(25) دولة تدين بشدة الفظائع وانتهاكات القانون الإنساني الدولي في السودان على يد ميليشيا الدعم السريع    محمد حامد جمعة نوار يكتب: نواطير    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    الهلال يدشن انطلاقته المؤجلة في الدوري الرواندي أمام أي سي كيغالي    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    شاهد.. إبراهيم الميرغني ينشر صورة لزوجته تسابيح خاطر من زيارتها للفاشر ويتغزل فيها:(إمرأة قوية وصادقة ومصادمة ولوحدها هزمت كل جيوشهم)    البرهان يطلع على أداء ديوان المراجع العام ويعد بتنفيذ توصياته    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروتوكول جنوب كردفان والنِّيل الأزرق.. عثراته ومآلاته (14)
نشر في حريات يوم 10 - 11 - 2013


[email protected]
…………
دستور السُّودان القادم (الدائم).. لكن أي دستور نريد؟
ثمَّ نجيء إلى مسودة الدستور، التي مهرها رئيس المجلس الوطني حينئذٍ الدكتور حسن عبد الله الترابي في 28 أذار (مارس) 1998م بعد إجازتها في جلسته الخامسة من دورة الانعقاد الطارئة، فقد باتت الوثيقة دستوراً للسودان العام 1998م. فما الجديد الذي جاء به هذا الدستور؟ لقد جاء هذا الدستور – في بابه الأول (الدولة والمبادئ العامة) – بعبارات دينيَّة ولغة عقديَّة، مما أحالت الدستور في جزء كبير منه إلى وثيقة دعويَّة تعبويَّة، فضلاً عن أنَّ الدستور ذاته قد انفرد بصوغه حزب إسلاموي حاكم ومتحكِّم. إذ اهتمَّ صوَّاغ هذا الدستور – فيما اهتموا – بألفاظ مجرَّدة وتعابير روحيَّة ليس لها مكاناً في الصيغ القانونيَّة والعمليَّة، وإلا ماذا تعني تعابير مثل: "تأميناً للمشاركة الشعبيَّة والشُّورى والتعبئة"، و"الحاكميَّة في الدولة لله خالق البشر"، و"الجهاد في سبيله (الوطن) واجب"، و"المكافلة الاجتماعيَّة"، و"ما يؤهله لمؤلاة من حوله للكسب الاجتماعي الرَّشيد وللموالاة والمؤاخاة بحبل الله المتقين"، و"اجتهاد الرأي وإبداء النُّصح العام والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر"، وهلمجرَّاً. حتى دستور دولة الكويت، التي فيها يبلغ تعداد المسلمين 85% (70% من السنة 30% من الشيعة) و15% آخرين (مسيحيين، هندوز، وأهل الأديان الفارسيَّة)، فلم يتناطح المشرِّعون فيها بهذا الغلو. إذ تُقرأ المادة 6 من دستورهم بأنَّ "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطة جميعاً." مهما يكن من شأن، فعلام تجبر الدولة في السُّودان المسيحيين أو أهل الذمة أن يجاهدوا، وهم ليسوا بمسلمين، أو أن يمتثلوا بشرائع الإسلام الذي فرض عليهم دفع الجزية عن يد وهم صاغرين؟ فالجهاد للمسلمين فقط، كما أنَّ هناك آراءاً فقهيَّة مختلفة في أشدَّ ما يكون الاختلاف حول مفهوم ومشروعيَّة الجِّهاد، ولا نود أن نخوض فيها هناك حتى لا يُحال المقال إلى جدال فقهي.
بيد أنَّ الأغرب والأدهي في الأمر هو ما ورد في المادة 18 من الدستور المذكور وتحت عنوان التديُّن، حيث تُقرأ: "يستصحب العاملون في الدولة والحياة العامة تسخيرها لعبادة الله، يلازم المسلمون فيها الكتاب والسنة، ويحفظ الجميع نيات التديُّن، ويراعون تلك الروح في الخطط والقوانين والسياسات والأعمال الرسميَّة، وذلك في المجالات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة لدفع الحياة العامة نحو أهدافها ولضبطها نحو العدل والاستقامة توجهاً نحو رضوان الله في الدار الآخرة." بحكم هذه المادة يمكن أن يتذرَّع العمَّال والزرَّاع في شهر رمضان، أو في أيَّة مناسبة دينيَّة أخرى، بأنَّهم نذروا الرَّحمن أن لا يعملوا في تلك الأيَّام إلا ابتغاء مرضات الله ورسوله، وإنَّهم انقطعوا للعبادة والاعتكاف، وليس على الإنس أو الجن أن يثنيهم عن ذلك. كيف لا وهم يعملون وفق ما جاء به الدستور الذي فصَّل التديُّن في العمل في أقسى ما يكون التفصيل!
هذا هو الدستور الذي أنجب ما أسماه المشرِّعون الإسلامويُّون "حريَّة التوالي والتنظيم" السياسي تنفيذاً لأحكام المادة 26 (2)، والتي تنص على أن "يكفل (الدستور) للمواطنين الحق لتنظيم التوالي السياسي، ولا يُقيَّد إلا بشرط الشورى والديمقراطيَّة في قيادة التنظيم واستعمال الدَّعوة لا القوة الماديَّة في المنافسة والالتزام بثوابت الدستور، كما ينظِّم ذلك القانون." والجدير بالذكر أنَّ "ثوابت الدستور هي محور الخلاف بين القوى السياسيَّة المعارضة الموقعة على مواثيق أسمرا (العام 1995م) والسلطة القائمة (وقتئذٍ)، وهي القضايا التي تدور حولها الحرب الأهليَّة."
وجاء في مصادر التشريع أنَّ "الشريعة الإسلاميَّة وإجماع الأمة استفتاءاً ودستوراً وعرفاً هي مصادر التشريع، ولا يجوز التشريع تجاوزاً لذلك الأصول، ولكنه يهتدي برأي الأمة العام وباجتهاد علمائها ومفكريها، ثمَّ بقرار ولاة أمرها." ولا شك في أنَّ لفظة "أمة" تعبِّر هنا عن أمة الإسلام (أو أمة محمد صلى الله عليه وسلَّم)، مما يعني أنَّ الإجماع المقصود في المادة إيَّاها هو إجماع المسلمين، وبالتالي ما يأتي به الدستور ينبغي هنا كذلك أن يكون إسلاميَّاً والأعراف المقصودة هنا كذلك هي الأعراف والتقاليد العربيَّة-الإسلاميَّة إذا جاز الكلام تعبيراً متصلاً. ولكن هل الشعب السُّوداني الكريم كله عربي ومسلم"؟ كلا!
بيد أنَّ البدعة المستحدثة، أو اللُعبة المستهجنة، التي جاء بها ذلكم الدستور هي "هيئة المظالم والحسبة العامة". فإنَّنا لا نرى سبباً واحداً لتشكيل هذه الهيئة أبداً في وجود ديوان المراجعة العامة والقضاء، بما فيه المحكمة الدستوريَّة، وديوان العدالة للعاملين المختص بالنَّظر والفصل في تظلُّمات العاملين، وبخاصة أنَّ الهيئة إيَّاها مهمتها فقط رفع التقارير والتوصيات لرئيس الجمهوريَّة أو المجلس الوطني أو أي جهاز عام. وبما أنَّه ليست للهيئة "أسنان قاطعة"، فلا نحسب أنَّها تستطيع "رفع الظلم، وتأمين الكفاءة والطُّهر في عمل الدولة والنُّظم، أو التصرُّفات النهائيَّة التنفيذيَّة أو الإداريَّة، أو بسط العدل من وراء القرارات النهائيَّة للأجهزة العدليَّة."
ففي خطابه لنائب رئيس المجلس الوطني ورئيس لجنة قانون التوالي السياسي – عبد العزيز عبد الله شدو – والسادة أعضاء اللجنة في يوم 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1998م رداً على دعوتهم له في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 1998م "للمشاركة في الحوار حول التداول السلمي للسلطة السياسيَّة، الذي (اتَّخذوا) من مشروع قانون التوالي السياسي لسنة 1998م مدخلاً له،" قال الدكتور فاروق محمد إبراهيم إنَّه ليرحِّب بنمط الحوار "المرتبط بالبند الأول من المادة 26 في الدستور المتعلِّق بحق المواطنين في التوالي والتنظيم لأغراض ثقافيَّة أو اجتماعيَّة أو اقتصاديَّة أو مهنيَّة أو نقابيَّة،" بل ويسعى إليه. غير أنَّه أكَّد أنَّ "أي حوار يهدف لوفاق حقيقي إذا لم ينتقل من الوفاق الدستوري إلى تفكيك جهاز الدولة الراهن، وإزالة هيمنة الطبقة الجديدة عليه، واستبداله بجهاز قومي في تركيبه وتوجهاته، فلم يكتب له النجاح، ولا يكون مجدياً." فكثيراً ما سمعنا بعبارات "الثوابت" في لغة أهل نظام "الإنقاذ" في السُّودان. ذلكم النِّظام السياسي الذي بلغ من الفساد أشدَّه، ومن الطغيان أعتاه. ومن هنا يبدر إلى الذهن التساؤل التالي: من ذا الذي يحدِّد هذه الثوابت؟ فاستقدام الأشراط كهذه يقفل باب أي حوار إيجابي مطلقاً. فما يُعتبر ثوابت عندهم هو المسبِّب الفعلي للمشكل الذي حوله يتشاجر السُّودانيُّون. إذ أنَّ هناك بعض المؤسسات الاجتماعيَّة التي قد تضع قيوداً على السلوك الإنساني، ولكن حتى في الأوضاع التي فيها تسود الضوابط الصارمة، نجد أنَّ هناك دوماً فرصاً للمبادرات والابتكارات الإنسانيَّة، والمناورات والاستفسارات، والموازنات المشتركة، التي تفضي إلى حلول مرضيَّة للأطراف المصطرعة في نهاية الأمر. على أيَّة حال، هذا هو دستور "الذين استغلوا هشاشة بنية الديمقراطيَّة الثالثة الخارجة من سني القهر "المايوي" الستة عشر، لينقضوا عليها في الوقت الذي فيه تحدَّد موعد المؤتمر (القومي) الدستوري، والحل السلمي لقضايا الحرب الأهليَّة المعقَّدة، واستأثروا بالسلطة السياسيَّة، وفرضوا أحاديتهم الأيديولوجيَّة والسياسيَّة على (الشَّعب السُّوداني) (…)، وما دعاوي الحاكميَّة الإلهيَّة إلا ذريعة وغطاءاً لمصالحهم." "وهم – مع ذلك – أشخاص عاديين تقمَّصتهم الذهنيَّة التي تدَّعي امتلاك الحقيقة المطلقة، ودفعتهم إلى نفي الآخر، واستباحة دمه وماله وعرضه، فتحوَّلوا إلى مجرمين."(93)
فأما فيما دون ذلك، فالدكتور إبراهيم – ذلكم الرَّجل الوقور – قد تحمَّل عذاب الحبس، وإنَّ في نفسه لحسرات، والأغرب في الأمر أنَّه كان من بين من أشرفوا على إساءته، وأسرفوا في إهانته، كانوا يُعدون في مصاف طلابه بالجامعة، والذين خاسوا بالعهد، وأولغوا باضطهاد العلم والعلماء، ولهجوا بهجومهم عليهم على ممر الزَّمان وتعاقب الأيَّام. فلم يقوموا للمعلِّم ويوفوه التبجيل، لأنَّه كاد أن يكون رسولاً، بل نكلوا به تنكيلاً. وكان إبراهيم لا يحفل بما يلقي من الأمر في سبيل ترخص حياة المرء، لأنَّه إن مات أغلاه الموت الذي يطمح أن ينال من قدر الناس، فالثوب الجديد أبعد من أن يُبتذل، وكان لسان حاله يردِّد ما جادت به قريحة ابن المعتز في شعره الحكمي:
رأيت حياةَ المرء تُرْخَصُ قدْرَهُ
وإن مات أغْلتْه المنايا الطَّوامحُ
فما يُخْلقُ الثَّوبَ الجديد ابتذالُهُ
كما تُخْلِقُ المرء العيون اللَّوَامِحُ
أما دستور السُّودان الانتقالي لسنة ؟199م (وعلامة الاستفهام هنا تدل على عدم معرفة تأريخ سقوط الحكومة وبدء العمل بهذا الدستور)، الذي أصدرته أمانة الشؤون الدستوريَّة والقانونيَّة في التجمع الوطني الديمقراطي، فقد هدف صُوَّاغه في أن "يتشايل" مواثيق التجمع، ويعالج دوافع الحرب الأهليَّة، ويرمِّم إفرازاتها الإنسانيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والتنمويَّة، ويحقِّق العدالة بواسطة إنشاء محاكمات عادلة ضد الذين قوَّضوا المسيرة الديمقراطيَّة مهما كان من أمرها، وينصف الذين تضرَّروا من النظام الانقلابي. إذ جاء مشروع هذا الدستور محتوياً على 16 باباً: الدولة والسيادة، نظام الحكم، الأهداف والمبادئ الموجِّهة للدولة، الحقوق والحريَّات الأساسيَّة والواجبات، سيادة حكم القانون، التزامات الدولة في تنفيذ ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي ومقرراته، سلطة السيادة (مجلس السيادة)، المجلس الوطني، السلطة التشريعيَّة، تعريف أعمال الحكومة، السلطة القضائيَّة، ديوان النائب العام، الخدمة العامة ولجنة الخدمة العامة، ديوان المراجع العام، وأحكام متنوعة.
حاملون دواعي الحرب الأهليَّة وتداعياتها نصب أعينهم، أقرَّ المشرِّعون في المادة 14 من هذا الدستور على أن "تعمل الدولة على إزالة آثار التنمية غير المتوازنة بين الأقاليم (المقاطعات أو الولايات)، وتسعى للاهتمام بالرِّيف وتطويره اقتصاديَّاً واجتماعيَّاً وثقافيَّاً." بيد أنَّ أهم ما ورد في الدستور إيَّاه هو ما جاء في الباب الرابع وتحت عنوان "الحقوق والحريَّات الأسياسيَّة والواجبات"، حيث شملت حقوق الإنسان والأفراد والجماعات والكيانات، وتضمَّنت إعلان نيروبي في نيسان (أبريل) 1992م، ومواثيق أسمرا للقضايا المصيريَّة في حزيران (يونيو) 1995م.
أما مشروع دستور السُّودان الانتقالي للعام 2005م فقد كان الهدف الرئيس منه هو دفع البلاد "نحو تعزيز النمو الاقتصادي، وتوطيد التوافق الاجتماعي، وتعميق التسامح الدِّيني، وبناء الثقة بين أهل السُّودان جميعاً." لذلك نجد أنَّ هذا الدستور قد التزم باتفاقيَّة السلام الشامل الموقعة بين الحركة الشعبيَّة من جهة، وحكومة السُّودان من جهة أخرى في كانون الثاني (يناير) 2005م، واستهدى بدستور السُّودان للعام 1998م، والتجارب الدستوريَّة السابقة منذ الاستقلال العام 1956م، والتجارب الأخرى ذات الصلة. هكذا جاء هذا الدستور مدركاً للتنوُّع الدِّيني والعرقي والأثني والثقافي في السُّودان، والتزم بإقامة نظام لا مركزي وديمقراطي للحكم يتم فيه تداول السلطة سلميَّاً، بحيث يعلو العدل، ويحفظ كرامة الإنسان، ويصون المساواة بين الرِّجال والنِّساء في الحقوق والواجبات. تحقيقاً لهذه الأهداف، جاء هذا الدستور في 17 باباً: الدولة والدستور والمبادئ الموجِّهة، وثيقة الحقوق، السلطة التنفيذيَّة القوميَّة، الهيئة التشريعيَّة القوميَّة، أجهزة القضاء القومي، النِّيابة العامة والمحاماة، الخدمة المدنيَّة القوميَّة، المؤسسات والمفوَّضيَّات المستقلة، القوات المسلَّحة، أجهزة تنفيذ القانون والأمن الوطني، العاصمة القوميَّة، حكومة جنوب السُّودان، الولايات ومنطقة أبيي، المسائل الماليَّة والاقتصاديَّة، حالة الطوارئ وإعلان الحرب، الإحصاء والانتخابات، حق تقرير المصير لجنوب السُّودان، وأحكام متنوِّعة.
ونسبة لأهميتها القصوى، جاءت وثيقة الحقوق في الباب الثاني من الدستور. فقد اهتمَّت الوثيقة – فيما اهتمَّت – بالحياة والكرامة الإنسانيَّة، الحريَّة الشخصيَّة، الحرمة من الرِّق والسُّخرة، المساواة أمام القانون، حقوق المرأة والطفل، الحرمة من التعذيب، المحاكمة العادلة، الحق في التقاضي، تقييد عقوبة الإعدام، الخصوصيَّة، حريَّة العقيدة والعبادة، حريَّة التعبير والإعلام، حريَّة التجمع والتنظيم، حق الاقتراع، حريَّة التنقل والإقامة، حق التملك، الحق في التعليم، حقوق الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة والمسنين، الرعاية الصحيَّة العامة، المجموعات العرقيَّة والثقافيَّة، وحرمة الحقوق والحريَّات. وكذلك خاطب الدستور المبادئ الهادية للتوزيع العادل للثروة العامة، وقضيَّة الأراضي، وحثَّ الدستور على تشكيل 12 مفوضيَّة متخصصة في عدَّة قضايا بما فيها القضايا الجوهريَّة التي كانت من أسباب اشتعال الحرب الأهليَّة العام 1983م.
تلكم هي الملامح العامة للدستور الذي احتكم إليه السُّودانيُّون عشيَّة توقيع اتفاقيَّة السلام الشامل في كانون الثاني (يناير) 2005م، وباتت أحكامه سائدة سائرة مهما يكن من الأمر حتى لحظة انفصال الجنوب في تموز (يوليو) 2011م، ومن ثمَّ أخذ السُّودانيُّون يلتفتون يمنة ويسرة بحثاً عن دستور جديد. ومن هنا بدأ كل إناء بما فيه يندح. فقد ظللنا نداوم عى اطِّلاع الحلقات المسلسلة التي يحبِّرها قلم الأستاذ محمد عثمان رزق في موقع صحيفة "سودانايل" الإلكترونيَّة كمساهمة منه في البديل الدستوري القادم. بيد أنَّ الذي جاء به الأستاذ رزق بعنوان "مقترح دستور السُّودان القادم" يمثِّل صورة كربونيَّة لدستور حكومة "الإنقاذ الوطني" للعام 1998م. وكان أكثر ما استرعى انتباهنا، وأثار دهشتنا الإسلامويَّة الصارخة في موادها، حتى ظننا أنَّ بعضاً منها قد نُقلت حرفيَّاً من ذلكم الدستور "الإنقاذي"، وقدَّمه لنا الأستاذ رزق في ثوب قديم جديد. أما الأستاذ ماجد القوني فيرى في صحيفة "الحوار المتمدِّن" الإلكترونيَّة أن يكون الدستور الجديد "مختلفاً عن التجارب الدستوريَّة السابقة، وأن تُراعي من خلاله مسألة الحريَّات والحقوق المدنيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وأن لا تصبح مواد الدستور جزراً معزولة عن الواقع السياسي."
للحديث بقيَّة،،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.