لابد من المواجهة والصدام الحاسم وإن تعثرت وإستطالت خطوات النضال وعبرت امامها مشاهد يتقزز لها الملايين من ابناء وبنات الشعب السوداني وقد بلغ بهم القرف للحد الذي كادوا فيه أن يتقيأوا أو ينفجروا من وقاحة وفداحة سياسات النظام المستمرة بتكرار ممل ومفضوح فيقابلون ذلك بصمت ولامبالاة منقطعة النظير بما فيها إطلالة وسيطرة ذات العصبة علي المشهد السياسي وعلي سدة السلطه منذ انقلابها في 89 ومرور بإنتخابات الزيف ونصب التنصيب وتشكيل الحكومة الجديدة المستوهمة في العام الحالي 2015 . ذات التصريحات و المسرحيات والاحداث عبر شخوصها من القتله والسفاحين والفاسدين الذين مازالوا يمارسون ذات المشاهد لسته وعشرين عام بينما ظلت منعرجات النضال تتصل وتنقطع امام ناظري الشعب السوداني بالرغم من التضحيات الجسام وسقوط المئات والالاف من شهداء الخلاص من قوي التغيير ولكأن شيئا لم يكن ليبتلع جب اللامبالاة احزانا وقلوبا دامية وغصة مرة علي استمرار تلك المشاهد التي خيمت علي السودان منذ العام 89 بهيمنة الفاشية الدينية علي السلطه عبر جنرالها السفاح الذي لولا كل تلك اللامبالاة لقضي نهايته القذافية او الصدامية الي حيث مذابل التاريخ . تستشري وتتكاثر مشاهد اللا مبالاة بصورة يومية من حياة الشعب السوداني امام كل هذا القتل والدمار والقهر والإستبداد والإفقار والفساد . لا مبالاة امام سلطة ديكتاتورية إسلاموية متعفنه وامام جيفة الإسلام السياسي المتتنه لربع قرن من الزمان . ولامبالاة امام سفاح ومستبد ينصب نفسه اليوم لخمس سنوات اخري كما جاء بإنقلابه رغما عن ارادة الشعب مغتصبا للسلطه ومنقضا علي الديمقراطية ومزيفا لها في عامه السادس والعشرين بعد أن قاطع الشعب انتخاباته الشكلانية بصورة ساحقه. لامبالاة امام انهيار كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية ومافيا الفساد. لامبالاة امام التمكين والمحسوبية وانهيار مؤسسات الدولة . لامبالاة امام حروب الإبادة وجرائم الإغتصاب والإختطاف والتعذيب والإعتقال . لامبالاة امام تمدد الإرهاب وقوي التطرف وتغييب العقل ونشر الظلام والتخلف. لامبالاة امام وطن وشعب ظل يساق الي حتفه ملايين المرات عبر سياسات سلطة ديكتاتورية إسلاموية مازلت تمكث وتفرض إستمرار سلطتها عبر مليشيات وعصابات القتل والقمع والإختطاف . لامبالاة امام ملايين الضحايا الذين ناضلوا في سبيل الخلاص فتم اغتيالهم بدم بارد فحصدهم رصاص التصفية والإبادة وتعرضوا للتعذيب والتشويه والإغتصاب او تم تشريدهم . ظلت اللامبالاة تبتلع عقودا من حياتنا واعمارا مختلفة لأجيال تلو اجيال من ابناء وبنات وأباء وأمهات الشعب السوداني. بل ظل الحديث عن اللامبالاة تعليقا راتبا في كتابات العديد من الكتاب والمفكرين والمراقبين والمهتمين بعملية التغيير في السودان بالنقد والتحليل ومحاولات النهوض المستمرة من غيبوبتها المزمنة . وفي مقال بعنوان الإرادة الوطنية وغياب السيادة الوطنية يقول د/ حيدر ابراهيم علي :- ( اخطر اشكال ضعف الارادة الوطنية : اللامبالاة لما يحدث للوطن وأن تستوي عنده الانوار والظلم . وهذه حالة شديدة الخطورة إذ يمكن أن تمر أوخم الامور وافظعها، والناس نيام وماهم بنيام .وهذا ما وصلنا اليه الآن، )ويقول :- (يتعجب الانسان : كيف يجد السودانيون،وبلادهم في مثل هذه الحالة،المزاج للفرجة أو اللعب .بالفعل لم يعد هناك أي شئ يهم . وهذا وضع يقارب واقعة الغناء وروما تحترق، حالة اقرب الي الجنون ) انتهي . فاللامبالاة كمايعرفها علم النفس بأنها حالة وجدانية سلوكية، وهي أن يتم التصرف بدون اهتمام في الشئون الحياتية وفي الأحداث العامة كالسياسة وغيرها علي اسأس أنها لا تعني الشخص ويغض عنها الطرف وإن كان ذلك ذو تأثير مباشر في حياته ويصاحب ذلك عدم توفر الإرادة على الفعل وعدم القدرة على الاهتمام بشأن النتائج . و أن يقمع المواطن انفعالاته ويخمد جذوتها وأن يقتل الاهتمام والاثارة والتحفيز والدافعية لهو اختيار المستقيل عن الحياة بإستمرار الضرر وإستطالة أمد معاناته ورضوخه التام للتعذيب من جراء سياسات التعذيب والتجويع والإذلال والحرمان والقمع والقتل . هذا التصرف الموسوم باللامبالاة يعبر عن ضعف الذات الإجتماعية امام التحديات ورسوخ نتائج الفشل التاريخية والمتراكمة في الذاكرة الإجتماعية في مقابل إنغلاق التفكير نحو المستقبل والأمل واحتمالات الإنتصار . اللامبالاة التي تتمدد بإيغال في اوساط الشعب السوداني هي تعبير لموت الشعور وإنطفاءه بسلبية منقطعة النظير امام العديد من الاخطار المحدقة بهم واكثرها تأثيرا علي حياتهم والتي إن كان العقل سيدا مسيطرا ومقياسا في احكامهم ورؤيتهم في العديد من القضايا لما ابتلعتهم اللامبالاة في اعماقها حيث لا مخرج منها وليس هنالك انعتاق او فكاك الابعقلنة النظر لهذه المخاطر والتحديات . ويلعب الدين بنزعاته الغيبية والاخروية عاملا مثبطا للدافعية نحو الإنشغال بالقضايا الحياتية بإعتبارها مصالح دنيوية ولقد عمدت التجربة الدينية في السودان عبر التصوف والطائفية وقوي الإسلام السياسي وعلي رأسها سواقط الجبهة الإسلامية والجماعات السلفية بتحييد اقسام اجتماعية كبري من خوض صراعها السياسي والإجتماعي والدفاع عن مصالحها بينما ظل زعماء الجماعات الدينية يستأسدون بالهيمنة علي السلطه والثروة وقد اصبحت المقولة الرائجة ( ودوا الناس الجامع وهم دخلوا السوق ) خير مثال علي تبيئة اللامبالاة من منظور ديني . ولم يكن ذلك السبب وحده الذي دفع بالسودانيين نحو اتون اللامبالاة بل كانت افظع المجاذر وجثث القتلي وحملات الموت المجاني والتي توالت لربع قرن من الزمان كسياسة يومية للنظام الإسلاموي في السودان تشكل ابشع الصور الصادمة في اذهان السودانيين ومن المعلوم أن الصدمات النفسية الحالكة تدفع بضحاياها الي عدم المبالاة والإكتراث الي الحياة بل من ناحية اخري تصبح تلك الصور مشهدا اعتياديا وذلك مايعمل من اجله النظام وهي تنميط واعتيادية مأساة السودانيين. إن ذبح الديمقراطية في يونيو 89 بإيدي قادة الجبهة الإسلامية وجنرالها السفاح تعتبر منصة التأسيس للامبالاة التي اجتاحت جماهير الشعب السوداني ومثقفيه وفئاته الإجتماعية ودفعت العديد منهم للإغتراب عن وطن ظل لاكثر من عقدين لايجدون فيه سوي السياط والسجون وهدير التاتشرات وازيز الطائرات والإغتصاب . إن الإنقلاب الإسلاموي علي الديمقراطية واقامة ديكتاتورية دينية تريد ان تنصب سفاحها بعد أن مكث سته وعشرين سنه لخمس سنوات اخري بديمقراطية شكلانية هو نتاج اللامبالاة المفرطه التي ادمنها السودانيين والتي آن الأوان أن يستفيق منها . يقول الفيلسوف روبرت مينارد هاتشينز ان موت الديموقراطية هو بسبب اللامبالاة السياسية. إذن فعودة الديمقراطية وإعادة الإعتبار لها هي محطة العودة من اللامبالاة ويتحتم لمغادرتها من غير رجعة تقوية وتعزيز الثقة في الذات السودانية والتطلع لمستقبل افضل . وامام هذه السلطه والجماعة الإسلاموية المستبدة التي عمدت وماتزال عبر جنرالها السفاح تمارس التكنيل والتدمير والسحق في الشعب السوداني والدولة السودانية منذ العام 89 لاخيار سوي أن تستفيق قطاعات وفئات المجتمع السوداني من صمتها المتفرج الموسوم باللامبالاة الي خانة الفعل والحراك والديناميكية الثائرة والحاسمة بإسقاط النظام ومحاكمة قادته وخلاص الوطن وعودته الي حياة جديدة ونهضة وطنية شاملة . سيضطر الشعب السوداني إن لم يستأصل لامبالاته وصمته المطبق أن يتجرع في مقبل الأيام ضعف الضعف من الدماء والإستبداد والقمع والسحق وبوتائر متسارعه مطلقا يد الجنجويد والدعم السريع وداعش وقوي الهوس الديني والجماعات الإرهابية متخذا من الدولة ضيعة لعصابات ومافيا الفساد التي تهدد حياة المواطنين بالغش والنهب في السلع الضرورية والخدمات بل يستعد النظام بمزيد من الإستفراد بالشعب السوداني وسحقه بمحاولات استعادة علاقاته الاقليمية والدولية مع الإحتفاظ بعلاقته مع روسيا والصين اللتان تمثلان الداعم الأول لكثير من نظم البطش والإستبداد . حيث لا خلاص الا بالإنعتاق من براثن اللامبالاة او السبات العميق في غيبوبتها حيث نهاية وطن وشعب وموت مستقبل . فالهدر التاريخي ومذابح الأمل والتطلعات علي شفير اللامبالاة آن الأوان أن يقف لنقف بقوة وصلابة لإجتثاث هذا النظام .