[email protected] فكرة أن الإنسان هو طفل الطبيعة قد أرَقت كثيرا من المفكريين. وجعلتهم في ضجر لا يمكن تبريره. ووجد كثير من المفكرين ومن ضمنهم حنا أرندت إنعتاقا من حالة السجن الروحي العتيق كما ذكرت في بحوثها فيما يتعلق بالإشباع الروحي يوم أن دار القمر الصناعي الروسي إسبوتنك حول الأرض وأرسل بعض الإشارات التي ألتقطت بنجاح. ونفس الإحساس بالإنتعاق أحست به حنا أرندت عندما أدركت أن التقدم التقني سوف يحمل عن الإنسان عبء العمل الشاق . هذا الإحساس بالإنتعاق كان ثمرة الإنسانية الأولي التي إرتكزت علي إحترام العقل. فكانت النتيجة فكرة حقوق الإنسان. فما بين نجاح الثورة الفرنسية عام 1789, وشعارها الذي يمجد الحرية والمساواة والأخاء وإنبثاق أفكار الجمهورية عام 1848, هوة سحيقة مليئة بالأهوال. ويرجح المفكرون أن أسبابها هو إنتصار أفكار جان جاك روسو التي تدعو لدكتاتورية الشعب علي الأفكار اللبرالية لبنجامين كونستنت. هل سيحتاج العالم العربي والإسلامي بعد ثورات الربيع العربي لنفس الفترة مابين الثورة الفرنسية 1789 والثورة الثانية عام 1848 أي ما يقارب الستين عام لكي تنضج فكرة الحرية والكرامة ؟ اليوم وبعد فشل الإسلاميين في كل من مصر وتونس وموقف رجب طيب أردوغان من المظاهرات في تركيا , مما جعل الغرب أن ينظر للديمقراطية التركية بأنها ديمقراطية من الدرجة الثانية, إذن لا ريب في أن المدي سيكون ستين عاما من أن تنضج فكرة الحرية والكرامة في العالمين العربي والإسلامي . وبعدها سيكون خطاب الإسلاميين المنغلق أثر بعد عين. وحينها يكون قد إنفتح الباب أمام العالم العربي والأسلامي أي إنفتح باب الإنسانية الأولي. أما المجتمع الغربي. فهمه الذي يداعب خياله اليوم هو فكرة الإنسانية الثانية كما يراها لوك فيري . الإنسانية الثانية عند لوك فيري تعتبر بعدا روحيا آخرا يفضي إشباعه لمحبة العالم ويقضي علي كثير من القيم التي رسختها الطبقة البرجوازية كفكرة التضحية من أجل الوطن والدين مثلا. يري لوك فيري أن الزواج الذي يقوم علي حب بين طرفين نتيجته حب الحياة وحب العالم عكس الزواج المرتب الذي لا يقوم علي حب كما كان سائدا بين البرجوازيين. فالزواج الذي يقوم علي حب بين الطرفين يفتح الباب لحب العالم وحب الحياة ويقطع الطريق أمام كهنة العصر الحديث وهم إسلامي السودان اليوم وفكرة عرس الشهيد. كهنه الإسلام السياسي في السودان اليوم يسوقون الشباب السوداني سوقا الي الموت بخديعة عرس الشهيد. وهذا يضعهم في كفة مساوية لكفة كهنة الفراعنة وفكرة الخصب المتمثلة في عروس النيل. إذن ألاف السنيين والسودان وصدى المسافة مابين عروس النيل وعرس الشهيد. لم يتغير شئ إلا الضحية من عروس النيل الي العريس الشهيد أي عرس الشهيد. فحقا تنطبق على الإسلاميين وفكرة عرس الشهيد مقولة سارتر بأنهم العدميين أعداء الإشراق والوضوح. من حسن حظ لوك فيري أن الإنسانية الثانية مسبوقة بعهد, أي مسبوقة بأفكار الأنسانية الأولي التي تحترم العقل والتي نادت بحقوق الإنسان. أما الرسالة الثانية للأستاذ محمود محمد طه فهي ليست مسبوقة بعهد كما شاعت مقولة رينيه شارل التي إستخدمتها حنا أرندت في كتابها أزمة الثقافة. فالرسالة الثانية للأستاذ محمود ليست مسبوقة بعهد في ظل الفهم المتكلس للدين في السودان. لذلك أصبح الأستاذ أحد الذبائح البشرية. وكان الأستاذ محمود يتمني أن يكون آخر الذبائح البشرية في السودان, ولكن للأسف لم يكن الأستاذ محمود هو آخر الذبائح البشرية, بل أعقبته مواكب عرس الشهيد في ظل الهوس الديني وحكم الإسلاميين. كما يحارب الأذكياء من أبناء الشعب السوداني عادة ختان الأناث الفرعونية, عليهم أيضا محاربة طقوس كهنة العصر- أي إسلاميين اليوم وفكرة عرس الشهيد فهي أيضا عادة فرعونية راسخة وهي نابعة من فكرة عروس النيل. أيها الشباب لا تتركوا الأسلاميين يمارسون عادتهم الفرعونية عليكم. فكرة عرس الشهيد تمثل ممارسة ختان الروح وإلباسها تاج العدم كما ختان الأناث الضار. طالما كان حديثنا عن إشباع الروح علي أساس إحترام العقل الذي يؤكد علي فكرة حقوق الإنسان, فأيها الشباب كونوا أبناء الحياة كما يقول جبران. لا تضحوا بأرواحكم من أجل دين كهنة العصر-أي دين الإسلاميين الذي يخالف الفطرة. أيها الشباب أرفضوا فكرة عرس الشهيد وأجعلوا من الحياة وحبها صخرة يتحطم عليها الإسلاميون العدميون أعداء الإشراق والوضوح. فكرة الإشباع الروحي عند حنا أرندت تقابل فكرة الإنسانية الثانية عند لوك فيري, أذن يجب علينا أن ننعطف نحو فكرة الإشباع الروحي عند إيمانويل تود وفكره الإقتصادي-"لست ماركسيا ". فإيمانويل تود يؤكد أنه هيغلي, أي أنه يضع الروح الإنسانية فوق النشاط الأقتصادي بعكس ماركس الذي يضع النشاط الإقتصادي فوق الروح الإنسانية. ويقترح أيمانويل تود فكرة الحماية الإقتصادية التي تظهر فكرة تضامن الطبقات. ففي ظل التضامن الطبقي تختفي فكرة الصراع الطبقي. عند إيمانويل تود تصبح الحماية الإقتصادية فوق فكرة الطبقات وصراعها. وكذلك عند إيمانويل تود, تمثل الحماية الإقتصادية بإختصار ومباشرة فكرة تصالح الطبقات وتتحقق عبرها فكرة التقارب الطبقي. بالتأكيد تعادي الحكومات المفترسة فكرة الحماية كما كتب أحد الإقتصاديين الأمريكيين, فالحكومات المفترسة تحابي الطبقات المفترسة التي تسيطر علي الحكومات عبر المديونية العالية كما أظهرته الأزمة الإقتصادية الراهنة. فعودة أفكار جون ماينرد كينز أمامها العراقيل التي تضعها الحكومات المفترسة. ولكن اليوم نري الرفض الباين لفكرة التقشف التي تقودها ألمانيا. فبعد فوز فرانسوا هولاند ورفضه لفكرة التقشف, نلاحظ أن صندوق النقد الدولي الذي كان يؤيد فكرة التقشف قد تراجع عنها. اليوم و في ظل السياسات التي تنادي بعودة الإقتصاد الي الإنتاج, ستصبح الطبقة المفترسة هي الخاسر الوحيد. فمتي تصبح الطبقة المفترسة في السودان-أي حفنة الكهنة الإسلاميين- الخاسر الوحيد؟ الإجابة يوم يرفض الشباب وضع تاج العدم علي رؤوسهم وتاج العدم هو فكرة عرس الشهيد.