الخوارج..البنا قطب.. داعش د. رفعت السعيد هم جميعا يربطهم خيط قرآنى واحد «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا»، والخيط يمتد عبر أفكار متأسلمة تلبست عقول الخوارج فصدقوا فتاوى أمرائهم بتكفير على رضى الله عنه وعديد من الصحابة، وكل من قبل «التحكيم» فى صراع على ومعاوية. وأعملوا السيف وقطع الرؤوس فى كل من لم يبايعهم ولم يصدق دعاواهم. وعندما سألوا الصحابى عبد الله بن خباب ما رأيك فى أبى بكر؟ قال خيرا، وما رأيك فى عمر؟ قال خيرا، ثم ما رأيك فى على؟ قال على أعلم منى ومنكم بالقرآن. وكان ابن خباب قد علق المصحف فى عنقه، فقالوا له الذى فى عنقك يأمرنا بقتلك ثم أخذوه ومعه زوجته وكانت حاملا فذبحوها عند مجرى نهر ثم قتلوا الجنين، فعلوا ذلك وهم «يحسبون» أنهم يطبقون شرع الله. ويروى ابن حزم فى كتابه «الفصل» أنهم بعد ذبح ابن خباب ذهبوا إلى نصرانى يمتلك ضيعة طالبين شراء بعض تمر فقال لهم خوفاً خذوه بلا ثمن، فرفضوا قائلين إن ديننا ينهانا عن ذلك، فقال النصرانى «أتقتلون ابن خباب وتحافظون على تمرى؟»، ثم «أتى واصل بن عطاء إلى ذات المكان فأوقفوه وجماعته قائلين من أنتم؟ فقال مشركون مستجيرون، ثم تلا الآية «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه» فأسمعوهم بعضا من القرآن ثم ساروا بهم يحرسونهم حتى بلغوا المأمن» (المبرد- الكامل فى الله- ج2- ص325). وكمثال آخر ذهب قوم إلى عبدالله بن عمر يسألونه فى حكم قتل حشرة الفراش (البق) فى الأشهر الحرام فسألهم من أين أنتم؟ وأجابوا من الكوفة، فقال لعنكم الله أتقتلون الحسين وتسألون عن حشرة الفراش. وهكذا تماما تفعل داعش يذبحون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وهكذا كان البنا يعلم جماعته، ونقرأ فى مجلته النذير مقالا لأبيه «استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه، امضوا إلى حيث تؤمرون، خذوا هذه الأمة برفق، وصفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل من قلب يعانى وجسم عليل، وأعدوه فى صيدليتكم ولتقم على إعداده فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضوا خبيثا فاقطعوه، أو سرطانا خطيرا فأزيلوه، استعدوا يا جنود فكثير من أبناء هذا الشعب فى آذانهم وقر وفى عيونهم عمى» (النذير- العدد الأول- أول المحرم- 1357ه). وحسن البنا يقول «وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذى تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة، تحمل عليه حملا ليرد لها جماحها، ويكسر جبروتها وطغيانها، وهكذا كانت نظرية السيف فى الإسلام، ولم يكن السيف فى يد المسلم إلا كالمشرط فى يد الجراح لحسم الداء الاجتماعى» (النذير- رمضان- 1357ه). ونلاحظ أن هذه التعاليم أتت فى شهر الصوم. ويقول أحد مؤسسى الجهاز السرى للإخوان «إن أعضاء الجهاز يملكون، ودون إذن من أحد، الحق فى اغتيال من يشاءون من خصومهم، فكلهم قارئ لسنة الرسول فى إباحة اغتيال أعداء الله» (محمود الصباغ- حقيقة التنظيم الخاص ودوره فى جماعة الإخوان – ص132). ونلاحظ أن «خصومهم» يصبحون «أعداء الله» ويقتلون. ثم يقول «إن قتل أعداء الله (أى خصومهم) غيلة هو من شرائع الإسلام، ومن خدع الحرب فيها أن يسب المجاهد جماعة الإخوان وأن يضلل عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله»(ص128)، أما المادة 13 فى لائحة جهازهم الإرهابى «إن أيّة خيانة أو إفشاء سر بحسن قصد أو بسوء قصد يعرض صاحبه للإعدام» (ص138). والآن أليست الخوارج وداعش حاضرة بأفكارها وألفاظها وأفعالها.. فى فكر الإخوان؟ ونأتى بعدها لسيد قطب. (2) روى البخارى أن ابن عمر كان يرى فى الخوارج شر خلق الله، وكان يقول إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت فى الكفار، فجعلوها على المؤمنين. وبهذه الكلمات نستهل الكتابة عن أمير أمراء الإرهاب المتأسلم الأستاذ سيد قطب. فهذه الشخصية المغلفة بكثير من الدهشة والشكوك تحولت إلى مصدر الإلهام لكل من أتى بعده من متأسلمين إرهابيين، فالجميع «قطبيون» شربوا من بئر سيد قطب المسموم. والحقيقة أن سيد قطب رغم تمجيد كل المتأسلمين له واتباعهم لتأسلمه يتمتع بسيرة مثيرة للحيرة. كمثال أن سيد قطب قد تم إرساله لبعثة إلى أمريكا وهى بعثه لم يعلن عنها كما هو مقرر وإنما اختير لها هو بالذات، رغم أن كل شروط البعثات لا تنطبق عليه، وجرى ترتيب سفره بالتحايل على كل القواعد، فقد تجاوز سن المبعوثين، وانتدب لمكتب الوزير للتحايل على سفره بالتلفيق، وقيل إن البعثة لدراسة التربية والمناهج وهذا غير تخصصه، ويعود من أمريكا بعد ثلاث سنوات ليستقيل فورا، والأهم أنه بعد عودته بفترة وجيزة التحق بالإخوان ليصبح الأكثر تأسلما. لكن الشك الأكثر إيلاما كان اعتراف ملحق بالسفارة الأمريكية بأنه هو الذى رتب بعثة سيد قطب وأنه فعلها بصفته عضو C.I.A، والمهم هو موقف الإخوان المراوغ من سيد قطب. هم أبدا لم ينتقدوه وإن كان البعض أبى نسبته للإخوان، ثم أكد بعضهم ولاءهم له. يقول الإخوانى صفوت منصور«الأستاذ سيد قطب صاحب (معالم فى الطريق) يعد فى ميدان الرجال عمادا هائلا فى تجديد شباب الحركة الإسلامية، والامتداد الفكرى والحركى لجماعة الإخوان» (المنهج الفكرى للعمل الإسلامى – الإخوان المسلمون – ص93). أما صلاح شادى أحد قادة الإخوان البارزين فيقول «كان البنا البذرة الصالحة وسيد قطب الثمرة الناضجة» (الشهيدان – حسن البنا وسيد قطب ص 77). وتقول زينب الغزالى «إن فضيلة المرشد حسن الهضيبى قرأ كتاب (معالم فى الطريق) وأعاد قراءته قبل طبعه ووافق عليه، وقال إن هذا الكتاب قد حصر أمل الدعوة فى سيد، وأنه الأمل المرتجى» (أيام من حياتى- ص36).. فماذا قال الأمل المرتجى فى كتابه؟ «يدخل فى المجتمع الجاهلى كل مجتمع ملحد وكل مجتمع وثنى كالهند واليابان، وكل مجتمع كان أو لا يزال يعد من أهل الكتاب كالمجتمعات الرأسمالية عموما هو مجتمع جاهلى كافر»، ثم «إن الأمة الإسلامية قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا» (ص6) «فالأمة الإسلامية ليست أرضا كان يعيش فيها الإسلام، وليست أقواما كان أجدادهم فى عصر من التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامى، إنما الأمة الإسلامية جماعة من البشر تعيش بالمنهج الإسلامى وقد انقطع وجودها» (ص5).. وأيضا «ليست مهمتنا أن نصطلح مع هذا المجتمع الجاهلى ولا أن ندين له بالولاء فهو غير قابل لأن نصطلح معه. أننا وإياه على مفترق طرق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق» (ص146).. ثم يصيح «إننا لن نتدسس إليهم تدسسا، بل سنكون صرحاء، هذه الجاهلية التى أنتم فيها بخس، وأوضاعكم خبث وشقوة وبؤس ونكد، والله يريد أن يرحمكم منها» (ص150)، ثم يتحدث عن كل المسلمين «إنهم ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة جاهلية. ليس هذا إسلاما وليس هؤلاء مسلمين، ودعوتنا أن نرد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام ونجعل منهم مسلمين».. ثم «هناك دار واحدة هى دار الإسلام التى تقوم فيها الدولة المسلمة وما عداها دار حرب، علاقتنا بها إما القتال وإما المهادنة على أمان».. ثم "وحين يبلغ المؤمنون بهذه العقيدة ثلاثا فهم مجتمع إسلامى مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلى. والثلاثة يصبحون عشرا، والعشرة يصبحون مائة، ثم تكون الحركة الواقعية للجهاد بالسيف» (ص175). ومن عباءة قطب خرج كل متأسلمى العصر الحديث، ونواصل.