شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع وهي تتفاعل مع زوجها الذي ظهر وهو يرقص ويستعرض خلفها    ضياء الدين بلال يكتب: نصيحة.. لحميدتي (التاجر)00!    ناس جدة هوي…نحنا كلنا اخوان !!!    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    شاهد بالصورة.. شاعر سوداني شاب يضع نفسه في "سيلفي" مع المذيعة الحسناء ريان الظاهر باستخدام "الفوتشوب" ويعرض نفسه لسخرية الجمهور    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    مصر والأزمات الإقليمية    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية: دمج جميع القوات الأخرى لبناء جيش وطني قومي مهني واحد اساسه القوات المسلحة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    أسطورة فرنسا: مبابي سينتقل للدوري السعودي!    عقار يلتقي مدير عام وحدة مكافحة العنف ضد المرأة    الداخلية السعودية تبدأ تطبيق عقوبة "الحج دون تصريح" اعتبارًا من 2 يونيو 2024    دورتموند يصعق باريس ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل من تركيا ويتلقى التعازي في وفاة ابنه    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معالم تحرير الإسلام بأعين الإصلاحي فهمي جدعان
نشر في حريات يوم 24 - 11 - 2014

الغيرة على الإسلام، الدفاع عن المرأة، الانتصار للحرية، ثلاثة مفاتيح، ضمن مفاتيح أخرى، تكاد تلخص مشروع المفكر الإصلاحي الأردني فهمي جدعان، بالصيغة التي لخصتها أغلب أعماله، ومنها أحدث إصداراته، وكتاب أشبه بمجلد، يحمل عنوان "تحرير الإسلام ورسائل زمن التحولات".[1]
فهمي جدعان في كتابه هذا، يبدو أكثر غيرة ودفاعاً عن الإسلام والمسلمين، من الذين يزعمون النطق باسم الإسلام، أو الذين يراهنون على "اختطاف الإسلام" من أهله، أي مُجمل الحركات والأحزاب الإسلامية التي تعتقد أنها "ناطقة باسم الإسلام"، وتروم "إقامة الدين" في المجتمع والنظام والدولة، وهذه مسائل أو شعارات تطرّق إليها بكثير من النقد والتقويم جدعان في مؤلفه هذا.
نقطة أخرى تُميّز هذا العمل عن باقي أعمال المؤلف، كونه جامع وتقريباً شامل لأغلب ما تطرق إليه في أعماله السابقة، حيث نعاين فصولاً مُخصّصة لمفهوم الحرية، وجاءت عناوين فصولها في "تحرير الإسلام" كالتالي: "الحرية في المدينة"، "الحرية في الثقافة العربية الحديثة"، "المقدس والحرية"؛
كما نعاين توقفاً ملحاً، وفي أكثر من مناسبة في عناوين ومضامين "تحرير الإسلام" عند قضية المرأة المسلمة، وهو أيضاً، مؤلف كتاب: "خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية"[2]؛
وأخيراً، وليس آخراً، نقرأ بعض معالم " نظريته النقدية" ضد النخبة الفكرية العربية، ومعها بعض المشاريع العلمية الإصلاحية التي تُميز مجالنا التداولي، وهو الذي اشتهر أساسا بكتابيه: "في الخلاص النهائي"[3]، وكتابه" أسس التقدم في الإسلام"[4].
ثورات تروم أهدافا ليست تلك التي نهضت من أجلها
نبدأ بحدث الساعة، والحديث عما يُشبه "الفوضى الخلاقة" التي اصطلح عليها إعلامياً اليوم بأحداث "الربيع العربي"، أو "الحراك العربي"، وهو الحديث الذي طغى بدوره على مضامين "تحرير الإسلام"، إن لم نقل أنه عجّل بصدور الكتاب تحت هذا العنوان بالذات، خاصة أن تفاعلات هذا الحراك، أفرزت صعوداً لافتاً للتيارات الإسلامية، إخوانية كانت أم "جهادية".
جاءت أولى إشارات فهمي جدعان حول أحداث الحراك، بشكل مغاير تماماً مقارنة مع السائد في قراءة أحداث الحراك، دون أن يُشكك في أحقية الشباب العربي الذي خرج للشارع احتجاجاً على الأنظمة العربية المعني بالحراك.
يرى جدعان أن "الانتفاضات" التي نجمت تجري في مسارات تتوعد بأزمنة صعبة، وتتوخى تحقيق أهداف ليست هي تلك التي نهضت من أجلها، مُعتبراً بشكل صريح أن الخارطة العربية تتشكل اليوم وفق تخطيطات مُخترعة يجري فيها إحلال نظم جديدة بدلاً من النظم التي فقدت صلاحيتها" و"تحكم أعطافها وجنباتها آليات التجزئة والتفكيك والتدمير الذاتي والاختلالات البنيوية".
لا يسقط مفكر كبير من طينة فهمي جدعان في فخ "القراءة المؤامراتية"، ولكنه يتحدث انطلاقاً من خبرة في حياة أمس أولاً، ومن قراءة متأنية لتطورات حياة اليوم ثانياً.
أما المخرج العملي الذي يقترحه في هذا الصدد، من باب إنقاذ الديمقراطية على وجهها السديد، فيتم عبر تزويد العامة بقدر ضروري من المعرفة والعلم والتمييز؛ لأن الديمقراطية غير العالمة لن تقود إلا إلى مدينة جاهلة، أو ما يصفه ب"توجيه أضواء حادة إلى مسائل النضج والوعي السياسي والاجتماعي والمعرفي، والتوجه إلى مرحلة من التدخل المباشر من جانب الدولة للخروج من القانون البداوة إلى قانون الحضارة لأن الحقيقة هي أن الواقع العربي في مساحات واسعة محكوم حتى اليوم بمنطق البداوة، وهو منطق يستعصي تماماً على الديمقراطية"[5]، في تقاطع، بشكل أو بآخر مع مقتضى مفهوم/ تاريخ "القبيلة" (إلى جانب "الغنيمة" و"العقيدة") عند الراحل محمد عابد الجابري كما تطرق إليه في كتابه "العقل السياسي العربي"[6].
بخصوص أحقية الحديث عن "تحرير الإسلام"، فلا يقصد جدعان بذلك تحرير دين الإسلام من مقدماته الكبرى ولا تقديم إسلام جديد، ولا بالأحرى شجب التجربة التاريخية الإسلامية، وإنما الدفاع عن صورة للإسلام، ماهيتها صادرة عن منطوق كتابه المنظم العظيم: صورة نقية، أصلية، مُتحرّرة من الاختلاطات والاختلالات والتجاوزات، وبأخذ في الحسبان ثلاث مُحدّدات على الأقل:
تمثله الشخصي العقلي والإيماني لنصوص الوحي؛
اجتهاده النقدي العقلي الإنساني في مسائل الوجود والمجتمع؛
وأخيراً، اعتقاده أن دين الإسلام في ذاته، دين يستحق أن يُعاش، وأن يكون خياراً إنسانياً عاقلاً لإنسان يريد أن يحيا حياة أخلاقية، عادلة كريمة؛ من الضروري بذل الوسع من أجل حماية هذا الدين من أهله أولاً، ومن أعداءه ثانياً[7]؛
يرفع فهمي جدعان شعار "تحرير الإسلام" أيضاً، ليس باعتباره داعية أو واعظاً أو إسلامياً سياسياً أو غير سياسي، وإنما باعتباره مفكراً يلتزم منهجا عقلانياً تكاملياً، واقعياً، ونقدياً.
عندما يجذّر الإسلام السياسي الانفصام ويفاقم الأمور
نأتي لمحور تقييم أداء الإسلاميين، القدامى والجدد، وهو تقييم مؤسّس على سؤال مُؤرق: هل دين الإسلام سياسي في ماهيته وغائيته ومقاصده النهائية؟ أم أنه دين اجتماعي أخلاقي في هذه الماهية وتلك الغائية أم أنه الوجهان كلاهما؟
بعد العروج على اجتهادات علي عبد الرازق صاحب "الإسلام وأصول الحكم"، والردود التي طالت تلك الاجتهادات (وهذا موضوع حاضر بقوة، وفي أكثر من مقام، في "تحرير الإسلام")، يخلُص المؤلف إلى أنه يصعب اختزال الغائية الرسالية للنبوة في تمثل دين الإسلام بما هو مُلك، أي دولة سياسية دنيائية تقيمها وتدعمها وتغذيها أحزاب أو قوى أو جماعات سياسية توحد بين نفسها وبين الدولة، وتدّعي أن رسال الإسلام وحقيقته ومستقبله منوطة بالفعل السياسي لهذه الأحزاب أو الجماعات. والسبب عنده بَدَهي: هو أن دين الإسلام ينبغي ألا يكون موضوعاً لأحابيل السياسة واختلاطاتها وخدعها ومراوغاتها ونسبيتها، وأن الغائيات الدينية ينبغي ألا تكون خاضعة لاستراتيجيات المغامرة والمؤامرة والمكيافيللية والذرائعية السياسية اللاأخلاقية. يُشدّد جدعان كثيراً على مصطلح "اللاأخلاقية"[8]، من منطلق أنه لا أحد يجهل أن حقل السياسي هو الحقل الذي تكشف فيه مضادات الأخلاق عن وجهها الحقيقي".[9]
وبالنتيجة وهي نتيجة لا تخدم مشاريع مُجمل الحركات الإسلامية دين الإسلام "ليس في حاجة إلى أحزاب دينية سياسية تتكلم باسمه وتنخرط في الحياة السياسية الذرائعية وتدعي أنها هي وهو شيء واحد، مضيفاٌ في خاتمة العمل الضخم أن نظام الإسلاميين الذي يعبر عن ذاته في تَمثُّل دين الإسلام في صيغة الإسلام السياسي، الانفصالي، الجهادي، هو تمثلٌ يجذّر الانفصام ويفاقم الأمور ولا يمكن البناء عليه بتاتاً"،[10] لولا أن تمثُّل هذا الدين في صيغة دين مقاصدي رحيم يهدف إلى الهدي الأخلاقي وإرساء نظام العدل والمساواة والكرامة الإنسانية، هو تمثُّل بانٍ سديد، أو كما نقرأ له في عمل سابق أن "وعود الإسلاميين تنطوي على نظام انعزالي سكوني مغلق، وتبقى مدعوة لأن تتحول عن هذا النظام إلى الأخذ بوعود الإسلام نفسه التي هي وعود إنسانية حية، رحيمة، منفتحة بامتياز"[11].
يأخذ المؤلف على التيار الإسلامي بشكل عام، (سواء تعلق الأمر بالتيار الإخواني أو السلفي) ذلك التعلق الشديد بمنظور ظاهري حرفي في مقاربة وفهم النصوص الدينية المتشابهة وفي تمثل القضايا الاجتماعية والكونية الخطيرة لا يمكن أن يحمل إلى دين الإسلام وأهله إلا أسباب الضعف والعجز والإساءة والتخلف، وهذا ما نعاينه بشكل صادم في السياق الحضاري الراهن، ويكفي تأمل تفاعل الرأي العام العالمي مع الظاهرة الداعشية.
ومن باب سحب البساط عن مآزق هذه القراءة الحرفية/ النصية لفهم النصوص الدينية، يجزم المؤلف أنه "لن يتقدم الإسلام في الأزمنة الحديثة إلا بالتحرر من الرؤية الاتباعية الحرفية للنصوص المتشابهة، وباختيار قراءة لها معززة بالتأويل والفهم العقلي الموافق لأحكام الزمن وطبائعه ومتطلباته المصلحية، مستشهداً بتعامل أدبيات المدونة الفقهية مع قضية المرأة، وتحديداً المقتضيات المؤرقة، بل والخطيرة برأي المؤلف، تلك المتعلقة بشعار "سد الذرائع"، الخاص بتوظيف الشعار لحرمان المرأة من التعليم والعمل، وهذا شعار ينبغي في هذه الحالة نموذجاً لا يحتاج إلى النقد والمراجعة والتطوير فحسب، وإنما أيضاً إلى أن يتم "دمجه" في القوانين العقلية، وذلك بعدة إخضاع المسائل المتشابهة فيه إلى الاجتهاد التأويلي الموافق لمتطلبات التطور والأزمنة الحديثة.[12]
الدين والقومية والكونية.. الامتدادات الثلاثة للتراث
مشروع قراءة التراث وتقويمه، كان حاضراً في "تحرير الإسلام"، ليس من خلال الإتيان بمشروع جديد، على غرار المشاريع التي تعج بها الساحة العربية والإسلامية، وإنما من خلال تقييم وتقويم هذه المشاريع، حيث لخصّها جدعان في اتجاهات ثلاث: "إحياء التراث"، "استلهام التراث"، و"إعادة قراءة التراث"، مؤاخذاً عليها السقوط في المزالق التالية:
أ مع جماعة إحياء التراث (وتعتبر صورة من صور تجسيد الفهم السلفي للتراث)، يخلص جدعان إلى أن من يظن أن التراث سيقدم له مفتاح جميع الأبواب المغلقة هو بكل تأكيد إنسان حالم. لكن من المؤكد أن أنه سيكون هناك تراث حي يتبلور بعملية التثقف ويمكن أن إدماجه في منظومة الحاضر وعيشه على نحو غير قسري؛
ب مع جماعة استلهام التراث (أي أن الموقف من التراث ينبغي أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة)، يُلخصها جدعان في ما يُشبه تسويغ لقيم الحاضر، بإسقاط غطاء تراث عليها، والعملية هنا هي عملية صورية أو تسويغية يلجأ إليها هؤلاء ذراً للرماد في العيون وإيهاماً للمتعصبين من التراثيين بأننا نوقر التراث ونأخذ منه، أي نستلهمه؛
ج مع جماعة إعادة قراءة التراث (وهو النهج السائد بقوة في دعاوى العصر، وتقوم عبر إعادة قراءة التراث بحسب هذا المنهج أو بذلك)، فإنه على هذه الجماعة أن تتفطن لجزئية دقيقة، مفادها أن مهمتنا لا تنحصر فقط في تلقي التراث وإنما أيضاً، وربما بقدر أكبر، في إبداع التراث.[13]
وإجمالاً، يدعو المؤلف كل الراغبين في ولوج بحر قراءة التراث والتفاعل معه بما يخدم حاضر ومستقبل الأمة، بأن يستحضروا مقتضى الامتدادات الثلاثة لهذا التراث: امتداد ديني في الأزل، وامتداد قومي في التاريخ، وامتداد إنساني في الكوني المباشر، وكل واحد من هذه الامتدادات يُمثّل التزاماً مُحدداً: التزاماً بالحقيقة، والتزاماً بالأمة، والتزاماً بالإنسان. وقضية التراث مدعوة إلى أن تتحدد في ضوء هذه الامتدادات وما يلزم منها.[14]
من النسوية الرافضة إلى النسوية التأويلية
نأتي لاجتهادات فهمي جدعان بخصوص القضية النسائية، والواقع أن مُجمل أعماله في الموضوع، تكاد تحيلنا على اجتهادات الإصلاحي قاسم أمين، من فرط الدفاع عن نصف مكانة المجتمع، وهي الكرامة التي تتعرض بدورها للاختزال بين طائفتين أساسيتين: الأولى تتبنى مقاربة إسلامية محافظة مُتصلبة، والثانية تتبنى مقاربة غربية إثنية عرقية معادية للإسلام؛ فكلا الخطابين ينكسر من صورة المرأة ويحصر أهميتها كلها في جسدها، ولا يُعطيها حقها كإنسانة قبل كل شيء، في الوقت الذي أعطى القرآن صورة للمرأة منافية لهاتين النموذجين الذين يتصارعان فيما بينهما، ويوجد بينهما بالطبع لائحة من القواسم المشتركة، قد يكون أهمها، وقوفهما معا أمام طريق مسدود، وكون المرأة المسلمة بقيت ضحية بامتياز، لاختيارات تمت طيلة قرون من الجمود والانحطاط.
قضية المرأة في العالم الإسلامي، لا يمكن أن تترك الحليم حليماً، خاصة إذا استحضر جهازه المفاهيمي بعض الأسئلة المؤرقة، والتي إن كانت غائبة في العمل، إلا أنها كانت حاضرة من خلال اجتهادات جديرة بالتأمل، ونورد منها الأسئلة التالية: هل حقاً كان الخطاب بشأن المرأة، كما صيغَ في القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 عاما، أكثر تحررية بل ومخالفاً في بعض الأحيان لما يقدم ويقترح حالياً، وكيف يمكن أن نوافق على استبدال النصوص القرآنية بالتقاليد الأبوية، ونوهِم الناس بعد ذلك بأن القرآن الكريم هو في حد ذاته يقوم على نظام أقرب إلى النظام الأبوي؟، وهل صحيح أن المرأة المسلمة ضحية لاختيارات تمت طيلة قرون من الجمود وما زالت إلى اليوم تعيش في ظل نظام اجتماعي يُطيل باسم الدين وبدرجات متفاوتة أمد الجور الذي ترزح تحته؛ وكيف يُعقَلُ أن لا نجد، عبر كل عصور تاريخ الإسلام، ولو تفسيراً واحداً وضعته امرأة مسلمة؟ وأخيراً وليس آخرا، أليس من المحزن أن نلاحظ أنه عوض أن نظل أوفياء لأهداف ومرامي الرسالة الإلهية بقينا على عكس ذلك، أوفياء للتأويلات والتفسيرات والقراءات البشرية التي ساهمت طوعاً أو كرهاً في نشوء وذيوع ثقافة التنقيص من شأن النساء، وأفضت في نهاية المطاف إلى تلغيم مجتمعاتنا الإسلامية![15]
اجتهادات فهمي جدعان في القضية النسائية الواردة في هذا العمل، سبقتها اجتهادات تم تجميعها في كتاب مرجعي حول القضية النسائية: "خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية"، وهو عبارة عن تجميع لعدد من الدراسات المُخصّصة للقضية، من منظور إصلاحي، يعلو في أفقه المعرفي والاجتهادي على السائد في مجالنا التداولي، بما في ذلك السائد لدى التيارين سالفي الذكر: الاتجاه الإسلامي المحافظ؛ والاتجاه الغربي الإثني والمعادي للإسلام.
يُبرّر فهمي جدعان في عمله "خارج السرب" أحقية اشتغاله على خطاب "النسويات الرافضات" (المُتصلبات، من منظور علماني/ حداثي) بضرورة إنكار أطروحات رموز هذا التيار، شرط أن يكون فعلا الإنكار مؤسّساً على أرضية علمية صلبة، عوض تكفير أهلها،[16] والإحالة هنا على ناشطات نسويات استخدمن أقصى العبارات وعرضن أسوأ الصور في جق بعض المقدس الديني الإسلامي، يذكر منهن الصومالية أيان حرسي التي تزعم أنها لا تتحدث إلا باسم الهولندية التي في داخلها، والبنغلاديشية تسليمة نسرين، المشردة في الآفاق، أو الباكستانية إرشاد منجي التي أفضى بها الترحال إلى تلفزيون شاذ في مقاطعة كندية، والتركية نجلاء كيليك التي بات الاندماج الألماني ديدنها[17]، مستنكراً ألا نجد نساء عربيات جديرات بأن يتوجه النظر إلى مراجعة أعمالهن الفكرية وتحقيق الصلة بينها وبين قضايا العالم العربي ومصائره.
اختلافنا مع هؤلاء النشاطات، واقع صارم مرير، أو واقع لا يرتفع، بتعبير المناطقة والفلاسفة، ولا علاج له برأي جدعان، "إلا بالمعرفة والوعي والمناقشة والنظر النقدي، وحين يتعلق الأمر بقضايا الإسلام ومشكلاته ومصائره تصبح المعرفة والجدل المقدس هي بدائل الإفتاء الحاد والتحريم وإقصاء المخالفين أو مناصبته العداء"،[18] ومن هنا أهم أسباب إصدار كتاب "خارج السرب"، من باب المساهمة في رفع الحواجز العازلة بين الإمبريالية الثقافية العربية المزعومة وبين فضاءات الإسلام المعولم[19] ومُنجزات الحرية الصادمة.
يمكن حصر أهم مآزق تيار النسوية الإسلامية الرافضة في نقاط أربع، كما جاءت في "خارج السرب":
اشتغال الأسماء سالفة الذكر على مشروع إصلاح أحوال المرأة "لا يستند إلى إعادة فهم النصوص الدينية النسائية وتأويلها، وإنما يستند إلى إحداث انقلاب حقيقي في مقاربة جذور المشكلة: العلمانية الإنسانية عند تسليمة نسرين، ومساءلة الدين وحل العقدة الجنسية عند ايان حرسي علي، ونقد الدين والثقافة والنزعة الأبوية عند نجلاء كيليك"[20]؛
"العقل الانفعالي أو الوجداني عند هؤلاء النسويات اختارَ، بحساسية مفرطة، للاحتجاج على أحكام الدين المتداولة في حق النساء، سبب الغضب الذي تفجر في عنف لفظي غير عادي، وقد طال هذا العنف أقدس المقدسات عند المسلمين: الله والنبي والقرآن"[21]؛
نلاحظ غياباً جليّاً "للهاجس العلمي والاجتهادي، مما أدى بهؤلاء النسويات إلى الوقوع في حالة عدم التمييز بين الدين والثقافة، فقد بدا واضحاً أن معطيات ثقافية قد نُسبت منهن إلى الدين، وحُمّلَ الدين جريرة الأخذ بها"[22]؛
وأخيراً، لم تكن المسألة مع هؤلاء ب"إعادة قراءة النصوص الدينية أو تأويلها، وإنما بإقصائها واستبدالها بقيم التنوير"، لولا أن خطاب التنوير الذي عبّرت عنه ممثلات النسوية الإسلامية الرافضة، جاء "خطاباً إقصائياً، راديكالياً، متعصباً، ضيق الصدر، بل وقف من الجماعات الثقافية المسلمة في المهجر موقفاً صدامياً عدوانياً، ولم يتوخ أبداً التزام مبادئ الفهم والإنصاف والنزاهة" وبالنتيجة، "كن يُطلق رصاصة الرحمة مرة واحدة على جهودهن الإصلاحية"[23].
في الانتصار للنسوية الإسلامية التأويلية
توجيه سهام النقد العلمي الهادئ والهادف ضد هؤلاء النسويات الإسلاميات الرافضات، لم يقف عائقاً أخلاقياً أولاً، وعلمياً ثانياً، أمام فهمي جدعان، لكي يُنوّه بالعمل النقدي الذي نهضت به الناشطة التركية نجلاء كيليك في وجه "زواج القسري والزواج المنظم أو المرتب عائلياً، فضلاً عن الجهد الذي بذلته في دراسة حالات النساء المستوردات من موطنهن الأصلي إلى بلد الغربة من أجل الزواج برجال يسومونهن سوء المعاملة وسوء العذاب، وكذلك نقدها لأخلاق الرجل التركي المسلم وعاداته، ومتابعتها لحالات الفتيان والرجال الذين كانوا ضحايا للثقافة البطريقية الأصلية ولسلطة الأب القاهرة المدمرة"[24].
في كتابه "خارج السرب"، ارتأى فهمي جدعان الاشتغال على نقد أهم رموز تيار النسوية الإسلامية الرافضة، بخلاف مضامين تفاعله النقدي مع القضية النسائية كما جاءت في كتابه "تحرير الإسلام"، حيث ارتأى هذه المرة، التنويه في أكثر من مقام برموز تيار "النسوية الإسلامية التأويلية"، التي تبين عن نفسها في أعمال ثلاث مفكرات فذات هُنَّ: أمينة ودود وأسماء برلاس ورفعت حسن.
على أن الجديد في "تحرير الإسلام" بخصوص التفاعل مع واقع المرأة العربية والمسلمة بشكل عام، كانت مطالبة جدعان للنقاد بأهمية الانتباه إلى أربعة معطيات مباشرة، تؤثر بشكل مباشر على واقع/ صورة المرأة، وخصّ بالذكر هنا أربع قطاعات مركزية: الرجل والثقافة والمجتمع والدين، مرتحلاً مع مقتضى كل قطاع من هذه القطاعات، ومؤكداً من جديد أن ما يُشبه القاسم المشترك بين هذه القطاعات، هو أن القراءة الظاهرية للنصوص الدينية ما زالت هي الحاكمة[25].
ويورد فهمي جدعان لائحة جديدة ونوعية من تيار "الناشطات المسلمات" الذي يخالف في توجهه المعرفي والنقدي ما يصدر عن رموز التيار النسوي الرافض، قد نصطلح عليه برموز "الإسلام النسوي"، ويقصد به الإصلاحيات اللواتي تشتغل على قراءات جديدة في النص الديني اللصيق بالمسلمين: القرآن الكريم، والسنة النبوية، في شقها الصحيح على الأقل.
من هذه الأسماء، نجد أمينة ودود وأسماء برلاس ورفعت حسن وفاطمة المرنيسي وأسماء المرابط.. والملاحظ أن أغلب هذه الأسماء راهنت على استخدام منهجية تأويلية (هرمينوطيقية) مشتقة من القرآن الكريم، وآخذة في الحسبان معنى النزعة الأبوية المتسلطة، قبل أن يخلُصَ إلى أن "التقدم في وضع المرأة في الفضاءات العربية والإسلامية، مرهون بإعادة قراءة النصوص الدينية النسائية المركبة وفق منهج التأويل الذي مارسته تمارسه مفكرات التأويل النسائي"[26] الرافضات.
ولأن انتماء أهم رموز التيار النسائي الرافضي إلى خارج الفضاء العربي قد يكون ذريعة أمام فقهاء وعلماء المجال التداولي الإسلامي العربي، لصد أبواب الاجتهاد والتجديد في قضايا المرأة، يُحذرنا صاحب "خارج السرب" من أن "ما يصدق في شأن الإسلام العربي أي إسلام الفضاءات العربية، أو المجال التداولي العربي يصدق بالقدر نفسه في شأن الإسلام غير العربي، وأن ما يطال المرأة المسلمة في فضاءات الحرية المفتوحة، أي الحرية في ديار الغرب، يمكن أن يطال أيضاً في فضاءات الحرية المقيدة، بقدر أقل بكل تأكيد. قد يغلب عليه أن يكون من اللامفكر فيه أو المسكوت عنه، لكنه مهيأ للشخوص في الشاهد، لأن الجدران العازلة لم تعد عازلة"[27].
في النقد المزدوج للشرق والغرب
قليلة هي الأقلام العربية التي ترفع شعار النقد المزدوج، فكثيرا ما نعاين خطاب "طمأنة الذات" (القومية أو الإسلامية الحركية)، مقابل شيطنة الغير (الآخر، القريب أو البعيد).
هذا أمر خارج دائرة التفكير في أعمال فهمي جدعان، وهذا ما تطلع عليه عين الناقد في كتاب "تحرير الإسلام" إلى درجة أنه لا يتردد في الحديث عن "النفاق الغربي" في أكثر من مناسبة، ويؤسس خياره النقدي المزدوج على الأرضية التالية: العقل العربي مُطالب بالشروع الشامل في إنفاذ استراتيجية معرفية وثقافية ذات مسارين:
أ يتمثل المسار الأول في وضع حدّ لاستبداد الأقلية التحريفية المتصلبة بالمعطى الديني، وذلك بتعزيز القراءات التنويرية للمعطيات الدينية الإسلامية وتعضيدها، ويدخل في هذا الباب ضرورة التمييز بين التنوير الذي يذهب مضاداً للمعطى الديني، وبين التنوير ذي المنظور القرآني؛
ب أما المسار الثاني، فيتمثل في التوجه إلى العالم الخارجي، وبخاصة الغربي، بفعاليات علمية وثقافية وإعلامية وحضارية مكثفة، لإعادة تشكيل الصورة، وتبديد مشروعية الأقلية التحريفية المتصلبة، والكشف من جديد عن الوجه الحضاري، والأخلاقي، والإنساني، والتواصلي للمعطى الإسلامي[28].
في سياق نقد الغرب إذاً، يتهم المؤلف صانع القرار الغربي بارتكاب "جريمة ثقافية عظمى"، تجسّدت في "اقتراف فلسفة العولمة الثقافية الأحادية، وتكمن في الجور الذي تلحقه بالفرادة الفذة للحضارات الإنسانية المتعددة المتباينة"[29]، ليس هذا وحسب، وفي معرض تفاعل النخبة السياسية الغربية مع "الفوضى الخلاقة" القائمة منذ حوالي أربع سنوات في المنطقة العربية، يُفرق جدعان بين نموذجين اثنين من النماذج التي تروج لها هذه النخب: "النموذج الليبرالي الجديد المتجذر في سوقيته الوحشية، والنموذج الكوني الشامل المُجرِّد للشعوب والثقافات والدول من ذاتياتها الشخصية والوطنية هما النموذجان من نماذج الديمقراطية السائرة أو المقترحة للحضارة والمستقبل اللذان ينبغي لنا أن ننظر إليهما بحذر شديد وبخشية حقيقية، أما النموذج الذي يطلب الإرادة التمثيلية العامة ويتوخى إنفاذ مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والخير العام والاستجابة لما هو اجتماعي، فهو الذي يجدر التوجه إليه والدفاع عن غائياته وعن مقاصده"[30].
وبرأي المؤلف، "لا يفعل النفاق الغربي المصاحب للعولمة السياسية، شيئاً من أجل إشاعة الحريات السياسية الحقيقية في البلدان التابعة أو التي يريد لها أن تكون تابعة. لكنه يفعل كل شيء من أجل إشاعة الحريات الاجتماعية الحريات الأخلاقية، مُتسَلّحاً في ذلك بمبدإ الحرية وبدعوى نشر مضامينها بطرق تستند في الأغلبي منها إلى التأثير في الحساسية الوجدانية عند الأجيال الجديدة، وعلى المراقبة الدائمة للمجتمع وأفراده"[31].
السلفية المُجدّدة والسلفية المتعالية
بما أننا نعيش، بشكل أو بآخر، في ما اصطلح عليه الفقيد حسام تمام ب"الزمن السلفي"[32]، فقد تضمن كتاب "تحرير الإسلام" فصلاً عن معالم هذا الزمن السلفي، في نسخته الماضية والحاضرة، منطلقاً من مُسلّمة لا تروق لأغلب الحركات الإسلامية، وتفيد أن جميع هذه الحركات، "الاتباعية والإصلاحية التي شهدها العالم الإسلامي الحديث والمعاصر تحرص على أن تتعلق بالتراث السلفي، وعلى أن تعتبر نفسها امتداداً للنظام السلفي القديم ولتقاليد وأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين"[33]، ومفرقاً على الخصوص بين ثلاث أنماط من التيارات السلفية:
هناك أولاً "السلفية التاريخية" التي تنحو منحى العقائد بنظره إيمانية ويحتل فيها الوسيط السلفي مكانة مركزية في فعهم الإسلام وعيشه وإنفاذه وفي الالتزام بالطاعة والانقياد لجيل السلف ولولي الأمر والدولة وتولي الجماعة؛
وهناك ثانياً "السلفية المُجدّدة"، والتي توافق زمناً في العالم العربي الإسلامي، والإحالة هنا على عصر النهضة، وبدؤها على وجه التحديد في عقد محمد علي في مصر، وحقبة الاتصال بالغرب في مطالع القرن التاسع عشر، وميزة هذه السلفية، أنها تلتزم بما يقوّم السلفية التاريخية، لكنها تفتح الأبواب لأصول في الفهم والاستدلال والاستنباط والعمل، تجاوز الحواجز المغلقة التي تفضل بين دار الإسلام وتمدنه التاريخي وبين دار الغير وتمدنه المعرفي، وأقرت بأن مضاهاة العالم الحديث لا بد من أن تتوسل بأدواته وببعض قيمه؛
وهناك أخيراً، "السلفية المتعالية"، والتي توجه فهمها للسلفية إلى ضرورة الانفصال والثورة والخروج على الحكام والمجتمع بالجهاد والمواجهة والقتال، بخلاف الجماعات الإسلامية التي جاءت من "السلفية المُجدّدة"، والتي مثلها في ما مضى، التيار الإخواني وبعض الدعوات المعتدلة، مستشهداً مثلا بمضامين شعار "الإخوان المسلمين" في حقبة ماضية: "نحن دعاة لا قضاة"، حيث كانت مهمتهم هي "الدعوة الإسلامية والمعارضة الضاغطة السلمية وعدم الاستجابة إلى مقولة سيد قطب في تكفير المجتمع والقول بجاهليته واعتباره مجتمعا غير مسلم، والاعتقاد خلافاً لذلك بأن المجتمع القائم في بلاد المسلمين اليوم هو مجتمع خليط بين الإسلام والجاهلية"[34].
تأسيساً على هذه التفرعات السلفية، يوجه جدعان الدعوة، بل يطالب المفكرين والباحثين العرب، بضرورة الإقرار بهذه التمايزات الجليّة في ثنايا التيار السلفي، حتى لا نقسط جميعا في شراك التبسيط والاختزال.
مضامين "تحرير الإسلام"، أشبه بصرخة إصلاحية صادرة عن مفكر يجتهد في إنارة الطريق، أمام عقل عربي واقع تحت هول الصدمة والحيرة من أهوال الساحة، سواء من فرط اصطدامه بالجهالات التي تنهل من شتى المرجعيات، دينية كانت أم مادية، أو بسبب مقتضى الصدمة الحضارية التي نعيش على إيقاعها جميعاً منذ أولى "صدمات الحداثة" مع حملة نابليون على مصر، ابتداءً من العام 1798.
المصادر
[1] فهمي جدعان، تحرير الإسلام ورسائل زمن التحولات، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط 1، 2014.
[2] فهمي جدعان، خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط 1، 2010.
[3] فهمي جدعان، في الخلاص النهائي: مقال في وعود النظم الفكرية العربية المعاصرة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 2012. (صدرت الطبعة الأولى من العمل في غضون العام 2007).
[4] فهمي جدعان: أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 2، 1081، وصدرت طبعة مزيدة ومنقحة وبمدخل جديد
عن الشبكة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2010.
[5] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 205.
[6] أنظر: محمد عابد الجابري، العقل السياسي العربي: محدداته وتجلياته، (نقد العقل العربي 3)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الرابعة، 2000، وتحديداً الفصل الثاني والرابع من القسم الأول للكتاب.
[7] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 17.
[8] يضيف جدعان أيضاً أن "الأخلاق التي جعلها نبي هذا الدين المسوغ المركزي لبعثته حين قال: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، كانت موضوع احتقار عظيم من جانب المسلمين، وأخلاقهم في العصرين الأموي والعباسي وغيره وفي الزمن الراهن تشهد بذلك". تحرير الإسلام، نفس المرجع، ص 21.
[9] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 25.
[10] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 444.
[11] أنظر: فهمي جدعان، في الخلاص النهائي، مرجع سابق، ص 82.
[12] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 38.
[13] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 70.
[14] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 58
[15] في معرض الإجابة على هذه الأسئلة المؤرقة، حرّرت الباحثة الإصلاحية أسماء المرابط كتاباً يحمل عنوان: "القرآن والنساء.. قراءة للتّحرر"، وصدر الكتاب عن مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام"، الرباط، الطبعة الأولى 2010، ويقع في 225 صفحة من الحجم الكبير. والمؤلفة هي مدير المركز.
[16] فهمي جدعان، خارج السرب، مرجع سابق، ص 16.
[17] سوف يخلُصُ فهمي جدعان أن هؤلاء النسوة جميعاً "ينتمين إلى شعوب إسلامية غير عربية، باستثناء أيان حرسي علي الصومالية التي لا تعتبر نفسها عربية". خارج السرب، نفس المرجع، ص 242.
[18] فهمي جدعان، خارج السرب، نفس المرجع، ص 17.
[19] الإحالة هنا على كتاب "الإسلام المعولم" (L'Islam mondialisé) للمفكر الفرنسي أوليفيه روا (أو "عولمة الإسلام" كما جاء في ترجمة أخرى للكتاب إلى العربية).
[20] فهمي جدعان، خارج السرب، مرجع سابق، ص 226.
[21] فهمي جدعان، خارج السرب، نفس المرجع، ص 227.
[22] فهمي جدعان، خارج السرب، نفس المرجع، ص 230
[23] فهمي جدعان، خارج السرب، نفس المرجع، ص 241.
[24] فهمي جدعان، خارج السرب، نفس المرجع، ص 246.
[25] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 80.
[26] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 86.
[27] فهمي جدعان، خارج السرب، نفس المرجع، ص 252.
[28] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، ص 113.
[29] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، ص 130.
[30] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، ص 210.
[31] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، ص 229.
يضيف جدعان في هذا الصدد، أن "الحملة المجافية للفن والإبداع التي تقوم اليوم بتمويل محلي ضخم من بعض القوى المالية العربية، وبتمويل أضخم من بعض القوى الخارجية، لا تقصد في حقيقة الأمر إلى إشاعة وتجذير الحرية العظيمة في المدينة العربية وإنما تقصد بكل تأكيد أن تجعل من الحرية حصان طروادة جديداً غرضه البعيد الحيلولة دون قيام المدينة العربية بجسم سليم وعقل سديد وروح خلاقة". تحرير الإسلام، ص 246.
[32] "أسئلة الزمن السلفي"، عنوان مقالة للباحث المصري القدير حسام تمام (الذي رحل عنا في غضون العام 2011)، ونشرت في صحيفة الغد، عمان، 5 آذار/ مارس 2011.
[33] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 327.
[34] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مرجع سابق، ص 349.
نقلاً عن العربية للدراسات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.