[email protected] ….. لو أنَّك تُعاني من صُداعٍ حادٍّ وحُمَّى عنيفةٍ حدَّ الارتعاش والهذيان ، وتعلم يقيناً ألاَّ سبب لذلك إلاَّ ضرسك الذي نخره السوس وتآكلت جذورُه وتثرَّمتْ أطرافه حتى تهرَّأتْ لثَّتُكَ وتورَّم صُدغُكَ ، فذبلتْ عيناكَ وأُعجم لسانُكَ والتوى فمُك ..هل تربط رأسك بعُصابة الانتماء الضيِّق للألم وتعكف على الحُمَّى بالمبرِّدات وتُطارد تنِّين الهذيان أو فيل (الهضْربة) ؟ أم تخلع ضرسَكَ (سبب البلاوي) قتزول عنك – بإزالته – الأوجاع و(السهْراجة) و (أم برِدْ) و (أم هلاَّ هلاّ ) ؟؟ عاد إعلام الإنقاذ إلى غيِّه القديم وانصرافيَّته المعهودة باختلاقِ الفزَّاعات وخيالات المآتة يشغلون بها كفيفي البصائر حتى يتسنَّى لعُمر نظامهم الخفَّاشيّ امتصاص المزيد من زيت الوقت والإنسان والكرامة والعيش الكريم ! فمنذ انتفاض المواطنين واندلاع التظاهرات في الثالث والعشرين من سبتمبر عنواناً للرفض الشعي الموَّار الذي ألهب شوارع العاصمة الخرطوم وبعض المدن السودانية للقرار الحكومي القاضي برفع الدعم عن المحروقات ، منذ ذلك الحين طفق الإنقاذيون يلوكون تغريدةَ واحدةً هي الشجب والإدانة لأعمال التخريب التي صاحبتْ ثورة الشعب ضدَّ الجوع والضنك والاستفزاز المُهين ! تراهم يستحلبون هذه التغريدة من ضرْع البداهة والمفروغ عنه كأنَّهم يجلبون لبن الطير ..يستنطقون المواطنين بها كأنَّهم يستنطقون الحجرَ العصيَّا ! فالطبيعي – يا أغواكم الله – ألاَّ أحد يُناصر الخراب أيَّاً كان نوعه ولا القائم به ولو كان يقطن في بروجٍ مُشيَّدة يقتاتُ فتاتَ البتزا والهوت دوق.. لا أحد يشيد بالسرقة ولو كان السارقُ شريفاً ذو يدٍ طولى وكرْش متهدِّل وجبينٍ أسود وحنكٍ معْشوشبٍ بحيث لا تطاله العدالة .. لا أحد يطبِّل للفساد والاعتداء على المال العام أوالخاص لاكتناز الذهب والفضَّة والخرَّد الحسان ولو كان من قِبَل خازنيه ! لا أحد يُحبّ العنف ويُباهي بسفك الدماء ويتلمَّظ صديد النصر الكذوب ويستلذّ بإزهاقِ الأرواح البريئة ولو كان السيفُ هنديَّاً واللَّمَّةُ فارسيَّة ! خسأ مِعيار يُجزأ القِيَم وينتقي كومةً منها تناسبه .. بئساً لميزان يُساوي بين القنطار والأوقية حشَفاً وسوء كيل ، ثم يجعل من المُشترِي مُجرماً يعترف أمام أوَّل استفهام تقريري !! الحكمةُ تقتضي تلمُّس جذور المشكل الآني على الأقل إذا تجاوزنا محاق الإنقاذ القديم المتجدِّد ..حسَناً ..مَن الذي أخرج الشعب من قمقم صبره النافد إلى الشوارع ؟ مَن الذي كسر ظهر الشعب (البِشيل فوق الدَّبَر ما بْكِلْ) بهذا العبء الثقيل الذي لو عُرض على الجبال لأشفقن منه ؟ أولم تقُل الحكومة نفسها بتوقَّع خروج الشارع عليها ؟ أولم يقل وزير إعلامها عندما سُئل عن ردَّة فعل المواطنين : ( ما متوقَّع انو الزول يكوهو بالنار وما يكورك )!! ؟ أولم يصف النائب الأول سحب يدهم عن المواطن في هذا الزمن الأعجف (بالدواء المُر والذي بفضله ستدبّ العافية في البدن )! فإذا كانت الحكومة قد دفعت الشعب دفعاً للخروج إلى الشارع فهي بالضرورة شريكٌ أصيلٌ في احتمالية خروج الاحتجاجات المتوقَّعة – كما تقول – عن مسارها الطبيعي ! ومن المُستهلكات اللُّغوية أيضاً موَّالٌ باهتٌ وممجوج دائماً ما يعقب تغريدة (الشجب والإدانة) وهو التنطُّع – من قِبل المُستنطَقين – بأحقيَّة التظاهر السلمي المكفول بالدستور ! فمنذ متى كان التظاهر السلمي في ظلِّ الإنقاذ مسموحاً به ؟ فلو أنَّه أسَّستْ منذ ربع قرنٍ من الزمان لثقافة الاحتجاج الحضاري وممارسة الحرية في ايصال الرأي أو الصوت الآخر ؛ لما انفصل جنوبُ البلاد عن شمالها ، ولما اندلعت الحروب في دارفور ووجنوب كردفا والنيل الأزرق ..ولما هَوى الاقتصاد في هذا الدرك السحيق ، وتحلّل نسيج المجتمع وفسدتْ الأخلاق واندثرتْ القيم ..ولما أمستْ كلمة التخريب من مُترادفات كلمة التظاهر في قاموس الإنقاذ الرُبع قرْني ! فإذا كان التخريب الذي صاحب الاحتجاجات بأيدي الحركات المسلَّحة المندسة – كما تقول الحكومة المزمعة على تقديم الأدلة – فهنَّ بناتها اللائي وُلدن ونشأن وترعرعن واستوتْ سوقُهنَّ واستدَّتْ سواعدهنَّ في كنف حُكمها وبفضل رعونة سياساتها ! وإذا كان من أحابيل الحكومة – كما تقول المعارضة – لتقمع كلَّ مَن تسوِّل له نفسه الخروج إلى الشارع فتلك غاية دونها تهون الكثير من الوسائل !!ولكن إذا أعلنت الحكومة أنها تضرب بيدٍ من حديد كلَّ مَن يعبث بالممتلكات العامة والخاصة ؛ فلماذا إذن (الجقْلبة) و(الدغمسة ) في أعداد الشهداء الذين اخترق أجسادَهم الرصاصُ الحي أثناء تفريغ المظاهرات ؟؟!! لماذا لا تعترف اليدُ الحديدية وقنَّاصوها وهم يحصدون الشرفاء تصويباً على الرؤوس والصدور إذا كانت عند عهدها بإتباع القولَ الفعلَ ؟! بدلاً من إلقاء القول على عواهنه كتصريحات نائب المؤتمر الوطني أن المندسِّين أثاروا الفوضى والخراب وقتلوا المتظاهرين !! وأنَّ عناصر خاجية قد شاركت في المظاهرات ..وأنهم – أي الإنقاذيون- جزاهم الله عنا خير الجزاء لا يسمحون بقتل المواطنين تحت أيِّ مُسمَّى !! فمنذا الذي يستطيع إحصاءهم عدداً ولا يغادر منهم أحداً سوي الحكومة ؟ ومن الذي يستطيع أن يستلّ القتلة المندسين كالشعرة من العجين سواها ؟ فإذا ما فعلت ذلك لا تعدو أن تكون قامت ببعض واجبها ليس إلاّ !! رُغم أنَّ التنصُّل من ذكر العدد الحقيقي للضحايا الذين سقطوا برصاص الحكومة لا يغيِّر من الواقع سيِّما وهم الرافعون شعارات الإسلام إذ أنَّ من قتل نفساً مؤمنةً بغير حقٍّ فكأنما قتل الناس جميعاً ! هذا وقطرةُ دمٍ واحدةٍ من شهيد أغلى من عرّض الدنيا الزائل ، ومن صولجان حكمٍ منزوعٍ لا محالة طال الزمان أم قصُر ..وأروع وأنبل وأسمى وأشرف من المتعاطفين بقلوبهم بعيداً من مواقع مجاهدة الظلام بأحرفٍ من دمٍ قانٍ على أرضٍ لا بُدَّ أنها ستخرج أثقالها يوم لا تنفع الحصون والصياصي والباسطون أذرع بنادقهم من الأسوار والأسطح الشاهقة !! مهما يكن من أمر – وإن شُبِّه لإعلام الإنقاذ – أنه يذوِّب القضية الأساسية (ضنك العيش باسم رفع الدعم عن المحروقات) إلى قضية مفتعلة (التخريب وتداعياته) إلهاءً للمواطن المغلوب على أمره ؛ فلن يستطيع إزالة السبب الرئيس الذي أخرج الشعب إلأى الشارع ، بل تفاقم الأمور بسفك الدماء ومواصلة الاستفزاز سيزيد الطين بِلَّة .. وإن أحسستم أنَّكم تكسرون شوكة الشعب ؛ فتلك جولة – لا معركة – لم تنته بعد ! إذن دعونا نرفض أولاً وأخيراً وفق الأبجديات التخريبَ السبب ، ومن ثم التخريب المآل !! ونقرّ أنَّ الشعب قال كلمته ولا يزال ، فهل أنتم منتهون ؟ وكان الله في عون العباد والبلاد .