السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعددية في الإسلام من منظور الليبرالية السياسية المعاصرة
نشر في حريات يوم 20 - 05 - 2015

تقع فكرة الإجماع المتشابك في بؤرة المفاهيم التي استخدمها راولز في نظرته عن العدالة، والتي استخدمت على أنها استجابة لواقع التعددية المعقولة الذي يسم المجتمعات الحديثة؛ لأن هذا الواقع ينطوي على وجود عقائد شاملة مختلفة، ولكل منها أتباعه ومؤيدوه ولذلك فإن الإجماع المتشابك يعني تأييد هذه العقائد الشاملة لمفهوم سياسي واحد.
وتنبع صفة الضرورة التي تتصف بها فكرة الإجماع المتشابك من كون مفهوم العدالة يتطلب قبولاً من عقائد شاملة ومختلفة غير قابلة بحكم ماهيتها وشموليتها للتصالح مما يهدد بتدمير النظام السياسي وتمزيقه شذر مذر بسبب النزاعات العقائدية ما لم يوضع أساس عام للتسويغ في نظام دستوري.
والمهم في هذه الفكرة انها ليست استجابة لواقع التعددية المعقولة، بمعنى أنها ترسم مفهوماً سياسياً يقيم توازناً بين العقائد الشاملة لكسب ولائها، أي أنها ليست صيغة توفيقية بين هذه العقائد، وإنما هي تسأل عن كيفية رسم مفهوم للعدالة لنظام دستوري يكون ذا دفاع ذاتي ويمكن المصادقة عليه من قبل الذين يؤيدونه، أو من قبل من يمكن تحويلهم الى مؤيدين.
بينما تتطلب الليبرالية عمى لغوياً وإثنياً وعرقياً لا يمتد مفهوم التعارف "جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" المنصوص عليه في النص الديني بالضرورة إلى عقائد أخلاقية ودينية.
حتمية الخلاف الديني
بينما تنص آيات عديدة في القرآن على تحريم موالاة غير المسلمين من مثل:
"لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير"(سورة 3 آية 49)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (سورة 5 آية 51).
فإن آيات أخرى تعتبر أن الخلاف سنة كونية.
"ولو شاء ربك لآمن في الأرض جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون"(سورة يونس آية 99).
ورغم التضارب الظاهر بين نوعي الآيات فإن ثمة نقاطاً ثلاث تتكرر في أدبيات العقيدة الإسلامية لكي تثبت انطواء العقيدة الإسلامية على مفهوم الاعتراف بالآخر أو التعددية، لكنها غير كافية لمتطلبات المواطنة في الديمقراطية الليبرالية.
النقطة الأولى: هي ما تنص عليه الآية "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبير"(سورة الحجرات آية 13)
المشكلة أن هذا لا يمنع عقيدة عدم المساواة مع غير المسلمين فواجب التعارف لا يمتد بالضرورة الى عقائد أخلاقية ودينية؛ لأنه من الواضح كيف يمكن للسورة أن تستخدم لتبرير عدم المساواة الراديكالية بين المؤمنين وغير المؤمنين عبر التقسيمات الإثنية بينما تتطلب المواطنة الليبرالية عمى لغوياً وإثنياً وعرقياً كما نوهنا آنفاً.
النقطة الثانية: هي وجود أدبيات اعتذارية إسلامية عن اعتراف الإسلام بالأنبياء السابقين والوحي السابق له في التقليد الابراهيمي، وتسامحه مع أهل الكتاب.
عدد من سور القرآن تتحدث عن واجب الاعتراف بحقوق الكتابي، ومثل هذه السور تستخدم بكثرة لتشير الى تقليد إسلامي بالتعددية الدينية والتسامح.
"وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولكن لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ سورة ( 5 آية 48).
سياق هذه السورة وسور أخرى تتحدث عن حتمية التنوع ضمن العائلة الابراهيمية.
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"(سورة 2 آية 62)
"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"(سورة 2 آية 213)
وهذا السياق استجابة من المسلم لتنافس دعاوى الحقيقة للديانات التوحيدية الثلاث وصولاً إلى تسيد نبوءة محمد.
القانون الإسلامي فيما بعد وسع ميزات الحكم الذاتي المحدود لمجتمعات اليهود والمسيحيين على اعتبار أنه مسموح الزواج من امرأة يهودية أو مسيحية من قبل المسلم، ومسموح للكتابيين تجنب الحرب أو التحول من خلال دفع الجزية.
بواسطة معايير العصور الوسطى مثل هذه السياسات تؤسس لتقليد تسامح عابر للطوائف نسبيا
ولكن مشكلتنا أنها ليست كافية لتأسيس عقيدة تعددية دينية؛ فمثل هذا النقاش عن حلف مع أهل الكتاب غير كاف ضمن السياق الليبرالي الذي يبحث عن تأسيس تضامن على أساس مواطنة مشتركة مستقلة عن الاعتقادات الميتافيزيقية الجدلية.
في الحقيقة ليس نادراً بالنسبة للمدارس التي تناقش السور القرآنية أن تعتبر أن الوحدة الدينية الاصلية للجنس البشري قد قطعت لحكمة وإرادة الهية، وأن الدرس المستخلص بالنسبة للمسلمين ليس مجرد التسامح داخل التوحيد، ولكن عقيدة عامة تعتبر أن الحكمة الإلهية خلف الاختلاف هي وضع مهمة للجنس البشري ليتنافسوا بينهم على أفعال الخير؛ لأن الله قد خلقهم ليختلفوا فالاختلاف هو إرادة الهية وهو ما تنص عليه بعض الآيات.
تصر الليبرالية السياسية ليس فقط على مجرد القبول أو التسامح مع الاختلاف ولكن على الاعتراف بمنطقيته.
النقطة الثالثة: أن التشريع الإسلامي باعتباره ميدان الفقهاء وليس الدولة؛ فإن غموض النصوص والتناقض الظاهر بينها – كما أشرنا في البداية – وتفسيراتها المختلفة ينظر إليه كأسباب شرعية للتنوع العقدي.
هذا التقليد الخاص بالاعتراف بحقيقة التعددية داخل الإسلام بدون شك عامل مهم في السماح بخلق عقيدة مواطنة إسلامية في الديمقراطيات الليبرالية غير المسلمة.
هذه التعددية التي تسمح للفقه الكلاسيكي أن ينتج أوضاعا متماسكة أو أحكاماً تؤسس لدعم أوجه معينة من المواطنة الليبرالية.
وفي الواقع فإن وجود تقليد إسلامي للتعامل مع التعددية الأخلاقية يجب ألا يفسر كدليل على قابلية إسلامية للتعددية الأخلاقية كما تفهمها الليبرالية السياسية.
إنها مرتبطة بالتزام بحقيقة الإسلام، وبمعرفة بعض، والتعرف على وضع خاص لليهود والمسيحيين وهي كلها يمكن أن تشكل سبباً إسلامياً لرفض الليبرالية السياسية.
الطريق الأكثر إفضاء إلى تأكيد إمكانية التعاون الاجتماعي مع أشخاص بدون رابطة نسب ديني أو ميتافيزيقي هو مناسبة السور الموحاة قبل الهجرة في الفترة المكية، فهذه السور تتحدث عن تنوع ديني بطريقة لا تفترض اعتقادا دينياً أو وحياً توحيدياً في التقليد الابراهيمي كشرط للاعتراف.
"وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ"(6:35)
"قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ"(6:149)
"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"(10:99)
"وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"(سورة 11 الآية 118-119). وثمة لفتة في هذه الآية يشير إليها حرف اللام في"ولذلك خلقهم"حيث استنتج منها أحد المفسرين أن الاختلاف هو علة الخلق.
سور أخرى ليست مكية تشير الى اختلافات بين مسلمين يهود ومسيحيين لكنها تتحدث عن حكم يرجع إلى الله فقط بطريقة يمكن أن تطبق على الخلاف الديني بشكل عام. مثل سورة الشورى اية 15"فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ"
"إِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ"
"اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (سورة الحج:68-69)
القران وبخاصة في السور المكية يصف محمداً كبشير ونذير كما ينص على أن الله سيكون حاكماً بين البشر فيما اختلفوا فيه في العالم الآخر.
"مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" (سورة4 الآية 80)
علاقة السور المكية بكلية الرسالة الإسلامية هي موضوع جدل أيديولوجي خاص في المناظرات الإسلامية، فالمدرسة الفكرية الحديثة التي استندت على نظرية إعادة تشكيل إسلامية للعصر الحديث بالاستناد إلى طبيعة السور المكية روحياً وميتافيزيقياً، والتي أسسها محمود محمد طه الذي شنقته الحكومة السودانية بتهمة الردة تجعل للسور المكية أهمية خاصة في الدراسة من حيث إنها تعبر عن حياة معاشة من قبل المسلمين في سياق أقلية. علاوة على ذلك بينما تعترف السور المدنية بعلاقات بين مجتمعية حيث الجماعات غير المهيمنة مسيحية ويهودية فإن السور المكية تضع توضيحاً لتعامل المسلمين مع المشركين الذين لا تربطهم بهم رابطة دينية.
لا يحتاج المرء لتبني معتقد طه عن الرسالة الثانية (حيث يقول إن السور المكية توحي بالطبيعة الصحيحة للإسلام) لكي يتبنى فكرة أن الوحي المكي يظهر طريقا لحياة إسلامية موثوقة في ظروف معينة.
فالقرضاوي مثلاً يعتبر أن القرآن المكي هو الذي يحوي العبارة الانقى للطموح الكوني والانفتاح على غير المؤمنين.
في توضيح السؤال عن إقامة المسلم في الغرب يستشهد بالسورة 11 الآية 118
"وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" ويعلق أن الرغبة في جمع البشر في دين واحد أو طائفة واحدة يعارض الإرادة الإلهية. وبالآيات السابقة من سورة الشورى وسورة الحج ليبرر دعواه أن الإسلام يأخذ حصة في كل الناس بدون اعتبار دينهم أياً كان.
واستناداً إلى هذه السور يعتبر القرضاوي أن كل الأرواح تنتمي الى الله، وهي موضوع اعتبار واحترام، فالمسلم النقي يريد لهذه الأرواح ان تنجو لكنه يعرف أن الكفر أو الإيمان والحكم النهائي هو لإرادة الله.
في فتوى أخرى (موقع إسلام اون لاين) على سؤال فيما إذا كان اليهود والمسيحيون ينظر إليهم ككفار في الإسلام يقترب القرضاوي من توضيح المعضلة المناقشة في الليبرالية السياسية تحت عنوان أعباء الحكم عندما يسأل "كيف يمكن التوفيق بين إيماننا بكفر أهل الكتاب وبين دعوتنا للتسامح معهم"؟
يبحث أولاً عن تفكيك السؤال بالتأكيد على أن تبني اعتقاد هو تبنيه على أنه صحيح، وأن الذين ينكرونه غير مؤمنين بحقيقة الاعتقاد.
ويستنتج أن هذه حالة أي معتقد ديني أو علماني وليس خاصاً بالإسلام.
هل يمكن اعتبار هذا كمناظر لواقع التعددية الأساسي الذي ينظم العقائد غير المتوافقة المتعددة في الراولزية؟
يتقدم القرضاوي بشكل مشابه ليزيل الغموض حول سؤال الكفر بملاحظة أن هذه حقيقة عامة لعدم التوافق بين العقائد تقترح سؤالاً مهماً يتطلب جواباً: كيف حل الإسلام هذا اللغز؟
كيف يتسامح المسلم مع شخص يعتبره غير مؤمن بدينه؟
يعطي القرضاوي عدداً من الأجوبة على هذه المشكلة تتمحور حول "احترام كرامة الاخرين"
لا يشير القرضاوي إلى أي عمومية دينية أساسية فالمسلم يعتبر الاختلاف بين الناس في الدين واقعا وفقا لإرادة الله الذي منح خلقه شكلا من الحرية وخياراً في الفعل.
النقاش الثاني ثيولوجي وهو أن المسلمين ليسوا مسؤولين عن كفر غير المؤمنين أو عقاب الضال على خطئه لأن وقت ذلك ليس هذا العالم، وإنما يوم القيامة وهذا ما تفصح عنه السور المذكورة آنفاً. استنتاج القرضاوي هذا هو التمييز بين حكم المرء على كفر الآخرين وبين التزامه السياسي والاجتماعي تجاههم؛ ولهذا السبب فإن ضمير المسلم مرتاح، وهو لا يجد صراعاً بين قناعته بكفر الكفار، وطلب أن يكون عادلاً ومتساوياً معهم.
سور مكية أخرى ذكرناها في معرض الاستشهاد بقبول العقيدة الإسلامية للخلاف كظاهرة حتمية تعطي أسباباً قوية لاعتبار الخلاف الديني طبيعياً مقدراً من الله، واعتبار المجتمعات التعددية كحقل لمعظم الفعاليات الدينية المهمة:
حمل الشهادة، دعوة الكفار الى الإسلام، الدفاع عن فضائل الإسلام من خلال العقل بشكل واضح. مثل هذه الاعتقادات قد تم تبنيها لتكون متوافقة مع تنوع الترتيبات السياسية.
معرفة أن الله قدر أن بعض الناس لن يؤمنوا، وأنه سيوجد دائماً مجتمعات كفار في أي مجتمع ليس غير منسجم مع تفضيل نظام سياسي مستند إلى عقائد دينية وإعطاء ميزات اجتماعية للمؤمنين.
ورغم محاولات القرضاوي السابقة فإن الحقيقة أن"التعددية كقضاء إلهي" ليست كافية لاستنتاج عقيدة المساواة الليبرالية بخاصة في مجتمع أكثرية مسلمة.
ففكرة واقع التعددية المعقولة مقصودة لكي تنجز شيئين رئيسين:
- لكي تشرح سبب الاختلاف الأخلاقي وأنه يمكن أن يكون شكلاً دائماً للمجتمعات الحرة أفضل من شيء يختفي عندما تتحقق ظروف مثالية.
- أنه من المفترض أن يعطي سبباً قوياً للتبرير السياسي الذي يجب أن يكون عاماً أي يتبنى من قبل العموم
"التعددية كقضاء إلهي" تخدم مدارس إسلامية لتشرح سبب الاختلاف الأخلاقي، وأنه يمكن أن يكون شكلاً دائماً للمجتمعات البشرية، ويعطي أسباباً قوية لقبول هذا الشكل كسبب لفشل المسلمين في خلق شروط اجتماعية وسياسية، وهو ما يجعل التعددية كقضاء إلهي غير كفيلة بخلق عقيدة حيادية تبريرية كما هو الحال في النظام الفلسفي العلماني؛ فبينما تصرح هذه النصوص بالتعددية كقضاء إلهي تأمر أيضا بترقية الأخلاق وتشير بخصوص الحكم الأخلاقي إلى الله وإلى إمكانية انتشار وحيه.
على الرغم من أن الليبرالية المعاصرة تشتق التزاماتها من قيمها الأصلية للاحترام للأشخاص والاعتراف بشخصياتهم الأخلاقية، فهي لا تستطيع أن تكون متسرعة في اعتبار أن كل عبارات الاعتراف والاحترام والتسامح في التقاليد الأخرى سوف تنتج التزاماً متساويا بالحيادية.
قيم الاعتراف والتسامح والاحترام هي عناصر حاسمة في عقيدة المواطنة لكنّ ملأها بطريقة مرضية من منظور إسلامي يتطلب أكثر من فكرة أساسية عن "التعددية كقضاء إلهي"، إنها تحتاج قيماً أخرى والتزامات أخلاقية أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.