سيؤرخ هذا المسلسل لما يمكن اعتباره حدثا فريدا من نوعه يتمثل فى ان من سعوا وساهموا فى منع بثه هم بعض الصحفيين اى بعض من الفئة صاحبة المصلحة الحقيقية فى حرية التعبير وهذا وفقا لافادة نقيب الصحافيين السودانيين الاستاذ الصادق الرزيقى فى جريدة الانتباهة بتاريخ 7 يوليو 2015,فقد اشار النقيب الى (ان عددا من رؤساء التحرير وبعض الصحفيين المحترمين والمرموقين ورموز العمل الصحفى تقدموا باحتجاج للاتحاد حول المسلسل), ولان الامر ليس بالبساطة التى يتخيلها الاتحاد ورموز العمل الصحفى فسنحتاج للقليل من الشفافية وهى بحمد الله مطلب لايستعصى على هؤلاء المحترمين فطالما سودوا صفحاتهم بهذا المصطلح…الشفافية تمنحنا الحق فى ان نعرف اسماء هذا العدد من رؤساء التحرير ومن الصحفيين المحترمين والمرموقين لان ما قاموا به يعد مشاركة فى مصادرة الحق فى التعبير ولان الامر فيه من البشاعة ما فيه تتطلب الشفافية ذكر الاسماء حتى لا يضار الاخرين وحتى نستطيع نحن المدافعين عن المسلسل ان ننظر لهؤلاء فى مرايا المسلسل او ان ننظر للمسلسل فى مراياهم,والشفافية تمنحنا الحق ايضا فى ان نعرف لمن وجه الاتحاد خطابه فهو لم يشر الى الجهة فقد قال:"وقمنا بارسال خطاب بعد التحقق من المسلسل"!!!هكذا ارسال خطاب دون تحديد الجهة مع ملاحظة ان الخطاب يحمل احتجاج (المجتمع الصحفى) كله كما جاء فى الافادة!!! وهكذا من احتجاج قادة العمل الصحفى فى اول الافادة الى احتجاج المجتمع الصحفى كله بمن فيهم "ضعاف النفوس" فى اخر الافادة ,والشفافية كذلك تمنحنا الحق فى ان نقول انه لايكفى الاستماع لعدد من الحلقات للاحتجاج على بث مسلسل والتحريض على ايقافه فالمسلسل والدراما عموما علاقات معقدة لشخصيات واحداث وازمنة وامكنة متداخلة ومتقاطعة والشفافية اخيرا وليس اخرا تمنحنا الحق فى ان نتساءل لماذا اختار الاتحاد الايقاف ولم يختر النقد والتقييم والتقويم عبر الكتابة التى يملكون عدتها وعتادها ثم كيف فات على السيد النقيب وهو يتحدث عن الصحافة كمؤسسة ويرسم حدودا للاقتراب ولعدم الاقتراب منها ان ينسى انه بالمقابل امام مؤسسة لها ارثها وخبرتها وتاريخها ودورها واعنى "هنا امدرمان…اذاعة جمهورية السودان"..الاذاعة التى بثت المسلسل , فقد شعرت ان هذه النخبة من الصحفيين قد تناست او فات عليها ان هذا المسلسل يبث من الاذاعة القومية مما يفرض بالضرورة نوعا من التريث احتراما على الاقل لخبرة الدراما الاذاعية ولخبرة القائمين عليها بدلا من المشاركة فى هذا الايقاف المهين الذى يطال الاذاعة القومية وتقاليدها ويطال تاريخ المسلسل الاذاعى السودانى وقبل كل شئ يطال حرية التعبير. معلومات عن المسلسل: المسلسل من تاليف دكتور على بلدو والمعالجة الدرامية الاذاعية للكاتب معاوية السقا..معاوية السقا قدمت له الاذاعة سبعة مسلسلات قبل بيت الجالوص.مخرج المسلسل محمد بشير دفع الله اخرج للاذاعة ما يقارب الخمس وعشرون مسلسلا ..الممثلون فى هذا المسلسل من نجوم الدراما المخضرمين ويكفى ان نذكر الهادى الصديق وحاكم سلمان وحسبو محمد عبد الله وذكية محمد عبدالله وانعام عبدالله ..اشير ايضا الى ان المسلسل اجازته لجنة برئاسة الخبير الاعلامى والقيادى السابق بالاذاعة والكاتب الدرامى الاستاذ الخاتم عبدالله الذى قدمت له الاذاعة وقدم له التلفزيون عددا مقدرا من المسلسلات..اشير كذلك الى ان المسلسل موضوعه الاساس ليس الصحافة وانما الطبقة الطفيلية الجديدة التى نمت على حساب بيت الجالوص اى الطبقات المسحوقة والمهمشة ومع ذلك تسعى الى محوه وذلك عبر سيطرتها على الخبز والسكن والسوق والاعلام وكل شئ ف "عبد الجبار البلولة" بطل المسلسل الذى يبنى امبراطوريته بالقتل والسرقة والرشوة والابتزاز لا يضع يده على الصحافة كلها وانما على عدد معين من الصحف وعلى نوعية معينة من الصحفيين حيث هناك من يرفض التعامل معه وبالمقابل يؤسس منافسيه من نفس الطبقة الطفيلية الجديدة "المدعو اللورد والمدعو العبيد" صحافتهم …فى هذه المسلسل تستثمر قوة المال قوة الاعلام وتحولها لمصلحتها…عدد حلقات المسلسل ثلاثين حلقة وتم ايقافه بعد بث الحلقة الثانية عشرة. الصحافة فى مرايا المسلسل: نظريا يستقى الفن موضوعاته من الواقع وان كان لا يعكسه كما هو.فى المسلسل تتبدى الصحافة من خلال صحيفة"صوت الضمير" وهى الصحيفة التى تبدا علاقتها برجل الاعمال البلولة بمساومته بتحقيق عنه انجزه صحفى شاب هو "حاتم العبيد" وعبر المساومة مع مدير مكتبه يسيطر البلولة على رئيس التحرير"جمال" ومدير التحرير"صلاح" ويتم فصل الصحفى الشاب "حاتم العبيد" ومن هنا تبدا الجريدة فى الترويج لشخصية البلولة ولمؤسساته فهى من تنشر فى سلسلة مقالات الكتاب الذى كتبه الصحفى غير النزيه "عثمان الاغبش" عن سيرة حياة البلولة والتى هى عبارة عن سيرة مزيفة تجعل من ابيه "عامل الزبالة" عمدة وتجعل لاسرته ثروة و دورا فى النضال ضد المستعمر..فى ذات السياق يستطيع الصحفى حاتم ان يؤسس صحيفة الكترونية موجهة بالاساس ضد "عبد الجبار البلولة" خاصة وانه تزوج خطيبة حاتم "هدى" ليصل الامر فى الاخير ان يصبح حاتم العبيد رئيسا لتحرير جريدة "اليقظة" التى يمولها اللورد والعبيد…انه واقع الطبقة الطفيلية الجديدة عبر حياة ابطال المسلسل وتاثير ثقافة هذه الطبقة على مصائرهم, هذا الواقع يصوره المسلسل فى تشابكه مع الاعلام ممثلا فى الصحافة الورقية , فيا ترى هل من غرابة هنا؟ وهل من شئ نكرا ان نقف عبر المسلسل على حقيقة صحيفة ماجورة تبيع نفسها عبر مالكيها رئيس التحرير ومدير التحرير او ان نقف على صحفى يتخلى عن المهنية ويحركه فى كل ما يكتب دافع الانتقام كما فى حالة حاتم العبيد؟او ان نقف على حقيقة صحفى يكتب سيرة مزورة كما فى حالة عثمان الاغبش؟ثم ما هى المشكلة اصلا فى ان تتحول الصحافة الى موضوع للدراما من اى موقع يريده صانع العمل الدرامى طالما كانت هناك فرصا للمتضرر فى الرد كتابة او حتى عبر التقاضى امام المحاكم؟..هذه هى صورة الصحافة فى الواقع المتخيل الذى يصنعه المسلسل من الزاوية التى ارادها من خلال نموذجى صحيفة "صوت الضمير" وصحيفة "اليقظة" ومن خلال نموذج رئيس التحرير جمال ومدير التحرير صلاح والصحفيين حاتم العبيد وعثمان الاغبش,ولما كان الواقع المتخيل بالضرورة على صلة ما بالواقع المعيش بحكم العلاقة المعقدة بين الفن والواقع وهى العلاقة التى تتخلق عبرها رسالته والتى اصلا محكومة بما يعرف بالتلقى الذى يقوم به القارئ او المشاهد او المستمع سنجد ان المسافة بين الصحافة فى الواقع المتخيل من وجهة نظر المسلسل ليست بعيدة عن الصحافة كما هى فى الواقع الحقيقى ففساد بعض رؤساء ومدراء التحرير وفساد بعض الصحفيين المرموقين المتمثل فى قبولهم الرشاوى والهبات وممارستهم للابتزاز موثقة فى الصحافة السودانية وتشهد عليها سجالات بعض رؤساء التحرير والصحفيين المرموقين فقد قرأنا ان بعضهم يبتز المسئولين ويحوز على الرشاوى وقطع الاراضى والهبات اما فيما يخص الضعف فى الجانب المهنى والذى تقع المسئولية فيه على قيادة الصحيفة بالضرورة فتكفينا هنا شهادة جهاز الامن والمخابرات عندما اوقف بعض الصحف متهما لها بتهديد الامن المجتمعى فيما تقدمه من رسائل غير دقيقة وغير محكمة وشهادة الامن تكفينا لان هذه القيادات الصحفية المحترمة اعترفت بهذا الضعف وقدمت راضية الاعتذار بل وكتبت التعهدات…وهكذا عزيزى القارئ تجد ان من ضمن مصادر المسلسل فى الجانب المتعلق بالصحافة التجربة المعاشة للصحافة السودانية وهذا وحده يكفى لتاكيد دور الاذاعة القومية وعبر خبرتها الطويلة فى الدراما فى نشر الوعى والتنوير فالصحافة التى ظلت على الدوام تضع الافراد والمؤسسات فى قفص الاتهام ها هى اليوم تقف فى قفص الاتهام ولعله وبسبب هذا الموقف لعب الاتحاد دورا فى ايقاف المسلسل فاتحا الباب واسعا لمصادرة حرية التعبير ومضيقا لهوامش النقد والتنوير التى تعانى اصلا من التضييق..اقول: ان ما قام به الاتحاد من دور فى ايقاف المسلسل وما يتضمنه هذا الدور من استهانة بتجربة الاذاعة القومية وباللجنة التى اجازة المسلسل وبفريق عمله كمواطنين يكفل لهم دستور البلاد الحق فى التعبير ومن استهانة بجمهور المستمعيين الذين يفوقون بلاجدال قراء جميع الصحف, ان دل على شئ فانما يدل اولا على ضعف الاذاعة القومية لاستجابتها الفورية لهذا الطلب المجحف ويدل ثانيا على ان الاتحاد لا يرى ابعد من مخاوفه " الخاصة جدا".