تعج الساحة السياسية السودانية بالمتغيرات،التي تصعب قراءتها دفعة واحدة ،وبالمتناقضات حيث الدعوة للحوار ثم اعتقال المعارضين،والحديث عن الحريات ومنع الندوات وتعطيل الصحف،وفي خضم الأزمة الاقتصادية والحرب الدائرة لا تبدو دعوات المؤتمر الوطني للتحاور حول أزمات الوطن سوي دعوة البعض للركوب في المركب الغارقة أو في أحسن الظروف هي تعبيرعن صدي الخلافات والتباينات داخل الحزب الحاكم بعد ربع قرن من الفشل المستمر في إدارة الدولة التي كانت موحدة فانقسمت،وكانت منتجة فأصبحت مستوردة وكان مأمولاً لها أن تكون سلة غذاء العالم فأصبحت في صدارة الدول المتخلفة والفقيرة .حول هذا المشهد أدارت الميدان حواراً مع السكرتير التنظيمي للحزب الشيوعي الدكتورعلي الكنين، ننشره في حلقات علي صفحات الميدان : **أي نظام نريد بعد تفكيك الإنقاذ ؟ =بالقطع نظام تعددي ديمقراطي،والديمقراطية بالنسبة لنا خيار استراتيجي وليس تكتيكياً،وحتي نصل لما نريد هنالك مراحل لا بد من عبورها وأهمها المرحلة الإنتقالية.وفيها تتوافق القوي ذات المصلحة في إقامة نظام تعددي ديمقراطي،وتنتهي المرحلة بإنجاز المهام الموكلة للحكومة الإنتقالية . **وماهي هذه المهام ؟ = أهم ثلاث مهام أمام الحكومة الإنتقالية هي عقد المؤتمر الددستوري ،بمعني الإجابة علي سؤال كيف يحكم السودان ثم المؤتمر الإقتصادي وإجراء الإنتخابات بنهاية الفترة الإنتقالية بعد إنجاز مطلوباتها مثل القوانين والإجراءات الخاصة بها لضمان نزاهتها . أعيد القول أن الهدف الذي نسعي له هو إسقاط النظام الحالي لصالح سودان تعددي ديمقراطي سمته التداول السلمي للسلطة وإشاعة الحريات،ووسائلنا في ذلك الإنتفاضة والثورة بما يعني تصعيد المقاومة وحركة الإحتجاج الجماهيري والمزيد من تعبئة وتنظيم الجماهير.وحتي إن استجاب النظام لمطلوبات الحوار وشروطه فلابد أن يكون الهدف من الحوار هو تفكيك الإنقاذ،ومؤسساتها وبنيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية،بخلاف ذلك فإن ما يسمي بالحوار هو مضيعة للوقت ومحاولة لصرف الأنظار عن المعاناة والضائقة المعيشية التي يعاني منها الغالبية العظمي من الناس . وقد يقول البعض – وقد قال ذلك بعض رموز المؤتمر الوطني – لماذا يضع الشيوعيون شروطاً قبل الجلوس لمائدة الحوار بينما يمكن طرحها من خلال طاولة التفاوض ؟ والإجابة لا تحتاج لكثير عناء . إن كان المؤتمر الوطني يدرك أزمة الوطن ويعتبر الحوار وسيلة لإنهائها فلابد أن يدرك أن أحد أهم أسبابها هذه الترسانة القمعية،سواء أكانت قوانين أم أجهزة ،وسياسة قهر الخصوم ومصادرة الحريات،وبالتالي فإن الشروط التي نطرحها هي الحد الأدني المطلوب لتأكيد جدية الحوار وكيما يكون الجميع سواسية في مائدة الحوار . ويجب أن نذكر أن الشروط التي ننادي بها،تنادي بها أيضاً معظم القوي السياسية المنضوية تحت لواء قوي الإجماع الوطني،وجماعات أخري خارج تحالف المعارضة . ** لا زال النظام يدعو القوي السياسية للحوار باعتبار أن الباب مفتوح أمام الجميع ، وفي نفس الوقت يقيد حرية المعارضة في العمل الجماهيري كما لا زال هنالك معتقلين سياسيين في السجون وتصعيد للحرب في جنوب كردفان ، كيف تفسر هذا التناقض ؟ = النظام تحاصره الأزمات وهو آيل للسقوط،وما يقوله في دعايته الإعلامية بشأن الحوار هو ( لعب علي الذقون) أو قل استهبال الحاوي،يريد أن تبقي مؤسساته ودولته مهما كانت نتائج الحوار،وهذا مستحيل . **ألا تري أن الجميع ينجرف فيما يسمي بالحوار وينشغل به علي حساب تصعيد المقاومة الجماهيرية للنظام وسياساته ؟ = ربما لا يكون هذا الإستنتاج صحيحاً 100 في المية،فلا أحد ولا موضوع يمكن أن يضع الحركة الجماهيرية في ( ثلاجة)،والمقاومة مستمرة بمختلف الأشكال،ولكنني من هذا المنبر أدعو إلي الإستمرار في المطالبة بإيقاف الحرب المشتعلة في كردفان ودارفور والنيل الأزرق،والضغط علي النظام بمختلف الوسائل لهزيمة أصحاب الأجندة الحربية وحتي نتيح المجال للتفاوض والحل السلمي لأزمة الوطن ، وهذه مهمة أساسية من مهام الحركة الجماهيرية إضافة لمهام أخري من بينها مقاومة السياسات الاقتصادية الحكومية التي أدت لإفقار الناس،وانتزاع حق التعبير والتنظيم . هذه الأشكال المتعددة من المقاومة لا بد أن تتصل غض النظر عن وجود الحوار أو انعدامه . وبالتأكيد فإن التصعيد الجماهيري قادر علي الإطاحة بالنظام متي ما تحول لثورة ،أو إجباره علي التسليم والتفكيك والخضوع لإرادة الشعب وتجريده من أي هامش مناورة . هنالك مشكلة حقيقية،بعض قوي اليمين وإن كانت في المعارضة لا ترغب في التغيير الراديكالي بمعني الثورة واسقاط النظام وتحطيم مؤسساته ،فهذا السيناريو يهدد مصالحها الطبقية،وبالتالي فهي مع الحلول الوسط،التي تتيح لها المشاركة في السلطة وإن كانت شكلاً ،والإكتفاء باليسير من هامش الحرية وبعض ( كيكة) التمكين ،علي أن تظل بنية وصفة النظام كما هي، حارساً لمصالح الرأسمالية وتابعاً ذليلاً لها . وفي كل الأحوال ليس بمقدور هؤلاء تغيير قوانين الثورة أو قطع الطريق أمام الشعب لتحقيق آماله في الديمقراطية والحرية وإن كنا لا نغفل أن بعض المناورات السياسية وتبادل الأدوار تتيح أحياناً فرصة للنظام لالتقاط أنفاسه وكسب الوقت،ولكن الشعب قادر علي التمييز بين من يقف في صفه ويدافع عن حقوقه وبين من ينظر إلي المكاسب السياسية وكراسي السلطة ولو علي حساب جماجم البشر . ما يعتري الساحة السياسية من تضييق علي الحرية واعتقال وارهاب هو تعبير ساطع عن الخلافات المحتدمة داخل الحزب الحاكم،فالذين يدعون للحوار نهاراً،يرد عليهم أنصار القمع والتمكين ليلاً بأوامر الاعتقال وفض الاحتجاجات بالقوة، وعليه فإن اعتقال الصادق المهدي إمام الأنصار في وقت سابق واستمرار اعتقال الزميل الطالب محمد صلاح ورفاقه وزعيم حزب المؤتمر السوداني والعديد من أعضاء حزبه ، يعتبر دليلاً علي ماذكرته ، وانظر كذلك لخطاب التهديد والوعيد وتجييش الجيوش لإرهاب المعارضين . وما يحدث يمكن اعتباره دليلاً علي أن دعوة الوطني للحوار لا تعدو كونها مناورة مفضوحة . ولا أذيع سراً عندما أقول أن تيار الأجندة الحربية والقمع داخل الحزب الحاكم يعد نفسه لمعركة حاسمة ضد الجماهير،التي لقنته درساً قاسياً في سبتمبر/اكتوبر الماضيين،ودوننا تلك القوات العسكرية التي تستجلب من الأقاصي للمعسكرات حول الخرطوم،ولكن للجماهير كلمتها وأسلحتها المجربة والهزيمة في النهاية ستلحق بهؤلاء وبجنجويدهم. **كلمة أخيرة ؟ =كلما تصاعد النضال اليومي المنظم ،بمختلف أشكاله، كلما قويت شوكة الجماهير في مواجهة القمع ،وسيؤدي التراكم الكمي لتغيرات نوعية،وستنتصر ثورة الشعب.ولا بد لي أن أؤكد موقف حزبنا المعلن وخياره الثابت بألا حوار مع النظام المتسلط،ولن نشارك في الانتخابات التي يمهد لها المؤتمر الوطني والمعروفة نتيجتها سلفاً .