الأزهر.. دروسه تُخرج متطرفين دينيين لبيبة السيد النَّجار قد يصاب المرء بالدهشة والحيرة وهو يقرأ كتب الفقه المقررة على الطلاب في المرحلة الثانوية بالمعاهد الأزهرية؛ فأحدث تلك الكتب قد تم إعداده منذ حوالى أربعة قرون، الأمر الذي يجعلها بعيدة جدا عن العصر الذي نعيش فيه، سواء فيما يخص اللغة والمصطلحات وأسلوب الكتابة، أو من حيث أساليب البرهنة والقياس التي تقدمت كثيرا منذ ذلك الوقت، حتى إن كثيرا من المقاييس والمعايير والموازين المستخدمة في تلك الكتب لم يعد معروفا في عصرنا، والكتب المقررة في مادة الفقه على طلاب المرحلة الثانوية بالمعاهد الأزهرية هي كالتالي: – المذهب الحنفي: كتاب "الاختيار لتعليل المختار"، تأليف: الإمام عبدالله بن محمود بن مودود بن محمود أبي الفضل مجد الدين الموصلي. وقد توفي مؤلفه عام 683ه وهو ما يعني أنه قد تم تألفيه قبل ذلك، ويبلغ عدد صفحاته (1156) صفحة. – المذهب المالكي: كتاب "المقرر من الشرح الصغير"، تأليف: الإمام العلامة قدوة المحققين في العصر الأخير ولي الله تعالى أحمد الدردير (رضي الله تبارك وتعالى عنه) على مختصره المسمى "أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك"، وقد تم تأليفه عام 1220ه، ويبلغ عدد صفحاته (1139). – المذهب الشافعي: كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع"، تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد الشربيني الخطيب الشافعي، وهو شرح على متن "غاية الاختصاص في الفقه على مذهب الإمام الشافعي" تأليف العلامة أبي شجاع أحمد بن الحسين أحمد الأصفهاني الشافعي، وقد تم تأليفه عام 972ه، ويبلغ عدد صفحاته (1043). – المذهب الحنبلي: كتاب "الروض المربع بشرح زاد المستقنع – مختصر المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني (رضي الله عنه)"، المتن للعلامة شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد الحجاوي، والشرح للعلامة منصور بن يونس البهوتي، وقد تم تأليفه عام 1043ه، ويبلغ عدد صفحاته (477). يمكن الجزم بأن كل من لم يقع في يده أي من كتب الفقه المقررة في المعاهد الأزهرية، لن يتخيل أنها تتضمن أحكاماً خاصة بالرق، بل على نحو مفصل، حيث حرصت تلك الكتب على توضيح الوضعية القانونية للعبد في عديد من جوانبها، بل يستخدم ما يترتب على تلك الوضعية لشرح بعض الأحكام، فعلي سبيل المثال: نجد تحت عنوان "باب الرهن" النص على أنه "ولو رهن اثنان عبدا لهما عند اثنين بألف فهذه أربعة عقود"، ومن بين الأحكام التي يتضمنها الكتاب بخصوص تنظيم الرق ما ورد ضمن "باب بيع الأصول والثمار" النص على أنه "(ومن باع عبدا) أو أمة (له مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المشتري)". والمرأة والعبد ليس لهما صلاة جمعة: كما ورد تحت عنوان "باب صلاة الجمعة" النص على أنه "(تلزم) الجمعة (كل ذكر) ذكره ابن المنذر إجماعا لأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال (حر) لأن العبد محبوس على سيده"، وتلا ذلك النص على أنه "(ولا تجب الجمعة على (عبد) ومبعض (وامرأة) لما تقدم ولا خنثى لأنه لا يعلم كونه رجلا (ومن حضرها منهم أجزأته) لأن إسقاطها عنهم تخفيف (ولم تنعقد به) لأنه ليس من أهل الوجوب، وإنما صحت منه تبعا (ولم يصح أن يؤم فيها) لئلا يصير التابع متبوعا". غياب الملاءمة والختان شريعة: كما ورد تحت عنوان "باب السواك – وسنن الوضوء وما ألحق به من الأدهان والاكتحال" النص على: "(ويجب الختان) عند البلوغ (ما لم يخف على نفسه ذكرا كان أو خنثى أو أنثى، فالذكر بأخذ جلدة الحشفة، والأنثى بأخذ جلدة فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك، ويستحب ألا تؤخذ كلها، والخنثى بأخذهما. وفعله زمن صغر أفضل، وكره في سابع يوم من الولادة إليه". ماذا عن الموقف من العلم؟ إذا كنا قد أخذنا على الكتاب المقرر على المذهب الحنبلي أنه جرى إعداده منذ حوالى أربعة قرون؛ فإنه بالنظر إلى الكتب المقررة على المذاهب الأخرى، نجد أنه فيما عدا المذهب المالكي الذي جرى تأليفه عام 1220ه، أي منذ حوالي قرنين، فإن الكتاب المقرر على طلاب المذهب الشافعي قد جرى تأليفه منذ حوالي أربعة قرون ونصف، فيما الكتاب المقرر على طلاب المذهب الحنفي قد جرى تأليفه منذ ما يزيد على سبعة قرون ونصف. الأمر الذي لسنا بحاجة معه إلى تكرار ما طرحناه من إشكاليات تخص مدى التوفيق في اختيار أي من تلك الكتب ضمن مقررات المرحلة الثانوية، باعتبارها غير معدة للتدريس على طلاب تلك المرحلة الدراسية في ضوء العصر الذي نعيش فيه. فعلي سبيل المثال: يتضمن الكتاب المقرر على المذهب الشافعي تقليلا من شأن، بل تحقيرا، لأي علم من غير العلوم الدينية الإسلامية، حيث ورد ضمن الحديث عن "شروط الاستنجاء بالحجر" وتحت عنوان "شروط الحجر" وبعد أن أوضح أن "وفي معنى الحجر الوارد كل جامد طاهر قالع غير محترم" ورد النص على "ومن المحترم ما كتب عليه اسم معظم أو علم كحديث أو فقه، قال في المهمات: ولا بد من تقييد العلم بالمحترم سواء كان شرعيا كما مر أم لا كحساب ونحوه وطب وعروض فإنها تنفع في العلوم الشرعية، أما غير المحترم كفلسفة ومنطق مشتمل عليها فلا". تقسيم البشر والتمييز بينهم: فى الجزء الثاني من كتاب (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع) المقرر على تلاميذ الصف الثاني الثانوي (أدبي وعلمي) العام الدراسي (2002/ 2003) وما بعدها، يتعلم التلميذ تقسيم البشر إلى مسلمين وكفار (غير مسلمين على الإطلاق): في فصل بعنوان (حكم استعمال أواني الكفار وأشباههم) كتب المؤلف أنه يجوز استعمال أواني المشركين إنْ كانوا لا يتعبّدون باستعمال النجاسة كأهل الكتاب، فهي كآنية المسلمين (ج 1 ص42) ومن الأسئلة المفروضة على التلميذ وعليه أنْ (يحفظ) إجابتها كي يضمن النجاح سؤال: "هل هناك فرق بين الكافر الأصلي والمرتد؟ علل ما تقول" (ص172، 213) وإذا كان الإعلام يقوم بحملة (شجب) بعد كل اعتداء على كنائس المصريين، فإنّ من يُحرّضون على هدم الكنائس والمُنفذين اقتنعوا بما درسوه في المعاهد الأزهرية. ففي فصل (مبطلات الصلاة) يتعلم التلميذ الآتي "تُكره الصلاة في الأسواق وفي الحمام وفي المزبلة وفي الكنيسة وهي معبد النصارى، وفي معبد اليهود ونحوهما من أماكن الكفر"، وهكذا يتعلم التلميذ أنّ الكنيسة مثلها مثل المزبلة. وأنّ الكنائس ومعابد اليهود من (أماكن الكفر) أي إنّ المسيحيين واليهود كفار. ولا يكتفي واضع الكتاب بهذا، وإنما يختتم هذه الفقرة قائلا: "قال (صلى الله عليه وسلم): لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (ص232) وفي فصل (صلاة الاستسقاء) يتعلم التلميذ أنه لا مانع من حضور (أهل الذمة) لأنّ فضل الله واسع و(لكن) يُكره إخراجهم للاستسقاء، لأنهم ربما كانوا سبب القحط. وفي فصل بعنوان (الوقف) يتعلم التلاميذ أنّ الوقف لا يكون في محظور. فما هذا المحظور؟ يقول لهم الكتاب المدرسي: "إنّ المحظور هو أي شيء محرّم مثل عمارة الكنائس ونحوها من متعبدات الكفار. أو كتب التوراة أو الإنجيل أو السلاح لقطاع الطرق لأنه إعانة على معصية" (ص309). ويشرح المؤلف للتلميذ أنواع القتل فيقول: "يمكن انقسام القتل إلى الأحكام الخمسة: واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح. فالأول قتل المرتد إذا لم يتب. والحربي إذا لم يُسلم أو يُعط الجزية" (ص171). هكذا يتم تحريض التلاميذ على قتل أي إنسان يراه الأصوليون المسلمون (مرتدًا) عن الدين الإسلامي. ويصر مؤلف الكتاب على التفرقة بين المرأة (المسلمة) والرجل (المسلم) فيقول: "إنّ الأنثى ناقصة عقل ودين لقوله (صلى الله عليه وسلم): (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)" (255). وعن العداء للعلم يقول النص: "لا يصح بيع كتب الكفر والتنجيم والشعوذة والفلسفة" (ج1- ص108) والوصية "لا تكون في معصية مثل كتابة التوراة والإنجيل وقراءتهما وكتابة كتب الفلسفة وسائر العلوم المُحرّمة" (390، 391). هذه نماذج قليلة من مقررات المعاهد الأزهرية التي يدرسها عدد كبير من أبناء الطبقات الفقيرة في مصر من سكان القرى والعشوائيات، والتي تشكل القاعدة التعليمية لبناء الخطاب الديني السائد. والمسكوت عنه في أمر المعاهد الأزهرية أنّ عدد التلاميذ خلال عام (94/ 95) وصل إلى مليون وستين ألف تلميذ حسب إحصاء الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتضاعف في تعداد (2005/ 2006)، أي في (10) سنوات، ثم تضاعف مرة أخرى في العام الحالي 2015. خلاصة من بحث لبيبة السيد النَّجار ‘الأزهر وإصلاح التعليم'، ضمن الكتاب 103 (تموز 2015) ‘جدل التعليم الديني: التاريخ النماذج الإصلاح' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.