حتى و إن لم يتفقا، فقد اتفقا! زعم الحبيس أن الحكومة ليست فاسدة، بل الشعب هو الفاسد بكلياته:- " الكل صار غير أمين والسوق كل شيكاته طايرة.." و حمل الحبيس بلا تردد على الإسلاميين لأنهم تعرضوا لفتنة السلطة و ألبسوا بعضهم ثياب (ساترة) للابعاد عن محاسبة المفسدين، وأردف "إذا سرق الأخ يقولون دا أخونا سرق ولا يخلعوه".. ممن تتكون ( السلطة) التي أغرت المفسدين؟ أَ وَ ليست عناصرها المهيمنة، صاحبة القرار، من الاسلاميين الذين أشار الحبيس إلى تعرضهم لفتنة السلطة فنهبوا و سرقوا.. و أَلا تشير كلمة ( السلطة) إلى الحكومة التي وصفها الحبيس بأنها ليست فاسدة، ؟ أو لم يفكر في السبب الذي جعل (كل) من دخل الحكومة ضامرَ الحشا.. و سواء بقي فيها أو خرج منها يظل منتفخ البطن و كأنه حامل بتوائم ثلاثة في شهرها الأخير.. و لا محاسبة على حمل سفاح في ( شريعة الانقاذ)؟.. الزعيم الحبيس متناقض لدرجة العته! ربما نسي أن ( العيال كبرت) و أن القطار قد فاته و فات ( تذاكيه) الثعلوبي منذ زمن.. و أن الشعب السوداني يدرك ما يجري في المنشية و ما يحدث في كوبر و ما يدور في القصر الرئاسي الجديد.. و ما يحاك في سراديب ( النادي الكاثوليكي).. و يتحسب من مرابد إبليس في المحافل الماسونية و إفطارات رمضان التوعوية الميكيافيلية.. الحبيس و الرئيس، حتى و إن لم يتفقا فعلاً، فقد اتفقا في الطرح لتشتيت الرأي العام عن مراكز الفساد.. و إبعاد ( الصادقين) و التائبين ( توبة نصوحة) من أزلامهم عن العمل في البحث عن مكامن خراب السودان و دماره بغية إيجاد أنجع السبل لاجتثاثه.. هذا و قد اتفق الرئيس مع الحبيس يوم تحدانا الرئيس أن نأتي بمسئول، و لو مسئولاً واحداً، أخذ عمولة أو ارتشى.. بما يعني أن ( الحكومة ليست فاسدة)..! و نحن نعلم أن الحكومة فاسدة لكن، إمعاناً في التدليس، اتفق الحبيس و الرئيس.. يا ترى هل عقدا مؤتمراً بالفيديو Video Conference) ( بينهما في حوار يديره إبليس..! لماذ الحديث عن مفوضية للفساد إذن..؟ و المعروف، منطقياً، أن الرشوة لا تتحرك إلا حين تتباطأ معاملات ما في مؤسسة ما للحصول على حق ما عند ( مسئول) ما بيده أمر منح الحقوق أو منعها.. وهنا يتبختر إبليس.. فيتمخطر الفساد…. و الرئيس يعلم يقيناً أن الفساد موجود حتى داخل الحوش.. و لأنه يعجز عن كبحه عند حده، يتهرب من الإشارة إليه بنية الارادة الحقة في استئصاله.. الخطر كل الخطر يأتي من الصادقين.. و أصحاب ( النفس اللوامة) من أزلام الحبيس و الرئيس.. و ربما جاء أحدهم منبتعثاً من العناية الإلهية بالسودان.. جاء في سونا:– "أكد مولانا بابكر أحمد قشى رئيس لجنة إعداد مشروع قانون مفوضية مكافحة الفساد أن الفساد أصبح أحد مهددات الأمن القومي ، مشيراً إلى أن الدولة عازمة وجادة في مكافحة هذه الظاهرة."! هذا، و في ظني أن الحبيس ربما خرَّف فلم يعد يرى الأشياء كما نرى.. فعمر الفساد المتسكع في المدائن و البوادي يزيد عن ربع قرن من الزمان و شهر و أيام.. و أي طفل ولد يوم 29 يونيو 1989 لا يعرف من الكلمات التي تصلح للتعامل مع المؤسسات الحكومية سوى مترادفات كلمة الفساد و الرشوة.. لتسهيل المطلوبات من تلك المؤسسات.. و أود أن أعيد قصة ذكرتها في بعض مقالات سابقة.. و هي أنني، و أنا بالمدرسة الوسطى بملكال، كنت من المداومين على قراءة مجلة تأتي من نيجيريا و اسمها The African Challenge ، و تصادف أن صعُبت علي كلمة برايبري Bribery ، أي رشوة.. فاستعنت بأحد أستاذتي، و الأساتذة أيامها من مخرجات بخت الرضا، فقال لي أن الكلمة تعني الرشوة.. و لم أستوعب كلمة رشوة أيامها.. فاستمر يشرح لي إلى أن فهمت.. أما الآن، فأي طفل في الابتدائي يعرف معنى كلمة الرشوة.. و يعرف من هم المرتشون يا سعادة الحبيس.. و يا معالي الرئيس.. و هؤلاء حصاد تربيتكم و تعليمكم.. و أنتم مسئولون عن أفعالهم.. و أعتقد أن الشباب، الذين كانوا في حضرة إفطار الحبيس، كانوا يحلمون بغدٍ آتٍ يتحكمون فيه على مفاصل الدولة.. و يواصلون قتل أحلام الأمة السودانية في الحرية و التنمية و العدل و المساواة.. و في عودة حقوق الإنسان إلى حضن السودان..