استمرت اللغة النوبية قروناً عدة شفاهية، بعد أن فقد النوبيين حرفهم، لكن اصرار الشعب، انحصاره الجغرافي وعظم الإرث والتاريخ والثقافة، كانت الاسباب التي ادت لحفظ لغة تعرضت لضغوط متعددة على مر الاف السنين. كل ذلك كان مقدوراً عليه باستراتيجيات بسيطة من الانعزال عن العالم وساعدتهم الجغرافيا، من الصحراء على الجانبين، صعوبة الملاحة على النيل لوجود الجنادل، القوة العسكرية في ممالكها المختلفة، تضييق الزواج المختلط خاصة الزواج من النوبيات من الاغراب. كل هذا ذهب في مهب الربح مع ادخال اول اللواري، والتي سهلت الحركة من والى المنطقة. كان للتعليم مع غياب تنمية المنطقة أثر سلبي قي الهجرة الكثيفة من القرى إلى المدن، هذا التحضر مع ضغوط المؤسسات والمجتمعات ذات الاتجاهات العروبية في وسط السودان، وغياب مناهج تعليمية تدعم الهوية المعرفية لكافة ابناء الشعب السوداني في تنوعه، قللت ممارسة استعمال اللغة. اضافت الخيارات السيئة التي تم اتخاذها بترحيل المتاثرين بالسد العالي في مصر والسودان، إلى خارج المنطقة تماماً، الوضع سوءاً، فقد تم قطع الصلة بين الامتداد النوبي في البلدين، وتم حرماننا من امكانية العمل في مدينة متطورة مثل حلفا، بها مراكز ومؤسسات لاستيعاب الكثير من متعلمينا، وكان لديها امكانية أن تتطور لسد احتياجات مناطقنا مع تطور الدولة. كانت حلفا مدينة النوبيين الاساسية، تحمل كل تراثنا، المدينة الصديقة في السودان المعادي للثقافات الغبر عربية. مع الهجرة إلى المدن، حلفا الجديدة وبعدها إلى الخليج، ليبيا، اليمن، العراق وغيرها بدأت التغيرات في نمط الهجرة. النوبيون شعب عرف الهجرة منذ الازل، لكن كانت ذات نمط متكرر. يذهبون إلى أي مكان ثم يعودون للزواج ويرجعون لمهاجرهم وهكذا. هذه الهجرات ادت لشيوع الزواج المختلط، تقليد كان ممنوعاً تقريباً. اللغة النوبية تعتبر النوبية من أقدم اللغات القائمة بذاتها، متكلم بها ومكتوبة حتى تاريخنا هذا بعد اندثار اللغة الفرعونية واللغة القبطية. وتُعرِّف الموسوعةُ العالمية اللغةَ النوبية بأنها " لغة نيلية صحراوية من الفرع السوداني الشرقي في جنوب مصر وشمال السودان". وتعتبر فرعاً متميزاً على علاقة ببعض لغات غرب السودان، واللغات البعيدة من مثل لغات الدينكا، الشلك، النوير، الماساي وغيرها. تُكتب اللغة النوبية القديمة من اليسار إلى اليمين، وتضم 26 حرفًا، مقسمين إلى 4 مجموعات حسب قواعد نطقها واستعمالها، وهي: الحروف الساكنة 19 حرفًا، والحروف المتحركة 5 حروف، والحروف نصف المتحركة حرفان، والحروف المدغمة 10 حروف. كان معظم الناطقين بها يسكنون في وادي نهر النيل، وعدد الناطقين بها اكثر من مليون نسمة. كان شعب وملوك نبته يتحدثون باللغة الشعبية وهي النوبية ويكتبون باللغة المصرية، ثم عندما برزت مملكة مروي إلى الوجود حوالي القرن السادس قبل الميلاد بدأ الشعب في التحدّث والكتابة باللغة المروية، وهي لغة كتبت بحروف ابجدية. ولكن يبدو أن سكان مملكة مروي في الفترة التي سبقت اضمحلالها كانوا يتحدثون لغتين، اللغة الرسمية وهي المروية واللغة الشعبية وهي النوبية. عندما اعتنق النوبيون الدين المسيحي في حوالي القرن السادس الميلادي واحتاجوا إلى ترجمة الإنجيل إلى لغتهم ، قاموا باستعارة الحروف القبطية، التي كان الأقباط في مصر قد استعاروها بدورهم من الحروف اليونانية، وأضافوا إليها حروف من اللغة الديموطيقية ، وأصبحت بذلك اللغة النوبية لغة قراءة وكتابة بعد أن كانت لغة تخاطب فقط، ثم تلاشت كتابة هذه اللغة حتى تسعينات القرن الماضي. وهناك بعض المخطوطات والوثائق المحفوظة بالمتحف البريطاني بلندن، ومتحف برلين بألمانيا، تعود إلى العصر المسيحي بالنوبة نحو منتصف القرن السادس الميلادي، وتؤكد أن اللغة النوبية كانت تُدون في شكل أبجدية أخذ النوبيون، وقتها، أغلب حروفها عن الأبجدية القبطية، المأخوذة عن الأبجدية اليونانية، ولكن لأنها لم تغطي كل الأصوات التي ينطقون بها لغتهم فقد أضافوا إليها حروف آخرى، وأصبحت "الأبجدية النوبية القديمة". ولكن توقف هذا التدوين في القرن الثالث عشر الميلادي، مع دخول الإسلام إلى مصر، ولكن ظل الناس يتداولونها فيما بينهم كلغة منطوقة، ويستخدمونها في حياتهم اليومية. وكانت منطقة النوبة قد عرفت نوعًا من الكتابة اسمه "الخط المروي"، المنسوب إلى المملكة المروية بالنوبة والسودان، وتم العثور على العديد من الآثار المكتوبة بهذا الخط، في المناطق ما بين جزيرة فيلة شمالًا وحتى الخرطومجنوبًا، وذلك في الفترة ما بين القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد. المحاولات البحثية والتاريخية لجمع المخطوطات النوبية، بدأها عالم المصريات جريفيث عام 1913 بجمع النصوص النوبية القديمة المعروفة، والمحفوظة بالمتاحف الأوروبية الأثرية، وقام بترجمتها، وحاول أن يستبط منها قواعد اللغة النوبية، وجمع ما وصل إليه بكتاب يضم قاموس به كافة المفردات، التي وردت بهذه النصوص. وبعده ب 15 سنة، قام الألماني إيرنست تسيلارتس بإعادة تقييم وتنقيح النصوص المترجمة بكتاب جريفيث، وعلى أساسها أصدر أول كتاب شامل لقواعد اللغة النوبية القديمة (المندرة: هدير حسن: تعرف على اللغة النوبية القديمة وطريقة تدوينها، http://www.mandaraonline.com/تراث/اللغة-النوبية-القديمة-وتدوينها ). اللغة النوبية لها لهجاتها وهي المحسية، الفاديجا، الدنقلاوي والكنزية، الميدوبية ولهجات جبال النوبة. ويشير ادامز إلى توصله لقناعة بناها على فكرة د. على عثمان محمد صالح- الاثاري السوداني البارز- "أن لغة المحس (المحسية السكوت والفاديجا) هي الاكثر تمثيلاً للغة النوبية". واوافق على هذا الرأي الذي اراه منطقياً للعزلة النسبية لهذه المناطق من الاحتكاكات الخارجية، بعكس منطقة الكنوز والدناقلة، والتي تحدث فيها التغييرات في اللغة نتيجة لذلك. تطورت اللغة النوبية من مرحلة اللغة النوبية القديمة التي تميزت فيها اللغة النوبية مثل كثير من اللغات الأخري بمعرفة الكتابة والتدوين، إلى مرحلة اللغة النوبية الحديثة التي تميزت بظهور عدة لهجات تفرعت في الأصل عن تلك اللغة الأم الموجودة من المرحلة السابقة (ويليام ي آدمز (ترجمة) محمود التجاني محمود: النوبة رواق افريقيا، شركة مطبعة الفاطيما اخوان، القاهرة، 2004). ينقسم النوبيون حالياً إلى نوبيي مصر: من مدينة أسوان إلى أبو سمبل جنوباً وكان يسكنها الكنوز ولغتهم النوبيه أقرب إلى اللغة الدنقلاوية، تليها الفدجا وكانت تمثل المنطقة الواقعة بين أبو سمبل ومدينة حلفا في أقصى شمال السودان؛ مجموعة شمال السودان وعلى التوالي من الشمال إلى الجنوب بدءاً من مدينة حلفا وهم الحلفاويون، السكوت، المحس والدناقلة؛ مجموعة غرب السودان وتتكون من مجموعتين: قبائل الميدوب والبرقد في شمال دارفور وقبائل جبال النوبة في كردفان. تعتبر النوبية لغة لها لهجات وليست لهجة "اللهجة هي: الانحرافي الصوتي عن مستوى صواب اللغة". وعلى ذلك يمكن قياس اللهجات النوبية المتكلمة الآن بأنها انحراف صوتي عن مستوى صواب اللغة الأم (اللغة النوبية) فلا يمكن الحديث عن لهجة أو لهجات دون أن تكون لها لغة أم انحرفت عنها. أي لغة تود الاستمرار في الحياة لابد أن تكتب، هذا في حد ذاته ليس هو الضمان لاستمرارها، لكنه ضمان عدم ضياعها ) عن اللغة النوبية في منظر عام: http://www.salagy.org/vb/showthread.php?t=217 ) إعادة كتابة اللغة النوبية قابل الدكتور عبد القادر شلبي في تسعينات القرن الماضي ، الدكتور مصطفي عبد القادر من أدندان في النوبة المصرية، وكان يحمل معه حروفاً قال إنها هي الحروف النوبية التي كانت تكتب بها اللغة النوبية في العصر المسيحي، وبدت لشلبي أقرب إلى الحروف في اللغات الأوروبية، ولكنه أكد له إنها الحروف النوبية التي كتب بها في القرون الميلادية في عصر النوبة المسيحية، وعين له دارساً نوبياً هو الدكتور محمد خليل كبارة في القاهرة يعرف الدليل. قابل شلبي الدكتور كبارة الذي دعاه إلى منزله في إمبابة، ليرى مكتبته وبها عدد من أوراق البردي وجلد غزال مكتوب عليها باللغة النوبية من العهد المسيحي. كانت اللغة حسب كبارة خليطاً من (المتكية والفديجا والمحسي والأشكرين). وقد اصدر كبارة كتابة لاحقاً، وتولت الدكتورة ماجدة محمد أحمد بالتعاون مع أسرة المرحوم نشر الكتاب بواسطة مركز الدراسات النوبية والتوثيق. بذلت جهود كبيرة من رجال ذوي عزم شديد، ارادة صلبة وتضحيات في تطوير الوسائط اللغوية من امثال محمود ساتي، عبر استخدام تقنية الاتصالات الحديثة من جوال وكومبيوتر. يأتي برنامج الأستاذ محمود ساتي والذي أطلق عليه نوبيان اورثوقرافي لخدمة الفروع الرئيسية في اللغة النوبية وهي اللغة المحسية والفديجا واللغة الدنقلاوية والكنزية والهدف الرئيسي منه تعليم النوبة وللراغبين أيضا كيفية الكتابة والقراءة بالحروف النوبية، وفقا للحروف الواردة في كتاب العلامة الراحل المقيم خليل كبارة والمعتمد من منظمة سيل في خط سوفيا نوبيا. الخط الذى يستخدم الآن، المسمى صوفيا نوبيان Sophia Nubian Font، أتى تطويرا لما سبقه من خطوط. فقد صمم الأستاذ حسن كاشف في 1997 الخط الذى إستخدمه دكتور مختار خليل في كتابة مخطوطة كتابه: اللغة النوبية كيف نكتبها ؟ ,نشر الكتاب مركز الدراسات النوبية و التراث بالقاهرة عام 1997). وعلي ضو كتاب كبارة، صمم الدكتورعبدالقادر شلبى في 1998 خط وسوفت وير، لكتابة اللغة النوبية بالحرف النوبي علي الكمبيوتر وإسمه إبريم . قام، حسن كاشف وحسين كبّارة، بإنتاج نسخة أخرى من الخط الأول، كما أنتج البروفيسير هيرمان بل Herman Bell، نسخة معدله عن خط إبريم (م.ج.هاشم – أورثوقرافيا اللغة النوبية ، ص 19). خطوات كتابة اللغة النوبية مر حوالي الست عقود على نشر كتاب محمد متولي بدر "اللغة النوبية" وباقي اعماله، وحوالي العقدين على صدور كتاب "اللغة النوبية كيف نكتبها" لمحمد خليل كبارة، وجرى ماء كثير تحت جسر اللغة، منها قيام مركز الدراسات النوبية والتوثيق، الاهتمام الواسع بتدريس اللغة في العديد من الاندية، إنشاء الموقع المتخصص "نبتا دوت اورج"، الأستاذ عبد العظيم محمد علي الذي صمم أول برنامج توثيقي للغة النوبية وقام بتدريسها في منتديات دنقلا لتعليم اللغة الدنقلاوية، انشاء العديد من المنتديات النوبية أخرى، برنامج محمود ساتي الحسن والذي أطلق عليه "نوبيان اورثوقرافي" لخدمة الفروع الرئيسية في اللغة النوبية – المحسية والفديجا واللغة الدنقلاوية والكنزية- والهدف الرئيسي منه تعليم النوبة كيفية الكتابة والقراءة بالحروف النوبية، وفقا للحروف الواردة في كتاب العلامة الراحل المقيم خليل كبارة والمعتمد من منظمة سيل في خط سوفيا نوبيا، ويعمل مكي على ادريس على معجم يضم كل الكلمات النوبية المعروفة، وهذا قليل من كثير استطعت رصده. تتم خطوات كبيرة ومتعددة في نفس الاتجاه مع نوبي مصر، حيث تنشط حوالي 44 جمعية هي المجموع الكلي للجمعيات النوبية في مصر. وتحمل كل جمعية منها اسم قرية من القرى النوبية القديمة في إشارة إلى الرغبة في إبقاء أسماء القرى النوبية متداولة. وأبتكر عاصم عمر، شاب نوبي سكندري، بمساعده زميله في الجامعة طارق إبراهيم، طريقة جديدة لنشر اللغة النوبية الأخذة في الاندثار، من خلال تصميم لوحة مفاتيح «كي بورد»، مهمتها كتابة الأبجدية النوبية على الكمبيوتر. وفي سياق متصل، أوضح عمر أن لوحة المفاتيح التي تم اختراعها "بدائية وتحتاج إلى تطوير وتحديث، وذلك لتسهيل عملية استخدامها بالنسبة للمستخدم العادي"، وتابع عمر، أن "هناك نية لإنشاء موقع إلكتروني، هدفه تعليم الناس كيفيه نطق اللغة النوبية وكتابتها بشكل أقوى (شاب نوبي يخترع لوحة مفاتيح خاصة لتعلم اللغة النوبية، http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=14062012&id=262c695b-57bf-4218-96b2-3556870bc9d3." ) وتتجه السلطات المصرية لادخال اللغة النوبية في مناهجها "قال الدكتور عبد الحليم نور الدين، رئيس لجنة إعادة كتابة تاريخ النوبة، إن النوبة لم تأخذ حقها كما يجب، مشيراً إلى أنه تم تشكيل لجنة لإضافة لغة النوبة داخل المدارس لتدريسها عام 2014 –2015. وأضاف نور الدين خلال مداخلة هاتفية عبر شاشة "النيل للإخبار"، "أن أهالى النوبة استشعروا بجدية من قرار تدريس لغتهم في المدارس، مؤكداً أن النوبة تستحق أكثر من ذلك بكثير" (لجنة كتابة التاريخ: سندرس لغة النوبة فى المدارس العام المقبل، http://www.youm7.com/story/2013/10/18/لجنة_كتابة_التاريخ__سندرس_لغة_النوبة_فى_المدارس_العام_المقبل/1300572 كما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء قسم يتناول التراث النوبي بكلية الآداب، جامعة جنوب الوادي ترحيباً كبيراً داخل الوسط النوبي بأبنائه من مختلف المحافظات. وتعد أهمية هذا القرار بالنسبة للنوبيين في كونه أول قسم أكاديمي متخصص في الدراسات النوبية، مؤكدين على أن الحكومة بدأت فعلياً علي أرض الواقع الاهتمام بالتاريخ النوبي وتعريف كافة المجتمع المصري به. وأشار محمد ضوي من شباب النوبة إلى أن الدراسة بهذا القسم يعد الخطوة هامة بالنسبة لكل مصري خاصة وان القسم سيكون به نحو 40 مادة منها التاريخ والعمارة والفنون الشعبية والحضارة في النوبة وفن المتاحف الأثرية (إذاعة كدنتكار.صوت النوبة: منقول من جريدة اليوم التالي، النوبيون يرحبون بإنشاء قسم خاص بدراسة النوبيات ب"جنوب الوادي" .
