تباينت الآراء بين مجموعتين داخل حزب الأمة القومي السوداني المعارض بشدة حول الموقف من الحوار مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بما ينذر بحدوث انقسام وشيك في الحزب الذي يقوده رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي. وقال الأمين العام للحزب الدكتور إبراهيم الأمين في مؤتمر صحافي عقده بالخرطوم أمس، إن هناك «مدرستين»، إحداهما لا تساوم بالدخول في أي تسوية مع نظام شمولي لتحقيق مصالح دنيوية زائلة، مضيفا أن «الناس الذين يأخذون الحوافز المليارية لن تدفن معهم حين موتهم»، في إشارة لمجموعة رئيس الحزب الصادق المهدي التي تدعو للحوار مع حزب الرئيس البشير من دون شروط. وأوضح الأمين أن المدرسة الأولى لها تأثيرها القوى والفاعل مركزيا وولائيا، وتملك قوة ضاربة تتكون من طلاب وشباب الحزب، وأنه يعتمد على الموالين لهذه المدرسة لأنه يفكر في المستقبل والأجيال الجديدة، وحمايتها من دفع فواتير التعامل مع الأنظمة الشمولية، ومشروع وطني مع القوى السياسية. وكشف الأمين عن حوارات قال إن مجموعات الشباب والطلاب تقوم بها ليس داخل الحزب وحده، بل مع كل القوى السياسية الأخرى، وهم ليسوا طرفا في أي صراعات حزبية ولا أي مفاوضات مع النظام الحاكم، وإن مجموعته تعتمد عليهم في إيقاف أي مشروع يدعو لما سماه «أن ننكسر من أجل المصالح». واستطرد الأمين: «أما المدرسة الثانية – ودون أن أسيء لشخص – فتعتقد أن مصلحة حزب الأمة في التحالف مع المؤتمر الوطني». وأضاف أن تلك المدرسة قامت بالكثير مما لا تقبله مجموعته (الأمانة العامة) وتقاومه بشراسة. وأضاف أن طروحات المدرسة الأولى تواجه قبولا من شرائح واسعة من جماهير حزبه، في المركز والولايات، أما مدرسة الحوار فوصفها بأنها لم تكتف بالحوار فقط، بل سجنت نفسها في خيار واحد، في الوقت الذي يسعى فيه حزب المؤتمر الوطني لكسب الوقت حتى الانتخابات القادمة. وقال الأمين إن الخيار الأول لحزبه في التعامل مع نظام الإنقاذ هو «الشارع» وتأليبه لإسقاط نظام حكم الإنقاذ بثورة شعبية سلمية، على الرغم من أنه لا يرفض الحوار مع النظام من حيث المبدأ، لكنه لن يحاور دون توفير شروط ومستلزمات الحوار، وهو الموقف الذي ترفضه المجموعة الموالية لرئيس الحزب والتي قطعت شوطا طويلا في الحوار مع حزب المؤتمر الوطني. وأضاف أن «أي حديث مهما كان مصدره، لا يمثل نبض الشارع، لا نسمح به ونحن مستعدون للموت واقفين، وباعتباري أمينا لسر الحزب لن أفرط في أسراره، لكن هناك معوقات كثيرة جدا فرضت على الأمانة العامة لتعطل قيامها بدورها، ونحن قادرون على إيقافها، ولا يمكنها قفل الطريق». وبشأن اجتماع الهيئة المركزية للحزب – أعلى سلطة حزبية بين مؤتمرين عامين – المزمعة، قال الأمين إنها لا تملك سلطة تغيير الهياكل. ويعقد حزب الأمة اجتماعا لهيئته المركزية في الأول من مايو (أيار) المقبل، وتقول المصادر، إن الهدف الرئيس من عقد الاجتماع هو تحجيم المجموعة الرافضة للحوار غير المشروط الذي يتزعمه رئيس الحزب، والإطاحة بالأمين العام، واختيار أمين عام جديد، رجحت تلك المصادر تكليف رئيسة المكتب السياسي للحزب سارة نقد الله بمهام الأمين العام، وهو الأمر الذي دفع بالأمين العام الحالي إبراهيم لعقد مؤتمره الصحافي استباقا للقرارات المتوقعة التي قد تطيح به، وبرموز التيار الرافض للحوار غير المشروط مع حزب المؤتمر الوطني. وأضاف الأمين أنه أبعد من اللجنة العليا للإعداد لاجتماع الهيئة المركزية على الرغم من أن «الأمين العام» هو المسؤول التنفيذي الأول في الحزب، وجرى تكوين اللجنة من مناوئين له وعلى «عداء معلن مع الأمانة العامة»، وأن أحد أفراد تلك اللجنة ذكر للصحافة أن أحد أهداف انعقاد اجتماع الهيئة هو «الإطاحة بالأمين العام». وأوضح مشيرا للحشد المؤيد له، أنهم قدموا طعنا لرئيس اللجنة العليا بصورة لرئيس الحزب تضمن كل السلبيات التي يرونها، وأنهم لم يلحظوا أي تغيير، وأنه عقد مؤتمر الصحافي لفضح عمليات – لم يسمها – تخالف دستور الحزب، وأضاف أن تكوين اللجنة العليا يواجه خللا عاما بسبب إسقاط عضوية الأمين العام فيها بحكم منصبه. وأكد الأمين احترامه للهيئة المركزية مشترطا التزامها بدستور الحزب، وألا تحدث تغييرات هيكلية في الأمانة العامة والمكتب السياسي، وأن تكتفي بمناقشة القضايا العامة والاستعداد لعقد المؤتمر العام للحزب، وأنه لن يشارك في تلك الاجتماعات إلا بعد التأكد من دستورية الاجتماع. وقال الأمين إنه أوضح لرئيس الحزب المهدي أن للحزب خيارين، خيار الحوار وخيار تعبئة الشارع لإسقاط النظام، وأن الذين يؤمنون بالحوار يمكن أن يحاورا، أما بشأنه فقال: «أنا على اعتقاد ومعرفة بأن الحوار لن يؤدي لنتائج مقبولة للشعب السوداني، وقد يترتب عليه أن يفقد الحزب الكثير، لأن كل الحوارات مع المؤتمر الوطني كانت نتيجتها وبالا على حزب الأمة». وأضاف أنه اكتشف تكوين لجنة التفاوض مع حزب المؤتمر الوطني دون علمه وعلم نائب رئيس الحزب، عقب إعلان رئيس الجمهورية عن توصل حزبه لاتفاق تام مع حزب الأمة، وجاء في تقريرها لاجتماع الهيئة المركزية السابق أنهم اتفقوا على ما نسبته 85 في المائة من الحوار مع الحزب الحاكم، و«لم تتبق إلا أشياء صغيرة»، ما يحدث يؤكد أن هناك مجموعة لا تريد أن يكون هناك صوت مؤسسي يعارض طروحات المجموعة المنادية بالحوار. ونفى إجراءه لأي اتصالات مع قادة الحزب السابقين أمثال مبارك الفاضل المهدي، ونصر الهادي المهدي، بيد أنه قال إنهم مؤيدون لآراء المجموعة التي ترفض الحوار غير المشروط مع المؤتمر الوطني، وإنه من قرر إقامة المؤتمر الصحافي على مسؤوليته الشخصية ويتحمل تبعاته كافة، ولا علاقة لمبارك المهدي به، على الرغم من تجاوبه مع هذا الخط، نافيا في الوقت ذاته أن يكون هدفه إحداث انقسام الحزب، وأنه سيظل يقول رأيه ويقاوم داخل مؤسسات الحزب أو في الشارع. ورفض الأمين خروج حزبه من تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض، وقال: «نحن من مؤسسيه، لن نخرج منه بسهولة، ولن نترك أحدا يطردنا، وعندنا تباين في وجهات النظر نقولها في كل صراحة». يذكر أن حزب الأمة القومي جمد عضويته في تحالف قوى الإجماع الوطني منذ قرابة الستة أشهر، وحين اتخذ التحالف قراره بتجميد عضوية حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي لدخوله في حوار غير مشروط مع الرئيس البشير، ذكر أن حزب المهدي والذي شارك هو الآخر في الحوار جمد عضويته من قبل، وبالتالي فإن تجميده تحصيل حاصل.