فى تونس.. خرجت” منال بوعلاقى” التونسية من منزلها بعد ان أعدت لصغارها وجبتهم واطمأنت الى وجود من يرعاهم، حملت فى حقيبتها بعض “السندوتشات” مما توفر فى منزلها..أعادت حساب الأرغفة تأكدت من انها تحمل مايكفى لجميع من ستلتقيهم من أصدقاء فى المظاهرة.. تأبطت حقيبتها وودعت أطفالها وهى تكاد تركض من فرط تأخرها على الميعاد المضروب للمظاهرة.. إلتقت صديقاتها .. وإندمجن مباشرة فى العمل .. رفعن اللافتات .. إنتشرن وهن يحددن مكان للقاء مرة أخرى..رفعت علم تونس فوق رأسها.. هتفت حتى شعرت بجفاف حلقها..بدأت تشعر ببعض الدوار.. فى هذه اللحظات هجم عليهم رجال الأمن إنفرطت الجموع فى الشوارع الجانبية..بحثت عن صديقتها لم تراها وسط ضباب الخوف والرعب من صوت الرصاص المطاطى.. شدت بيدها على العلم أمسكت به بقرب صدرها.. رأت الناس حولها يركضون.. من بعيد لاحت سيارة إسعاف..فكرت ان تلوح لهم علهم يساعدوها فى حمل رجل مسن رأته يسقط أمامها ..ارتفعت يدها الممسكة بالعلم ..إقتربت عربة الاسعاف.. أطل رجل ما من نافذتها… كانت لاتزال تنظره عندما إخترقت رصاصته الحيّة قلبها فسقطت ودهشة على وجهها.. بعد ساعات طوال أتى الأصدقاء لمواراة جثمانها . اذ ان عربات الإسعاف كانت منشغلة بالقتل… غطوها بالعلم المضموم الى صدرها.. ووضعوا بقربها حقيبتها المنفوخة برغيفات إقتسمتها مع أطفالها… تناقلت الفضائيات صورتها وهى تجثو على قدميها وهى تحاول إنقاذ جريح فى لحظات حرجة، فمها بمحاذاة فمه دون أى أعتبارات سوى إنقاذ حياته.. نقل العالم عبر صورتها ، صورة الحنو الأنثوى المترفع عن كل شىء سوى إنقاذ الحياة وتمجيدها… لم تهتم سوى بأنه ثائر مثلها يستحق الحياة.. وهى تعود مساء لبيتها ، شعرت بفرح غامر فدندنت بأغنية المغنية التونسية أمانى السويسى : شعبك صرخ …علا الصوت وقال لا لا للظلم لا للقهر لا للكبت والآه روحي فداء لهذا الوطن تونس يا أرض للسلم………… فى مصر…. يوم الجمعة الثامن والعشرون من يناير في منطقة المطرية الواقعة في شرق القاهرة حيث تجمع المتظاهرون أمام المسجد الكبير من بين الجموع برزت امرأة تبدو في العقد الخامس تتحدث بكلمات مختنقة بالبكاء يكاد يسمعها من حولها، تتحدث عن غربتها عن وطنها لسنوات طويلة لأجل “لقمة العيش” وحتى تنفق على تعليم أبنائها بأمل فى أنهم سيتخرجون ويريحونها إلا انها تفاجأت فيما بعد بأن العطالة فتكت بأحلامهم وأحلامها .. وهى الآن لاتجد قوت يومهم. وبمضي الوقت يزداد توتر الأجواء فيلقي جنود الأمن المركزي على المتظاهرين بأعداد كبيرة من الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع ولكن هذا لا يفت في عضد السيدة . وحين يحاول بعض الرجال النكوص والتراجع تتصدى لهم بجسدها صائحة:” من يتراجع ليس برجل..” وتدفعهم مرة تلو الأخرى إلى الثبات وتظل على حالها أربع ساعات كاملة ولا تبرح مكانها إلا مع شروع الشباب في الانقضاض على عناصر الشرطة وسحق آلتها العسكرية… ظلت الشاشات تبث صورة جديدة فى هذه الثورة العربية .. صورتغيير حقيقى لواقع النساء العربيات.. فالنساء المصريات اللاتى أظهرتهن الشاشات وهن يقاتلن يد بيد بميدان التحرير ومنهن من يترأسن حشود المتظاهرين، لم يقتصر دورهن فى الإعتناء بالجرحى اذ ظللن قائدات ومراقبات لنجاح الثورة فمنهن من يتولى التحري في بطاقات الهوية. ورأت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” أن المظاهرات العارمة التى اجتاحت شوارع القاهرة واهتز لها حكم الرئيس مبارك الاستبدادى مثلت بالنسبة للكثير من النساء أملا جديدا فى سبيل تحريرهن وتحقيق حريتهن..كما ذكرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية أن مظاهرات “الغضب” منحت المرأة المصرية زخما لم تعتده، فبعد أن كان ينظر إليهن باعتبارهن مواطنات من الدرجة الثانية، وجدن مساواة غير متوقعة فى الصفوف الأولى للمظاهرات التى انطلقت لتسمح بهبوب رياح التغيير إلى مصر، والتى ضمت الشابات والأمهات والجدات غير الآبهات بالأذى الذى من الممكن أن يلحق بهن. وأشارت الصحيفة كيف انتشر مشهد واحد لسيدات مختلفات يحملن الميكرفونات ويقودن مجموعة من المتظاهرين ويرددن الهتافات المختلفة.. ونقلت الصحيفة عن رحاب أسعد، إحدى المتظاهرات قولها “كان من الرائع مشاهدتهن وقد ردد الرجال ما يقلن، وبالنسبة لى، هذا شىء جديد كلياً. كما إن مجموعات كبيرة من الفتيات والنساء قمن بتحضير اللافتات بأنفسهن ونزلن إلى الشارع للتظاهر في مسيرة نسائية كن يهتفن:مش هنسلِّم/ مش هنطاطي/ إحنا كرهنا الصوت الواطي”… إن موجة التغيير التى تكتسح العالم العربى يبدو جلياً ان قيادة موجتها فى السودان هى النساء.. فمظاهرات جامعة الخرطوم قادتها طالبات دارفور وأيضاً مظاهرات طالبات الجزيرة إحتجاجاً على أوضاعهن المعيشية .وكذلك الشابات اللاتى وقفن كتف بكتف مع زملائهن فى حركة 30 يناير فى شوارع الخرطوم ولازالت هبتهم مستمرة . والأخيرات تعرضن هن وصحفيات وسياسيات لإمتهان شديد فى المعتقلات ونقلت المواقع الإليكترونية كيف إنهن سمعن فاحش القول وتعرضن للإيذاء البدنى والنفسى..إن إستهداف النساء هو محاولة إستباق يائسة لثورة شبيهة بتونس ومصر.. ولأن الأجهزة الأمنية تنطلق من مواقف متخلفة تجاه النساء لذا فإنها تفترض سهولة تخويفهن وترويعهن… ومالا تعرفه هذه الأجهزة عن النساء السودانيات إنهن قويات العزم ولسن أضعف من نساء تونس ومصر.. كما إن هذه الأجهزة – من شدة خوفها- لاتعتبر بالدرس المستفاد فى تونس ومصر وهو إنه كلما حاولت القمع كلما أكدت ضمان إستمرارية الثورة وليس العكس.. ف”بن على” وحالياً مبارك كانت الجماهير تطالبهم فقط بالرحيل ولكنهم جيشوا قواتهم لهزم إرادة الشعب فتحولت اللافتات من “إرحل” الى “المحاكمة” .. التحية لكل النساء فى مصر اللاتى ودعن الأبناء قبل ستة عشر يوم وهم يمطرونهم بالدعوات فقط ويمسكن اللسان عن محاولة الإثناء القلقة.. التحية لوالدة الشهيد خالد سعيد والذى كان رحيله على يد الأجهزة الأمنية المصرية، لانه نشر خبثهم، محركاً ودافعاً لإنفجار الثورة ، التحية لها لانها ربت شاب يستطيع ان يجهر بالحق مهما كان الوعيد.. التحية لوالدة وزوجة وائل غنيم والذى أكد عبر وقفته الشرسة ان الحرية مطلب إنسانى. فهو الشاب الثرى الذى كان يمكن ان يقنع بشركته وعالمه الناجح الا ان والدة ربته وزوجة دعمته فرفع شعار كلنا خالد سعيد وإفتتح بذلك حملة قادت لأكبرثورة عرفتها بلاده. إن وجود النساء فى المجال العام لم يعد خياراً بل صار واقعاً تدعمه ظروف السودان الإقتصادية والسياسية فنتاج الحرب والنزوح وسنوات من الإفقار صارت النساء يعملن يد بيد وتنعكس عليهن السياسات الإقتصادية بشكل مباشر فلم يعد ممكناً تجاوز ذلك، ولاتجاوز توقهن للحرية والإنعتاق… وإن محاولات تخويفهن محاولات لاتحصد الا الريح. فما ذاقته النساء فى ظل الإنقاذ من مرارات وذل وفقر لايمكن ان تبتكر آليات القمع أفظع منه.. لذا فلترفع هذه الجهات يدها عن نساء السودان، فالخرطوم ليست القاهرة .. الخرطوم معبأة بمايكفى بجراحاتها ومراراتها وعنصريتها وسلاحها لذا كفوا عن نسائها. هادية حسب الله [email protected]