكن ان تستمر يقظة وفاعلة ونشطة دون النقد الباني المتنور. ولعمرى ان اسوأ عدو للأطباء والمرضى والمجتمع هو اللامبالاة والصمت المطبق. يتعين علينا اذن ان نبدى اهتمامنا على نحو داوى وصريح بكيفية ادارة وممارسة الطبابة. واذا لم نمارس هذا الحق بشفافية واستواء مقصد فليس لنا حق الاتهام بان الخدمات الطبية عاجزة ومعدومة الكفاءة. ان روح النقد الباني من قبل افراد وجماعات المجتمع المختلفة فضلا عن الاعلام يسهم لا مشاحة فى تنمية روح المسؤولية الوطنية والانتماء للجماعة المجتمعية. ان الاطباء هم فى الاساس بشر جبلوا على الخطأ والصواب فان أخطأوا فهذا يحسب عليهم وان اصابوا فلهم التجلة والتحية. إن الدعوة لحوار مجتمعي تنطلق من ادراك لواقع مرير، اذ لا يمكن لنا ان نتنطع و نتحذلق فى الاحاديث التي لا طائل من وراءها وان ننغمس فى السمر العاطل ونستنكف عن التصدي لأدواء مجتمعنا. لسنا بصدد ادانة جموع الاطباء وتشويه سمعتهم بل نحن فى سبيل ان تدرك الزمر الجشعة المهملة من الاطباء ان المجتمع يمارس حقه الاصيل فى الرقابة والتقويم. إن مشاركتنا فى ادارة امورنا الحياتية، والرعاية الطبية اهمها، يجب أن تكون فاعلة وحيوية إذ ليسلأفراد المجتمع الاعتداد بوطنيتهم فحسب بل الاهتمام بمسار وممارسات الخدمات المقدمة والعمل المتفاني على ترشيدها والتأكد من فاعليتها. يجب أن نبدى رغبة حقيقية فى معرفة اسس اتخاذ القرارات التي تمس حياتنا والطبابة ليست ممارسة ابوية بطبيعتها بل يتعين على من يمارسونها ومن يقفون على امرها برهان تأكيدكفاءتها ضمانا لصحة ورفاه المجتمع. والله من وراء القصد. .
