لمّا نستفق بعد من هول صدمة الزيادات الأخيرة في أسعار المحروقات والسلع والخدمات (المسماة بالإجراءات الاقتصادية تأدبا) حتي فاجأنا وزير المالية بعزم الحكومة على تطبيق "جرعة" أخرى (علّها تقضي على المريض) قد يرتفع فيها سعر جالون البنزين إلى 40 جنيها، أي نحو 6 دولارات (وهو ضعف سعر الجالون في كاليفورنيا حيث يبلغ الحد الأدنى من الأجور أكثر من 10 دولارات في الساعة). وقد استبشرتُ خيرا حين اطلعت على ملخص أوردته وكالة السودان للأنباء لحديث د. صابر محمد الحسن، أمام ورشة عمل ضمانات تنفيذ البرنامج الثلاثي التي نظمتها الدائرة الاقتصادية بأمانة شؤون المرأة (!) بالحزب الحاكم أول أمس. فقد ظننت أن ما يقوله د. صابر لابد سينير بصيرتي، ويُيسر فهم ما التبس عليّ من سياسات اقتصادية يُقال لنا أن هدفها اصلاح حال الافتصاد، فالرجل "قامة" في السياسات المالية، كما قيل لي، وصاحب دكتوراه في الافتصاد من جامعة سيراكيوز الأمريكية (1981)، ومدير بنك الخرطوم سابقا، ووزير دولة سابق بوزارة المالية، ومحافظ بنك السودان المركزي لأكثر من ثلاثة عشرة عاما، ويشغل حاليا (وفق وكالة أنباء السودان) رئيس القطاع الاقتصادي بالحزب الحاكم. وفيما يلي نص ما نشرته الوكالة: "أكد د.صابر محمد الحسن رئيس القطاع الاقتصادى بالمؤتمر الوطنى ان متطلبات ضمان نجاح البرنامج الثلاثى تتمثل فى التاكيد على شمولية البرنامج والاستمرار فى تنفيذ مكوناته والتاكيد على تكامل وتناسق الاجراءات والسياسات المضمنة فى البرنامج سواء كان فى مجال السياسات المالية او النقدية او سياسات سعر الصرف او السياسات الانتاجية، اضافة الى التاكيد على اهمية ترتيب السياسات بالطريقة التى تسهل وتساعد على تحقيق الأهداف المرجوة. قال د. صابر لا بد ان تكون موازنة العام 2014 متناغمة مع السياسات والاجراءات المضمنة فى برنامج الاصلاح وترجمة عملية لها، كما لا بد من الاطمئنان على استمرار الفرضيات التى قام عليها البرنامج وايجاد آليات لقياس الاداء ومتابعة المؤسسات الفنية والتنفيذية للقيام بدورها المطلوب. واوضح ان الهدف الرئيسى للبرنامج الثلاثى هو استعادة الاستقرار الاقتصادى باحتواء معدلات التضخم وتحقيق استقرار سعر الصرف والاستقرار الاقتصادى الذى يشكل الركيزة الاساسية لاحداث التنمية، مُبينا ان استعادة الاستقرار الاقتصادى يتطلب اصلاحات جذرية فى سياساتنا المالية الحالية بتخفيض وترشيد الانفاق وسياساتنا النقدية المطبقة باحتواء التوسع النقدى ونظام سعر الصرف المعمول به. واضاف ان البرنامج الثلاثى يهدف لتحقيق النمو الاقتصادى المستدام وهذا يتطلب اصلاحات هيكلية اساسية فى كل المجالات المتعلقة بالانتاج والانتاجية وازالة المحددات والمعوقات التى تكبل التقدم فى كل قطاعات الانتاج سواء كان فى الزراعة او الصناعة او التعدين او الخدمات، ويتطلب الامر اعادة توجيه مقدرات وموارد امكانيات الدولة والمجتمع لذيادة (هكذا وردت) الانتاج والانتاجية بشقيها الكمى والنوعى لسد الاحتياجات الاساسية المحلية والتركيز على السلع النقدية للصادر بجودة عالية وفق متطلبات السوق العلمية والمعايير الدولية للمنافسة . واشار الى اهمية دور القطاع الخاص والتركيز على تفعيله واستقطابه بصورة مدروسة تحقق الرضاء للجميع والاستفادة من الامكانيات المقدرة لهذا القطاع ،مؤكداً ان هذا يتطلب معالجة معوقات البيئة الاستثمارية بما فى ذلك القوانيين والتشريعات التى تحكم علاقات العمل وتبسيط الاجراءات. واكد ان البرنامج الثلاثى يهدف الى تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية وذلك بتوسيع قاعدة المستفيدين من التنمية عن طريق اعادة توزيع الدخل من خلال شبكات الضمان الاجتماعى وتحسن آلياته وتقليل العطالة بانتهاج السياسات التى تسهم فى خلق الوظائف والتشغيل الذاتى وتشجيع ودعم مؤسسات التمويل الاصغر والصناعات والمهن الصغيرة. وقال ان الاقتصاد السودانى بعد فترة النمو والانتعاش النسبى الذى عاشه فى العقد الاول من هذا القرن، تعرض لعدد من الصدمات الخارجية المتتالية اثرت سلبا على الوضع وتاخر خطوات الاصلاح وتدهور الاوضاع الاقتصادية لتصل الى الحالة التى نعيشها حاليا. واضاف ان البرنامج الثلاثى جاء فى اطار المحاولات الاصلاحية التى تسعى الدولة لتنفيذها لاحتواء التدهور ومعالجة الاختلالات واستعادة الاستقرار للاقتصاد ووضعه فى مسار النمو المستدام. واوضح ان برنامج الاصلاح بدأ باجراءات تقشفية والتى من اثارها البدائيه (هكذا وردت) السالبة تؤدى الى تصاعد فى الاسعار العامة ولكن متابعة تنفيذ بقية مكونات البرنامج من سياسات واجراءات امر ضرورى وهو صمام الأمان لتحقيق الاهداف المرجوة. واشار الى اهمية هذه الورشة للاسهام فى بلورة الرؤى والموجهات والسياسات للتحضير للملتقى الاقتصادى الثانى الذى سيضع الاطار الكلى والموجهات الاساسية لموازنة العام 2014." انتهى الإقتباس من تقرير وكالة السودان للأنباء الذي أوردتُه "بحذاقيره" خشية اتهامي بالغرض، ولا أجد بعد قراءته مرات ومرات، وبعد تذكر البرامج الثلاثية والخماسية والعاجلة، والاستراتيجيات العشرية والربع قرنية، والمعالجات الاسعافية التي أتحفنا بها د. صابر وحكومته وحركته الإسلامية وحزبه الحاكم، تعليقا أبلغ، ولا أوقع، ولا أرصن من ما نُقل على لسان أحد شخصيات السودان القديم في موقف مشهود سارت بذكره الرُكبان: (إنعل أبو الفاهم أيّ حاجة!).