للتغلّب على أزمة المياه مصر تتّجه إلى الزراعة خارج أراضيها (الحصول على أراض من حكومة السودان لهذا الغرض) في إطار أزمة شحّ المياه التي تضرب مصر وتهدّد باتّساع الفجوة الغذائيّة عند المصريّين، تعمل القاهرة حاليّاً على محاولات لتشكيل تحالفات زراعيّة خارج حدودها – وهو برنامج كان موجودا كتجارب محدودة منذ عهد الرئيس المصري حسني مبارك في الثمانينات – تتضمّن إرسال مزارعين مصريّين لزراعة أراضي في السودان لنقل خبراتهم إلى تلك الدول، والاستفادة من المياه المتوافرة لتغطية حاجات الشعب المصريّ من الغذاء، فضلاً عن إنشاء مزارع نموذجيّة للمحاصيل الاستراتيجيّة. وتتميّز البلدان التي يشملها المشروع المصريّ للزراعة الخارجيّة بوفرة المياه وتنوّع مصادرها، بينما تتراجع فيها التنمية الزراعيّة، بسبب عدم توافر التمويل اللازم، وعدم توطين الآليّات الزراعيّة. ففي السودان الذي تبلغ مساحته 1.8مليون كيلو متر مربّع، لا تتجاوز المساحات المزروعة حسب آخر إحصاء لبنك السودان المركزيّ 45 مليون فدّان (19 مليون هكتار)، أي نحو خمس المساحة الصالحة للزراعة في البلاد والمقدّرة بنحو مئتي مليون فدّان (84 مليون هكتار). وقد جاءت مبادرة الرئيس السودانيّ عمر البشيرفي القمّة العربيّة الأخيرة في مارس 2015، والخاصّة بالأمن الغذائيّ العربيّ، لتدفع بالبرنامج المصريّ المتعثّر إلى زراعة آلاف الأفدنة في السودان، حيث أعلنت الحكومة السودانيّة في أبريل 2015 عن تخصيص أراضٍ في مناطق عدّة تتوافر فيها المياه داخل حدودها للمصريّين لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات الأمن الغذائيّ والاعتماد على منظومة الزراعة التكامليّة. برنامج التكامل الزراعي يهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الانتاج الزراعى والغذائى للبلدين. وتم الاعلان عن البرنامج في اجتماع بالخرطوم يوم 24 أبريل 2015 ضم 5 وزراء المعنين بالزراعة والري بالبلدين. وحددت حكومة السودان 200 ألف فدان في منطقتي الدمازين وكسلا كمرحلة أولى لتنفيذ مشروع التكامل الزراعي مع مصر، وأختار المصريون محصولي القطن وعباد الشمس كبداية لاستزراع منطقة الدمازين، والتي تتم فيها حاليا زراعة 20 ألف فدان من اجمالي ال100 ألف فدان . نقابة الفلاحين المصريين كانت قد سبقت التحركات الحكومية الأخيرة للاستزراع التكاملي في السودان منذ ديسمبر 2014، حيث أكّد نقيب الفلّاحين المصريّين محمّد برغش في مقابلة خاصّة مع "المونيتور"، أنّ النقابة حصلت من وزارة الاستثمار السودانيّة على 100 ألف فدّان بالمحافظة الشمالية بالسودان. وقال: "نعمل حاليّاً على وضع آليّة طرحها للتخصيص للشباب المصريّ بواقع 10 أفدنة لكلّ شاب للإقامة فيها وزراعتها بمحصول القمح والمحاصيل الزيتيّة مثل الكتّان وفول الصويا وعباد الشمس". وقال: "منحني المسؤولون في السودان 100 ألف فدّان هديّة لشباب مصر في المحافظة الشماليّة، بصفتي زعيم فلّاحين مصر، ولا علاقة لها بباقي الأراضي التي كانت الحكومة المصريّة ممثّلة في وزارتي الزراعة والريّ قد اتّفقت على استلامها لزراعتها". ولفت برغش إلى أنّ هذه الأراضي ستروى من مياه نيليّة، وستكون حصيلة الإنتاج مناصفة، وأضاف: "نظام توزيع الاراضي على الشباب سيكون بالتخصيص بنظام حق انتفاع بالأرض لحين زراعتها، وبعد اثبات الجدية سيتم تمليك هذه الاراضي للمصريين". وفي الوقت الذي اعتبر وزير الموارد المائيّة والري الدكتور حسام مغازي مشروع التكامل الزراعيّ بين مصر وجيرانها، وخصوصاً السودان، خطوة هامّة على صعيد تحقيق الأمن الغذائيّ، مؤكّداً: "هذا التكامل يؤمّن الغذاء لشعوبنا"، إلّا أنّه كانت هناك في المقابل مخاوف من خبراء المياه في مصر من جرّاء عواقب اتّساع الرقعة الزراعيّة في السودان، وأثرها على الحصّة المائيّة المصريّة، حيث اعترض رئيس قسم الريّ وهيدروليكا المياه في كليّة الهندسة في جامعة الإسكندريّة الدكتور هيثم عوض في مقابلة مع "المونيتور" على زراعة مصر في السودان، قائلاً: "نزرع خارج مصر على مياه كانت هي في الأساس ستأتينا، وذلك ليس له أيّ معنى، بينما الاستفادة من مياه أنهار الكونغو للزراعة لصالح مصر أمر مقبول. وكانت هناك تجربة سابقة لزراعة 800 ألف فدّان في البرازيل لصالحنا في عام 1987، وسبق أيضاً أن كانت هناك تجربة لزراعة قمح لصالحنا في أميركا". وأكّد وزير الموارد المائية والريّ الأسبق الدكتور محمّد نصر الدين علام هو الآخر قائلاً ل"المونيتور": "أيّ توسّعات زراعيّة مستقبليّة في السودان ستكون خصما من نصيب مصر من مياه النيل". وهو ما عقّب عليه مغازي، مؤكّداً ل"المونيتور: "إنّ الزراعات المصريّة في السودان ستعتمد على أكثر من مصدر للريّ, وأضاف: "مساحة المئة ألف فدّان التي تزرعها مصر حاليّاً في منطقة الدمازين، وتتولّاها شركة التكامل المصريّة-السودانيّة، قائمة على الزراعة المطريّة، وسيتمّ اتّخاذ خطوات إيجابيّة للاستفادة من حصاد الأمطار، وإقامة سدود صغيرة للاستفادة من تلك المياه في وقت الجفاف". وأعلن وزير الرى في مؤتمر صحفي في 29 يوليو 2015 أنه تم رفع المساحة التي ستتم زراعتها بمشاركة الحكومة السودانية إلى مليون فدان بدلاً من 100 ألف كما كان متفقاً عليه في وقت سابق، وذلك في ولايات، النيل الأزرق وسنار وكسلا، بإقامة مشروعات حصاد أمطار وحفر آبار، وأكد على انه تم الاتفاق على ذلك مع المسؤولين بالسودان على هامش زيارته لحضور اجتماعات مفاوضات سد النهضة التي عقدت بالخرطوم. ورحّب كلّ من علام وعوض بالتكامل الزراعيّ مع أيّ من الدول بعيداً عن مياه النيل، وبصفة خاصّة الزراعة في الكونغو، حيث شهدت زيارة وزير المياه والريّ المصريّ الدكتور حسام مغازي إلى الكونغو في 30 مايو المنصرم. تفعيل بروتوكول تعاون لبعثات من المزارعين المصريّين للمساهمة في زراعة الأراضي في الكونغو، حيث تعمل مصر على إقامة مزرعة في دولة الكونغو الديمقراطيّة في منطقة مينكاو في مدينة مالاكو التي تبعد 70 كيلومتراً شمال العاصمة الكونغوليّة كينشاسا، ستكون مساحتها 600 هكتار، وسيتم البدء بزراعة 300 هكتار بالمحاصيل الزراعيّة غير الموجودة في الكونغو، مثل الذرة وعباد الشمس وفول الصويا والأرزّ، على أن يقسم ناتج المزرعة بالتساوي بين الجانبين. باتت زراعة أراضي البلدان النامية هدف القاهرة للتغلّب على فقر المياه الذي يعوق اتّساع الرقعة الزراعيّة في أراضيها. http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2015/08/egypt-sudan-agriculture-irrigation-cooperation-blue-nile.html#ixzz3hp9DB4iC