[email protected] كعادتنا نحن أهل السودان الذين لا يخلطون بين العام والخاص في علاقاتهم الإجتماعية ولا يفسد خلاف السياسة لهم وداً أو تواصلاً ، وعقب غزوة الدكتور خليل النهارية زرت الرجل في مكتبه الوحيد الذي بقى له ووجدته حزيناً يفرك يديه حسرة على مصيره و مصير مائة وخمسين من أسر العاملين معه الذين تم تشريدهم بواسطة أجهزة الأمن وقتها ! فقد كنت في إجازة بالسودان وكان الأخ الأستاذ حسين خوجلي قد تعرض لإغلاق ومصادرة كافة مؤسساته الصحفية والإعلامية على خلفية الشكوك التي حامت حول علاقته بالحدث وخبر الطائرة التي وجدت في أحد أحياء الثورات وبها طيار أجنبي متوفياً و الذي نشره حسين وتعمد الرقيب تمريره ليتم مصادرة صحيفة الوان صباحاً من قبيل تكريس الخسارة وخراب البيوت كعادة أمن النظام ! ولعل تلك كانت آخر حلقات الشد والجذب بينه وإخوة الأمس من أهل الإنقاذ منذ مفاصلة القصر والمنشية التي تأرجح فيها حسين في رمادية المنطقة الغامضة إنتظاراً لمعرفة الثور الذي يغلب الآخر في مناطحتها ..بل كانت المؤشرات تقول أن الرجل يرجح كفة إنتصار الشيخ الترابي وفقاً لشواهد هجومه على عراب فريق القصر الحوار الخارج عن عباءة شيخه الأستاذ علي عثمان الى درجة وصف حسين له في غمرة مشاحناته الشرسة بالقاضي الفاشل! ولكن ما أن هدأ الغبار وأنجلت ساحة الدواس و ظهر المنتصر رافعاً يديه في وسط الحلبة ، حتى هرع حسين الى أهله شيوخ الشرفة الذين قدموا الدعوة للرئيس البشير وبايعوه ، وخطب حسين ود الرجل بزلاقة لسانه الى درجة أثارت حمية البشير بالتكبير ورفع العصا إنتشاءاً وهوشة حينما خاطبه قائلاً بيننا وبينك شريعة الحق إن أنت سرت عليها سرنا خلفك وإن حدت عنها فاصلناك عند حدودها وكان حسين يسند ظهره في تلك الجرأة على حائط عشيرته وهو يشير للرئيس الى مقابر أجداده قائلاً بانهم إستشهدوا أنصاراً للإمام المهدي من أجل ترسيخ دولة الشريعة والإسلام ! وما لبث بعدها أن زار حسين غريمه علي عثمان في منزله ومعه بعثة التلفزيون مصطحباً الدكتور عبد الكريم الكابلي لتسجيل سهرة جلس فيها النائب الأول منبسطاً ومتبسطاً بالجلابية والطاقية ولعل حسين أراد أن يكسب ود الرجل صاحب الدور الأخطر والقدح المعلى في إنقاذ مابعد الشقاق بعد أن طوى صك غفران الرئيس بتلك المبايعة في جيبه ! عادت لحسين بعد فترة إيقاف طويلة جميع مؤسساته رغم تقديم رجله اليمنى ناحية السلطة وتأخير يسراه عنها وبدأ يمارس الكتابة وزاد عليها قناة فضائية هي أمدرمان ولكنه لم يجد رغم كل ذلك التزلف والتوبة المشوبة بشكوك وتقطيبة بعض أهل الحكم وإنفراج أسارير البعض الآخر حياله دوراً سياسياً في قاطرة الإنقاذ يتجاوز عتبات محطة دوره الإعلامي ! لا أحد يمكن أن ينسى من ابناء جيلنا دور حسين إبان الديمقراطية الثالثة وتمهيده لغدٍ كان يعلم خباياه بتخريب المناخ العام للديمقراطية ركوباًعلى عسر هضم المرحلة لها ، بل وإفساده لأدبيات العمل الصحفي الذي إنحرف به الى تناول سمعة الخصوم والتبشيع باعراضهم و نشر السلوك الشخصي على حبل الشارع العام وهو ما أضر بالكثيرين ، بل ولعله في تلك المرحلة كان الرجل يستند الى قادمٍ فضح له تلميحاً وتصريحاً إذ كانت الجبهة القومية الإسلامية تعد طبخة الإنقاذ على نار تلك الربكة الصادقية التي زاد حسين و صحفيو الإسلاميين من تأجيجها استغلالا للمال الذي توفر لهم لحرق الديمقراطية الثالثة تبريراً لقدوم غرابهم المشئؤم الذي ظل ينعق فينا لربع قرن من زمانه الأسود ! الان وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن ليقلب حسين كتابة وجه العملة التي افسد بها ديمقراطية وحرية ما بعد الإنتفاضة ليلعب بالوجه الآخر للقطعة المعدنية الذي يعكس صورة المشهد الأخيرمن شريط الإنقاذ الطويل وقد تراءت له كلمة النهاية على شاشة لو دامت لغيركم ! ففي الوقت الذي يمنع فيه شبونة وعووضة والطاهر ساتي وزهير وسعد الدين وغيرهم من الأقلام وتصادر صحفهم التي قد لاتصل الى كل العيون ! فإن حسين الذي يدخل الى كل بيت في العاشرة مساءاً وبعد أن أنزل زميله الظافر من قبة القناة ، نجده قد صعد الى أعلى متأرجحاً على هلال ذات القبة وهو يهتف بأعلى صوته ناقداً ولاعناً وشاتماً ومتهماً بل وداعياً الرئيس لكنس كل أوساخ نظامه بدرجه مائة المائة برنامجاً وشخوصاً وليس الإكتفاء بتجنيب القذارات بعيداً عن صدر البيت المتهالك ، بل ولعله قد حبس خلف لسانه عبارة وأنت معهم ياعمر لأنك العلة الكبري ! فما الذي يمهد له الرجل بقرون إستشعاره التي لا تخلو من الذكاء والخبث الإستشرافي وهو الذي يتمتع بملكة التغلغل في مسامات العرق تحت جلد المشهد قبل أن يتنزى خارجها ! هل يلعب دوراً لفريق سينتصر في مفاصلة تدق على أبواب المرحلة العصيبة التي يترنح فيها النظام جراء سكرة فشله وتمزق دماغه من صداع صباحاتها! فأعُطى الضوء الأخضرمن ذلك الطرف الذي أضيء أحمراً في وجه الآخرين حتى عتاة مفكري النظام الذين ناصحوه بالحسنى فكان جزاؤهم الطرد ، وهو ما استنكره حسين بالأمس وكأنه ينطق بصوت سيد يسند اليه ظهره في جرأة عجيبة ..حقيقي.. ( حيرتنا بها ياحسين ) فقد تخطيت حقاً وياللحيرة فرضية التنفيس الذي يفيد النظم الدكتاتورية حينما تشعر بضغط الإحتقان عليها تجنباً للإنفجار على شالكة دريد لحام في مسرحيات غوار الطوشة التي تضرب على البردعة لتنبيه الحمار الى عوج الدرب الذي ينحرف اليه مندفعاً ! والله ياحسين حيرتنا بل.. و..جننتنا ..على رأى جمال حسن سعيد وهو يخاطب صاحبه خلف الله !