برفيسور أحمد مصطفى الحسين [email protected] اوردت صحيفة الراكوبة بتاريخ 31/5/2014 تصريحا للسيد الفاتح عز الدين رئيس البرلمان السودانى وعضو المكتب القيادى لحزب المؤتمر الوطنى "الحاكم" خلال مؤتمر حزبى بالخرطوم اليوم السبت "إن حزبه أجرى تعديلا كبيرا فى قانون الانتخابات بما يسمح للقوى السياسية أن تشارك فى البرلمان عبر اعتماده قائمة التمثيل النسبى". ولعمرى فإن مشكلة الانتخابات التى جرت فى عام 2010 فى السودان لم تكن فى قانون انتخاباتها ولا كانت فى طريقة تقسيم الدوائر فيها وانما كانت فى عدم نزاهة ادارتها وسيطرة الحزب الحاكم عليها من خلال سيطرته على اجهزة الدولة. فبصرف النظر عن القانون اديرت به تلك الانتخابات،ومهما كان نوع الشكل الانتخابى الذى اعتمده ذلك القانون، ما كان لحزب المؤتمر الوطنى ان يحصل على 95 % من مقاعد ما يسمى بالمجلس الوطنى لولا التزوير الذى شاب تلك الانتخابات التى احتوشها العوار من كل جانب. والدليل على عدم نزاهة تلك الانتخابات يكمن فى نتيجتها نفسها. اذ انه ومن نتائج الدراسات العلمية الوفيرة والمقارنة التى جرت فى عدة بلدان انه من المستحيل ان يحصل حزب عى 95 % من اصوات الناخبين وذلك لأن اصوات الناخبين تتوزع توزيعا طبيعيا لا يمكن معه ان يحوز حزب واحد على 95 % من اصوات الناخبين.وهذه حقيقة يدركها تماما الذين يعرفون قانون التوزيع الطبيعى للظواهر الطبيعية. ولذلك يطلق على انتخابات الأنظمة العربية فى سوريا الأسد ومصر عبد الناصر والسادات والأسد ديمقراطية 99 %. ولكل ذلك فان تأكيد السيد عز الدين بأن حزبه تفضل وأعتمد 50% من مقاعد البرلمان القادم "بتمثيل نسبى لإتاحة الفرصة للقوى السياسية.." لا يعدو أن يكون طعما للأحزاب لتقع فى شرك إنتخابات مزورة جديدة خاصة وأن السيد عز الدين اشار "الى إأن التمثيل النسبى يتيح المشاركة لكل الأحزاب فى البرلمان مهما كان حجمها." نعم التمثيل النسبى يتيح من الناحية النظرية للاحزاب الصغيرة فرصة للمشاركة فى البرلمان ولكن هل التمثيل النسبى فى حد ذاته يمثل ضمانة ضد التزوير خاصة وان الحزب القابض على السلطة يسيطر على كل اجهزة الدولة من قضاء وشرطة وأمن وحتى مفوضية الانتخابات نفسها التى لولا جهودها المقدرة لما استطاع حزب المؤتمر الوطنى تزوير الانتخابات والفوز بكل مقاعد البرلمان والتنازل لقليل منها لحلفائه وأذنابه. وأذكر فى هذا الخصوص تصرف عضو لجنة الإنتخابات السابقة حينما أبلغ بحادثة "الخج" التى نقلتها كل مواقع التواصل الاجتماعى – وهى واقعة من الناحية الموضوعية قد تكون صحيحة او مدبلجة- فبدلا من ان يسعى وتسعى لجنته للتحقيق فى الحادثة كما هو المتوقع منه بادر باناكرها ابتداء دون تثبت وهو يعرف انها حقيقة. الديمقراطية ليست انتخابات وما الانتخابات الا أداة من الأدوات التى تستخدمها لعكس رأى الشعب فى الاحزاب المشاركة فيها وبرامجها. ولا يمكن ان تسمى الانتخابات انتخابات ديمقراطية الا فى ظل بيئة ديمقراطية معافاة. ومن ضرورات هذه البيئة المعافاة أن تكون أجهزة الدولة وخاصة الأمنية منها محائدة تماما ولا تتدخل فى العملية الإنتخابية لمصلحة جهة أو حزب معين. وهذا بطبيعة الحال شرط ضرورى لاشاعة حرية الرأى وحرية التنظيم واقامة الندوات والاتصال بالناخبين بحرية تامة. وبما أن كل هذا كله مفقود الان فما فائدة قانون انتخابات نسبى أو غير نسبى فالذى زور الانتخابات السابقة يمكن أن يزور الإنتخابات القادمة ويحوز على كل مقاعد التمثيل النسبى بالإضافة الى المقاعد الجغرافية. ومن الناحية الموضوعية والمنطقية لا يمكن ان يجرى المؤتمر الوطنى انتخابات نزيهة لأنه يعرف أنه سيخسرها ولذلك يصر على اقامة الانتخابات فى موعدها وتحت نفس الظروف التى جرت تحتها سابقتها حتى يضمن بقاءه فى الحكم. فهو لا يستطيع ان يبقى خارج الحكم لأنه يعرف ان هذا يعنى محاكمات ومطارادات محلية ودولية ومساءلات عن الفساد وهذا فضلا عن الثأرات الفردية فأهل الانقاذ زرعوا فى نفوس الألاف العميق من الغبائن والأحقاد. ولكنهم فى نفس الوقت يرغبون بشدة فى مشاركة الأحزاب الأخرى فى انتخاباتهم التمثيلية القادمة حتى يزعموا لها شرعية وهم يعلمون أنه اذا أجريت انتخابات نزيهة فانهم لن يحصلوا الا على اصواتهم وسينفض عنهم حتى اذنابهم ليبحثوا عن كوشة اخرى يأكلون منها فتاتا جديدا. وهذا هو السبب فى الاصرار على عدم تأجيل الانتخابات المقبلة. ولعل اغرب ما قاله السيد رئيس البرلمان مبررا اصرار حزبه على عدم تأجيل الانتخابات قوله "لن نبقى فى الحكم دون شرعية ، وبينناوبين الأحزاب صناديق الاقتراع ، والحوار غاية وليس وسيلة". يا سبحان الله ومتى كانت لكم شرعية؟ لقد جئتم للسلطة بانقلاب عسكرى دموى قمتم بعد نجاحه باذلال خصومكم وتعذيبهم فى غير موجب لذك. ثم حينما بدأ بناؤكم فى التهاوى رضختم لرغبة المجتمع الدولى باقامة انتخابات انسحبت منها معظم الاحزاب الكبيرة وسمح لكم الامريكان بتزويرها فى مقابل قبول تقرير المصير لجنوب السودان ثم فصله عن السودان. لعمرى ان القول "لن نبقى فى الحكم دون شرعية" قول مضحك أيما إضحاك وقديما قيل شر البلية ما يضحك.