معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    محمد وداعة: الجنجويدي التشادى .. الأمين الدودو خاطري    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باسم يوسف.. والإعلام المصري في لحظة الاستقطاب العنيف!
نشر في حريات يوم 06 - 11 - 2013


(أكرم ألفى – العربية للدراسات)
باسم يوسف.. والإعلام المصري في لحظة الاستقطاب العنيف!
أكرم ألفي
أثار منع قناة "سي بي سي" الفضائية المصرية حلقة برنامج "البرنامج" للإعلامي الساخر الشهير باسم يوسف في اول نوفمبر 2013 جدلاً وصخباً في الرأي العام المصري. وتحول منع الحلقة التلفزيونية إلى حدث كاشف للمواقف المتباينة داخل الخطة السياسية المصرية ما بعد ثورة 30 يونيو.
دفع غياب باسم يوسف عن الشاشة إلى فتح الباب أمام حوار بشأن حدود حرية الرأي والتعبير في مصر خلال المرحلة الراهنة في ظل الصراع العنيف بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين وتحول وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي إلى رمز شعبي قادر على الاستحواذ على تأييد ودعم أغلبية واضحة من المصريين.
إن الجدل الذي فجره منع برنامج اشهر إعلامي ساخر في العالم العربي يفرض طرح العديد من الأسئلة عن مستقبل حرية الرأي والتعبير في مصر خلال المرحلة المقبلة، في ظل حالة الاستقطاب السياسي الحاد وتأثيرات ثورة 30 يونيو، على حدود حرية الإعلام وتفاعلات مجموعات المصالح مع النظام الحالي ومعضلة وجود "الشخص القوي" ممثلاً في السيسي في المشهد الراهن، وأخيراً معضلة باسم يوسف نفسه وقدرته على مواصلة حالة "السخرية" في هذا المشهد المعقد والمرتبك.
أولاَ: حرية الإعلام في مرحلة الاستقطاب
أشار تقرير لجنة "حماية الصحفيين" بنيويورك- نهاية اغسطس 2013- إلى تضاؤل الآمال في توسيع هامش حرية الإعلام في مصر، بسبب حالة الاستقطاب الحاد الذي تمر به مصر حالياً. وتحدث التقرير عن اتساع مساحة الحريات عقب ثورة 25 يناير بتزايد اعداد الصحف والقنوات الفضائية، وانتكاس هذه الحريات عقب ثورة 30 يونيو بسبب الاستقطاب وفرض رقابة واسعة النطاق من قبل الحكومة تمثلت في غلق القنوات الخاصة المتحدثة بلسان تيار الإسلام السياسي.
خلقت ثورة 30 يونيو وضعية جديدة بتشكيل حكومة من التيار المدني، مدعومة من المؤسسة العسكرية وانتقال التيار الإسلامي بقيادة "الإخوان المسلمين" إلى حالة من العنف الواسع ضد النظام والمواطنين الاقباط ومؤيدي الثورة، وبرزت حالة صراع مفتوح بين اغلبية المصريين المؤيدين للثورة من جهة والإخوان من جهة أخرى، عبر مظاهرات "التفويض" في 26 يوليو2013 وما اعقبها من فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
هذه الوضعية دفعت الإعلام المصري الحكومي والخاص إلى شن حملة ضد عنف الإخوان والرد على محاولات تصدير ما حدث في 3 يوليو على أنه "إنقلاب عسكري". وفي المقابل، استغلت الجماعة قناة الجزيرة مباشر مصر لتصبح المتحدث باسمها خلال الأشهر الأربعة الماضية مستخدمة خطابا موجها ومؤدلجا يصف مظاهرات الإخوان بالصمود ويصر على نعت ثورة 30 يونيو ب"الإنقلاب".
هكذا تحولت حالة الاستقطاب السياسي إلى حالة من الاستقطاب الإعلامي وتحولت لسان حال أحد الطرفين المتصارعين وليس وسيلة لنقل الأحداث ومناقشة القضايا الخلافية. وفي هذا السياق، غاب ما عرف ب"الرأي الأخر" عن المشهد في أي وسيلة إعلامية، فممثلو التيار الإسلامي اصبحوا غائبين عن الظهور في القنوات الحكومية والخاصة مصريا، بينما تحول استديو القناة القطرية المؤيدة للإخوان- رغم تراجع شعبيتها- لصالح فضائيات أخرى، إلى منطقة مغلقة على مؤيدي الإخوان المسلمين والمعارضين لثورة 30 يونيو.
صنعت احداث ثورة 30 يونيو – ودخول الصراع السياسي مرحلة "المباراة الصفرية" بسبب رفض التيار الإسلامي قبول نتائج ثورة 30 يونيو وما تلاها من بيان 3 يوليو وعزل محمد مرسي- حالة استقطابية إعلامية جعلت الجمهور يشاهد ويتابع صحفاً وفضائيات تستخدم اللونين "الأبيض والأسود" فقط.
ويبدو هذا المشهد مبرراً بسبب ما تفرضه شروط "المعركة" الضارية التي تخوضها الدولة المصرية بكافة اركانها ضد الإرهاب وعنف الإخوان. وبالتوازي فإن الجمهور نفسه لم يعد يقبل الأصوات "المتذبذبة" التي تسعي لامساك العصا من المنتصف كما هو الحال مع العديد من الإعلاميين المصريين الذين تراجع تأثيرهم بشدة في المرحلة الراهنة. فحالة الاستقطاب "العنيف" لا تسمح بوجود الحلول الوسط سياسياً أو إعلامياً. ومن هنا كان ظهور باسم يوسف ومحاولته الافلات من الحالة الاستقطابية بعد غياب دام 4 اشهر نتيجة ادراك واعي بصعوبة السخرية من اي فريق في لحظة "قتال". ولكنه يبدو ان الانتظار لهذه الفترة الطويلة لم يكن كافياً لقبول السخرية في لحظة الاستقطاب المصرية.
ثانياً: مجموعة "الستة" الكبار: رجال الأعمال والإعلام
هيمنت مجموعة "الستة" الكبار على القنوات الفضائية الخاصة في مصر منذ ثورة 25 يناير. وهي المجموعة التي تضم رجال الأعمال مالكي الفضائيات الرئيسية وهم( نجيب ساويرس صاحب قنوات "أون تي في" ومحمد الأمين صاحب قنوات "سي بي سي" وأحمد بهجت صاحب قنوات "دريم" وحسن راتب صاحب قنوات "المحور" وعلاء الكحكي صاحب قنوات "النهار" والسيد البدوي مالك قنوات "الحياة").
وانعكست مواقف ومصالح رجال الأعمال الستة السياسية منذ ثورة 25 يناير 2011 على توجهات قنواتهم الفضائية، فنجد أن ساويرس تبنى موقفاً متشككا في نوايا المجلس العسكري وتحالفه من الإخوان مما منح مساحات أكبر لإعلاميين يتبنون موقفاً معاديا للمجلس العسكري مثل يسري فودة وريم ماجد. وخلال المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية غاب الإعلاميان عن شاشا "أون تي في" بسبب تأييد ساويرس للمرشح أحمد شفيق. واستأنفت "أون تي في" الخطاب الإعلامي المعادي للنظام مع فوز محمد مرسي وتبنت خطأ معادياً لحكم الإخوان. وعقب ثورة 30 يونيو تم حجب يسري فودة وريم ماجد مجدداً عن الشاشة بسبب موقفهم الملتبس تجاه النظام الجديد الذي تعارض مع تأييد ساويرس لنظام 30 يونيو.
اما رجل الأعمال أحمد بهجت فقد كانت مواقفه تجاه حكم المجلس العسكري متباينة مما منح اعلاميه مساحات أوسع من الحرية خاصة منى الشاذلي – قبل انتقالها إلى "إم بي سي مصر". وعقب فوز مرسي بالرئاسة تبنت القناة خطاً إعلامياً رافضاً لحكم الإخوان كان الإعلامي وائل الابراشي هو رأس حربة هذا الخطاب ومعه الإعلامية جيهان منصور. وبالتالي كانت "دريم" أحد أبرز القنوات الداعمة لثورة 30 يونيو وخريطة الطريق.
بالتوازي، نجد أن قناة المحور سارت على درب تأييد المجلس العسكري ودعمت القناة ترشيح محمد مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات لتصبح بعد فوز مرشح الإخوان بالرئاسة في يونيو 2012 أكثر القنوات الخاصة انحيازاً لخطاب الإخوان. وهو ما تجلي في حوار الإعلامي بالقناة عمرو الليثي مع محمد مرسي وهو الحوار الوحيد الذي قام به الرئيس الإخواني مع فضائية مصرية خاصة. وانقلب موقف القناة بين عشية وضحاها بعد بيان خريطة الطريق في 3 يوليو، حيث تحولت القناة إلى أحد الداعمين للنظام الجديد وشنت هجوماً غير مسبوق على الإخوان ليتم حجب الليثي عن الشاشة.
وكان رجل الأعمال علاء الكحكي أكثر حرصاً في التعامل مع صعود "الإخوان، مما منح الإعلامي محمود سعد مساحة كبيرة من الحرية لدعم محمد مرسي في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية. وبرز امتناع الكحكي عن خوض صراع مفتوح مع الإخوان بمحاولة منع برنامج سعد قبيل 30 يونيو بسبب تأييد الإعلامي الشهير للثورة وبرر الكحكي وقتها موقفه بمحاولته المشاركة في التهدئة. وعلى غرار حسن راتب، انقلب موقف قناة "النهار" الرسمي عقب نجاح الثورة وتحولت إلى أحد المنابر المؤيدة للنظام الجديد.
وبالنسبة لقنوات "الحياة"، فقد انعكس رئاسة السيد البدوي لحزب "الوفد" على مواقف القناة السياسية، حيث تبنت خطابا معتدلاً تجاه المجلس العسكري مع السماح للهجوم على المجلس في لحظات التحالف الواضحة مع "الإخوان". وخلال الجولة الأولى من الانتخابات، دعمت القناة المرشح عمرو موسى فيما كان تغطيتها لحملة أحمد شفيق في الجولة الثانية أكبر بوضوح من حملة المرشح الإخواني. وعقب فوز محمد مرسي بالرئاسة تبنت القناة خطاباً معارضاً معتدلاً قبل أن تنقلب بشكل كامل إلى أحد جبهات المعارضة الشرسة عقب الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012.
وبجانب القنوات الخمس السابق.
كانت تمثل قناة "سي بي سي" النجم الصاعد بقوة في الإعلام المصري، حيث ضخ رجل الأعمال محمد الأمين أكبر استثمارات خاصة في تاريخ الفضائيات المصرية. ونجح بعد أشهر قليلة من ثورة 25 يناير 2011 في ضم عدد كبير من نجوم الإعلام المصري الذين كانوا يعملون في التلفزيون المصري وفي مقدمتهم لميس الحديدي وخيري رمضان إلى جانب عماد الدين أديب. وكان واضحاً من مواقف القناة تأييدها للمجلس العسكري ولكن مع السماح بخط نقدي لإدارة المجلس لشئون البلاد. وخلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية كانت القناة تؤيد بشكل واضح الفريق أحمد شفيق في مواجهة المرشح الإخواني. وقادت القناة بعد فوز مرسي الحملات الإعلامية ضد حكم الإخوان. وخلال مرحلة حشد قنوات "سي بي سي" لطاقتها ضد حكم "الإخوان"، تعاقد الأمين مع باسم يوسف ليظهر برنامجه الشهير "البرنامج" على شاشاتها والتي جندت لصالحه مبالغ مالية وإمكانيات ضخمة. وبالفعل نجح البرنامج الساخر في فتح مساحات جديدة من النقد والتهكم على نظام محمد مرسي بحيث أصبح البرنامج الأسبوعي يمثل أحد هواجس النظام وهدفاً لانتقادات كافة مؤيدي النظام من الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي. وخاض النظام بالفعل معركة "فاشلة" للحد من انتقادات باسم يوسف من خلال السعي لملاحقته قضائياً.
وربما لا يمكن فهم مواقف القنوات الفضائية المملوكة لرجال أعمال علي قاعدة المصالح البسيطة التي ينخرط فيها أصحاب المال مع السلطة، حيث إن حالة العداء الصريح مع سلطة الإخوان هددت مصالحهم بشكل مباشر وظهر هذا في الهجوم العنيف الذي شنه الرئيس السابق محمد مرسي على رجال الأعمال محمد الأمين ونجيب ساويرس وأحمد بهجت بسبب هجوم قنواتهم على سياساته. وفي خطابه الأخير قبل ثورة 30 يونيو، قال مرسي صراحة إن ""محمد الأمين وأحمد بهجت مسلطين علينا القنوات بتاعتهم"، متهما كل من الأمين وبهجت بالتهرب من الضرائب.
فقد تضاربت مواقف رجال الأعمال مع نظام الإخوان ودخلوا في "مقامرة" ورهان على إمكانية قيام المؤسسة العسكرية مدعومة بثورة شعبية في الإطاحة بمحمد مرسي. ومثلما أن صناعة الربح تنطوي على مخاطرة، فإن انخراط رجال الأعمال في الإعلام تنطوي هي الأخرى على مخاطرة بها ربح وخسارة.
ثالثاً: السيسي وحدود نقد "الرجل القوي"
تحول وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي إلى "بطل شعبي" عقب بيان 3 يوليو الذي أعلن فيه عزل محمد مرسي. وعقب هذا البيان الذي تلقاه معارضي الإخوان بحالة من الانبهار الشديد بأداء وزير الدفاع الذي كانت تسريبات الإخوان تشير إلى علاقاته بالجماعة مما دفع إلى وضع اسم السيسي في مقدمة الخيارات لرئاسة الدولة خلال المرحلة المقبلة.
وبحسب كافة المراقبين، فإن مصر لم تشهد في تاريخها الحديث بعد وفاة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر حالة زخم وتأييد شعبي للقيادة مثلما يحدث مع السيسي في الوقت الراهن. فصور وزير الدفاع تنتشر في شوارع القاهرة والمدن المصرية وفي المقاهي والحديث عن "المنقذ" لا ينقطع في الشارع المصري.
ولكن بزوغ نجم السيسي سياسياً كان مرادفاً لحالة الاستقطاب السياسي الحاد، ففي مقابل انتشار صوره في الشوارع انصب عداء جماعات الإسلام السياسي و"الإخوان" على وزير الدفاع باتهامه بالخيانة. وأصبح افراد الجماعية ينشرون جملة "السيسي خائن .. السيسي قاتل.. السيسي عميل" على جدران القاهرة الكبرى والمدن في جميع انحاء مصر.
فقد أصبح وزير الدفاع هو مركز الاستقطاب السياسي، فالفريقان المتصارعان على الحلبة المصرية مركز قتالهم هو الفريق السيسي. ففريق 30 يونيو يراه هو الامل والداعم الرئيسي لبناء الدولة المدنية الحديث في مصر، فيما يعتبر فريق "الإخوان" أن التخلص من السيسي هو الهدف الرئيسي في اللحظة الراهنة وليس عودة مرسي للسلطة.
وبعيداً عن العوامل السياسية لرسم ملامح السيسي في صورة "الرجل القوي" القادم للإنقاذ أو باعتباره "الخائن والعميل والقاتل"، فإن الفضائيات الخاصة المملوكة لرجال الأعمال اعتبرت أن دور وزير الدفاع كان محوريا لإنقاذها من "مقصلة الإخوان" في حال فشل ثورة 30 يونيو. ومن هنا كان تأييد القنوات الفضائية الخاصة الحميم والجارف للسيسي وتحوله إلى "خط أحمر" في سياسات القنوات التحريرية وصولاً إلى استبعاد الضيوف المحتملين الذين يتبنون موقفاً نقدياً تجاه دور وزير الدفاع.
فقد صنع ظهور السيسي في المشهد، سياسة تحريرية جديدة للقنوات الفضائية المصرية الخاصة وتلاقى هذا مع مصالح رجال الأعمال المالكين للفضائيات وحالة الاستقطاب الحاد التي دفعت جمهور هذه الفضائيات التقليدي إلى تبني نفس التوجه ورفض المساس بوزير الدفاع مع قبول نقد أداء الحكومة الحالية. في هذا الإطار فإن نقد السيسي أصبح يمثل مجازفة تتقاطع مع كافة هذه العوامل.
رابعاً: أزمة باسم يوسف بين المالك والجمهور
أثارت الحلقة الأولى من برنامج باسم يوسف بعد عودته من انقطاع دام نحو 4 أشهر عقب ثورة 30 يونيو حالة من السخط بين جمهور السيسي الواسع وعدد من المثقفين المؤيدين لخريطة الطريق، فقد تجرأ باسم يوسف على "الخط الأحمر" الجديد بتوجيه سهام السخرية إلى الداعمين لوزير الدفاع وانصب النقد على حالة "الحب الجديدة" بين "الجماهير" و"الضابط".
وعقب الحلقة المثيرة للجدل، وجه جمهور غير قليل انتقادات حادة لقناة "سي بي سي" لموافقتها على عرض البرنامج. في المقابل، شن داعمو "الإخوان المسلمين" هجوماً عنيفاً على باسم يوسف بسبب سخريته من الرئيس المعزول ومؤيديه ووضح خلال الحلقة استخدام تلميحات "جنسية" معتادة على البرنامج ولكن كان الجديد فيها أنها وجهت نحو الفريق المؤيد خلال العام المنصرم لباسم يوسف على غير المعتاد.
وفي المقابل، قامت قناة "سي بي سي" بإصدار بيان تعلن فيه انحيازها لفريق 30 يونيو، مشددة على أنها ستظل داعمة لثوابت الشعور الوطني العام، ولإرادة الشعب المصري وحريصة علي عدم استخدام ألفاظ أو إيحاءات أو مشاهد في برامجها تؤدي الي الاستهزاء بمشاعر الشعب المصري أو رموز الدولة المصرية. كما أكدت الإدارة أنها ستظل تمارس حرية الإعلام كاملة وتأييدها ودعمها لثورتي الشعب المصري 25 يناير 30 يونيو. ووضح من هذا البيان ما سبق وأشرنا إليه إلى ضغط وضعية الاستقطاب على الإعلام بجانب انحيازات مالكي القنوات والمخاوف من التعرض للفريق السيسي. بالتوازي، صمتت الحكومة والأجهزة التنفيذية عن نقد البرنامج خشية اتهامها بمعاداة الحريات. وهو الموقف الذي عبر عنه صراحة رئيس الوزراء حازم الببلاوي بتأكيده عدم توقعه منع برنامج باسم يوسف والتشديد على أن حرية النقد "مطلوبة".
وجاءت ردود الفعل على حلقة باسم يوسف الأولى لتؤكد على خريطة جديدة من الاستقطاب العنيف، حيث انفعل قسم من المؤيدين للسيسي وطالبوا بمنع البرنامج، فيما دافع مثقفون من مساندي ومناصري ثورة يونيو وخريطة الطريق والفريق السيسي عن ضرورة فتح مساحات من حرية النقد وعدم وضع "خطوط حمراء" جديدة في الإعلام المصري واعتبروا أن محاولة التضييق على سخرية باسم يوسف سيصب في صالح "الإخوان" والأطراف الرافضة لثورة 30 يونيو، كما ذكر بيان تمرد يوم 2 نوفمبر.
وكان قرار "سي بي سي" بمنع عرض الحلقة الثانية من البرنامج دافعاً بالفعل إلى ظهور انتقادات حادة من قبل ناشطين – تحولوا للهامش عقب ثورة 30 يونيو- للسلطة القائمة وبروز اتهامات للحكومة بالاستبدادية والديكتاتورية العسكرية، ولكن بيان القناة شدد على أن الأمر لم يخرج عن قرار داخلي مما أرجعه البعض إلى الانتقادات الحادة التي وجهها باسم يوسف لمالك القناة محمد الأمين خلال الحلقة.
خامسا: مستقبل الحريات في مصر
من الواقعية إدراك أن الحريات في مصر مقيدة بالفعل بسبب حالة الاستقطاب السياسي الحاد، التي لا توفر مناخاً ملائماً لانتعاش حالة الجدل السياسي العقلاني المعتمد على صحة المعلومة ودقتها وفتح الباب أمام حرية الوصول إلى المعلومات ومصادرها. فنحن أمام إعلام منقسم بشدة بين معسكرين في "وضعية قتال" يمثلهما طرفين فضائياً هما القنوات المصرية من جانب وإعلام الإخوان على الجانب الأخر.
بالتوازي، فإن جمهور الفريقين في الشارع لم يعد يقبل وجود أصوات من داخله تنتقد رموزه. فلا نجد على الشاشات أو في الصحف والمواقع الالكترونية حيزاً لانتقاد الفريق السيسي بالنسبة للإعلام المؤيد للنظام أو لمحمد مرسي وتجربة الإخوان في الحكم على صعيد الإعلام الحليف مع "الإخوان". وكذلك فإن شبكة المصالح التي تم نسجها عبر العامين الماضيين تجعل أصحاب الفضائيات أو مالكي الصحف والمواقع ينحازون بشكل مباشر وواضح لهذا الطرف أو ذاك.
في هذا السياق، فإن حرية الإعلام في مصر تبدو مقيدة بفعل عوامل داخلية بعيداً عن تدخل النظام الحاكم. وربما تلخصت أكبر تحركات لتقييد الإعلام عقب بيان 3 يوليو في غلق القنوات الدينية المؤيدة لمحمد مرسي خشية التحريض على العنف، إلى جانب اعتقال عدد من المراسلين بتهمة نشر انباء "مضللة وكاذبة" حول المؤسسة العسكرية وعملها".
فيما تجنبت الحكومة مصادرة صحيفة "الحرية والعدالة"، على جانب استمرار ممارسة المواقع الإخبارية "الإخوانية" عملها وخاصة "شبكة رصد الإخبارية" التي داومت على نشر ما اعتبرته تسريبات من حوار السيسي مع رئيس "تحرير المصري اليوم" ياسر رزق.
بالتوازي مع ذلك، تظهر المواد الخاصة بالإعلام في الدستور الجديد – الذي مازال في مرحلة الصياغة النهائية – انحيازاً واضحاً لحرية الإعلام بكافة أشكاله مما يعني استمرار فريق 30 يونيو في تبني خط الحريات. ولكن تبدو المعوقات الذاتية نحو فتح مساحات أكبر من الحريات متعلقة بانتهاء حالة الاستقطاب والصراع السياسي أكثر منها القيود الرسمية وهو ما يجعل الحديث عن الحريات على غرار حريات الإعلام عقب ثورة 25 يناير مؤجلاً لحين استكمال خريطة الطريق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.