الطاهر ساتي ……. ليس هنا فقط، بجنوب إفريقيا أيضاً، قبل أن تسودها العدالة والحرية، كان البيض يدهسون السود بسياراتهم مع سبق الإصرار والترصد، وعندما يقصد أولياء دم الضحايا المحاكم، يسألهم القاضي أسئلة إستفزازية من شاكلة : بسرعة كم كان يسير قتيلكم عندما دهسته السيارة؟..هكذا كانت (العنجهية)، وهكذا تقريبا خطاب ساسة بلادنا بعد الأحداث.. أي كما كان قبلها، مستفز و (مُقرف)..كأنهم يحكمون شعبا يفتقر إلى الوعي، لا تزال ألسنتهم عاجزة عن فضليتي الإعتراف والإعتذار، بل تجتهد في نسب رصاص الأحداث إلى الحركات المسلحة – وجبهتها الثورية – بعد أن تغلفها ب ( المندسين)..!! حسناً، فليكونوا كما يكذبون (مندسين)..أليس من واجب السلطات حماية المتظاهرين سلمياً من ( المندسين أيضاً) .؟..ثم لماذا لجان التحقيق وقد تم تدوين البلاغ إعلامياً ضد الإفك المسمى ب ( المندسين)..؟ .. هذا ما يعكر صفو أي مزاج سوداني وليس الغلاء، وهذا ما يشعل حريق الغضب في النفوس، إلغاء عقول الناس بمثل هذه الخطب التي تتحول إلى مادة تهكم وسخرية، ولكنهم لايشعرون.. في أيام كهذه، حيث لا تزال قلوب أسر الضحايا مكلومة والمقل تفيض بالدموع، كان يجب أن تكون خطب الساسة مسؤولة وكذلك أفعالهم، بحيث تقر بمجازرهم ثم تشرع في المحاسبة، أوهكذا مسؤولية المسؤول التي تُشعر المواطن ببعض (آدميته).. ولكن هيهات، ولن يستقيم ظلاً عوده أعوج..!! والمهم..لم – ولن – ينته الحدث هكذا، أو كما يظن الناطق الرسمي باسم الدولة و سلاطينه..ويخطئ أي تقدير – أو تقرير – يشير إلى إنتهاء الحدث بإنتهاء مراسم عزاء الشهداء، أو بعودة الجرحى إلى منازلهم، أو بعودة الناس إلى متاجرهم وأعمالهم.. ( لا)،فالغبن كامن في النفوس، وهذا (أصل الحدث)..وإن نجحت الشرطة وتوابعها في فض تظاهرة هنا أو مسيرة هناك، فان كل شرطة العالم لن تنجح في فض ما في نفوس الناس من آلام وأحزان و(غضب).. وإن كان بالدولة حكيماً فليعي الدرس عاجلاً ويفض ما في تلك النفوس بالسياسة وليست بالرصاص والغاز المسيل للدموع والمخدر للإعصاب.. باختصار، سياسة تعيد البلاد لكل أهلها – بلا إقصاء حزب أو أنانية حزب – هي المدخل الوحيد لفض ما في (نفوس الناس)..!! نعم، من وحي الوقائع، رفع الدعم عن السلع لم يُخرج فقط الجياع لحد الموت بالرصاص، بل هذا الإجراء الإقتصادي – وما صاحبه من إحتجاج – شكل في نفس أي مواطن سوداني نواة ثورة التغيير نحو الأفضل في كل مناحي الحياة، والسياسية في المقدمة..لقد وعت العقول لحد الجهر بأفكارها في الأسواق والطرقات، ولم تعد تقبل أن يفكر لها (عقل واحد)..وتحررت القلوب من قيود الخوف والتوجس بحيث لن تكبلها قيود (حزب واحد).. و كذلك إزدادت الأسر يقيناً – لحد الفداء وبذل الدماء – بأنها تنتمي لبلادها بالأصالة بحيث لن تقبل بأن تمثلها في هذا الإنتماء الصادق بالوكالة (فئة أو جماعة)..هكذا أسطر درس الأيام الفائتة، وهي واضحة لذوي الأبصار والبصائر، ولا يغض طرف بصره وبصيرته عنها إلا ( مكابر)..!! وأسئلة الأخ ضياء الدبلوماسية بمؤتمر الرئيس، ثم أسئلة الأخ بهرام الصارخة بمؤتمر البارحة، هي ذات الأسئلة التي تغلي في نفوس الشعب..ولم تكن تجد من الإجابات غير التجاهل أو(الكبت)، ولذلك تحولت إلى هذا (الغضب).. واليوم لم يعد الخيارغير وطن يتساوى شعبه وأحزابه في الحقوق والواجبات أو(الطوفان)، هكذا لسان حال العامة ولن تُخدعها خُطب ( البلد مستهدفة)..لقد دفع الشعب إنفصال الجنوب ثمناً للسلام، ولم يتحقق السلام، لماذا؟.. وتحمل ويلات الغلاء عاماً تلو الآخر أملاً في عام الرخاء، ولم يهل هذا العام إلى عام الغلاء الأكبر هذا، لماذا؟..وصبر على فساد المفسدين – وهو يتلوى جوعاً وحرماناً ونزوحاً – بأمل الإصلاح، ولم يجد من الاصلاح غير تطوير فساد الأشخاص إلى (فساد نهج)، لماذا؟..وكذلك صبر على وعود التحول الديمقراطي و التغيير السلمي، ولم يحدث التحول المنشود ولا التغيير المرتجى و لم يمض الحال السياسي إلا نحو الأسوأ، لماذا؟..تلك هي أسئلة الشوارع، وقد سألت كثيراً، ولم تجد الإجابة..وها هي تتحرك بحثاً عن الإجابة، وستجدها باذن الله، فالشوارع لاتخون عهودها ولا تُخطئ أهدافها..!!