[email protected] وهذه حكاية أخرى، ونهديها للدكتور مصطفى إسماعيل أيضاً.. بتاريخ أغسطس 2004، قررت حكومة الجزيرة تنظيم ملتقى الإستثمار العربي الأول بعاصمة ولايتها، ثلاثة أيام فقط لاغير.. تم توزيع رقاع الدعوة لبعض المستثمرين بالسعودية والإمارات والأردن والكويت والبحرين ومصر وغيرها، فلبوا الدعوة حسب برنامج فحواه : اليوم الأول عرض الخارطة الإستثمارية للولاية ومناقشة فرص الإستثمار، واليوم الثاني زيارة لمشروع الجزيرة ومشاريع أخرى، واليوم الثالث للتوقيع على عقودات المشاريع التي تم الإتفاق عليها في برنامج عمل اليوم الأول ..!! ** قبل يوم من موعد الملتقى، وصلت وفود المستثمرين إلى الخرطوم، بعضهم بطائرات دولهم والبعض الآخر بطائراتهم الخاصة، وإستقبلتهم مراسم الجزيرة ثم إستضافتهم في هيلتون الخرطوم لحين ترحيلهم إلى ود مدني ..عند الخامسة مساء، تحركت عربات الكنفوي بالوفد، تتقدمهم مواتر شرطة المرور وعرباتها بصافرتها لزوم ( الأهمية).. هناك، عند مدخل ومدني، إستقلبهم الوالي عبد الرحمن سر الختم شخصياً، وكذلك رجال الطرق الصوفية وفرق الإنشاد وحشد من (الهتيفة)..أكرمهم الوالي في قصر الضيافة بالعشاء الفاخر وخطب الترحاب وبعض الإنشاد والمدح، ثم أمر المراسم بتوزيعهم في ثلاثة فنادق بالمدينة..هم يسمونها بالفنادق، ولكنها في الأصل (لوكندات)، كتلك التي بوادي حلفا وأرقين وسواكن، حيث ينام فيها الرعاة ليلة تصدير مواشيهم إلى مصر والخليج..!! ** لم يعجبهم حال الفنادق وغرفها، ( سرير حديد، مرتبة قطن، ملاية حمراء مرسوم في نصها وردة كبيرة، مروحة سقف ذات أزيز مزعج، صبارة موية بدون غطاء، وطوبتين فوق كل شباك لزوم تثبت النوافذ عند فتحها)، أوهكذا كانت غرف فندق إحدى مجموعات الوفد.. خرجوا من غرفهم، وقرروا العودة إلى هيلتون الخرطوم، وكانت الساعة تجاوزت منتصف الليل، وعادوا.. صباح اليوم التالي، وقبل بداية جلسات الملتقى، قرر أحدهم إنشاء فندق خمس نجوم بالمدينة، بحيث يكون مقاماً يليق بضيوف الولاية وسواحها والمستثمرين و(ملتقياتهم)..طلب من الوالي تخصيص قطعة أرض للمشروع بأي مكان بأرض الولاية..(عاجلاً غير آجل)، خصصت له حكومة الولاية أرض وزارة الأشغال المقابلة النيل (27.000 متر مربع)، فالوزارة ملغية ومبانيها غير مستخدمة..دفع المستثمر قيمة الأرض وما عليه من رسوم، وإستلم الموقع، وغادر البلاد ..!! ** ومن هناك، أرسل الفريق الهندسي والإداري وخرائط المشروع ورأس المال، للتنفيذ .. وبالمناسبة، أثبتت دراسة الجدوى أن إسترداد رأس مال فندق خمس نجوم بودمدني بحاجة إلى فترة تشغيل لايقل مقدرها عن ( 25 سنة)، ومع ذلك قرر التنفيذ إكراماً للولاية وتحسباً لمتاعب (تلك الليلة)..شرع الفريق الهندسي في التنفيذ، وهدم مباني الأشغال القديمة، فجمعت وزارة المالية نوافذها وأبوابها وعرشها و(باعتها في دلالة)، لصالح خزينة الحكومة ..وعند تنزيل تصاميم الخرائط على الأرض، تفاجأ الفريق الهندسي والعمال بأبقار وعجول وحظائر على أرض المشروع..مواطن يدعي ملكية جده الرابع للأرض من (زمن الإنجليز).. نعم، لاترفع حاجب الدهشة، مواطن يدعي ملكية أرض وزارة حكومية عمرها بعمر السودان ..المهم، خاطبوا الحكومة بالحدث، فرد عليهم محمد الكامل، وكان وزيرا للمالية، بالنص: ( إتصرفوا معاه) ..!! ** لم يفهموا معنى التصرف، فشرح لهم المعنى، فدفعوا له – شخصياً – ما أسماه بالتعويض، (280 مليون جنيه)، في العام 2004..فغادر المواطن بأبقاره وعجوله وحظائره أرض المشروع ..وشرع الفريق الهندسي في التنفيذ، ولكن تفاجأ بمواطن آخر وأبقار أخرى وعجول أخريات وحظائر جديدة على أرض المشروع، وبذات الإدعاء ( دي كانت ارض جدي في زمن الانجليز).. فعادوا إلى وزير المالية أيضاً، فخاطبهم بالنص : ( إتصرفوا معاه برضو)..فتصرف المستثمر، ولكن لم يدفع لهذا المواطن عبر وزير المالية، أو كما فعل في الحادثة السابقة، بل قرر (إلغاء المشروع)، ثم الهروب بجلده ..ولاتزال بأرض المشروع، منذ ذاك العام وإلى يومنا هذا، أبقار وعجول وحظائر ( خمس نجوم) ..فالإستثمار في بلادنا ليس بحاجة إلى السلام فحسب، بل إلى (النزاهة أيضاً)..!!