ست دقائق قراءة فاروق يوسف "اقصفوهم بالكتب" علقت الناشطة الايرانية شيرين عبادي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، على الحملة الجوية ضد تنظيم داعش في اطار الحرب على الارهاب. ذهبت عبادي إلى جذر المشكلة الذي لن تتمكن القنابل من اقتلاعه. قد يؤدي تدمير داعش إلى ولادة تنظيمات أكثر وحشية منه، بعد أن تزودت بخبرته العدوانية وامتلأت برغبته في الانتقام. داعش وسواه من التنظيمات الارهابية هي ظواهر تجلت من خلالها المشكلة وهي ليست المشكلة التي ما لم تعالج من الداخل فإنها تظل تنفث حممها البركانية. الجهل هو العدو الخفي الذي لا تطرق أشباحه الابواب حين تدخل. الجهل هو القوة القادرة على تمزيق أشد المجتمعات تماسكا. وإذا ما كان معدل قراءة الطفل العربي حسب التقارير الدولية المختصة يبلغ ست دقائق في السنة مقارنة ب12 الف دقيقة في الغرب فإن ذلك يعني أننا ننتظر ظهور جيل هو أسوأ من جهة جهلة من الجيل الذي انتج داعش وكان أفراده مادة للفكر الارهابي. تقول التقارير نفسها إن ربع صفحة هي حصة الفرد العربي من القراءة مقارنة ب 11 كتابا هي حصة الفرد الاميركي. لا يكفي أن نشعر بالخجل. فالامية التي استطاع بلد عربي مثل العراق أن يبيدها عام 1972 عادت بعد اربعين سنة لتنقض على ثلث سكانه وتبيد وعيهم وقدرتهم على التفكير. ما شهدته وما تشهده أجزاء من العالم العربي من حروب داخلية لا يمكن تفسيره إلا من خلال العودة إلى الجهل بإعتباره قوة صامتة، يمكنها أن تؤدي بالمجتمعات إلى التحلل والتعفن والتمزق بطريقة محكمة تتفوق بعدوانيتها على اي قوة خارجية تمارس عدوانها عن طريق قعقعة السلاح. صار معلوما اليوم أن شعارا من نوع "أمة أقرأ لا تقرأ" هو أكثر الشعارات التي رفعت عبر ستين سنة من المسيرات في عالمنا العربي مصداقية، من جهة وضعه اليد على الوضع الحرج الذي انتهت إليه الامة العربية. هي مخالفة صريحة للآية الأولى التي أنزلت من القرآن. ألا يبدو مستغربا أن تتبنى الاحزاب والجماعات الدينية المتشددة تلك المخالفة الصريحة وتبشر بها بإعتبارها ضالة ايمانية؟ ما كان يجهله الناس البسطاء أن تلك الاحزاب والجماعات وإن اتخذت من الدين واجهة لها فإن مشاريعها كانت ولا تزال تتمحور حول السياسة. كان الوصول إلى السلطة هدفها المنشود الذي لم تتورع عن استعمال الدين وسيلة من أجله، مستغلة عواطف الناس التي تقع خارج منطق العقل. غير أن اسوأ ما فعلته تلك الاحزاب والجماعات أنها عن طريق التجهيل كانت تنحرف بالشباب عن الطريق التي تجمعهم بالمجتمع وتضعهم في خدمته، فكانوا يتحولون بعد فترة من التلقين المبرمج إلى الغام قابلة للانفجار في أية لحظة. وهو ما وفر للتنظيمات الارهابية مادتها البشرية التي تبدو أنها غير قابلة للنفاد. بيسر تعوض التنظيمات الارهابية خسائرها البشرية. هناك مدد يأتيها من كل مكان وهو ما يجعلها مطمئنة إلى مستقبلها. فما دام الجهل قائما فإن اي قوة في الارض لا يمكن أن تحول بينه وبين الارهاب كونه الفعالية المخطط لها لتفجير طاقات الشباب الذي يشعر بالحرمان. كانت الدعوة التي توجهت بها الناشطة الايرانية الى القصف بالكتب مجازية، وربما أتت متأخرة، غير أنها تبقى ممكنة وهي الاقل تكلفة من الحروب العبثية التي تفتح بابا على العنف لا يمكن اغلاقها. القضاء على الجهل هو الحرب الحقيقية التي تستحق أن تنفق عليها الاموال. استثمار مستقبلي يتحقق من خلاله الأمان الذي صرنا نفتقده ونحن نتوقع أن تنفجر الالغام تحت أقدامنا كل لحظة. كل دقيقة قراءة مضافة هي بمثابة طوق أمان لعدد من الارواح البريئة التي يحاول الارهاب أن يخطفها.