وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    قرارات اجتماع اللجنة التنسيقية برئاسة أسامة عطا المنان    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    مناوي : حين يستباح الوطن يصبح الصمت خيانة ويغدو الوقوف دفاعآ عن النفس موقف شرف    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفا – إنتباه
نشر في حريات يوم 11 - 04 - 2014


يحيي فضل الله
دخل حامد مكتب الناظر ، ناظر المدرسة الثانوية العامة- ج – ، دخل بعد ان طرق الباب عدة مرات و حين قرر ان يرجع سمع صوت الناظر يقول :- اتفضل
دخل حامد و الحيرة تحتل خطواته ، وجلا ، خائفا ، وقف امام الناظر الذي كان مستغرقا في تصحيح الكراسات التي امامه مما جعل حامد يخمن ماهو موضوع الناظر ، من تحت نظارته السميكة شمل الناظر حامد بنظرة سريعة
:- ايوه ، في شنو ؟
:- انا حامد ، حامد محمود
:- ايوه يا حامد ، في شنو ؟
:- ما انت رسلت لي
:- آآ ، انت حامد
:- ايوه يا استاذ
:- حامد انت بتسف تمباك ؟
:- انا ؟ ، يا استاذ ، ابدا ، ما بسف
وقف الناظر كالملدوغ ، بعثر الكراسات التي امامه بينما كان حامد يرتجف من الخوف ، اخذ الناظر احد الكراسات ، لوح به امام حامد قائلا :- ده كراسك و لا لا ؟
نظر حامد الي الكراس و اجاب بصوت بعيد :- نعم يا استاذ
:- طيب ، تعال ، قرب هنا ، شوف ده شنو ، البقعة دي شنو ؟ ، كاستر يعني ؟ ، دي مش بقعة تمباك ؟ ، كمان ما خايف ، تمسح السفه في كراس الحساب ؟ ، يعني داير تثبت إنك صعلوك ولا شنو ؟
امام هذا الاثبات الدامغ لم يحاول حامد ان يستنكر هذه التهمة لذلك حين وضع الناظر نظارته علي المكتب بانتصار واضح و اخرج عينيه بطريقة بوليسية امام وجه حامد وصرخ فيه :- انت بتسف تمباك ؟
لم يملك حامد الا ان يجيب و باستسلام شديد :- اي يا استاذ ، بسف تمباك
:- ايوه ، احسن تعترف
بانفعال واضح فتح الناظر الدولاب ، اخرج سوط العنج المشهور و اتجه نحو حامد الذي ايقن تماما انه في مصيدة ولا فكاك لذلك إنحني ممسكا اقرب كرسي و اغمض عينيه استعدادا لتحمل لسعات السوط ، رفع الناظر السوط الي اعلي و حين هم بانزال اول ضربة علي جسد حامد ، برقت منه العيون و توقف عن ذلك ، نظر الي حامد المنحني علي الكرسي ، رجع الي المكتب ، ازداد بريق العيون ، نظر الي حامد الذي تشجنت اعصابه اكثر بسبب إنتظاره الذي طال لاول ضربة من ذلك السوط الشهير
:- تعال هنا
صرخ الناظر ، إزداد خوف حامد اكثر لجهله بخطوة الناظر القادمة ، إقترب من المكتب ، نظر اليه الناظر بذلك البريق
:- حامد
:- ايوه يا استاذ
:- طبعا ، بتعرف كل الطلبة البسفو تمباك
:- والله يا استاذ …
:- ما عايز كلام كتير ، بتعرفهم و لا ما بتعرفهم ؟
:- بعرفهم يا استاذ
:- بس خلاص ، بكره في الطابور تطلعهم لي كلهم ، مفهوم ؟
:- مفهوم يا استاذ
:-عشان كده انا بطلت اجلدك
:- …………
صمت حامد و هو يحس بصعوبة المهمة
:- بكره في الطابور ، كلهم ، اوعك تنسي زول ، مفهوم ؟
:- مفهوم يا استاذ
:- خلاص امشي
خرج حامد بينما إبتسم الناظر بخبث شديد قبل ان يستغرق في عملية التصحيح ، رجع حامد ليقول :- يا استاذ ، بس بكره الجمعه
:- خلاص يوم السبت يا غبي ، تعال هنا ، الموضوع ده سري جدا ، اوعك تقول لي زول ، مفهوم ؟
خرج حامد من المكتب و خطواته تنوء بعبء تلك المهمة السرية الخطيرة .
عباس التوم ، ناظر المدرسة الثاتوية العامة – ج – مثار إهتمام الطلاب بسبب تصرفاته الغريبة ، متقلب المزاج ، يظهر ذلك في لبسه قبل تصرفاته ، صاحب صوت جهور و له همس مميز حين يرغب في ذلك ، مهاب جدا و لكن لا تمنع تلك الهيبة من ان يكون موضوع نكات الطلاب ، حين يضحك يضحك بعمق و حين يغضب يرتجف من الغضب ، لكن ، يجهل الجميع ما يضحكه و ما يغضبه ، كتلة من النشاط و الحيوية ، يفعل كل ذلك بإستغراق كلي يجعله ينسي كل التفاصيل ، يدرس مادتي الانجليزي و الرياضيات بمتعة يحسها الطلاب و يفرحون يها ، حدث مرة انه كان يدرس الرياضيات للصف الثاني و حيث انه كان مستغرقا في عملية التدريس ، كان يكتب المسائل الحسابية و يحلها علي السبورة بمتعة متناهية و حين إمتلأت السبورة تماما لم يفكر مطلقا في مسحها بل إستمر بكل ذلك الإستغراق يكتب بالطباشير علي الحائط القريب من السبورة و استمر يكتب علي الحائط وسط همهمات الطلاب الضاحكة ، عادة ما يخلع الاستاذ عباس التوم حذاءه حين يبدأ الحصة و عادة ما يخرج من الفصل حافيا ، حينها يتخاطف الطلبة الحذاء كي يحمل اليه في مكتبه تعبيرا عن الحميمية تجاهه ، حدث ان حمل احد الطلبة الفردة اليمين من الحذاء و هرول بها الي مكتبه بينما حمل طالب اخري الفردة اليسار و هرول بها نحو المكتب ايضا و حين وصل الحذاء الي مكتب الناظر عباس التوم بتلك الطريقة ، إستنكر الامر تماما و اخرج سوط العنج من الدولاب و جلد الطالبين بعد ان اوضح سبب العقوبة قائلا :- ما في جزمة بشيلوها نفرين ، ده خطأ في التصرف ، ما في علاقة بين الجهد و الفعل
يقال إن السبب في تصرفات وشطحات الاستاذ عباس التوم التي تقترب من الجنون هو انه نجا من الموت باعجوبة لا تعزي الا الي الاقدار ، كان ذلك إبان التمرد في الجنوب في الستينات حيث تم حرق ميز المدرسين في – اكوبو – و مات كل المدرسين ماعدا الاستاذ عباس التوم المستغرق الان حتي الجنون في كل ما بفعله .
تسلل حميدان و مجدي من حصة المذاكرة في ذلك المساء عن طريق فتحة في سور السلك الشائك البعيد عن الفصول ، كانت تلك التسللات ذات تراكم في النجاح و لكن لسوء حظ حميدان و مجدي إكتشف الناظر عباس التوم تلك الفتحة مصادفة حين كان يركض مستغرقا وراء عدد من الاغنام التي دخلت حوش المدرسة عن طريق تلك الفتحة ، لذلك وضع عباس التوم تلك الفتحة تحت المراقبة و هكذا ، تسلل مجدي و حميدان في ذلك المساء و عيون الناظر قد احتلها ذلك البريق و تحرك من مكانه لمتابعتهما و بكل ذلك الإستغراق تسلل مثلهما عبر نفس الفتحة ، حرص علي متابعتهما من بعيد ، كان حميدان و مجدي يتحهان نحو السينما التي تعرض فيلم – جانوار – مرا بالسوق و الناظر عباس التوم يتبعهما من بعيد ، تجاوزا – حي السوق – و الناظر مستمر في المتابعة ، – زريبة العيش – متابعة الناظر مستمرة ، – سوق الرواكيب – يحافظ الناظر علي المسافة المعقولة ، تجاوزا الفسحة بين موقف البصات و اللواري والسينما ، وقفا في صف التذاكر ، وقف الناظر في الصف خلفهما حريصا كل الحرص علي عدم إكتشافه ، دخل مجدي و حميدان السينما ، دخل بعدهما الناظر عباس التوم ،كانت المناظر قبل الفيلم قد بدأت ، وسط تلك العتمة كان الناظر يبحث بين المقاعد عن حميدان و مجدي مثيرا الكثير من المشاكل مع رواد درجة – الشعب – ، اخيرا وجد الناظر عباس التوم حميدان ومجدي و اقتلعهما من تلك المتعة التي هربا من اجلها و خرج بهما خارج السينما ، يقودهما امامه صامتين بينما إستغرق الناظر يحكي عن اعظم فيلم شاهده و هو – سقوط الامبراطورية الرومانية – و حين وصل الناظر و معه الرهينتان الي المدرسة كانت حصة المذاكرة قد إنتهت و اطفئت انوار المدرسة حينها نظر الناظر عباس التوم الي حميدان و مجدي قائلا :- معليش يا شباب يوم الجمعه انا عازمكم سينما
في احدي الصباحات خرجت المدرسة الثانوية العامة- ج – مشاركة في مظاهرات الطلاب بمختلف المراحل الدراسية ، في ذلك الصباح دخل الاستاذ عباس التوم الفصل الاول ليدرس حصة الانجليزي حسب الجدول الموضوع ، وجد الفصل خاليا الا من ثلاثة طلاب ، كان الناظر عباس التوم يعلم بامر المظاهرات ، نظر الي الثلاثة طلاب المتخاذلين عن بقية زملائهم و شعر بالإشمئزاز و صرخ فيهم :- وانتو مالكم ؟ ، مكسرين . ، مالكم ما طلعتو مع زملاكم . ، خايفين ؟
رد احد المتخاذلين و بصوت متمكن من منطقه
:- يا استاذ نحن دايرين نقرأ بس ، مالنا و مال المظاهرات
عندها إرتجف عباس التوم من الغضب و نادي الخفير الذي اسرع و احضر سوط العنج و بإنفعال واضح اغلق الناظر كل الشبابيك و باب الفصل بإحكام و صرخ في اولئك المتخاذلين :- الليله انا حاوريكم القرايه ام دق يا جبانات
وكانت معركة نموذجية تحكي دائما حين يتحدث المتحدثون عن شخصية الاستاذ عباس التوم .
يوم السبت ، الطابور الصباحي ، الناظر عباس التوم يقف علي دكة عالية ، يبدو انيقا هذا الصباح ، إنتهت الاصوات التي تنادي باسماء الطلاب للتاكد من الحضور و الغياب
:- صفا ، إنتباه ، صفا ، إنتباه
من تلك الدكة العالية جاء صوت الناظر ، تحدث عن النظام و الضبط و الربط و عن الاخلاق الحميدة ، بعدها برقت منه العيون و قال : – انا عارف إنو في بعض الطلبه بيسفو تمباك و الليله هنا و في الطابور ده حنطلعهم واحد واحد
احد الطلبة لكز زميل بجانبه مشيرا الي – حقة -عبارة عن علبة بحاري كانت لتباكو تقبع مشكلة دائرتها في جيب بنطال الناظر
:- زميلكم حامد محمود حيتولي هذه المهمة ، حامد محمود ، تعال هنا
جاء حامد محمود يتصبب منه العرق ، وقف امام الناظر ، همس الناظر في أذنه ، تحرك حامد نحو الطابور و حيث ان الطابور يتشكل من ثلاثة فصول يقف كل فصل علي طريقة صف في الامام و صف في الخلف لذلك كان خط سير حامد بين الصفين الخلفي و الامامي .
تحرك حامد بين صفي الفصل الاول ، مر حامد بين الصفين ، في مروره ذاك همس متعاطو التمباك باصوات تدين هذا السلوك
:-خلي عندك ذوق يا حامد
حامد مستمر في مروره
:- ما ما معقول ياحامد
قالها احد الطلبة في الصف الامامي دون ان يلتفت الي الوراء
حامد يتصبب منه العرق و يحس بالانهيار
:- تكون بالغت يا حامد
خرج حامد من صفي الفصل الاول دون ان يعلن عن احد ، في مروره بين صفي الفصل الثاني تكررت تلك النداءات الهامسة و الزاجرة تدين و تشجب مبدأ الخيانة ، خرج حامد من صفي الفصل الثاني دون ان يشير الي احد ، في صفي الفصل الثالث تضخمت كذلك نداءات الزملاء في أذن حامد بحيث لم يستطع ان يؤدي تلك المهمة التي اوكلها له الناظر ، خرج حامد من الطابور دون ان يعلن عن متعاط واحد للتمباك ، تحرك نحو الناظر الذي يقف علي تلك الدكة العالية ، إقترب من الناظر بحذر و قال بصوت مخنوق :- ما في زول بسف يا استاذ
هنا ، صرخ الناظر عباس التوم بكل فرح الدنيا لتشمل الدهشة عقول الجميع
:- برافو ، برافو يا ابني ، إنت رفضت الخيانة ، برافو ، برافو يا ابني
و احتضن الناظر عباس التوم الطالب حامد محود بحضن حميم وضج الطابور بالفرح و تعالت الضحكات ، عندها إنتبه الناظر لتلك الفوضي و صرخ في الطابور
:- صفا ، إنتبا ، صفا ، إنتباه .
Post your free ad now! Yahoo! Canada Personals
تداعيات
=========
يحيي فضل الله
=============
صفا – إنتباه
==============
دخل حامد مكتب الناظر ، ناظر المدرسة الثانوية العامة- ج – ، دخل بعد ان طرق الباب عدة مرات و حين قرر ان يرجع سمع صوت الناظر يقول :- اتفضل
دخل حامد و الحيرة تحتل خطواته ، وجلا ، خائفا ، وقف امام الناظر الذي كان مستغرقا في تصحيح الكراسات التي امامه مما جعل حامد يخمن ماهو موضوع الناظر ، من تحت نظارته السميكة شمل الناظر حامد بنظرة سريعة
:- ايوه ، في شتو ؟
:- انا حامد ، حامد محمود
:- ايوه يا حامد ، في شنو ؟
:- ما انت رسلت لي
:- آآ ، انت حامد
:- ايوه يا استاذ
:- حامد انت بتسف تمباك ؟
:- انا ؟ ، يا استاذ ، ابدا ، ما بسف
وقف الناظر كالملدوغ ، بعثر الكراسات التي امامه بينما كان حامد يرتجف من الخوف ، اخذ الناظر احد الكراسات ، لوح به امام حامد قائلا :- ده كراسك و لا لا ؟
نظر حامد الي الكراس و اجاب بصوت بعيد :- نعم يا استاذ
:- طيب ، تعال ، قرب هنا ، شوف ده شنو ، البقعة دي شنو ؟ ، كاستر يعني ؟ ، دي مش بقعة تمباك ؟ ، كمان ما خايف ، تمسح السفه في كراس الحساب ؟ ، يعني داير تثبت إنك صعلوك ولا شنو ؟
امام هذا الاثبات الدامغ لم يحاول حامد ان يستنكر هذه التهمة لذلك حين وضع الناظر نظارته علي المكتب بانتصار واضح و اخرج عينيه بطريقة بوليسية امام وجه حامد وصرخ فيه :- انت بتسف تمباك ؟
لم يملك حامد الا ان يجيب و باستسلام شديد :- اي يا استاذ ، بسف تمباك
:- ايوه ، احسن تعترف
بانفعال واضح فتح الناظر الدولاب ، اخرج سوط العنج المشهور و اتجه نحو حامد الذي ايقن تماما انه في مصيدة ولا فكاك لذلك إنحني ممسكا اقرب كرسي و اغمض عينيه استعدادا لتحمل لسعات السوط ، رفع الناظر السوط الي اعلي و حين هم بانزال اول ضربة علي جسد حامد ، برقت منه العيون و توقف عن ذلك ، نظر الي حامد المنحني علي الكرسي ، رجع الي المكتب ، ازداد بريق العيون ، نظر الي حامد الذي تشجنت اعصابه اكثر بسبب إنتظاره الذي طال لاول ضربة من ذلك السوط الشهير
:- تعال هنا
صرخ الناظر ، إزداد خوف حامد اكثر لجهله بخطوة الناظر القادمة ، إقترب من المكتب ، نظر اليه الناظر بذلك البريق
:- حامد
:- ايوه يا استاذ
:- طبعا ، بتعرف كل الطلبة البسفو تمباك
:- والله يا استاذ …
:- ما عايز كلام كتير ، بتعرفهم و لا ما بيتعرفهم ؟
:- بعرفهم يا استاذ
:- بس خلاص ، بكره في الطابور تطلعهم لي كلهم ، مفهوم ؟
:- مفهوم يا استاذ
:-عشان كده انا بطلت اجلدك
:- …………
صمت حامد و هو يحس بصعوبة المهمة
:- بكره في الطابور ، كلهم ، اوعك تنسي زول ، مفهوم ؟
:- مفهوم يا استاذ
:- خلاص امشي
خرج حامد بينما إبتسم الناظر بخبث شديد قبل ان يستغرق في عملية التصحيح ، رجع حامد ليقول :- يا استاذ ، بس بكره الجمعه
:- خلاص يوم السبت يا غبي ، تعال هنا ، الموضوع ده سري جدا ، اوعك تقول لي زول ، مفهوم ؟
خرج حامد من المكتب و خطواته تنوء بعبء تلك المهمة السرية الخطيرة .
عباس التوم ، ناظر المدرسة الثاتوية العامة – ج – مثار إهتمام الطلاب بسبب تصرفاته الغريبة ، متقلب المزاج ، يظهر ذلك في لبسه قبل تصرفاته ، صاحب صوت جهور و له همس مميز حين يرغب في ذلك ، مهاب جدا و لكن لا تمنع تلك الهيبة من ان يكون موضوع نكات الطلاب ، حين يضحك يضحك بعمق و حين يغضب يرتجف من الغضب ، لكن ، يجهل الجميع ما يضحكه و ما يغضبه ، كتلة من النشاط و الحيوية ، يفعل كل ذلك بإستغراق كلي يجعله ينسي كل التفاصيل ، يدرس مادتي الانجليزي و الرياضيات بمتعة يحسها الطلاب و يفرحون يها ، حدث مرة انه كان يدرس الرياضيات للصف الثاني و حيث انه كان مستغرقا في عملية التدريس ، كان يكتب المسائل الحسابية و يحلها علي السيورة بمتعة متناهية و حين إمتلأت السبورة تماما لم يفكر مطلقا في مسحها بل إستمر بكل ذلك الإستغراق يكتب بالطباشير علي الحائط القريب من السبورة و استمر يكتب علي الحائط وسط همهمات الطلاب الضاخكة ، عادة ما يخلع الاستاذ عباس التوم حذاءه حين يبدأ الحصة و عادة ما يخرج من الفصل حافيا ، حينها يتخاطف الطلبة الحذاء كي يحمل اليه في مكتبه تعبيرا عن الحميمية تجاهه ، حدث ان حمل احد الطلبة الفردة اليمين من الحذاء و هرول بها الي مكتبه بينما حمل طالب اخري الفردة اليسار و هرول بها نحو المكتب ايضا و حين وصل الحذاء الي مكتب الناظر عباس التوم بتلك الطريقة ، إستنكر الامر تماما و اخرج سوط العنج من الدولاب و جلد الطالبين بعد ان اوضح سبب العقوبة قائلا :- ما في جزمة بشيلوها نفرين ، ده خطأ في التصرف ، ما في علاقة بين الجهد و الفغل
يقال إن السبب في تصرفات وشطحات الاستاذ عباس التوم التي تقترب من الجنون هو انه نجا من الموت باعجوبة لا تعزي الا الي الاقدار ، كان ذلك إبان التمرد في الجنوب في الستينات حيث تم حرق ميز المدرسين في – اكوبو – و مات كل المدرسين ماعدا الاستاذ عباس التوم المستغرق الان حتي الجنون في كل ما بفعله .
تسلل حميدان و مجدي من حصة المذاكرة في ذلك المساء عن طريق فتحة في سور السلك الشائك البعيد عن الفصول ، كانت تلك التسللات ذات تراكم في النجاح و لكن لسوء حظ حميدان و مجدي إكتشف الناظر عباس التوم تلك الفتحة مصادفة حين كان يركض مستغرقا وراء عدد من الاغنام التي دخلت حوش المدرسة عن طريق تلك الفتحة ، لذلك وضع عباس التوم تلك الفتحة تحت المراقبة و هكذا ، تسلل مجدي و حميدان في ذلك المساء و عيون الناظر قد احتلها ذلك البريق و تحرك من مكانه لمتابعتهما و بكل ذلك الإستغراق تسلل مثلهما عبر نفس الفتحة ، حرص علي متابعتهما من بعيد ، كان حميدان و مجدي يتحهان نحو السينما التي تعرض فيلم – جانوار -مرا بالسوق و الناظر عباس التوم يتبعهما من بعيد ، تجاوزا – حي السوق – و الناظر مستمر في المتابعة ، – زريبة العيش – متابعة الناظر مستمرة ، – سوق الرواكيب – يحافظ الناظر علي المسافة المعقولة ، تجاوزا الفسحة بين موقف البصات و اللواري والسينما ، وقفا في صف التذاكر ، وقف الناظر في الصف خلفهما حريصا كل الحرص علي عدم إكتشافه ، دخل مجدي و حميدان السينما ، دخل بعدهما الناظر عباس التوم ،كانت المناظر قبل الفيلم قد بدأت ، وسط تلك العتمة كان الناظر يبحث بين المقاعد عن حميدان و مجدي مثيرا الكثير من المشاكل مع رواد درجة – الشعب – ، اخيرا وجد الناظر عباس التوم حميدان ومجدي و اقتلعهما من تلك المتعة التي هربا من اجلها و خرج بهما خارج السينما ، يقودهما امامه صامتين بينما إستغرق الناظر يحكي عن اعظم فيلم شاهده و هو – سقوط الامبراطورية الرومانية – و حين وصل الناظر و معه الرهينتان الي المدرسة كانت حصة المذاكرة قد إنتهت و اطفئت انوار المدرسة حينها نظر الناظر عباس التوم الي حميدان و مجدي قائلا :- معليش يا شباب يوم الجمعه انا عازمكم سينما
في احدي الصباحات خرجت المدرسة الثانوية العامة- ج – مشاركة في مظاهرات الطلاب بمختلف المراحل الدراسية ، في ذلك الصباح دخل الاستاذ عباس التوم الفصبل الاول ليدرس حصة الانجليزي حسب الجدول الموضوع ، وجد الفصل خاليا الا من ثلاثة طلاب ، كان الناظر عباس التوم يعلم بامر المظاهرات ، نظر الي الثلاثة طلاب المتخاذلين عن بقية زملائهم و شعر بالإشمئزاز و صرخ فيهم :- وانتو مالكم ؟ ، مكسرين . ، مالكم ما طلعتو مع زملاكم . ، خايفين ؟
رد احد المتخاذلين و بصوت متمكن من منطقه
:- يا استاذ نحن دايرين نقرأ بس ، مالنا و مال المظاهرات
عندها إرتجف عباس التوم من الغضب و نادي الخفير الذي اسرع و احضر سوط العنج و بإنفعال واضح اغلق الناظر كل الشبابيك و باب الفصل بإحكام و صرخ في اولئك المتخاذلين :- الليله انا حاوريكم القرايه ام دق يا جبانات
وكانت معركة نموذجية تحكي دائما حين يتحدث المتحدثون عن شخصية الاستاذ عباس التوم .
يوم السبت ، الطابور الصباحي ، الناظر عباس التوم يقف علي دكة عالية ، يبدو انيقا هذا الصباح ، إنتهت الاصوات التي تنادي باسماء الطلاب للتاكد من الحضور و الغياب
:- صفا ، إنتباه ، صفا ، إنتباه
من تلك الدكة العالية جاء صوت الناظر ، تحدث عن النظام و الضبط و الربط و عن الاخلاق الحميدة ، بعدها برقت منه العيون و قال : – انا عارف إنو في بعض الطلبه بيسفو تمباك و الليله هنا و في الطابور ده حنطلعهم واحد واحد
احد الطلبة لكز زميل بجانبه مشيرا الي – حقة -عبارة عن علبة بحاري كانت لتباكو تقبع مشكلة دائرتها في جيب بنطال الناظر
:- زميلكم حامد محمود حيتولي هذه المهمة ، حامد محمود ، تعال هنا
جاء حامد محمود يتصبب منه العرق ، وقف امام الناظر ، همس الناظر في أذنه ، تحرك حامد نحو الطابور و حيث ان الطابور يتشكل من ثلاثة فصول يقف كل فصل علي طريقة صف في الامام و صف في الخلف لذلك كان خط سير حامد بين الصفين الخلفي و الامامي .
تحرك حامد بين صفي الفصل الاول ، مر حامد بين الصفين ، في مروره ذاك همس متعاطو التمباك باصوات تدين هذا السلوك
:-خلي عندك ذوق يا حامد
حامد مستمر في مروره
:- ما ما معقول ياحامد
قالها احد الطلبة في الصف الامامي دون ان يلتفت الي الوراء
حامد يتصبب منه العرق و يحس بالانهيار
:- تكون بالغت يا حامد
خرج حامد من صفي الفصل الاول دون ان يعلن عن احد ، في مروره بين صفي الفصل الثاني تكررت تلك النداءات الهامسة و الزاجرة تدين و تشجب مبدأ الخيانة ، خرج حامد من صفي الفصل الثاني دون ان يشير الي احد ، في صفي الفصل الثالث تضخمت كذلك نداءات الزملاء في أذن حامد بحيث لم يستطع ان يؤدي تلك المهمة التي اوكلها له الناظر ، خرج حامد من الطابور دون ان يعلن عن متعاط واحد للتمباك ، تحرك نحو الناظر الذي يقف علي تلك الدكة العالية ، إقترب من الناظر بحذر و قال بصوت مخنوق :- ما في زول بسف يا استاذ
هنا ، صرخ الناظر عباس التوم بكل فرح الدنيا لتشمل الدهشة عقول الجميع
:- برافو ، برافو يا ابني ، إنت رفضت الخيانة ، برافو ، برافو يا ابني
و احتضن الناظر عباس التوم الطالب حامد محود بحضن حميم وضج الطابور بالفرح و تعالت الضحكات ، عندها إنتبه الناظر لتلك الفوضي و صرخ في الطابور
:- صفا ، إنتبا ، صفا ، إنتباه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.