في هذا اليوم وفي كل العالم تراجع الأجندة النسوية على ميزان الحقوق والمساواة, ليكون شعار اليوم هو معركة حقوقية قادمة تضيفها النساء الى قائمة انجازاتها وهي تشارف عام جديد… في السودان نحن كبنيلوب التي تنتظر غائبا لن يعود فتغزل في النهار غزلا تفكّه بيدها في الليل لتبدأ من جديد…لقد عانت الحركة النسوية السودانية الأمرين بسبب تقاطعها مع السياسة في كثير من الأمور ..وقد بلغت معاناتها في أوجها مع ارتفاع المد الإسلاموي ووصوله للحكم في السودان..حيث ارتدت أوضاع النساء عن انجازات بديهية كانت قد حققتها في وقت سابق رادت فيه كثير من الدول الأوروبية قبل العربية والأفريقية .. واليوم نحن بفضل السياسات المعادية للنساء نكاد نكون الدولة الوحيدة التي لم توقع على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في الوقت الذي وقعت فيه السعودية وبقية الدول الإسلامية وإزالت بعضها جميع التحفظات كالمغرب والأردن.. لو سألني أحدهم من قبل عن أمنياتي للمستقبل وعن تصوري مثلا لإهتماماتي وشكل كتاباتي لقلت ببساطة القراءة والبحث.. هذا كل ماكنت أحلم به قبل سنوات ويسعدني بمنتهى البساطة.. منذ سنين خلت صار الأمن والأحلام العادية أملا بعيد المنال… هنالك عقبة كبيرة تعيق تفتحنا وتحول بيننا وبين أمانينا البسيطة..إن كنت طبيبة مثلا فعليك أن تناطح الصخرة الصماء الحمقاء المسمّاة سلطة حاكمة من أجل فتات لا يقيم الأود.. ولو كنت مثلي مؤمنا/ة بحقوق المرأة وقضاياها المهمّة فهذا يعني أن تقضي حياتك بين الشارع وزنزانة القسم الشمالي .. تصدقوا لقد بتنا نعرف العاملين بالقسم ولن استغرب لو طلبت مني احدى الزميلات أن نقوم بواجب العزاء لأحدهم فقريبا سيدخلون في زمرة الذين نواجبهم كالأهل والجيران…! هذه الحياة ليست مسليّة على الإطلاق..كل احلامي كانت في قضاء وقت برفقة اسرتي الصغيرة وأهلي وأصدقائي وكتبي فإذا بي أجد نفسي تارة مطاردة من قبل قوى الأمن ومرة أخرى ثائرة في الشارع العام ومن سجن لسجن ياقلب لا تحزن..! ما يدفعنا له هذا النظام بإلحاح هو أن نترك بيوتنا وكل ما كان يعنينا في هذه الحياة ونتفرّغ لإسقاطه.. إذ لا يوجد بين هؤلاء القوم رجل رشيد يعلمهم أن يكتفوا بدرجة ما من الظلم تجعلهم يحافظون على مقاعدهم لأطول وقت ممكن.. حسبة بسيطة يمكن ان يجريها اي أحمق عادي مادام خال من الطمع والشره للتحكم والفساد.. ولكن .. لهم أذن لا يسمعون بها وأعين لا يبصرون بها ..صم, بكم, عمي, فهم لا يفقهون.. قبل أيّام ..طالعتنا المواقع الإلكترونية بوجه لشابة سودانية تقارب اختي الصغرى في العمر..تشكو ظلما من نوع لا يشبه حتى جيران الشعب السوداني…وفي الوقت الذي كنت أتطلع لرد المسئولين عن أمن البلاد, تبرع البصير أبوحمد سفير السودان في لندن بمقولة بثتها البي بي سي العربية على موقعها الإلكتروني…وكل مافتح الله به عليه في تلك اللحظة الأسطوانة المشروخة إيّاها ,المؤامرة الشيوعية للمعارضة وهرطقات من هذا القبيل وهو طبعا لم يخبرنا كيف أجرى أبحاثه من عاصمة الضباب وتأكد من أن واحد من الآلاف المنتمون الى تلك المؤسسة لم يرتكب هذا الجرم… وتسرعه بنفي الحادثة يدل على استخفافه بعقول الشعب السوداني .. فلن يصدق احد ان تقوم فتاة سودانية بإدّعاء حالة شبيهة للكثير من الأسباب.. أولها ان الثقافة السودانية لا زالت غير متطورة بخصوص التعامل مع الضحايا وهو السبب الذي يجعل المغتصبين للنساء والأطفال لا يواجهون احكاما رادعة وعلى العكس تشعر الضحايا بالخجل والعار الشيء الذي يجعلهم يحجمون عن الإبلاغ عن الإنتهاكات بحقهم وان كانوا على حق.. وهو مايعول عليه المغتصبون عادة ويراهنون عليه ..لذلك متى ما تصدّى احد الضحايا لقضيته بهذه الشجاعة محاولا حماية الاخرين ومقدما نموذجا مميزا في النضال من أجل الحقوق ..يحتم علينا واجبنا الأخلاقي أن نتضامن معه لا مع جلاده.. وأن نساعده لينتصر لعرضه وشرفه لا نمكن جلاّده منه.. وعلينا ان نبدي تعاطفنا الإنساني مع الضحية قبل اتهامها بفبركة الإعتداء عليها ومن ثم التحرّي وتقصي الأمر.. فلن يضير السلطة في شيء لو اعترفت بتجاوزات وانتهاكات يقوم بها البعض فهذه الأشياء تحدث حتى في الأنظمة الراسخة في الديموقراطية ودونكم أحداث سجن ابو غريب.. الذي حاكمت بسببه الحكومة الأمريكية الجناة وجرّمتهم.. وحديث مسئول كهذا يخرج حكما قاطعا في وجه فتاة عزلاء هو فعل خال من المسئولية ويسيء للنظام الذي ينتمي اليه بشدّة إذ يعني امرا واحدا لا غير وهو أن هذا الفعل يتم بعلم المسئولين في الدولة وبرضاهم التام ومباركتهم .. والاّ لم لم نسمع الى الآن تصريحا واحدا عن فتح تحقيقات في هذا الشأن اللهم الا إذا كان المسئولون يرون شعبهم بعين القذافي مجموعة من الجراثيم والقمل والجرذان الذين لا يستحقون اي تفسير لما يحدث … لقد تخيّلت أي شيء يمكن ان يرتكبه سوداني او يسكت عنه سوداني الاّ هذا الفعل الخسيس المنحط… فماذا دهاكم لتسول لكم انفسكم هذه الأفعال وماذا دهانا لنسكت عليها..في يوم المرأة ستخرج النساء من معاقل النساء العاملات احتجاجا على اغتصاب صفية اسحاق وكل النساء الأخريات…ستخرج النساء في هذا اليوم باكيات ومولولات يندبن زمن كانت النساء فيه يسرن آمنات في حرز الغريب لمجرّد انه سوداني وابن بلد… محطة أخيرة: الخبر الأكيد قالوا الصديق متربس جوه ومابتخلّى عن الرفيق حت ان بقيت في هوّه ساعة الدرك مابنسى شرط الخوّة وكبّاس للدهم فوق البقول يامروّة (من أقوال الهمباتي الشهيرود ضحوية)