تم اعتقال عدد من حاضري تأبين الشهيدة سارة عبد الباقي مساء الخميس 25 سبتمبر الجاري، أربعة من المعتقلين كانوا نساء في سيارة واحدة وهن: الأستاذة سارة نقد الله الأمينة العامة لحزب الأمة، والزميلة الاستاذة رباح الصادق، والأستاذة إلهام مالك عضوة الحركة الشعبية قطاع الشمال، والأستاذة نجاة بشرى الناشطة بمبادرة لا لقهر النساء وفي المجتمع المدني واطلق سراح كل من سارة ونجاة في حوالي الرابعة من صباح الجمعة ثم اطلقت رباح والهام فى اليوم الثانى . وروت الاستاذة رباح الصادق التجربة ل(حريات) ، قائلة : إن تجربة الاعتقال لدى رباطة الأمن كانت الأولى بالنسبة لي، فقد اعتدت على الاعتقال من الوقفات الاحتجاجية وغالبا ما نحبس في حراسات قسم الشرطة.. أما هذه المرة فقد ذهبنا للتأبين بعد أن نسقنا للالتقاء في نقاط محددة.. مبادرة لا لقهر النساء قامت بالتنسيق بين عضويتها لحضور المناسبة، ونبهنا لأن نكون في بيت الشهيدة منذ السابعة مساء.. ذهبنا أربعتنا وضللنا الطريق لمنزل الشهيدة فمررنا على قسم شرطة غير بعيد من مقصدنا، وشاهدنا الاستعدادات والدروع والخوذات.. طبعاً علمنا منذ وقفات عديدة ماضية أن معدات وملابس الشرطة الزرقاء الرقطاء لا تعني أن لابسيها شرطة.. ففي وقفة لا لقهر النساء الأخيرة أمام سجن أم درمان كان الأمن ورباطته يتزيون بزي الشرطة وفق ما أفاد مراقبون، وحدث نفس الشيء يوم وقفة لجنة التضامن أمام مفوضية حقوق الإنسان حيث كان الضابط المتزيي بزي الشرطة رباطي معروف لبعضنا.. ومضت رباح تروي كيف دخلوا بيت الشهيدة ووجدوا النساء بالداخل متجمعات في (ختمة قرآن) كان المغرب قد أذّن، وأستاذة سارة كانت صايمة، ضيفها بالفطور البيت الكريم، وتقاطرت نساء لا لقهر النساء ثم نشطاء وسياسيون، وبعد نهاية الليلة ذهبنا بالطريق الرئيسي، رفضت أستاذة سارة أن تتحاشى الرباطة بالشوارع الداخلية، ثم عارضتنا قوة من الأمن حوالي عشرة على بوكسي مزدوج الكابينة، تحدث احدهم مع استاذة سارة وقال لها نحن جهاز الأمن الوطني ونريدك معنا. رفض ثلاثتنا تركها تذهب معهم وقلنا سوف ناتي معها، فطلبوا ان يركب معنا أحدهم، لكنها رفضت وقالت لهم سنذهب لحيث تريدون وراءكم أو أمامكم، فاستدعوا بوكسي آخر مماثل فكانت هذه القوة تحيط بنا أماما وخلفا.. لاحقا قال لي السيد عبد الباقي الخضر -والد الشهيدة- مهاتفاً: والله لو عارفهم بمسكوكن ما اخليهم كنت اوصلكن لحدي مكانكن.. حينما علمت بالقبض عليكن قلت لهم انتم ماكم رجال، تمشوا مسلحين ورا (حريم) والرجال المسلحين ما بتقابلوهم! وواصلت: ذهبنا إلى مبنى بالحلفاية علمنا أنه مبنى الأمن التابع لوحدة إدارية تابعة لمحلية بحري، لعلها بحري شمال. هناك ظللنا فترة منذ حوالي العاشرة والربع مساء وحتى ما بعد الواحدة صباحاً.. لم يحقق معنا إلا بأخذ البينات الأساسية (الاسم والمهنة والعمر والسكن ورقم الهاتف)، ولم نعرف سبب اعتقالنا، بينما كان كل مرة وأخرى يأتي رباطي يحاول استفزازنا في شكل (ونسة).. مثلا حينما قال احدهم ان ما قمنا به خاطيء وان الشهيدة ابنة عمته وان والدها قال انهم لم يدعوا احدا وان ما قمنا به من القاء كلمات سياسية يعد محاولة لاثارة القلاقل والشغب وممنوع قانونا قلنا له ان اسرة الشهيدة رحبت بنا أيما ترحيب وشكرتنا واستعدت لحضورنا بتهيئة المكان فأنت تكذب كما هي عادتكم جهاز كذاب وحكومة كاذبة.. وقانونك معيب وما قمنا به يقع ضمن حرية التعبير وحرية التجمع والتنظيم التي يكلفها الدستور قال: (دستور شنو.. هو في دستور ده قبضة في الهواء ساكت!) قلنا لهم إن استاذة سارة مريضة بالسكري وكانت صايمة ولم تتناول علاجها ولا تحمله حتى، ونجاة كذلك مصابة بالانزلاق القضروفي وممنوعة من الجلوس الطويل.. وحوالي الواحدة قالوا إن مدير الأمن بمحلية بحري يطلب ان تحال له رباح والهام، فتساءلنا عن السبب خاصة ونحن نعتقد ان المطلوبة هي الحبيبة سارة ونحن مجرد مرافقات. ولكن احدهم قال كل من ذهب للاحتفال مطلوب وكلنا ارتكبنا جرما وخالفنا القانون بالذهاب للتأبين، وأنهم حريصون على صحة الأستاذة سارة ولن يمسوها وما لم نذهب لن يستطيعوا اطلاق سراحها، هكذا أوحى لنا أن ذهابنا شرط لاطلاق سراح استاذة سارة التي كنا نخشى عليها، فاستأذناها في الذهاب وهي معترضة أشد الاعتراض وتقول إنها لن تخرج ما لم نكن معها.. المهم في النهاية وصلنا مبنى الأمن لمحلية بحري بعد الواحدة والنصف بقليل. وهناك أجلسونا على طاولة تقع قرب السلم في الطابق الأول، كان الجو حاراً وكان البعوض قد اعتبرنا عشاءه المبذول لذلك اليوم، جلسنا هناك حتى ما بعد صلاة الصبح حيث قيل لنا انه يمكن ان نصلي في مكتب مجاور كان الوضع فيه افضل بكثير حيث كان مكيفا ويقل فيه البعوض، وإن كانوا يغيرون علينا كل حين بدون طرق الباب مظهرين أخلاقهم المتدنية فإن أنت داخل على مكان فيه أخواتك وكان فيك ذرة من ادب لا مناص من أن تطرق الباب ناهيك عن ان تكون داخل على مكان به اجنبيات عنك.. المهم جلسنا أيضا ساعات اضافية حتى تم اطلاق سراحنا حوالي الحادية عشرة والنصف اي ظللنا جالستين 13 ساعة في تلك الليلة. ولم يزيدوا على تلك الأسئلة بل كررها المدير الذي يجلس على كرسيه الوثير وقربه شاشة كمبيوتر كبيرة.. وواصلت رباح: هنا أيضا تكررت الأحاديث الاستفزازية، وجاء أحدهم يلبس بدلة كاملة في تلك السخانة ويبدو أنه مثلما تبلدت أحاسيسه المعنوية كذلك كانت المادية.. وظل يسألنا عن كيف سمعنا بالدعوة مع انها منشورة في الأسافير وظل يعيد السؤال ويهدد بأنه يعرف الذي دعانا، وغرضه، وأن ما قمنا به محاولة لاستغلال الحادثة سياسيا، وظل يقول لنا (شايلين ليكم راس ميت ما عارفين الكاتل ولا المكتول.. بتعرفوا سارة من وين. وكان قالوا ليكم كتلها منو بتعرفوه؟) قلنا له سارة ليست قريبتنا بالدم ولكن في الوطن، وإنه لو كان ينكر حقوقنا السياسية فهذا من قصور فهمه وقصور قانونه، وإن كل الشعب السوداني أسرتها لقد راح دمها غدرا بسبب ظلمكم.. أنتم قتلتموها، والقاتل الذي نعرفه، سامي محمد أحمد علي، أثبتت عليه محكمة الاستئناف الركن المادي من الجريمة واكدت انه كان حاضرا واصاب الشهيدة بالرصاص، واحد قضاة محكمة الاستئناف وجه محكمة الموضوع ان تنظر في اضافة حكومة السودان كمتهم لأن سامي اخذ سلاحه وذخيرته واوامر ضرب المتجمعين من قسم الشرطة.. انتم قتلتموها وقتلتم كل الشهداء، ونحن صرنا كلنا أخوة وأمهات لسارة وهزاع وصلاح ومحمد زين وبكور وأيمن بجة ووفاء وصهيب والقائمة تطول. .. ولكنه أظهر جهلا حتى بملابسات محكمة الاستئناف، وقد قال موجها حديثه لي ذات مرة : ما قمتي به كان خطأ وانت هنا لتعرفي ذلك، وتعترفي بخطئك.. فقلت له إنني أعرف حقي واعرف ان ما قمت به تكفله لي الشرائع والدستور والحقوق تؤخذ غلابا ولن انزل عنه ، فقال مهددا: إذن جلوسك سوف يطول معنا!! فقلت له: ليطل.. وإنني والله إذا اقتضى الأمر أفضل أن أجلس حتى يحمل نعشي إلى أحمد شرفي من أن أنصاع لرؤاهم الباطلة.. وقلت له: لو أطلقت سراحي اليوم فسوف تجدني مساء في تأبين الشهيد صلاح سنهوري. ولهذا حرصت على الذهاب لتأبين الشهيد مع أن البيت كان عاجاً بالمحمدلين للسلامة وبرغم الليلة الطويلة قبلها. وحول انطباعها قالت رباح: اعتقد ان الاعتقال كان مجرد تخبط، وذلك لأن اموالا طائلة تصرف على تلك المباني والقائمين عليها ولا بد من ان يتحركوا ليكتبوا تقارير وليثبتوا أنهم يعملون شيئا مقابل ما يصرفون، لقد اعطيت لهم مقدرات ضخمة، مثلا مبنى محلية بحري هذا مبنى ضخم لا بد انه كلف اموالا طائلة، يقع ببحري في حلة حمد قرب المقابر، وحينما تنظر غربه تقع عينك على مبنى برج الفاتح سابقاً غير بعيد عبر النيل الأزرق.. مبنى مغطى بالكلايدن الرمادي، اي فاخر البناء.. وداخله مزهريات ضخمة للزينة فيها شتول طبيعية، وحينما تلجه تدرك ذهنية الخراب والقذارة التي تحيط المكان فكأنهم لم يسمعوا بعد بالمكنسة ولا الصابون وغيرها من متطلبات النظافة، ولا الصيانة، فكل شيء تهشم ظل كما هو. البلاطة تحت المزهرية، ماسورة حوض الحمام، يد الكرسي وهكذا.. ذهنية الودار التي تحكم السودان الآن فتقذف بأمواله لمراحيض الشره والفساد واللا جدوى.. وختمت مؤكدة : (نحن لسنا مثلهم نخاف من ظلنا، لا نخشى سوى ممن خلقنا).