نشر الأستاذ عبد القادر باكاش مقالاً بصحيفة (برؤوت) بتاريخ 9 يناير في عموده (الجديد شنو) بعنوان (البيان رقم واحد). إثر ذلك اعتقلته الاجهزة الامنية، مع رئيس تحرير الصحيفة (أبوعائشة كاظم)، ثم قدمتهما الى المحاكمة بالخرطوم بتهم (اثارة الحرب ضد الدولة) و(تقويض النظام الدستوري)، مما يصل عقوبته الى الاعدام. ولكن مع تصاعد ضغوط اهل الشرق والرأي العام السوداني والمنظمات الحقوقية الدولية اضطرت السلطة الى تبرئتهما واطلاق سراحهما (حريات) تنشر أدناه مقال الأستاذ عبد القادر باكاش، وتنشر غداً مقابلة معه ومع رئيس تحرير الصحيفة (أبوعائشة كاظم) (المقال أدناه) الجديد شنو ؟ البيان الأول عبد القادر باكاش يتوجه اليوم الأحد التاسع من يناير شعب جنوب السودان نحو صناديق الإقتراع للأدلاء برأيه في أمر الوحدة أو الإنفصال عن السودان وفقاً لما نصت عليه إتفاقية نيفاشا ولا نعلم من سيتوجه غداً لتقرير ذات المصير فالجنوب ذهب مأسوفُ عليه ، ذهب لأنه لم يجد مقومات البقاء ولا محفزات التعايش ، ذهب لأنه لم يجد من ينصفه ومن يسمعه ومن يشعره بالتعاطف ذهب لأن العقلية التي تحكم البلاد هي عقلية إستعلائية لا تعترف بالأخرين ولا تنتزع حق البقاء للأخرين مما يعني أن الجنوب سيتبعه أخرون يقفون الآن علي الأبواب استعداداً للخروج من ذات الدرب الذي خرج به الجنوب فلئن كان منطق الحاكمين وشرعيتهم هي أن يكون كل السودانيون أهل لون واحد وبشرة واحدة ودين واحد فليذهب الذين لا يستوفون لتلك الشروط حقوقها . ولئن كان منطق الحكم أن تكون فئة قليلة تتحكم في مصير البلاد والعباد خمسون عاماً ليظل الآخرون توابعاً ( خداماً وخفراءً ) أو ليذهبوا منفصلين عن الوطن الأم إذن فلينفصل الجميع ولينفرط عقد الوطن ، الوطن الذي لا يحترم تعدده وتباينه ودياناته واختلاف سحنات شعبه وطنُ غير جدير بالبقاء في جغرافية موحدة . سجل الحكم في السودان وممارسات الحكام في السودان ظلت شائهة وعقيمة ومختلة منذ فجر التأريخ إلي يومنا هذا ظلت تحكم البلاد بأفندية ومحاسبين وأنصاف متعلمين وبسياسات معوجه لم تبلغها درجة الدولة المتكاملة الأضلاع أنه لمن المؤسف أن تكون تجربة الحكم الوطني أتعس وأردأ وأكثر تخلفاً من تجربة الحكم الثنائي التي عاشها السودان بين الأعوام 1898 و1956 سبعة وخمسون عاماً عاشها السودان تحت مظلة التاج الإنجليزي المصري كانت أفضل حالاً من تجربة الحكم الوطني 1956 وحتي 2011 من كل النواحى فجميع المنشآت الاقتصادية العملاقة وجميع المرافق الخدمية الحيوية وجميع مشروعات البني التحتية بالسودان تمت في العهد الإستعماري ، في المقابل جل حكومات العهد الوطني لم تنجز نصف ما أنجزه الإستعمار بل تسببت في هدم تلك المنجزات وتكريس همينتها وقبضتها علي المواطن السوداني المغلوب علي أمره إنفردت بالحكم طيلة سنوات الحكم الوطني فئة بعينها تري أنها الأحق بالسيادة ظلمت كل السودان ولم تتعدي رؤاها وخططها وأفكارها مصالح منسوبيها لا نجرم حكومة دون الأخري إذ نري أن الجميع مشتركون في الخطا التأريخي بأنفصال الجنوب عن الوطن ونري أن المشكلة التي دفعت شعب جنوب السودان إلى الإنفصال هي ذات التي ستدفعنا نحن أهل الشرق غداً للإنفصال أيضاً ، وهي أزمة الحكم المزمنة وستدفع هذه الأزمة والعقلية المتخلفة الأخرين إلي الأنفصال ولن يبقي لحكام الخرطوم إلا القصر الجمهوري ليحكموه وحده ، السودان كله يقف علي حافة الخطر وسيواجه مرغماً مصير يوغسلافيا التي أنقسمت إلي دويلات صغيرة (كرواتيا وسلوفينيا وجمهورية مقدونيا والبوسنة والهرسك ) بعد أن كانت جمهورية يوغسلافيا دولة عظمي لها صيتها وهيبتها وقوتها بين دول أوربا ولا مفر للسودان من مواجهة ذات المصير لو لم يتحرك الحكماء من أبناء الوطن ويجبروا الساسة علي التوافق على ميثاق سياسي تتواضع وتتراضي عليه كل أقاليم وقوميات السودان المتبقية بعد ذهاب الجنوب بالرغم من أنه قد فات الأوان بقدر كبير علي إمكانية إحداث توافق يؤمِّنْ مسيرة البلاد من التشرذم لكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي ، لأن الوضع الحالي لا يبشر بمستقبل للدولة الشمالية التي تجري الترتيبات لإقامتها فلن يتبقي شمال بعد الجنوب كل الأقاليم علي رأسها دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان تتأهب للمطالبة بالأنفصال لأن قضاياها ومظالمها لا تقل عن الجنوب ، وفرص ومقومات قيام دول بها لا تقل كذلك عن الجنوب إذن الأبواب أضحت مشرعة ومشروعة أمام كل الأقاليم السودانية للأنفصال عن بعضها البعض .. وبالله التوفيق