قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفث: قتل عمال الإغاثة أمرا غير معقول    عثمان ميرغني يكتب: معركة خطرة وشيكة في السودان    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة "محمد عبدالفتاح البرهان"    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة "محمد" عبدالفتاح البرهان في تركيا    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالفيديو.. الفنانة شهد أزهري تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بنيولوك جديد وتقدم وصلة رقص مثيرة خلال حفل خاص بالسعودية على أنغام (دقستي ليه يا بليدة)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. (فضحتونا مع المصريين).. رجل سوداني يتعرض لسخرية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهوره داخل ركشة "توك توك" بمصر وهو يقلد نباح الكلاب    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحبوب عبد السلام : تجربة الإسلاميين في الحكم أدت إلى إحباطات كبيرة وسببت حرجا لكل الإسلاميين
نشر في حريات يوم 01 - 10 - 2015

صحيفة الوطن القطرية تحاور الاستاذ المحبوب عبد السلام
الإسلاميون كانوا أكثر تنظيماً وقربا من الجماهير في الربيع العربي
حوار – محمد أمين يس
في هذا الحوار يحاول القيادي البارز في حزب المؤتمر الشعبي المحبوب عبدالسلام، أن يجيب عن التساؤلات التي يفرضها الواقع الراهن على الحركات الإسلامية في المنطقة العربية، وذلك انطلاقا من التحديات ما بعد الربيع العربي.
المحبوب عبدالسلام أحد المقربين لسنوات طويلة من زعيم الإسلاميين في السودان د. حسن الترابي، وكان أول من ألقى الضوء على كواليس وحقائق الخلافات في كتابه الحركة الإسلامية «دائرة الضوء وخيوط الظلام»، كشف فيه تفاصيل مثيرة عن خفايا الصراع بين الإسلاميين الذي أطاح برئيس الحركة د. الترابي في العام 1999.
وأرجع المحبوب صعود الحركات الإسلامية إبان ثورات الربيع العربي لوقفوهم جانب المعارضة للأنظمة التي سقطت، لأنهم كانوا إلى حد ما أكثر تنظيما من الأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى قربهم من الجماهير.
وأشار إلى أن الأيدلوجية عند الحركات الإسلامية غير مكتملة، لذلك يكتفون بمقولات «الإسلام دين ودولة»، وأن عزة المسلمين في العودة إلى إسلامهم، وقال: الإسلاميون لم يطوروا الأيديولوجيا والفلسفة والاقتصاد السياسي، وحتى إذا كانت لديهم مقولات نظرية كافية فهي تحتاج إلى أن تجرب حتى تتطور، فالأدب السياسي الإسلامي محدود جدا، لا يفي حاجات دولة حديثة.
وواصل انتقاداته قائلا: إن الحركات الإسلامية لم تخرج من إطار المؤسسة السنية الفقهية، ولم تسهم في تجديد الفكر الإسلامي تجديدا حقيقيا يتماشى مع أسئلة العصر المعقدة، وظلوا يطرحون شعارات عامة، فالبيئة نفسها لم تَخَلَّق مفكرين، وأضاف ينبغي على الإسلاميين أن يخرجوا من التحدي إلى الحداثة، والمطلوب أن يجيبوا عن أسئلة الحداثة وما بعد الحداثة.
ووصف المحبوب علاقة الغرب بالإسلاميين بالملتبسة، وقال إنه لا يجب أن نغفل وجود صراع حضاري، ولابد من حوار الحضارات نتجاوز به حالة العداء المستحكم إلى حالة الحوار الإنساني المستمر المفتوح، الإسلام نفسه يمكن يساهم في كثير من تحديات العالم.
وقال إن تجربة الإسلاميين في الحكم أدت إلى إحباطات كبيرة وسببت حرجا لكل الإسلاميين، لما شابهها من أخطاء، فقد قسمت السودان والحركة الإسلامية وعزلت قائدها التاريخي، والأوضاع الآن في السودان تشبه الأوضاع التي ثاروا عليها.
تصدر الإسلاميون المشهد السياسي في ثورات الربيع العربي هل يعود إلى قوة تنظيماتهم أم نتاج للخطاب الديني العاطفي؟
-أعتقد أن أهم شيء أنهم لم يجربوا، وظلوا طيلة العقود قبل الربيع العربي، معارضين للأنظمة، عندما قامت الثورات واجتاحت الأنظمة القديمة، كثير من البريق الذي تعود به المعارضة كان من نصيب الإسلاميين، وهنالك عامل آخر مهم، وهو الذي يسمى نبض الأمة، أو الشيء الذي يسميه المفكر الفرنسي فرانسوا بورغا «الشفرة العميقة» الإسلام، فالإسلاميون جاؤوا من المعارضة، ويحملون شعار الإسلام، كما أنهم إلى حد ما أكثر الأحزاب التي احتفظت بحد أدنى من التنظيم في أشد فترات الاضطهاد، وعندما جاء نوع من الحرية النسبية، توسع التنظيم وازدادت موارده المالية، وكثير منها كان يعمل في جذور المجتمع في العمل الخيري.
كانوا قريبين من الناس؟
– بالتأكيد كانوا قريبين من المجتمع، وهذا وفر لهم من العوامل الطبيعية، أنه إذا جاءت انتخابات حرة نزيهة أن ينالوا نصيبا جيدا، وهذا يفسر ظاهرة صعود الإسلاميين بعد الربيع العربي.
إلى ماذا ترجع التردد والتذبذب في مواقف بعض الجماعات الإسلامية في الالتحاق بالثورات باكرا؟
-إذا أخذنا الحركة الأكبر الإخوان في مصر، وهي جماعة راسخة في المجتمع منذ منتصف السبعينيات، ولها مصالح اقتصادية وعلاقات سياسية تقتضي قدرا من الاعتراف الضمني المتبادل بين النظام الحاكم والحركات الإسلامية، فهي تعمل في المجال الاقتصادي أو حتى العمل الخيري والإنساني، ورغم أنه كثيرا ما يحدث تماس بينها وبين الأجهزة الأمنية والحكومات، ولكن كان هنالك حد أدنى من المصالح المرتبطة بهذه الأنظمة، ولم يكن أحد يتوقع أن تنجح هذه الثورات في اقتلاع الأنظمة، وحتى قيام الثورة لم يكن يتنبأ به أحد، والحركات الإسلامية بهذه المصالح والعلاقات كان لها قدر من ضبط الحساب، ألا تدفع بعناصرها للشارع، وأن تنتظر لأنه ربما يستمر النظام القديم، حتى لا تدفع الثمن ويقضي على مصالحها، فهذا الخوف لم يجعلها تبادر بالثورة، في مصر جماعة الإخوان تأخرت كثيرا، رغم أن عشرات الآلاف من شباب الإخوان كانوا موجودين بالميادين، ومن ثم لحق بهم التنظيم في آخر أيام الثورة، في الحالة التونسية ولأنها كانت مضطهدة جدا ولا يعترف بها، فقد خرجوا إلى الشوارع بمجرد أن بدأت الثورة.
هل هذه تكتيكات سياسية من الأخوان في مصر؟
-هنالك خلل في حسهم السياسي، لم يستطيعوا أن يقدروا أن هذه لحظة ثورة، وهذا يقدح في استحقاقهم ان يرثوا الثورة، لانهم التحقوا بها بعد ان استبانت كثير من معالم انتصار الثورة، وهذا يؤكد بعد قيادتهم من الجماهير.
لماذا دائما الإسلاميون متهمون بأنهم لا يمتلكون مشروعا سياسيا لإدارة الدولة وإنما مجرد شعارات ومبادئ عامة؟
-هذا صحيح الى حد كبير، لان أغلب الحركات الاسلامية المعاصرة نشأت في دورة تاريخية عقب سقوط الخلافة في تركيا، وظلت تدعو الى معان عامة، وهي ليست مثل الماركسية التي رفدها المنظرون الاشتراكيون بكثير من المقولات والمفاهيم الفلسفية، وخاصة في الاقتصاد السياسي، وعليه نشأت كثير من البرامج منطلقة من هذه الأيدلوجيات، والأيدلوجية عند الحركات الإسلامية غير مكتملة، لذلك يكتفون بمقولات «الاسلام دين ودولة»، وأن عزة المسلمين في العودة الى اسلامهم، ورغم انهم استشعروا البون الشاسع بينهم والغازي الأوروبي والتقدم الغربي، الا انهم لم يطوروا أيدلوجيا وفلسفة واقتصاد سياسي، أضف إلى ذلك انهم لم يحكموا، وظلوا في المعارضة، وحتى اذا كانت لديهم مقولات نظرية كافية فهي تحتاج الى أن تجرب حتى تتطور، ومنذ ان كتب عبدالقادر عودة الاسلام وحياتنا السياسية والإسلام وحياتنا القانونية، او كتاب المودودي عن الدستور، فالأدب السياسي الاسلامي محدود جدا، لا يفي حاجات دولة حديثة ومجتمع معاصر.
هل يمكن ان نقول انه رغم العمر الطويل للحركات الاسلامية والقيادات التي نظرت في الفكر الاسلامي انه لا يوجد مشروع إسلامي متكامل يستوعب المتغيرات بما في ذلك رؤيتهم للحكم؟
-هي أصلا لم تخرج من إطار المؤسسة السنية الفقهية، وبالتالي لم تساهم في ان تجدد الفكر الاسلامي تجديدا حقيقيا يتماشى مع أسئلة العصر المعقدة، وظلوا يطرحون شعارات عامة، فالبيئة نفسها لم تَخَلَّق مفكرين، كان يمكن للحركات الاسلامية أن تبدأ من حيث انتهى محمد إقبال في 1938، عندما نقل مصطلح الاحياء الى التجديد، وهو أول من استعمل كلمة تجديد الفكر الاسلامي، محمد عبده ورشيد رضا تحدثا عن الاحياء، ولكن إقبال تحدث عن تجديد الفكر الاسلامي، وأعاد الجدل لازهى العصور الاسلامية، عصر الجدل الكلامي والفلسفة الاسلامية عصر المعتزلة وابن رشد، هذه البيئة خلقت الحركات الاسلامية المعاصرة، ولكنها لم تقدم مفكرين بهذا المستوى، يمكن ان يكون هنالك بعض الافذاذ مثل سيد قطب كان يتحدث عن عدالة اجتماعية في الاسلام، ولكن عندما التزم بحركة الاخوان المسلمين كان يعتقد انه في البداية «ان يسلم المجتمع لله»، وكل الحياة لله، وهذا عبر عنه بشعار(الحاكمية)، واعتبر حتى المجهود الذي يبذل في البرامج وفي الفلسفة استنباط للجذور في الهواء، لانه ينبغي ان نحدد اولاً هل هذا المجتمع مسلم ام غير مسلم، هذا النوع من التفكير والشعارات احدث جدلا فكريا، في عالم الفكر فيه خصب والحياة معقدة، الحركات الاسلامية تعاني من أزمة مفكرين وازمة أفكار وفلاسفة، لاسيما أنها كثير ما تهتم بالجانب السياسي حتى شعار اسلام الحياة العامة، يتحدث عن اسلام الحكم، ولكن لا يعرف كيف يسلم الحكم، وكيف يصبح الحكم إسلاميا، ولا يعرفون ماذا يعني الاقتصاد الاسلامي، في ظل الاقتصاد المعاصر الكثيف المعقد، هل هنالك نظرية اقتصادية إسلامية يمكن ان تساهم في مسيرة الانسانية الاقتصادية، هذا الاجتهاد مازال فيه كلمة لم تقال هنالك نقص كبير.
هل حدثت قطيعة فكرية مع الأفكار المتقدمة التجديدية للاسلاميين للذين ذكرتهم وبين حاضر الحركات المعاصرة؟
-في العقدين الأخيرين ظهرت اجتهادات في إطار تجديد الفكر الاسلامي، من خارج أطر الحركات الاسلامية المعروفة، مثل اجتهادات عبدالمجيد الشرفي في تونس ومدرسته، والمساهمات التي قدمها محمد اركون، التطور الكبير الذي حدث في المناهج، هذا كله مهما كان الرأي في انه اجتهاد خارج إطار المسار الرئيسي والسياق الأساسي للإسلام، لكنه اثار أسئلة مهمة جدا في الفكر الاسلامي متعلقة بتطور العلوم والمناهج الانسانية، لذلك أقول لا يمكن لشخص يتصدى لتجديد الاسلام او لبعثه في الحياة العامة دون ان يكون مساهما في الفكر الاسلامي في مستوى الأسئلة المعقدة، وإقبال بحث في ظاهرة الوحي، كما بحث مالك بن نبي، ثم جاءت اجتهادات في المصطلح القراني وفي السنة والسيرة، وفي المؤسسة الفقهية المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث وحقوق المرأة، هذا كله فيه اجتهاد خارج أطر الحركات الاسلامية، بمعنى أن الذين يجتهدون الآن خارج إطار الحركات الاسلامية، لكن كثيراً جداً من أعضاء الجماعات الاسلامية يقرؤون هذه الكتب ويتأثرون بها، مثل ظاهرة الاسلاميين التقدميين في تونس، خرجت من حركة النهضة التونسية حينما كان اسمها الاتجاه الإسلامي، وحاولت أن تقول ان الذي طرحه الاخوان المسلمون في مصر، فكر لا يجيب عن أسئلة العصر، ينبغي ان تطرح أسئلة جديدة وان يجتهد بإجابات جديدة.
يعتقد البعض ان ابرز التحديات التي تواجه الإسلاميين بعد الربيع العربي عدم قدرتهم على المساهمة في بناء نظام ديمقراطي تشاركي خاصة وان هنالك التباس كبير في مفاهيم الشورى والديمقراطية والمشاركة السياسية؟
– هذا ما ا عنيه بتجديد الفكر الاسلامي وفق التحديات المعاصرة، مثلا الديمقراطية إرث انساني كما كانت الاشتراكية قبل عقود، وهذه موثقة في العهود الدولية، وغالب الدول موقعة عليها، لا ينبغي ان يكون الفكر الاسلامي المعاصر الذي تطرحه الحركات الاسلامية او المفكرين الإسلاميين، مختلفا عما بلغته الرؤى الانسانية، لذلك ينبغي ان تكون هنالك ديمقراطية إسلامية توسع معنى الديمقراطية المعاصرة وتضيف اليها، وينبغي ان تبدأ الحركات الاسلامية من حيث انتهت التجارب الانسانية، أصلا الاسلام جديد خاتم، ولكنه مفتوح، والقرآن نفسه منفتح للاجتهاد البشري، وهذا ما قاله إقبال، «ان هنالك جانبا من الدين والوحي ستكمله المسيرة الانسانية».
ماذا على الإسلاميين ان يقدموا ليساهموا في مشروع التحول الديمقراطي ؟
– ينبغي ان يخرج الاسلاميون من التحدي الى الحداثة، هذا هو المطلوب ان يجيبوا عن أسئلة الحداثة وما بعد الحداثة، وهي أسئلة متعلقة باعتماد العقل وتجاوز الخرافة، اذ كانت هنالك مقابلة بين النص والعقل، فبالحداثة ينتصر للعقل، ويفسر النص لصالح التطور الإنساني الذي بلغه العقل البشري في هذه المرحلة، وحتى الان الحركات الاسلامية في طور الأحياء لم تبلغ حتى طور التجديد الذي بلغه محمد إقبال، المطلوب ان يقطعوا مسافة طويلة من التجديد الى الحداثة وما بعدها، وان يقروا القرآن والسنة، وان تجادل المؤسسة الفقهية على ضوء المعارف الحديثة، لاسيما وأن المادة الخام غزيرة جدا، ولكن لم يجتهد فيها منذ وقت طويل، والعلوم الانسانية متطورة جدا، العقل الذي أنتج احدث المنتجات العلمية، وثورة التكنولوجية الثانية والصاروخ والذرة، هو نفس العقل الذي يبحث في المناهج الانسانية، العقل المتقدم والمتطور المنفتح، هذا يطرح تحدي كبيرا على الحركات الاسلامية، ولابد في ما يتعلق بالفكر خاصة ان يكون هنالك أفق انساني أرحب من أفق الحركات الاسلامية المعاصرة.
ولكنهم يصفون أنفسهم بأنهم حركات حديثة جددت في الدين؟
-حتى الآن الحركات الاسلامية لم تستعمل كلمة الحداثة، ولكن تستعمل كلمة التجديد، المفكر الاسلامي الوحيد، الذي قال ان هنالك حداثة أصيلة وحداثة مقلدة، طه عبدالرحمن في المغرب، وأطروحاته الفلسفية والفكرية، ليست هي الاطروحات التي تناقش او تعتمد في أطر الحركات الاسلامية المعاصرة، حتى الاطروحات الاسلامية في المغرب بعيدة عن اطروحات طه عبدالرحمن، وممارسات سياسية تعبيرعن فكرها المتخلف، ولاتزال الحركات الاسلامية في طور التجديد والأحياء لم تبلغ الحداثة.
تجارب الحركات الاسلامية في السلطة دائما ما تصف بأنها دولة للبعض وليس لجميع أهل البلاد يهيمنوا على الدولة؟
-هنا تتحول ظاهرة الحركة الاسلامية الى طائفة، وتصبح مجتمع آخر داخل المجتمع الكبير، او مجتمع صغير الى جانب المجتمع الكبير، وعندما تقوم جماعة بتأسيس مدارس وجامعات ومستشفيات خاصة وكذلك شركات خاصة، داخل المجتمع او بجانبه، هذا يعتبر نمط من الطائفية، ولذلك عندما تصعد الى الحكم تفكر بهذا العقل الطائفي، وفي تقديري هذا ما أدى الى انهيار تجربة الاخوان في مصر، الحركة تحولت مع الوقت إلى طائفة، لهم مؤسساتهم الموازية لمؤسسات المجتمع ولهم شبكة علاقات ثقافية وسياسية واقتصادية تجعلهم طائفة، ان يتزوجوا من بعض، يرعوا مصالح بعض، الاسلام ليس به تنظيم، او جماعة مخصوصة دون المسلمين، لكن قالوا ان هذا اجتهاد لان الاسلام لم يتجدد وجمد، والمسلمون تخلفوا نريد ان نكون طليعة تأخذ، لكن هذه الطليعة اذا جمدت تعوق التجديد الاسلامي، اعتقد هذا هو السبب انهم يسعون دائما للهيمنة، في السودان يسمى التمكين، في مصر الأخونة، وهذا يؤكد المنحى الطائفي للحركات الاسلامية.
الهزيمة الأولى للاسلاميين في الأغلب تكون داخل تنظيماتهم يتجسد في شكل الصراع بين القيادات اي بمعنى غياب الديمقراطية داخلها هذا ينعكس على ممارساتها في السلطة ؟
-لا يجب ان ننسى انها تنظيمات قامت في مجتمعات العالم الثالث، وهي لم تعهد الديمقراطية، والمجتمعات الاسلامية في إطار مجتمعات العالم الثالث ظل الاستبداد هو الحاكم لقرون، وعندما قامت هذه الحركات لا يمكن لأفرادها أن يتحرروا من هذا الميراث التاريخي الاجتماعي، ويتحولوا فجأة الى تنظيم حديث فيه قيم الديمقراطية، خاصة اذا قصدنا المعنى الغربي الديمقراطية، اي أن يتأسس الحزب كما في الغرب، وإذا اخذنا المقولة الماركسية ان الحزب يعبر عن مصالح طبقات معينة، كذلك هم عبروا عن مصالح طبقة داخل الطبقة، دائما ما يقوم فيها على المصالح، المطلوب الان تتحول الحركات الاسلامية الى احزاب أن ديمقراطية حقيقية، لا يمكن ان نفهم مسعى المرشد في الحركة الاسلامية لتوريث ابنه، وهذا الامر موجود في الحركات الاسلامية، وبالتالي هم يضربون فكرة أساسية في القرآن الذي يتحدث عن المؤمنين، والصحابة كان يدركوا جيدا ان المومنين هم مصدر السلطة، اي الشعب مصدر السلطات في الدساتير الحديثة، ولكن تستمر القيادة في الحركات الاسلامية حتى تشيخ، نفس التجارب الروسية، وجوهر الديمقراطية حتى بالمفهوم القراني كمفهوم الشورى غائب في تجارب الحركات الاسلامية المعاصرة، وهي محتاجة ان تقوم بتجديد ديمقراطي حقيقي، وان تتيح الفرص لقيادات من الاجيال الجديدة، وإذا نظرنا الى قيادات الاحزاب في العالم لا يتجاوز الواحد منهم الأربعين، وكذلك الرؤساء ورؤساء الوزراء، وهذا عصر كأنه بتصميم ثقافته وطبيعته عصر للشباب، الوسائل التي يستخدمها سريعة ومعقدة ومختلفة جداً عن الوسائل قبل عقدين من الزمان، مجتمع شاب يحتاج الى قيادة شابة، والحركات الاسلامية لم تنتبه لهذا في إطار غفلتها العامة في تحديات الحداثة.
إلى ماذا ترجع ذلك هل تريد أن تظل تلك القيادات مسيطرة؟
-ينبغي للإنسان أن يكون متجردا، وحسن البنا وضع التجرد ضمن المبادئ العشرة، ولكن في النهاية هم بشر لهم انحيازات ومصالح، وكثيرا ما تبدو لهم مصالحهم الخاصة مصالح الجماعة، وبالتالي يدافع عنها وينحاز اليها، وبعض الناس يطابقوا بين انفسهم والاسلام وهذا حدث كثيرا بين تجارب الاصلاحيين، أن الشخص يعتقد نفسه المصلح الوحيد، والاطروحة التي يقدمها اطروحة الاصلاح الوحيدة، وهذا ينافي روح الديمقراطية، ينبغي أن تكون الخلافات هي اثراء للخلاف، ونحن كما قلت نشأنا في كنف يهتم بالقبلية في المجتمع العربي، لذلك غالب رؤساء الحركات الإسلامية يهتمون بأن يكون ابنهم القائد الثاني.
هناك من يصف الاسلاميين بأنهم يحملون فكر إقصائيا يرفضون الاعتراف بالتيارات السياسية لمجرد الاختلافات الفكرية من اين جاءت هذه الأفكار لدى الحركات الاسلامية؟
-القرآن لم يتحدث عن تنظيم أو جماعة خاصة اسمها الاسلاميين، ولكنهم نشأوا في اطار مجتمعات فيها اتجاهات ومدارس فكرية اخرى، وقع عليهم كثيراً من الاستبداد والاضطهاد، وأصبحت حساسيتهم عالية تجاه الآخر، والفكر نفسه لم يكتمل كايدولوجيا، ولم يناقش الاسئلة الفلسفية المهمة المتعلقة بالعصر، كما ناقش في العصر الاسلامي الوسيط، وفي العصر العباسي، والحركات الاسلامية ليست عندها لاهوت الآن، في اطار ايدولوجياتها، وبالتالي هي تكون ضحية لسمات وامراض المجتمعات قبل السياسية، والمجتمعات التي لا تعترف بالآخر وتقصيه، وهذا سبب أن كثيرا من المجتمعات العربية مهددة بالتجزئة والتقسيم، مثلا هم يرفضوا الحكم الفيدرالي، وهو نمط إداري محايد ينجح في كل بلد مركب ومعقد، وهم عندما يتذكرون معاركهم التاريخية الحادة مع الاتجاهات الأخرى في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، الذين كانوا في اتجاهات يسارية وشيوعية لا يريدون ان يسمعوا عن الاسلام، والاسلاميين كانوا يعتبرونهم اعدائهم، نحتاج في اطار المجتمعات العربية للروح التي يحملها راشد الغنوشي.
هل فلتت حركة النهضة التونسية من هذا المصير؟
– لم تفلت ولكنها اعتبرت لما حدث للحركات الإسلامية الأخرى، وانتبهت لتجارب مثل تجربة السودان، والغنوشي كان يرى التنازل عما نسميه الحدود الخمسة في سبيل وحدة السودان ممكن، ينبغي نقدم وحدة السودان على تطبيق الحدود الخمسة التي لا تعني إلا فئة ضئيلة من المجتمع، لأن هذا مستقبل أمة وشعب بأكمله، وسمعة الإسلام وتاريخه أنه يضم ويجمع ولا يفصل ويقسم بلادا ذات تاريخ واحد، والغنوشي كان دائما ما يقول إنه يقدم مصلحة تونس على مصلحة النهضة، وكانت له الأغلبية، لكنه تنازل عن رئاسة البرلمان وعن الترشح لرئاسة الجمهورية، صحيح أنه لم يكسب، وجاء ثانيا في الترتيب الانتخابي، وواصل العملية الديمقراطية بروح جيدة، قد يكسب في الانتخابات المقبلة، لأنه اعتبر من تجارب السودان ومصر.
هل البلاد العربية غير مهيأة لحكم الإسلاميين كما يردد البعض؟
– أعتقد أن الإسلاميين لم يتهيؤوا حتى الآن للحكم، لأن الدولة المعاصرة معقدة، ومهما كانت طاقة التنظيم قوية، فإنه لا يستطيع أن يستوعب هذا المجتمع، وفي حالة السودان كان هنالك حزب إسلامي قوي، دخل تجارب في الحكم «الديكتاتورية والديمقراطية»، في عهد الرئيس جعفر نميري ورئيس الوزراء الصادق المهدي، ولكن عندما جاء وحاول أن يحكم لوحده لم ينجح، والأمر أشبه «بجدار تحاول الحركات الإسلامية أن تمد ايديها لتسعه، لكن الجدار يكون أوسع»، الحل الأمثل أن تستفتح هذا العمل بكل طاقة المجتمع، كيف يمكن لإنسان أن يفكر أن يحكم المجتمع المصري لوحده، ولماذا لا يتيح للجميع أن يتولوا معه المسؤولية، وإذا كانت هنالك أخطاء تكون مشتركة، كان عليهم أن يقبلوا بحسهم السليم في أول الثورة المصرية الذي قادهم لأن يقولوا إنهم لن يترشحوا في كل المقاعد البرلمانية، ولن يترشحوا في رئاسة الجمهورية، ورفعوا شعار «الوزارة مشاركة لا مغالبة» نأخذ كما يأخذ الآخرون.
هل هذا الأمر نتاج للصراع بين الإسلاميين والعلمانيين؟
– المفكرون دائما ما يشيرون إلى أن المصطلح لا بد أن يكون منضبطا، هل توجد فعلا جماعات علمانية بالمعنى الأوروبي في المجتمعات الإسلامية، أم أنها جماعات حداثوية تريد أن تساهم في بناء وطنها ضمن مفاهيم الدولة المعاصرة، هذا الجدل ينبغي أن يكون بين الإسلاميين والذين نسميهم «العلمانيين» نحن شركاء في الإنسانية والوطن، برنامج الحد الأدنى نتفق عليه جميعا، هذه المجتمعات تفتقد إلى التعليم والصحة وصحة البيئة، وكذلك الاقتصاد مختل وفيها فقر وعطالة وبطالة، وتنمية غير متوازنة، لو وجهت الجهود في برنامج حد ادنى لانتفت التباينات التي نضعها نظريا هؤلاء علمانيون وإسلاميون، يجب أن نعترف بالمجتمع التعددي بالديمقراطية، وبدلا أن يصبح الأمر مناظرة بين إسلاميين وعلمانيين، لا بد أن يكون هنالك تعاون، وأن يتبادلوا الحكم، والمعارضة تثري وجهة نظر الحكومة بدلا من تقويضها التجربة الديمقراطية كلها، أو يتحول الأمر لقتال بالسلاح كما هو في ليبيا والعراق.
لكن التيارين كل منهما يرفض الآخر ويتربص به؟
– هذه روح ستينات وسبعينات القرن الماضي، روح العصر اختلفت، فمبادئ حقوق الإنسان رغم أنها كانت في الشرعة الدولية منذ الخمسينات، لكن لم تجد التقدير والإيمان والاستعداد، لأن يدافع عنها وتحمى كما هو موجود الآن، الإنسانية في القرآن تتطور وتكتسب وعيا وجوديا وليس وعيا طارئا بالديمقراطية والتعددية والحق في التعبير عن الرأي، وأن يعيش الناس في مستوى اقتصادي معين، وهذه كلها مكتسبات إنسانية ينبغي أن نمضي بها إلى الأمام، لكن إذا تمسكنا بروح الستينات، وروح الجاهلية بإقصاء الآخر، ليس الآخر سياسيا، الآخر طائفيا، الشيعة يريدون أن يقضوا على السنة، وكذلك السنة يريدون أن يقضوا على الشيعة، وكذلك المجتمعات المسيحية داخل المجتمعات الإسلامية تتعرض لإبادة على أيدي متطرفين، هذا كله استعادة لمفاهيم كانت ضمن القرون الوسطى الإسلامية، وهذا محكوم عليه بالفشل الحتمي، لأن الإنسانية كما قلت وجوديا متطورة.
كيف تصف العلاقة بوضوح بين الإسلاميين والغرب؟
– علاقة ملتبسة، هم درسوا في الغرب، وإذا ذهبت إلى منازلهم تجد منتجات الغربيين : الثلاجة والمكيف وحتى الهاتف الذكي، وكل منتجات العصر يسافرون بطائراتهم، يدرسوا في الجامعات الغربية، هذه المنتجات انتجها عقل فلسفة وفكر، حتى الذين يعيشون في البلدان الغربية نفسها يحافظوا على عقلية القرون الوسطى الإسلامية في مظهرهم وزيهم وثقافتهم، كانه جاء من العصر العباسي ويعيش في القرن العشرين، في دولة متقدمة جدا، هذا تناقض كبير، نحن بحاجة إلى أن نقطع هذه المسافة، ونعتبر أن كثيرا من منتجات الغرب مكتسبات إنسانية، حتى المكتسبات الفكرية، وأشار طه عبدالرحمن إلى حداثة أصيلة تجعل مكتسبات الحضارة في صالح عقيدتها وفكرها وليس في تناقض.
الجماعات الإسلامية ترى في الغرب بأنه يكن لها عداء مستحكما وأن تعامله معها تحكمه معطيات أن الإسلاميين تيار مؤثر في المنطقة لا يمكن تجاوزه أو إقصاؤه من أي معادلة سياسية؟
– لا نغفل وجود صراع حضاري، كما ذكر هنتنغتون أن أهم مظهر في القرن العشرين صراع الحضارة الإسلامية الشرقية والحضارة الغربية المسيحية، لكن هناك مقولات معاصرة كثيرة تقول أن التاريخ انتهى، وان الغرب كسب المعركة، وأن هذا سيؤدي إلى تلاشي الأديان والأفكار الأخرى، ومنها الإسلام، والأمم الأخرى منها الأمة العربية، تتلاشى بدورة التاريخ، لكن حتى الذين اطلقوا هذه المقولات، بدؤوا يعيدون النظر فيها، لأنه لا بد أن يكون هناك حوار حضارات لا صراع حضارات، الحضارات تتعاون وتتكامل، والحضارة الإسلامية أخذت من العلوم الغربية في الفلسفة والفلك والجغرافيا والحساب وطورتها، وجاء الغرب وأخذها مرة ثانية، كما تحدث ابن خلدون عن «الدورات الحضارية»، نحن في حاجة إلى أن نتجاوز حالة العداء المستحكم إلى حالة الحوار الإنساني المستمر المفتوح، الإسلام نفسه يمكن يساهم، ففي الأزمة المالية العالمية الأخيرة جاءت أفكار من تجارب الاقتصاد الإسلامي القديم والمعاصر، ومن فهم القرآن لمسألة الثروة وتنظير الفقهاء الإسلاميين التقليديين ل«الركود»، ساهمت إلى حد كبير أن تقدم أفكارا جديدة فيما يتعلق بالاقتصاد التقليدي الذي ترعرع منذ القرن السابع عشر وتعقد وأصبح «حاجة كثيفة».
ما حقيقة ما يقوله الإسلاميون إن الغرب يقف في طريق وصولهم للسلطة، خوفا من تأثير أفكارهم الدينية؟
– هذا ما اعزوه إلى الصراع الحضاري، صحيح الديمقراطية قيمة بالنسبة للغرب، وإذا نشأ مجتمع ديمقراطي هذا في صالحهم، ولكن إذا انتجت الديمقراطية مهددا حضاريا، عندئذ تكون قيمة الحضارة أكبر من قيمة الديمقراطية، لكن كما يقول القرآن ليس سواء، القرآن ذكر اليهود والنصارى وحمل عليهم، تأتي عبارة تنبه المسلمين ليس سواء.. المسيحية ليست شيئاً واحداً ولا اليهودية، ولا يوجد شيء اسمه الغرب كتلة واحدة ضد الإسلام، توجد مدارس ومصالح في الغرب ضد الإسلام، وأيضا توجد مدارس ومصالح تعتقد أن التكامل الإنساني ينفع البشرية.
البعض يقول إن الإسلاميين حلفاء للغرب بل ذهب آخرون إلى اتهامهم بالعمالة من أين جاءت هذه الاتهامات؟
– اتهام العمالة جاء في إطار الحرب الباردة، كان الإسلاميون بالنسبة للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ترياق مضاد للشيوعية وينبغي أن يدعم، لاحظوا فيه نبض الحضارة الإسلامية «الشفرة العميقة»، يقاوم به الشيوعية فتنشأ علاقات ومصالح، الأمر الأخر الماركسية لم تكن تعترف بالاقتصاد الحر، والإسلاميون كانوا يرون أن النظام الإسلامي نظام رأسمالي معدل لصالح الضعيف والفقير ومجتمعات الكفاية، هناك تقارب فكري، وما أعنيه أن الحوار ينبغي أن يكون حوارا حول هذه الأفكار، لأن هنالك تقاربا بين الفكر الغربي والحضارة الإسلامية، دعك من المنتجات العلمية، ثورة الإصلاح الديني التي قام بها مارتن لوثر في القرن السادس عشر تأثرت كثيرا بالإصلاح الديني في الأندلس، المسيحية في جوهرها لا تختلف عن الإسلام، والجوهر المسيحي يمكن أن يكون إسلاميا، لأنه يهتم بالروح والعلاقات الإنسانية المؤسسة على الحب، فنفس المعاني يعبر عنها بمصطلحات مختلفة.
هل حال الغرب دون وصول الإسلاميين أو خلق الأجواء حتى لا يصلوا إلى الحكم؟
– المثل الأوضح في الجزائر، في أوائل التسعينات تقريباً الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فازت بأغلب مقاعد البرلمان من الدورة الأولى، وهذه الانتخابات أجهضت لصالح ديكتاتورية عسكرية مدعومة من فرنسا، ولكن لم تكن فرنسا كلها مؤيدة لهذا الانقلاب، كانت هنالك مدرستان في فرنسا، مدرسة ترى أن المولود الإسلامي في الحديقة الخلفية لأوروبا، و«الجزائر في الشعور الفرنسي لا تزال جزء من فرنسا»، هذا المولود خطر، يذكرهم بكل الحروب الصليبية، ودخول الإسلام حتى جنوب فرنسا، فهبوا عليه وقضوا عليه، لكن هنالك مدارس في السياسة الفرنسية، تؤكد أن الإسلام مكون حضاري للشعب الجزائري، وينبغي أن نساعد الإسلاميين أن يفهموا العصر، ونقدم برامج بدلا عن شعارات، نساعد التجربة على النجاح، وبدلا من أن يكون هنالك جار إسلامي متخلف ومعوق، يكون هنالك جار إسلامي منفتح ومتقدم.. للأسف نقطة التماس تلك لم تقدرها بعض المدارس الفرنسية، ولم يعرفها ويفهمها عباس مدني وعلي بلحاج، لأن عقليتهم فكرية وسلفية وتعيش في قرون ماضية.
كثرت الدعاوى حول وحدة الإسلاميين في السودان هل ترى أن الوحدة التنظيمية كافية لتجمعهم أم أن هنالك خلافات فكرية ومفاهيم تقف عائقا أمام وحدتهم في تنظيم واحد؟
– يمكن تطرح عليهم نفس الأسئلة التي طرحت على الحركات الإسلامية الأخرى، فيما يتعلق بالانتقال من التجديد للحداثة، لاسيما أن أكثر مفكر إسلامي قدم أفكارا تجديدية في الفترة الماضية، هو د. حسن الترابي، زعيم الحركة الإسلامية السودانية، ينبغي أن يبادروا بالخطوة ويكونوا في مقدمة الآخرين، ولكن لأنهم دخلوا تجربة حكم طويلة ولاتزال مستمرة، وهي تجربة لها ميراث ثقيل، وكثير من الإسلامين يدعون إلى تصفية هذا الميراث وتجاوزه، أصبحت هنالك إشكالات فكرية، لكن في تقديري أن الإشكال الرئيسي أنه لم تتم مراجعة تجربتهم مراجعة جذرية، لتأمل لماذا حدثت هذه الأخطاء وكيف يمكن تجاوزها، المراجعة الآن ليست ميسورة، لأن السودان مازال محكوما بنفس النظام، إضافة إلى أن الثورات العربية وما انتجته من أحوال من حولنا لا تشجع على نمضي في طريق الثورة، قد ندخل في حرب أهلية، ونكون مهددين بالتجزئة والتقسيم، لذلك كثير من الناس يميلون إلى حل وتسوية سياسية، أهم شيء أن تكون تسوية شاملة لكل السودان.
وحدة الإسلاميين يمكن أن تأتي في إطار مراجعات وأطروحة جديدة، لكن إذا اتحدوا الآن في إطار هذه الأوضاع يعني أنها مؤامرة جديدة على المجتمع السوداني، وعلى القوى السياسية الأخرى، ولا بد أن تقوم وحدة الإسلاميين في بيئة ديمقراطية، وأن تراجع تجربتها مراجعة صحيحة.
هل كل التيارات لا تريد أم أنها لا تهتم للمراجعة؟
– التجربة التي نتحدث عنها لاتزال قائمة فيها مصالح وتقاطعات وخوف، ولهذا لا يريدون أن يتصدوا لهذه التجربة، أنا حاولت أن أقدم تقييما للعشرة سنوات الأولى من حكم الإنقاذ، في كتابي «دائرة الضوء وخيوط الظلام» الآن مرت 15 عاما، والأوضاع تعقدت أكثر، الكتاب لم يناقش في الأطر الإسلامية، ولا الذين يقفون على الرصيف، وكما أشرت فإن بيئة الحركات الإسلامية لا تهتم بالأيديولوجيا وبالفكر والتنظير، ولكن لا بد لها أن تهتم بذلك، هناك مصالح حقيقية تودي بأي دعوة للمراجعات إما أن تقمع أو تهمل.
تجربة الحركة الإسلامية في الحكم وما شابها من أخطاء وسلبيات أفقدت الإسلاميين القيادة الكاريزما التي كانت مؤثرة ويلتف حولها الجميع؟
– التجربة زادت عن ربع قرن، وسببت حرجا ليس للإسلامين السودانيين فقط، حتى الإسلاميين خارج السودان، لأنهم يحاسبون بهذه التجربة، وهم يقولون صراحة إنها تحرجهم جدا، لأنها قسمت السودان، وقسمت الحركة الإسلامية، وعزلت القائد التاريخي للحركة، والأوضاع الآن في السودان تشبه الأوضاع التي ثاروا عليها، من حيث طول الزمن وثبات القيادات والفساد السياسي والاقتصادي، لذلك الإسلاميون السودانيون يستشعرون ثقل التجربة، وبالتالي لا بد أن تهتز الثقة في القيادة، لاسيما أنها كانت في نظر الكثيرين أشبه بالقائد الملهم الذي لايخطئ، كان فيه ثقة كبيرة، وهو بالذات الشيخ الترابي كان في مستوى هذه الثقة، «لأنه إذا بحثت من أي جانب يستطيع أن يبلغ الإنسان من الكمال»، لكن التجربة فشلت وأدت إلى إحباطات ضخمة وكبيرة، ولذلك هم محتاجون قبل أن يتوحدوا إلى فكرة تبعث الأمل، وفي اعتقادي أن المراجعات تبعث الأمل، الحديث عن أن هنالك فكرا إسلاميا حداثويا يتجاوز حتى مقولات التجديد أمر مهم جدا، التجربة طويلة ومريرة، ولا يمكن أن نتعامل معها بخفة ونتجاوزها، توجد أزمة ثقة وأزمة في البرنامج، الحركة انقسمت إلى نصفين، نصفها في السلطة والآخر ضدها، وهنالك نسبة كبيرة يسمون أنفسهم الواقفين على الرصيف، وهؤلاء يمثلون إشكالا آخر، كيف تجمع كل هذه الكتل المحتوية على مواجد عميقة، لكن كما يقول الإنجليز «لا يكون هنالك وقت ليس به مساحة للإصلاح».
لماذا لم يسع الترابي إلى تجديد الحركة بعد الانقسام؟
– الترابي قبيل الانقسام استعاد مقولات كانت حاضرة منذ الستينات، متعلقة بالحريات العامة التنظيم والتعبير، في لحظة مفاصلة نظام الإنقاذ كان في قمة التألق الفكري، لأنه أصبح مع الهامش والحريات والجنوب والحكم الاتحادي، ويؤكد هذه المعاني، فهو فعلا طرح أطروحة جديدة، كانت مقدمة جيدة جدا، لأن يحصل تحول جذري في الحركة الإسلامية الجديدة، لكن الذي حدث أن القيادة التي كانت في الحركة الإسلامية القديمة، انقسمت بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، فضلا عن البرامج والأفكار والجو الثقافي العام انتقل، وأصبحا حزبين متعارضين ومتناقضين في الظاهر، ولكن جوهريا هنالك تشابه شديد مثل «التؤام السيامي»، ولاحظ كثير من الناس أن أحدهم لن يعيش إلا بالقضاء على الآخر، ولذلك الحرب كانت مريرة بينهما، لحسن الحظ أن السنوات الماضية شهدت هدنة فيما يتعلق بهذا الصراع لصالح أن السودان أصبح مهددا، لا بد أن نسأل كيف نجمع السودان كله، بدلا عن أن نجمع الحركة الإسلامية في إطار تسوية سياسية.
البعض ارجع التقارب بين الوطني والشعبي بسبب الخوف من فقدان الإسلاميين للسلطة؟
– خوف على أنفسهم، وهذا وارد، وأنا تحدثت عن ما يسميه علماء الاجتماع مصالحة الكتل، لا بد أن نقوم بتسوية سياسية في السودان، تسوية شاملة لا تستثني أحدا، هذه التسوية لا يمكن أن تكتمل إلا أن تكون هنالك بعض المفاهيم الحاضرة، بخلاف الاعتراف بالتنوع والتعدد وجبر الضرر، لا بد أن تكون لنا فكرتنا الخالصة للعدالة الاجتماعية، هنالك خوف على السودان، خوف من الإسلاميين أن يلحق بهم ما لحق بالأنظمة التي ثارت عليها الجماهير، الخوف يمكن أن يكون سلبيا يؤدي إلى مزيد من التكتل وعزل الآخر، ويمكن أن يكون خوفا إيجابيا يدعو للمراجعة والانفتاح على الآخر.
أو يمكن أن يدعو لمثل فكرة الترابي النظام الخالف ليجمع كل السودانيين؟
– الترابي أراد من فكرة النظام الخالف أن يحرك المجتمع كله سياسيا، وألا تترك السياسة مرتكناً لبعض الأحزاب وبالتالي يشمل بالنشاط الحياة، هذه الفكرة دعا لها في أول الإنقاذ، لكن الآن يدعو لهذه الفكرة في إطار من التعددية الديمقراطية، ولذلك تبدو أكثر تعقيدا وغامضة لكثير من الناس، وربما بالنسبة للترابي ذات نفسه، لأنه يحتاج إلى وقت لتصبح أكثر وضوحا.
هل يمكن أن نقول إن الدعوة جاءت متأخرة ؟
– نعم بالتأكيد جاءت متأخرة، لو جاءت عام 1990، وكانت لتكون أفضل، وكذلك لو جاءت قبل سنوات، وحتى لو مجيئها الآن فهو أمر جيد، بدلا من أن نجلس في هذه الأوضاع الراكدة.
ألم يحن الأوان أن يقدم الإسلاميون في السودان مراجعات شاملة على المستوى الفكري والسياسي؟
– الوقت قد حان ولكن هم يفتقدون للمناهج التي تتم بها المراجعة، وكذلك لشبكة العلاقات الثقافية التي يمكن أن تكمل المراجعة، وأنا أدعو لمراجعة حتى على مستوى الأفراد، الذين عاشوا تجارب في الحركة الإسلامية إذا كانت في الحكم أو في الاقتصاد أو الجهاد، كلها ينبغي تطرح الآن، ولحسن الحظ هنالك أصوات الشباب المجاهدين بدوا يقدموا مراجعة جذرية لأشياء كثيرة، هنالك أناس جاوزوا الستين، قدموا مراجعة ونقداً لتجربتهم، للأسف نحن مجتمع شفاهي، لا نكتب، وينبغي أن نكتب لأنها ستنفع الحركات الإسلامية في كل العالم.
أين التيار الذي يحمل المشروع والفكرة بين كل المجموعات الإسلامية؟
– الإسلاميون في السودان لم تكتمل عندهم شروط الكتلة التاريخية، لكن هنالك ملامح لذلك، متجسدة في أولئك الذين يحملون أشوِاق المشروع وكذلك خيباته، وهؤلاء من ينبغي عليهم أن يقوموا بالمراجعة والانفتاح على الآخر، وأن يتصدوا لإخوانهم الذين لا يريدون للتسوية السياسية أن تكتمل.
المصدر: صحيفة "الوطن" القطرية
http://www.al-watan.com/viewnews.aspx?d=20150927&cat=news1&pge=12


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.