أسرى يرثون لأسرى…وموتى يبكون الموتى راشد عبدالقادر فى الوقت الذى يتبدد فيه الوطن وتنهب موارده ويتشتت انسانه وتعلو فيه اصوات العنصرية والقبلية ويزداد التفاوت الطبقى ويخرج طلابه من الجامعات والدراسات العليا والمدارس اكثر امية وجهالة.. ومجتمعه يتفسخ واواصره تتمزق واعلامه يسبح بحمد اللصوص وتنتشر فيه (الشقق المفروشة) و (الاركان المظلمة) ونصدر حتى (الدعارة) والمطارات تفوج (الهاربين من الجحيم)لا تسمع عند السائحين الا ذكريات الذين مضوا الى ربهم واشتياقهم للحاق بهؤلاء (الشهداء). والظن الخاطئ ان الشهداء كان كل املهم فقط (العبور الى الله برصاصة) وليس العمل للاصلاح مناجزة ومقاتلة ليصبح الواقع (الانسانى) افضل للناس.. افضل سياسة واقتصادا واجتماع. الظن ان همهم كان ان يموتوا وليس ان يحيوا ويحيا من خلفهم الوطن والناس بحال افضل…وعدم الوعى بقضية (القتال لاستقامة الحياة) تجعل القتال فى ذاته موضوعا وغاية وتجعل الموت فى ذاته مقصدا ومتجه. عدم الوعى بان القتال فعل مناصرة وانتصار (مالكم لاتقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان) الذين يجأرون مر الشكوى من تعالى الظلم والبحث عن خروج بعدل كبير (الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) قتالا ضد الظلم ايا كان هذا الظالم ورفعا للظلم ايا كان هذا الظلم .. ظلما يمايز بين الناس ويفقرهم ويضيق معيشتهم ويمنعهم حريتهم التى كفلها لهم الله تعالى. وبعد مسيرة (ربع قرن) من انطلاقة بدايات (المقاتلين) وتجاوز اغلبهم ما بعد (عمر النبوة) كان الظن ان تتسع المدارك ويمتد الافق وتزداد البصيرة ويتضح البصر بدلا أن ترتفع اصوات (مراهقى الفكرة وخطابات الحماس اللاواعى) تزداد البصيرة بان الحرب (اكراه) فى ظل انسداد كل افق وليس فرحا وسعادة وحبور وطبول يقرعونها فى كل يوم وان الحرب فعل (طارئ) ليعود الناس حوارا وتطامنا واتفاق وليس الامر ترديد ابيات دريد بن الصمة (وهل انا الا من غزية ان غوت غويت وان ترشد غزية ارشد) حيث سارت واشارت قافلة الحركة الاسلامية (ساروا) دون وعى او بصيرة … سيرا قعد بالوطن وانسانه ودمر مقدراته سيرا جعل فى كل منحى ظلما وفى كل مكان غبنا وفى كل اتجاه مثالبا وفى كل قرية ومدينة جراحات واحن جراحات واحنا اجبرت (مسالمين) ان يبحثوا عن حقهم فى (وطنهم) بدماء ابنائهم .. فليست كل حرب نهضت فى هذا الوطن كانت محاربة لله والرسول بقدر ما كانت محاربة لبصر مطموس وسياسات فاشلة الحرب ليست غاية وليست مطلبا وانما صدى (لقضية ما) صدى لظلم ما نحتاج ان نحفر عميقا فى الواقع لنصل لاشكالات الوطن ومظالم الناس ومطالبهم السائحون هم الاقدر (ان ارادوا) ان يخرجوا للناس وبالناس لقضاياهم واشكالاتهم هم الاقدر لانهم يستطيعون القول لحملة السلاح ومن تجربة خاضوها كم هى باهظة تكاليف الحرب وكم هى مدمرة .. فالقتال ليس نزهة ولا متعة..القتال موت وجراح وفقدان وحزن فى كل بيت السائحون هم الاقدر لانهم منعتقون من (ارتباطات المصلحة) والمنصب والامتيازات (الرشاوى المقننة) هم الاقدر ان ينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم .. ان ينذروهم ان هذه السياسات لن نجنى منها الا مزيدا من الدمار والخراب والبؤس ان ينذروا حركتهم ان المنهج الاقصائى يعود اقصاءا مضادا واحترابا وحريق للارض والانسان هم الاقدر ان ينظروا للمستقبل لان المستقبل يتجاوز كل القيادات التى ما تحركت من مكانها منذ نصف قرن يمتد وكان هذا ثمارها وغرسها هم الاقدر لانهم اصحاب المستقبل مع اقرانهم فى (التنظيمات وقوى المجتمع الحية والمثقفين) هم الاقدر اذا خرجوا من اجترار المناحات والبحث عن رصاصة للهروب الفردى بدلا عن البحث عن (طوبة ومدماك للبناء الجماعى) هم الاقدر اذا خرجوا من البحث عن (قتلى فى التاريخ والماضى) للبحث عن (الاحياء فى المستقبل) هم الاقدر اذا استطاعوا الخروج من اشكالات حركتنا الى اشكالات وطننا ومن اشكالات اخوتنا فى التنظيم لاشكالات اخواننا فى الوطن والانسانية هم الاقدر اذا عرفوا ان الاشكال ليس فقط عشرات الاسرى لدى الحركة او لدى الحكومة وانما هذا الوطن كله (اسير) اسيرا لوهم النداء الفرعونى (لا اريكم الا ما ارى ولا اهديكم الا سبيل الرشاد) نحتاج ان نعى ان الوطن منهك لاقصى مدى وان المنظومات السياسية ضعيفة وواهنة لاابعد حد وان السلطة استنفدت كل خيرات الوطن ويزداد الدمار وفى ظل هذا المسير لن نصل الا (لمتاهة بنى اسرائيل) والمؤسف ان هذا التيه يعصف بالوطن وحتى بالحركة التى زعمت انها (فداءا لهذا الوطن) ولهفى ان نظل اسرى نبحث عن اسرى وموتى نتحدث عن (قتلى) وكل الارادة لدينا غير انى اظن ابا الطيب المتنبى حين قال (ولم ار فى عيوب الناس شيئا كنقص القادرين عن التمام) لم يكن يقصد احدا الا هؤلاء……… (البندقجية).